Monday 30 August 2021

{الفكر القومي العربي} من جمرٍ إلى جمرٍ مع منير شفيق

من جمرٍ إلى جمرٍ مع منير شفيق

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما كنت أتمنى أن تنتهي صفحاته، ولا أن تتوقف مذكراته، ولا أن أصل إلى خاتمته، بل تمنيت أن تطول فصوله، وتتعدد مشاهده، وتتنوع روايته، وتتوسع شهادته، وتتضح رؤيته، وأن أستمر في قراءته فلا ينتهي، ولهذا عدت إلى بعض أبوابه أطرقها من جديد، وتوقفت عند العديد من عناوينه أغترف منها المزيد، وأقرأها بشغفٍ سعيدٍ، وإن كنت أقفز عليها كالعارف بها والكاتب لها، إذ حفرت في ذاكرتي أحداثها فحفظتها، وكأني عشتها وما نسيتها، لكن ما إن وصلت إلى الخاتمة، وطويت الكتاب حتى غمرني حزنٌ كبيرٌ مشوبٌ بكثيرٍ من السعادة والفرح، فقد عشت والأستاذ منير شفيق أكثر من ثمانين عاماً من عمر الوطن وحياة فلسطين.

 

من حي القطمون الراقي أمسك بيدي، وإلى القدس التاريخية أخذني، وفي المدينة المقدسة وأحيائها الراقية جُلتُ معه، فتعرفت على القدس قبل احتلالها، وعلى أهلها وسكانها قبل اغتصابها، وغصت نفسي لجمالها، وتحشرجت روحي لضياعها، ومعه انتقلت إلى حيفا ويافا، ومع أبيه عرفت مدن فلسطين التي كان بحكم مهنته يجوبها، وسعدت بالتعرف معه على رجالات فلسطين الكبار وأبطالها الشجعان، الذين أخلصوا الدفاع عن فلسطين، وضحوا في سبيلها، وكانوا صادقين في مواقفهم، وجادين في مقاومتهم، وكان من الممكن أن يبقوا فيها ويحافظوا عليها، لولا موازين القوى المختلة، وبريطانيا المحتلة، وسياساتها المنحازة.

 

تعمدت أن أقرأَ كتابه على مُكثٍ، وأن أقلب صفحاته يومياً على مَهلٍ، وقد خصصت له ساعاتٍ معينة، أردتها أن تكون له، فلا ينازعني عليه غيره، ولا يشغلني عن قراءته سواه، إذ كان سرده شيقاً، وعرضه مثيراً، وتفاصيله دقيقة، ينقلني بخفةٍ إلى عالمه، ويأخذني حقيقةً إلى حيث كان زمانه، فأعيش معه تفاصيل حياته، ودقائق يومياته، فخضت وإياه المظاهرات، ووزعت معه البيانات، ودخلت معه السجن مراتٍ، وتحديت معه المحققين والقضاة، وشعرت بعزة المقاوم وجرأة الصادق وقوة الإخلاص والتجرد، وخضت وإياه الحوارات والمناظرات، وقرأت معه كتب الفلاسفة ونظريات الاشتراكيين وأفكار الشيوعيين، وشهدت صعود القوميين وغلبة الناصريين وانقسام البعثيين، وعرفت تجارب المناضلين، وثورات الشعوب وتضحيات المقاتلين.

 

تدرج الأستاذ منير صعوداً في حياته، وقد حمل المسؤولية مبكراً، وعاش هموم وطنه صبياً قبل أن يتصدى لها شاباً وكهلاً، وما زال يحمل ثوابت فلسطين ويتمسك بها، ويصر على المقاومة ويحذر من مخاطر التخلي عنها، ويدعو إلى الانتفاضة ويراها السبيل، ويبشر بالثورة الشعبية ويعتقد أنها الوسيلة، فرأيته في البدء قبل النكسة وبعد النكبة وإلى اليوم، يدعو إلى ذات الأهداف، ويتمسك بنفس الثوابت، فما غيرته السنون، ولا فتت في عضده الأيام، ولا بدلته التحديات، ولا أثرت في نفسه الاتفاقيات والاختلافات، وما زال يؤمن بانتفاضةٍ ثالثةٍ وثورةٍ شاملةٍ ويدعو لها، فسابقاتها أضعفت العدو وحيدت أسلحته، وهزأت من جيشه الذي تحول من جيشٍ لا يهزم، إلى شرطةٍ تلاحق راجمي الحجارة وتجري وراءهم.

 

عصفته الأفكار التي كانت سائدة في عهده، أخضعها جميعها لعقله ونقده، فما اتبع هواه إلا إذا كان مقتنعاً به، وما خضع لرأيٍ أو التزم بقرارٍ يرى فيه تناقضاً مع قيمه وما نشأ عليه، إلا أن يحافظ على وحدة حزبه وسلامة جماعته، ولكنه ناقش قيادته وما سكت، وعارض أحبته وما خجل، وتحدى المتغيرات وما سكن، وعاش التطورات وما جمد، وواجه الرؤساء والزعماء وما جبن، وتمسك بمواقفه وصمد، وسجل في مذكراته صراع الأفكار وتهافت النظريات، وتنافس القوى والأحزاب، في سرديةٍ متسلسلة، ومشهديةٍ حية، تشعرك وأنت تتابعها عبر صفحاته، أنك تعيش زمانه، وتتناقش وإياه أحداثه الكبرى وتفاصيله الصغرى.

 

مذكرات منير شفيق لم تكن شخصية، بل كان فيها وكأنه فلسطين التاريخية إذ يتحدث، وشعبها إذ يروي حكايته، وأهلها إذ يقص معاناتهم، ويرفع شكواهم، ينقلها بصدقٍ، ويعرضها بإنصافٍ، ويحللها بمهنية العارف وتجربة الحكيم، ويعيد رسمها ببراعةٍ وكأن أحداثها تجري اليوم، فرأيته يتوقف في عمان بأسىً وهو يستعرض الاقتتال في شوارعها، ويعرض أسبابه ويدين أخطاءه، وقد كان من الممكن تجاوز الأزمة، وعدم الانجرار إلى الفتنة، لولا التنازع والاختلاف، وتشتت القرار وتعدد التبعيات، ولكنه يرفع رأسه عالياً ويفاخر بالكرامة، التي حشدت للثورة، وأعادت للشعب بعد النكسة بعض الكرامة، وكسرت أنف العدو حينها، وقد كان متغطرساً متبجحاً، وما زال يؤمن بحتمية كسره، ويقين هزيمته والانتصار عليه.

 

ورأيته في بيروت مفكراً وباحثاً، وكاتباً ومنظراً، وناقداً ومحللاً، له في كل حدثٍ موقفٍ، وعند كل مناسبة رأيٌ، وأمام كل نازلةٍ وحادثةٍ اجتهادٌ وفتوى، منفتح العقل، مستنير الفكر، يقلب الأفكار، ويناقش الآراء، جريئاً لا يتردد، ومقداماً لا يخاف، ولا يستنكف أن ينقلب على نفسه ويغير موقفه، وأن ينقد فكره ويراجع معتقداته، ولا يستعظم الاعتراف بالخطأ والقبول برأي الآخرين والعمل معهم، ولو كانوا أصغر منه سناً وأقل ثقافة وأحدث تجربةً، طالما أن حجتهم أبلغ وقدرتهم أكبر، وحماستهم أكثر، وإيمانهم بالقضية أصدق، ومن بين الاختلاف والتصادم، والحوار والنقاش، والأفكار ونقائضها، والتحديات وصعوبتها، كتب عشرات الكتب التي وإن ولى زمان بعضها، إلا أنها ما زالت تفيد وتنفع، وتخدم الباحث والدارس، والقارئ والمتابع.

 

آمن منير شفيق بفلسطين التاريخية كلها أرضاً واحدةً، ووطناً موحداً لشعبنا، وعمل طوال حياته تحت هذا الشعار ومن أجل هذا الهدف، فما كان كاتباً أو محاضراً فقط، ولا كان مفكراً أو مخططاً وحسب، بل جمع بين الكلمة والبندقية، وبين التنظير والتنظيم، وشارك وجمعٌ من إخوانه ورفاقه، في التأسيس لسريةٍ كان لها في فلسطين ولبنان دورٌ كبير، سجل محطاتها، وعرض نقاشاتها، وأبرز رجالها، ومجد أبطالها، ونسب لهم الفضل وما استأثر به، وحفظ لهم جهدهم وما نكرهم، وذكر مآثرهم وما جحدهم، وقد كان لسريتهم أن تواصل عملها وتستمر في رسالتها، لولا أن رأوا أن غيرها أقوى منها قد برز، وأقدر منها قد تشكل، ممن يحملون نفس الأهداف، ويؤمنون بذات المسار المقاوم والخيار الجهادي.

 

كثيرةٌ هي الجوانب المضيئة في مذكرات الأستاذ منير شفيق، التي وددت الإضاءة عليها والإشارة إليها، ولكن مقالاً صغيراً قد لا يتسع لها، ولا يفيها بالتأكيد حقها، ولعل قراءً غيري يجدون فيها أكثر مما وجدت حسناً وجودةً، وينتبهون لما لم أنتبه له وألتفت إليه، وإلى ذلك أسجل للأستاذ منير ومحرر مذكراته المرحوم الأستاذ نافذ أو حسنة، رشاقة اللغة، وخلو الكتاب من الأخطاء اللغوية تقريباً، وجمال السرد، وروعة العرض، وتنوع الأسلوب، وتسلسل المحطات وتتابع الأحداث، وحفظ الأسماء والتركيز على التفاصيل المنسية، وغيرها الكثير مما ميز المذكرات وجملها، وحسنها ونهض بها.

 

بكل الفخر والاعتزاز قرأت لك أستاذي الكبير أبو فادي منير شفيق، منك تعلمت الكثير، وإلى كتبك القديمة ومقالاتك الجديدة سأعود دوماً، إذ فيها الجديد والحكمة، وفيها الصدق والوطنية، وفيها الخبرة والتجربة، والله العظيم أسأل أن يحفظك ويطيل في عمرك، حتى  تعود إلى القدس وبيت عائلتك في حي القطمون، ويبارك لك في عقلك وفكرك، وقلمك ولسانك، فما زال لديك الكثير لتعطي، وما زلت قادراً على العطاء المبدع، والفكر الخلاق، والنقد البناء، والنصح الأخوي الصادق، حفظكم الله ورعاكم، وجزاكم عنا وعن فلسطين وأهلها خير الجزاء.

 

بيروت في 30/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh%2BDydHDxkBx0BG7TMFabWRGSPz7LGYRTJSmn3v-wHsyw%40mail.gmail.com.

Saturday 28 August 2021

{الفكر القومي العربي} دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "9"

دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "9"

المقاوم صلبٌ عنيدٌ والمحتلُ مترددٌ ضعيفٌ 

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

أثبتت التجربة الأفغانية الجديدة لنا ولغيرنا، أن المحتل دائماً في مواجهة المقاوم الصلب العنيد، الثابت الذي لا يلين، الواثق الذي لا يخاف، القوي في الميدان، والمقاتل على الجبهة، والجاهز أبداً والمتحفز دوماً، مترددٌ ضعيفٌ، مهزوزٌ يرتعش، يتراجع أمام الصمود، ولا يقوى على الثبات، ولا يستطيع فرض الشروط أو الاعتراض عليها، والمفاوضات التي خاضتها طالبان مع الإدراة الأمريكية السابقة، تشهد على عنادهم الإيجابي، وصبرهم المجدي، وثباتهم العملي، وحكمتهم البعيدة، ورؤيتهم الرشيدة، كما تشهد على مرونتهم بلا ضعفٍ، وعلى مناورتهم بلا تنازلٍ، وعلى تعنتهم العاقل وإصرارهم الواعي، مما حقق أهدافهم، وأوصلهم بنجاحٍ إلى غاياتهم.

 

تعلمون أن الذي فاوض طالبان وساومهم، ليس العاقل العجوز جو بايدن، وليست إدارته المسؤولة المختصة، التي تدير ملفاتها بحكمةٍ وعقلانية، وبعلميةٍ ومنهجيةٍ، وإنما الرئيس دونالد ترامب، المتغطرس المتكبر، المتعجرف المغرور، الأهوج المجنون، فهو الذي قدم لهم التنازلات، ونزل صاغراً عند شروطهم، واستمع صاغياً إلى عروضهم، وهو الذي أجابهم إلى ما طلبوا، والتزم أمامهم على ما وقعوا، ولعل الانتصار على المتعجرف يختلف، وكسر المتكبر وتمريغ أنفه بالتراب لا يشبهه نصرٌ آخر، ولهذا فلا تستصغروا ما فعلوه، ولا تستخفوا بما حققوه، ولا تبخسوهم انتصارهم، ولا تجردوهم من قدراتهم وإمكانياتهم.

 

مما يجب أن نتعلمه من تجربة حركة طالبان التفاوضية، إصرارهم المطلق على مطلبهم الوحيد غير القابل للتغيير أو التبديل، أو التعديل والتدوير، أو المساومة والتخيير، الذي كان هو مطلبهم الأول والأخير، منذ الجلسة الأولى للمفاوضات حتى آخر يومٍ فيها، على مدى ثلاثة سنواتٍ من عمر المفاوضات، وهو خروج القوات الأمريكية والأجنبية من البلاد، وتفكيك مقراتها، وإخلاء ثكناتها، وانسحاب كل المنتسبين إليها والعاملين معها، جنوداً وخبراء ومستشارين، ومتعاقدين وفنيين وإعلاميين وغيرهم، وهي القوات التي وصفوها بأنها قوات احتلال، وأصروا على أن تخرج من كل أفغانستان بلا شروطٍ مقيدة، وتتحرر منهم بلا عودة.

 

رفضت طالبان أن تخوض مع الأمريكيين في أي موضوعٍ آخر، أو أن تنتقل إلى ملفٍ جديدٍ، وقد حاول الأمريكيون إغراق الطاولة بعشرات الملفات الأخرى، وطالبوا بضماناتٍ وتسهيلاتٍ، وبالتزاماتٍ وتعهداتٍ، سواء مما له علاقة بهم، أو بما يمس حقوق الإنسان، والعلاقات مع دول الجوار، وشكل الحكم القادم وطبيعته، إلا أن حركة طالبان أمت آذانها عن كل المواضيع الأخرى، ورفضت النقاش فيها، وأصرت على الانسحاب الصريح والخروج الكامل، ورفضت إطلاق الانسحاب دون موعدٍ، ورفضت إطالة أمده، وأصرت على خروج الأمريكيين جميعاً في وقتٍ واحدٍ غير قابلٍ للتمديد أو الإرجاء، فلا يبق منهم بعد انتهاء موعده في البلاد أحد.

 

أصرت طالبان على تسمية ممثليها في التفاوض بنفسها، وجاءت بهم بالقوة من سجونهم في باكستان وغوانتانامو وبانجرام وكابل وغيرها، وفرضتهم جميعاً على الطاولة في مواجهة سجانيهم ومحتلي أرضهم، ورفضت الخضوع إلى التصنيفات الأمريكية أو التمييز بينهم، بين عسكريٍ وسياسي، ومعتدلٍ ومتشدد، ومقبولٍ ومرفوض، وقالت بأن هذا هو وفدها المفاوض، ولا يحق لأحدٍ أن يتدخل فيه تسميةً أو اعتراضاً، وفرضاً أو إقصاءً، ورفضت القبول بأي مرشحين جددٍ أياً كانت هويتهم أو الجهة التي اقترحتهم، أو أوصت بهم ونصحت بمشاركتهم.

 

حافظ ممثلو حركة طالبان خلال جلسات الحوار وجولات التفاوض، على سمتهم البسيط وهيئاتهم العادية، وعاداتهم الوطنية وأسمالهم الشعبية، ولم تبهرهم الفنادق والضيافات الفارهة والخدمات المميزة الرائعة، ولم يظهروا في بهوها يحتفلون، ولا في أروقتها يتسكعون، ولا في حدائقها يتنزهون، ولا في ملاعبها ومسابحها وساحاتها يلعبون ويسبحون، أو يلتقطون الصور وعلى الدراجات يتسابقون، بل بالغوا في إظهار زهدهم وعفافهم، فما قبلوا هدية ولا رحبوا بمنحة، ولا أظهروا ميلاً لدعةٍ أو جنوحاً لتسليةٍ، وبقوا جادين في حضورهم، ومشغولين فيما بينهم، حتى حار العدو والوسيط فيهم، كيف يغريهم أو يؤثر فيهم، أو يضغط عليهم ويضعفهم، إذ ما تركوا خلفهم اثراً يدينهم، ولا أتاحوا لهم الفرصة لأن يسجلوا لهم أصواتاً أو صوراً مشينة تسيئ إليهم، تمكنهم من ابتزازهم والتأثير عليهم، وتمرير ما يشاؤون من خلالهم.

حاول الأمريكيون نقل جلسات الحوار من العاصمة القطرية الدوحة إلى عواصم أوروبية متعددة، أو إلى عواصم عربية أخرى، وهيأت لهم الفرصة لعروضها وزينتها لهم، ولكن حركة طالبان أصرت على مواصلة الحوار في مكانٍ واحدٍ، وأصرت على أن يكون في قطر فقط، ورفضت كل الدعوات المباشرة لها أو عبر الأمريكيين، لنقل المفاوضات إلى أماكن أخرى، واعتبرت ذلك ترفاً لا لزوم له، وكان المفاوضون الأفغان يعودون إلى مقرات إقاماتهم السابقة التي كانت معدة لهم، وترفض المبيت أو الإقامة في أي فندقٍ أو مضافةٍ يجمعهم مع الأمريكيين، لئلا تجمعهم خارج أروقة الاجتماعات مع أيٍ من الأمريكيين لقاءاتٌ مصادفة، أو دردشاتٌ جانبيةٌ، وهو الأمر الذي كان يتمناه الأمريكيون ويخططون له، لكن المفاوضين الأفغان كانوا حذرين منه فلم يقعوا فيه.

 

لا نتكبر ولا نتعجرف، ولا نتعالى ولا نتفلسف، ولا نرفض الاستفادة ونعرض عن التعلم، فالحكمة ضالة المؤمن، أنَّى وجدها فهو أحقُ بها، فالإنسان يموت وهو يتعلم، ولو إلى الصين يرحل ليتعلم، ولا نتعامل مع الأفغان بماضيهم، ولا نحكم عليهم بما لم يعد فيهم، ولا نستخف بهم، ولا نقلل من شأنهم، ولنقبل جديدهم، ولنرحب بتغييرهم، ولنساعدهم على الثبات والمواصلة، والتطوير والمراكمة، ولنعترف بأن تجربتهم رائدة، وخبرتهم جيدة، ونصرهم يثلج الصدور ويسعدنا، ويحقق الكثير من أمانينا، فقد حققوا هدفاً رفعناه، وغايةً عملنا لأجلها، إذ طردوا الغرب والأمريكان من بلادهم، وطهروها من رجسهم، وأنقذوها من مكرهم، وبشرونا بغدٍ في بلادنا يشبههم، أفلا نفرح لهم ومعهم، ونتعلم منهم ونستفيد من تجربتهم.

 

بيروت في 29/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojhh%2BrX9MBEzp6q2On%3Df4Z2BqozJUBJ2etyTiMobHwscvA%40mail.gmail.com.

Friday 27 August 2021

{الفكر القومي العربي} دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "8"

دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "8"

الانهيارُ الكليُ للشرقِ الأوسطِ الجديدِ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لما كانت أفغانستان هي اللبنة الأولى في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أعلن عنه جورج بوش الابن، إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام ٢٠٠١، التي استغلها في تنفيذ مشاريعه، وتحقيق أحلامه، التي وصفها بأنها تعاليم ربانية وأوامر إلهية، على الرغم من أنها دموية وحشية، وعدوانية ظالمة، واستعمارية مدمرة، لا عدل فيها ولا مساواة، ولا إنصاف فيها ولا اتزان، حيث بدأ مشروعه الاستعماري الكبير بغزو أفغانستان، بعد أن شكل معه حلفاً دولياً من أكثر من خمسين دولة، وأعلن عزمه إسقاط حكم طالبان، وتفكيك القاعدة، واستئصال الإرهاب، وتصفية أعداء أمريكا، الذين وصفهم بمحور الشر، واعتبر من لا يقف معه أو لا يؤيده في محوره الجديد ولا يقاتل إلى جانبه، أنه جزءٌ من محور الشر ينبغي استهدافه ومحاصرته، ومحاكمته ومعاقبته.

 

كان غزو أفغانستان هو إشارة البدء في انطلاق مشروع الخراب ومسلسل العدوان، الذي أسس للفوضى ونثر بذور التطرف والإرهاب في كل أنحاء الدنيا، وهو المشروع الشيطاني الذي ما زلنا نعاني منه ونشكو من آثاره وتداعياته، وندفع الكثير بسبب نتائجه واستمراره، إذ لم يكن سوى عملاً أهوجاً وحروباً طائشة، وعدواناً مزاجياً وأحلاماً دموية، وقد تولى كبره وقاد مسيرته شياطينٌ كبارٌ ومردةٌ مجانين، تقدمهم جورج بوش الابن، ومعه رئيس الحكومة البريطانية الأسبق طوني بلير، وساعدهم الكثير من صغار الشياطين أمثال مادلين أولبرايت، ودونالد رامسفيلد، وكولون باول، وبول ولفويتس  وغيرهم.

 

تبع احتلال أفغانستان الكثير من الأحداث الدامية والحروب المأساوية، التي لا يمكن وصفها سوى أنها عبثية مجنونة، استهدفت الشعوب والبلاد، وخربت الأوطان وقوضت السلطات، ونهبت الخيرات وأهدرت المقدرات، وأدخلت المنطقة كلها في دوامة عنفٍ وصيرورة خرابٍ لم تنتهِ، ومنها إعطاء رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرئيل شارون الضوء الأخضر لاجتياح المنطقة المصنفة "A" في الضفة الغربية وكل مدنها، وقد استغل شارون الضوء الأخضر الأمريكي والظروف الدولية السائدة، والتي وصفت حينها بأنها مواتية للكيان ومتناسبة معه، فواصل اعتداءاته على كل مساحة الضفة الغربية، واستهدف المباني والمؤسسات الحكومية، والمقار والمراكز الأمنية، واعتقل الآلاف من أبناء الضفة الغربية، واضعاً حداً نهائياً لتصنيفات وهم وسراب اتفاقية أوسلو.

 

لم يكتفِ شارون باستباحة الضفة الغربية ومدنها، بل أقدم على حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مكتبه بمقر المقاطعة في مدينة رام الله، وعاثت دباباته وجرافاته خراباً وفساداً في محيط مكتب الرئيس عرفات، قبل أن يتخذ والمتعاونون معه قراراً بتسميمه وتصفيته، بعد أن تأكد له رفع الغطاء الدولي والعربي عنه، وقد تم ذلك كله بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي سمح له بتقويض ما كان، والتأسيس لواقعٍ جديدٍ يقوم على القوة والخضوع، وينسجم مع مخططات الشرق الأوسط الجديد، الذي سينعم -وفق معتقداته- من توافق معه ولم يعترض عليه بالخيرات، وإلا فسيكون ملعوناً يرجم، وعدواً يقتل، وفي السياق نفسه والمرحلة ذاتها، أجهض بوش وشارون مبادرة السلام العربية، وأعلنا رفضها وأنها لم تعد تناسب الشرق الأوسط الجديد.

 

تابع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش جنونه، وواصل عدوانه، فغزا العراق ودمره، وخربه وقوضه، وفكك جيشه وحل مؤسساته، وزرع فيه الفتنة، وأسس فيه وحوله لحروبٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ لم تنتهِ فصولها بعد، ولم يبرأ العراقيون منها، ولم يشفوا من جروحها الغائرة ودماملها الخطيرة، وقد كان تدمير العراق شرطاً أساسياً في مشروعه، وجزءً مهماً من خطته، فالعراق تاريخياً كبيرٌ في مهمته، قويٌ في جيشه، قوميٌ في موقعه، صادقٌ في مواقفه، كما أن قدراته ضخمة، وثرواته هائلة، وطموحاته كبيرة، واستعداداته لخوض المعارك والانتصار في الحروب كبيرة، وهو ما كان يقلق الإسرائيليين ويخيفهم، ولهذا كان تدميره ممنهجاً، وتخريبه مقصوداً، وإشعال الفتنة المذهبية فيه ضرورياً، وإلا فإن العراق سينهض من كبوته سريعاً، وسيخرج من محنته معافىً، وسيعود إلى سابق مجده قوياً رائداً مقداماً.

 

واصل المخططون للشرق الأوسط الجديد مؤامراتهم، وعمدوا إلى توسيع دائرة خرابهم، فتوجهوا نحو سوريا فهددوها، ورئيسها فحذروه، وحدودها فاجتاحوها، وسيادتها فانتهكوها، واستعرض كولون باول أمامه متغطرساً قوة جيشه وسطوة بلاده، وعرض عليه الخضوع والامتثال، والتبعية والانقياد، والاستجابة إلى الشروط والقبول بالمعروض، والتخلي عن المقاومة وطرد قادتها، والتضييق عليها وعدم مساعدتها، وإلا فإن ما أصاب العراق سيصيبهم، وما حل بأهله سيحل بشعبها، والصورة اليوم على ما هدد خير شاهد، والدمار على ما قال أصدق عبرة، إلا أنه وجد من سوريا صدوداً، ومن قيادتها إعراضاً، وكان المخططون للدمار قد وضعوا سوريا كما العراق في مقدمة أهدافهم، وعلى سلم أولياتهم، وقرروا إضعاف البلدين وتفكيكهما، وحل جيشهما وتدميرهما، وخلق المشاكل والأزمات لهما، وإشغالهما بأنفسهما.

 

سقط الركن الأول، وإنهار الصرح الأكبر، وتزلزل البنيان غير المرصوص بفشل المشروع الأمريكي الغربي الإمبريالي في أفغانستان، وانسحب الغرب وخزي الأمريكان، فتبددت الأحلام وغارت الآمال وانتهت المخططات، ولم يعد وجود للمولود الميت المسمى الشرق أوسط الجديد مكانٌ، فهل تسقط كل الحجارة الأولىمن بعده، ويتوالى دومينو الانهيار بعد أفغانستان، فيكون الانسحاب المدوي من العراق، والفشل المهول في سوريا، وتكون الخاتمة عليهم وخيمة سخيمة، وعلينا طيبة سعيدة، فينهار المشروع الصهيوني وينتهي كيانهم ويتفكك، ولا يعود له وجودٌ ولا ضرورة، ولا وظيفة ولا منفعة، ويتخلصون منه ويبتعدون عنه، فهو الأكثر ضرراً والأسوأ كياناً، وهو أساس كل فتنة وسبب كل نكبة.

يتبع....

بيروت في 28/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojiv4WOs%3DZR%2BPp246-rgo5zbZQuSOWj%3DEgqKg%3D%2BgP31Mkw%40mail.gmail.com.

Thursday 26 August 2021

{الفكر القومي العربي} دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "7"

دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "7"

اليومَ أفغانستان وغداً وسوريا والعراق

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يأت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عن رضى نفسٍ وطيبِ خاطرٍ، ولا هو بسبب يقظةِ ضميرٍ أو إحساسٍ بالندم، أو رغبةً منها في منح الأفغان حقوقهم والسماح لهم بإدارة شؤونهم، بعد اطمئنانهم إلى قوة السلطة التي بنوها، والحكومة التي أنشأوها، والجيش الذي أسسوه ودربوه وأهلوه وسلحوه، أو نزولاً عند القانون الدولي والتزاماً بأنظمة الأمم المتحدة التي تمنع الاحتلال وتحارب العدوان، ولا هو نتيجة تفاهمٍ سريٍ بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان، وإن كان شكله العام يدل على اتفاقٍ بين الطرفين عامٍ ومعلنٍ، بل جاء قرارها بالانسحاب من أفغانستان عنوةً، وإخراج قواتها منها بالقوة، والتخلي عن أحلامها فيها مرغمةً، نتيجةً لحسابات المكسب والخسارة، بعد أن تفاقمت الكلفة، وارتفعت فاتورة البقاء، وكثر عدد قتلاهم، وزادت شكوى مواطنيهم، وتأخر الحسم وتعذر النصر.

 

غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان عام 2001، وقد عزمت على طول البقاء واستمرار الاحتلال، ووطنت نفسها وبنت تحالفها مع شركائها في أوروبا وكندا وأستراليا، وأقنعتهم بسهولة المهمة، وعدم وجود كلفة، وأغرتهم بالمكاسب والمنافع، وبالفوائد والامتيازات، وباشرت بعد قصفها المهول لكل مكانٍ في أفغانستان، استخدمت فيه أشد ما في ترسانتها العسكرية من أسلحةٍ مدمرة، وقنابل مروعة، بقتل المواطنين الأفغان وتدمير بلادهم، ونهب خيراتهم وثرواتهم، واستخدمتهم لتطويع الجيران وترهيب الآخرين، وتبرير عدوانها وتشريع احتلالها، ومضت على سياستها العدوانية عشرين عاماً متوالية، لم تتعظ خلالها من تجربتي انجلترا والاتحاد السوفيتي، اللذان انسحبا من أفغانستان هرباً، بعد أن دفنوا فيها أحلامهم وأطماعهم.

 

رفض الأفغان احتلال بلادهم، وحملوا البندقية دفاعاً عنها، وقاتلوا الأمريكيين وحلفاءهم، وقاوموا وجودهم وهاجموا تجمعاتهم، واستهدفوا مصالحهم وفجروا مقراتهم، ولم يجبنوا عن مواجهتهم أو يترددوا في قتالهم، بحجة اختلال موازين القوى، وتفوق الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عليهم بالسلاح نوعاً وكماً وفتكاً وتدميراً، ورفضوا الاستسلام أمامهم، أو تشريع احتلالهم، أو القبول بالحكومات التي نصبوها، وبالسلطات التي بنوها، بل أصروا على مواصلة قتالهم، وتحدي عدوانهم، والصبر على إيذائهم، ولم تغرهم العروض الأمريكية، ولم يقعوا في شباكهم وحبائلهم، رغم اشتداد محنتهم وتعاظم خسائرهم البشرية.

 

أدركت الولايات المتحدة الأمريكية، أنه لا قِبَلَ لها بمواجهة شعبٍ يرفضها، وأرضٍ تلفظها، وقوىً تقاومها، وإرادةٍ تتحداها، ومجهولٍ ينتظرها، وتأكد لديها أن هذه المقاومة لا تنكسر، وأن هذا الشعب لا يستسلم، وأن هذه الأرض يوماً لم تخضع، وأنها أبداً لغير أبنائها لا تذعن، وقد زادت خسائرهم وتعاظمت، وكثر قتلاهم واشتكى أهلهم، ولم يعد أمامها من سبيلٍ سوى الرحيل والمغادرة، قبل أن تسوخ أقدامها أكثر، وتتورط في أرضٍ بعيدةٍ عنها أكثر، بما يذكرها بهزيمتها في فيتنام وخسائرها فيها، ورحيلها الذليل منها، وانسحابها المخزي من أرضها، وتخليها المعيب عن أعوانها وعملائها.

 

هذا هو مصير الولايات المتحدة الأمريكية، المتغطرسة المستكبرة المستعلية، الظالمة القاتلة المعتدية، فقد أفل نجمها وخبا بريقها، وبدأت قوتها تضعف، وامبراطوريتها تتفكك، ولم تعد قادرة على تحقيق أحلامها وتنفيذ رغباتها، وسيأتي اليوم الذي تغيب فيه شمسها عن بلادنا، وترحل جيوشها من أرضنا، فلا شرعية لها، ولا حاجة لنا بها، ولا مصالح لنا تجمعنا معها، فهي تضرنا ولا تنفعنا، وتنهبنا ولا تمنحنا، وتتآمر علينا ولا تخدمنا، ووجودها في بلادنا دمارٌ وخرابٌ، وسياستها ضدنا حربٌ وحصارٌ، جرت علينا الكوارث وتسببت لنا بالويلات، في سوريا والعراق، كما في فلسطين ودعمها للكيان والإرهاب، وفي أفغانستان وقتلها للعباد.

 

لن يقف الأمر عند انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فقط، فكما انسحبت منها وهي تجر أذيال الخيبة، وتتعثر في خطاها، وتغطي وجهها مكسوفة، وتبرر لنفسها فعلتها ولشعبها ضعفها، فإنها ستنسحب عما قريبٍ من العراق أيضاً مرغمةً ذليلةً، خاسئةً حسيرةً، وقد قال شعبه كلمته، وطالبها عبر برلمانه بالخروج من بلادهم، وإلا فإن مقاومة الشعب العراقي الجسورة ستخرجهم، وقواه الحرة ستطردهم، وفصائله المسلحة ستجبرهم على سرعة الرحيل وعجلة السلامة، وقد جربت بطشهم وذاقت مرارة فعلهم، وتعرف قدراتهم وتدرك بأسهم، وتعلم أنهم يتحرقون شوقاً لقتالها، ويتمنون نزالها.

 

أما مصيرهم في شرقي سوريا فلن يكون أحسن حالاً مما وجدوه في أفغانستان، ومما قد يجدونه في العراق، فقد ارتكبوا في سوريا جرائم كبيرة، واحتلوا شطراً من أرضها، وعاثوا فساداً في بلادها، ونهبوا خيراتها، وسرقوا نفطها، وكذبوا إذ ادعوا محاربة داعش ومطاردتها، وهم الذين ساهموا في تأسيسها، وساعدوا في انتشارها، واستخدموا لمآربهم، ووظفوها لمصالحهم، فعليهم أن يتوقعوا عاقبة أمرهم ونتائج عدوانهم، إما رحيلاً مخزياً أو طرداً مكلفاً.

 

جِبلة الاحتلال واحدة، وطباعهم لا تختلف، فهم يستضعفون الأمم ويستقوون على الشعوب، ويستخدمون الأنظمة، ويسترقون الأجراء والعبيد لخدمتهم والعمل لمصلحتهم، ويبقون ما ضمنوا الحياة وأمنوا الخسارة، ولكنهم في اللحظة التي يشعرون فيها بفداحة الثمن، وارتفاع كلفة الاحتلال، وتفاقم الخسائر، وزيادة عدد القتلى والمصابين، فإنهم حينها يقررون الرحيل، ويعجلون بالانسحاب، وقد يغلفون فضيحتهم ببعض أدوات التجميل ووسائل التخفيف، إلا أن الحقيقة أن هذه الخاتمة هي مآلهم، وهذا الرحيل هو مصيرهم، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.

 يتبع....

بيروت في 26/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjitLbNaf%3DbTRiFf%3Dg5qtJsapJ75LXch0VaJjsj3FBmYjw%40mail.gmail.com.

Wednesday 25 August 2021

{الفكر القومي العربي} دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "6"

دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "6"

المخاوفُ الإسرائيليةُ والتحدياتُ الوجوديةُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يعتبر الإسرائيليون أنفسهم بمنأى عما يحدث في أفغانستان، أو أنهم غير معنيين بها أو متضررين منها، كونها تقع بعيدة عنهم، ولا تشكل خطراً عليهم، ولا تؤثر على أمن كيانهم ولا على سلامة مستوطنيهم، ويلزمها الكثير من الجهد والوقت لتخرج من أزماتها، وتقف على أقدامها، بل وجدوا أنفسهم متأثرين بها جداً، ومتضررين من انعكاساتها كثيراً، ومتخوفين من تداعياتها أكثر، فقد جرت الرياح فيها بما لا تشتهي سفنهم، وبما تتعارض مع مصالحهم، فأقلقتهم على مصيرهم، وأهمتهم على مستقبلهم، ودفعت كبار مسؤوليهم للتعبير عن مخاوفهم، والتحذير من تداعيات الانسحاب الأمريكي الصادم منها.

 

وصف مسؤولون إسرائيليون كبار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بأنه يشبه انسحابها من لبنان عام 2000، وهو الانسحاب الذي مكن حزب الله في الجنوب اللبناني على حدودها الشمالية، وجعل منه عدواً شرساً لها، يهدد أمنها، ويستهدف وجودها، ويعرض مصالحها للخطر، حتى بات اليوم من القوة والتمكين ما جعل أمن الشمال مهدداً على مدى الساعة، إذ يستحيل استئصاله أو نزعه من محيطه ونسيجه الاجتماعي الذي انتشر فيه وتوسع.

 

لم يخفِ بعض الإسرائيليين حقيقة شعورهم من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ووصفوه بأنه انسحابٌ متسرعٌ مذلٌ مهينٌ وفوضويٌ، وأنه تم بالإكراه لا بالتراضي، وشبهوه بانسحابهم من جنوب لبنان، الذي تم بسرعةٍ وخفيةٍ ومذلةٍ، حتى أنهم لم يجدوا الوقت لجمع معداتهم وتفكيك معسكراتهم، والتخلص من بقايا وجودهم الطويل في لبنان، ولعل هذا الصورة منطبعة بقوةٍ لدى الكثير من جنودهم العائدين من لبنان، وهي صورة مؤلمة لا تنسى من ذاكرتهم، ولا تشطب من مخيلتهم، بدليل أن الكثير منهم اضطر لزيارة الطبيب النفسي للجيش لأكثر من مرةٍ، وبعضهم سرح من الجيش ولم يعد صالحاً للخدمة فيه.

 

لكن وزير الحرب السابق موشيه يعالون كان أكثر صراحةً ووضوحاً عندما قال "إن سيطرة طالبان على أفغانستان سيؤثر على أمن وسلامة بلادنا"، وأضاف "رغم أن أفغانستان تقع بعيدة عنا، إلا أن لسيطرة طالبان عليها تداعيات خطيرة علينا"، واعتبر أن انسحاب أمريكا السريع والمفاجئ من أفغانستان، دون ترتيب الأوضاع فيها أمرٌ مقلقٌ جداً ويضر بهم، رغم أن حكومته ارتكبت الخطأ نفسه في لبنان عام 2000، وانسحبت بالليل بسرعةٍ ودون تنظيمٍ، وخلفت وراءها آلاف المتعاونين معها، دون أن تقوى على حمايتهم أو ضمان سلامتهم، بعد أن عجزت عن نقل أو اصطحاب أغلبهم معها.

 

وفاقم مخاوفَ الإسرائيليين اللقاءاتُ التي جمعت قيادة حركة طالبان مع قيادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، والتقارير التي تفيد بعمليات التنسيق وتبادل الخبرات بينهم، وحالة الفرح والسعادة التي بدت على قيادة حماس ومناصريها، والتي عبر عنها بيان تهنئتها لحركة طالبان، والرسالة التي أرسلها رداً عليهم رئيسُ مكتبهم السياسي الملا عبد الغني برادر إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ إسماعيل هنية، التي أبدى فيها تضامن حركته مع حماس، ودعمها للقضية الفلسطينية، واستعدادها للقتال إلى جانب الفلسطينيين، حتى يحققوا أهدافهم ويحرروا وطنهم.

 

كما أقلق الإسرائيليين كثيراً الرسائلُ الإيجابية المتبادلة بين حركة طالبان وإيران، التي استضافت قيادتهم، وأكرمت وفادتهم، وأحسنت نصحهم، وحرصت على توجيههم، وقدمت لهم التسهيلات التي تلزمهم، وربما أمدتهم بما ينقصهم، أملاً في تصحيح مسارهم وكسب ودهم، وقد بدا فعلاً أنهما تجاوزا خلافاتهما، ونسيا سنوات الجفاء بينهما، واتفقا على التعاون المشترك والتنسيق الدائم، وحفظ أمنهما وسلامة حدودهما، بما يحقق مصالحهما المشتركة والعامة، وهو ما يغيظ الإسرائيليين ويخيفهم، ويقلقهم من تنامي نفوذ إيران واحتوائها أفغانستان كما اليمن والعراق.

 

بعض الإسرائيليين يتهمون الإدارة الأمريكية بأنها المسؤولة عن توسيع محور "الراديكاليين"، وأنها بانسحابها غير المنظم، أظهرت ضعفها وأعطت الضوء الأخضر لإيران وحلفائها للحلول مكانها والاستفادة من غيابها، وهو ما من شأنه أن يزيد من قوة إيران ومحورها، الذي يدعو إلى إزال دولة إسرائيل، ويعمل على إرهاقها المستمر وتوترها الدائم، ويبدو من خلال الأيام القليلة الماضية، التي تلت انسحاب القوات الأمريكية، وسيطرة حركة طالبان على معظم الأراضي الأفغانية، أن إيران قد بدأت بنسج علاقاتها مع أفغانستان الجديدة، فأجرت لقاءات حدودية مع طالبان، وأعلنت استعدادها لتزويدها بالكهرباء، والآتي سيكون أكبر وأعظم.

 

ليس من المستبعد أبداً أن تصبح أفغانستان قاعدة جديدة لحركة حماس على وجه الخصوص، التي ستتعدد فوائدها من سيطرة حركة طالبان عليها، وهي التي التقت قيادتها على مدى سنواتٍ خلال إقامتهما المشتركة في قطر، ونسجت معها علاقاتٍ متينةٍ، يمكن وصفها بأنها طبيعية ومتوقعة، كما أن رصيد حركة حماس سيزيد لدى حلفائها، المعنيين بها والمستفيدين من علاقاتها، والمتطلعين إلى توسيع محور المقاومة، إذ أن من صالح إيران أن تطمئن إلى سلامة أمنها وضبط حدودها مع أفغانستان، وهذا ما يمكن لحركة حماس أن تلعبه بقوة، وأن تحقق فيه نجاحاتٍ كبيرةٍ، تحسب لها وتزيد في رصيدها.

 

ليس من صالح الكيان الصهيوني أن تتغير حركة طالبان، وأن تصبح حركةً ثوريةً نضاليةً متحررة، وأن تنظم إلى المحور المعادي لها، وأن تتخلى عن صورتها القديمة وشكلها السابق، فلا تتهم بالإرهاب ولا توصف بالتطرف، ولا يعود ينظر إليها العالم على أنها حركة ظلامية متشددة متطرفة، وتتوقف عن عزلها وحصارها، وتبدأ في نسج علاقاتها الدولية وبناء تحالفاتها الإقليمية، وتتمكن من الحصول على الاعتراف الدولي والتعاون الاقتصادي والسياسي، فهذا مؤشرٌ خطيرٌ وإنذارٌ كبيرٌ يتهددها، ويحرض الآخرين عليها، ويشجع "الإسلام الراديكالي" ضدها، فهي عمقٌ جديدٌ للمحور المعادي لها، وهي أرضٌ غنية بالإمكانيات وزاخرة بالثروات، ولديها قدرات عسكرية وتجارب قتالية عالية ومتنوعة.

يتبع....

 

بيروت في 25/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojg0NYHynpR%3DEPWSTQFYAUoOb%2BDAcJ4u81KKO5aovhiR_A%40mail.gmail.com.

Tuesday 24 August 2021

{الفكر القومي العربي} ذات يوم..24أغسطس 1973مصرع الليثى ناصف بسقوطه من شرفة شقته فى لندن وزوجته تتصل بالملكين «حسين» و«الحسن» من أجل دفنه – مجلة الوعي العربي



{الفكر القومي العربي} دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "5"

دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "5"

مخاوفٌ مشروعةٌ وهواجسٌ مبررةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما زال الحدث الأفغاني هو الحدث الأبرز والأكثر صخباً، وهو الأكثر حضوراً وتحليلاً في الأوساط السياسية والإعلامية، ولدى الأنظمة والحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان وغيرها، فضلاً عن المراقبين والمتابعين من العرب والمسلمين الأكثر تأثراً بما يحدث، فهم وغيرهم غير قادرين على استيعاب ما جرى، أو القبول بما آلت إليه الأوضاع في أفغانستان، والاطمئنان إلى الواقع الجديد والتسليم به، ولديهم ما يبرر خوفهم ويجيز قلقهم، ويفرض عليهم الاهتمام بمجريات الأمور وتطور الأوضاع في هذا البلد، رغم أنه نائي عن بعضهم وبعيد، إلا أن ماضيه الأليم حاضر، والصورة القاتمة التي رسمت فيه ما زالت عالقة في الأذهان ولم تنسَ.

 

فقد هالهم جميعاً تتابع الأحداث وتوالي المستجدات، وأربكهم وصدمهم، وأيقظ عندهم جميعاً المخاوف القديمة والهواجس المخيفة، التي ارتبطت بها حركة طلبان وعُرفت بها، وعانى منها شعبها والعالم، إذ ذاقوا المر خلال فترة حكمها وسنوات سيطرتها، وشكوا من سياستها، وعانوا من أفكارها، وتعقدت حياتهم نتيجة تطرفها المفرط وتشددها المنفر، حتى غدت نموذجاً مكروهاً ومثالاً منبوذاً، وتجربةً سيئةً تمنوا لو أنها ما كانت، بالاستناد إلى المظاهر السلبية التي خلقتها، والسلوكيات العجيبة التي مارستها، والقوانين الظالمة التي فرضتها، والأفكار المتطرفة التي صدرتها، والمجموعات التكفيرية التي كونتها وآوتها، وساعدتها وأيدتها.

 

لهذا يعُذرُ كل من شكك في الحركة وخاف منها، وتوجس من سياستها وقلق على المستقبل في ظلها، أو لم يصدقها ولم يطمئن إليها، فهي لم تستطع بعد أن تغير الصورة النمطية التي خلفتها سنوات حكمها، فقد كانت حركة ظلامية متطرفة متشددة، مستبدة ظالمة منحرفة، قيدت الحريات، وحاربت الأفكار، وانتهكت حرية الإنسان، وعادت الجوار، وانبتت عن المحيط، وألبت المجتمع الدولي كله ضدها، وخسرت الأصدقاء والحلفاء، وفقدت المحبين والمناصرين، وغدت تتصرف مغالاةً وكأنها خليفة الله عز وجل على أرضه، تحاكم وتجرم وتخون وتكفر وتقتل، وتشرع ما تريد وتفرض ما يحلو لها، فأرهبت شعبها وخوفت أهلها، وشوهت ديننا وأضرت بسمعة إسلامنا.

 

يجب على حركة طالبان أن يتسع صدرها لكل هذه الانتقادات، وأن تغفر لمن شك فيها واتهمها، ولمن لم يثق فيها وكذبها، ولمن يخشى عليها ويتمنى صدقها، ولمن يرجو صلاح أمرها وتغير حالها، وعليها أن تبرر للجميع مخاوفهم وتقبل منهم هواجسهم، فماضيها يصعب تجاوزه، وسياستها القديمة يتعذر نسيانها، والطريقة التي تمت فيها السيطرة على البلاد مثار شبهةٍ وموضع اتهام، فأمريكا ليست سهلةً ولا بسيطةً، وليست جاهلةً أو سفيهةً، فهل من اتفاقياتٍ سريةٍ بينهما، وهل هناك شروط التزمت بها، ومهامٌ ستقوم بها بالنيابة عن الأمريكيين، وهل ما حدث على الأرض هو عملية استبدال للأدوات وتغيير للموظفين فقط، وأنها ستفي لأمريكا بما طلبت، وستلتزم تجاهها بما تعهدت.

 

وهل ستحافظ الحركة على حقوق الإنسان، وتحترم مواطني بلادها وتصون كرامتهم وحريتهم، وعلى وجه الخصوص المرأة الأفغانية التي اضطهدت في عهدهم الماضي وظلمت، وعانت وأهينت، وسجنت في بيتها وضربت بتهمة نشوزها، وهل ستعود إلى ضوابطها المسلكية وشروطها الحديدية المتعلقة بالهيئة العامة واللباس، وإطلاق اللحى للرجال، وفرض النقاب على النساء، وحرمانهن من التعليم والعمل، ومن التجول والتنقل، وإكراههن على الزواج صغيراتٍ، ومعاقبتهن على استخدام الزينة أو ظهورهن في الأماكن العامة، وغير ذلك مما فرضته على سكان البلاد من شروطٍ وقيودٍ وصفت بأنها مذلةٍ ومهينةٍ.

 

وهل ستلتزم بتشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ جامعةٍ، تشارك فيها كل الاثنيات والقوميات والمذاهب، ولا تستثني أي مكونٍ أفغاني إلا أن يختار بنفسه عدم المشاركة، أم أنها ستعود فتستأثر بالحكومة وحدها، وتفرض نظامها الخاص وتصورها القديم للسلطة، وتعيد مجالس الشورى وأهل الحل والعقد العقيمة في البلاد، وبذا تؤسس من جديدٍ لنظامٍ قمعي شمولي ديكتاتوري، كذاك الذي كان قديماً وكان سببا في انفضاض الشعب من حولهم، وتخلي العرقيات الأخرى عنهم، وتأليب المجتمع الدولي ضدهم.

 

وهل ستحترم دول الجوار وشعوب المنطقة، فتسالمهم وتعاهدهم، وتضمن أمنهم وسلامة أراضيهم، ولا تستخدم بلادهم بما يضر بأمنهم أو يفسد حياتهم، وتعلم أن أمنها من أمنهم، وأن استقرار بلادها من استقرار بلادهم، وتلتزم بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، ومنع انتقاله إلى دول الجوار أو إلى غيرها، وتكف عن تصدير الأفكار المتطرفة والجماعات المتشددة، وتؤمن بالوسطية والتسامح، وبالمصالحة والتعايش، وترفض المذهبية والطائفية، وتعزز التعددية السياسية وتضمن حرية الاعتقاد الديني والانتماء المذهبي.

 

ربما يشعر البعض أن طالبان صادقة في توجهاتها، وأنها جادة في تغيير صورتها القديمة، وتبديل سياستها السابقة، فانتشارها الآمن في الولايات الأفغانية، والتزامها عدم استخدام القوة ضد المواطنين، إلا من بعض الحوادث القليلة المتفرقة، واحترامها لمؤسسات الدولة الإدارية، وشرطتها المرورية وهيئاتها القضائية، وإعلانها الحفاظ على مؤسسة الجيش، وعدم حله وتفكيكه، ودعوة جميع المنتسبين إليه بالعودة إلى ثكناتهم، وجميع الموظفين بالالتزام بوظائفهم، ودعوتها لتشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ تشمل جميع مكونات الشعب الأفغاني، فضلاً عن إعلانها العفو العام عن جميع المتعاونين السابقين، والمترجمين والإعلاميين وغيرهم، وترحيبها بتسهيل سفر كل من أراد مغادرة البلاد والخروج مع القوات الأجنبية.

 

ما زال الوقت مبكراً جداً للحكم على حركة طالبان والاطمئنان إليها، وحتى ذلك الحين ينبغي عليها القيام بالكثير من المهام التي ذكرت آنفاً وغيرها، حتى نطمئن إليها ونثق بها، ونصدقها وندافع عنها، وحتى تنفذ تلك الالتزامات وغيرها، فإن عليها أن تغض الطرف عن كل صوتٍ صاخبٍ وناقدٍ، وأن تسكت عن كل متخوفٍ وقلقٍ، وأن تغفر لكل مشككٍ ومتهم، حتى تثبت لهم العكس، وتظهر لهم الوجه الأصيل لأفغانستان الجديدة، التي لا وجود  فيها لأمريكا ظلاً تابعاً أو فعلاً ظاهراً.

يتبع....

 

بيروت في 24/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhHNoyAVBpAkS%2B23KedQ7L-cgfw%2B%2BUqJ1zs-2bMxXVgJA%40mail.gmail.com.

Sunday 22 August 2021

{الفكر القومي العربي} روسيا في أزمة «سد النهضة»: لَعِبٌ في المكان الآمن – مجلة الوعي العربي



{الفكر القومي العربي} دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "4"

دروسٌ طالبانية متعددةُ الاتجاهاتِ ومختلفةُ العناوين "4"

وضوحُ الهدفِ ورفضُ المساومةِ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا يمكن لثورةٍ أن تصل إلى مبتغاها، وتحقق الغايات التي انطلقت من أجلها وضحت في سبيلها، وتنتصر على عدوها وترغمه، وتتغلب عليه وتطرده، ما لم تكن أهدافها واضحة، وخططها محددة، ومسارها دقيق، ومنهاجها نظيف، وأساليبها موثوقة، فوضوح الرؤية وتحديد الأهداف، والتمسك بها والثبات عليها، والبعد عن التشتت والفوضى، ورفض المساومة والتخلي عن العروض، ضرورة ماسة لتحقيق النصر، وشرطاً أساسياً لنجاح الثورة والحفاظ على مكتسباتها، وإلا عُد القتال عبثياً، والنضال تزجية وقتٍ، ووسيلة للتكسب والبقاء، وأعتبر خيانةً للشعب واستهتاراً به، واستخفافاً بتضحياته وهدراً لطاقاته، وتدميراً لأجياله ورهناً لمستقبله.

 

حركة طالبان، وإن بدت مهلهلة فوضوية، متعددة القيادات متفرقة المراكز، مغمورةً بأسمالها ومتنكرة بأشكالها، إلا أنها كانت واضحة وصريحة، وصادقةً ومباشرة، إذ أعلنت منذ عشرين عاماً وما زالت، عزمها على إخراج القوات الأمريكية وحلفائها من بلادها، ووصفتها بأنها قوة احتلال، غزت بلادهم وقتلت شعبهم، وعاثت فساداً بينهم، فينبغي قتالها والتصدي لها وإخراجها بالقوة، ولم يفت في عضدها أو يضعف عزمها أو يغيرُ قرارها، الفارقُ المهول في ميزان القوى، والتفوقُ الخيالي في الأسلحة والعتاد والعدد.

 

وصفت طالبان السلطة التي عينتها والحكومات التي نصبتها بأنها قوى الأمر الواقع، وأنها غير شرعيةٍ ولا قانونية، ورأت أنها تابعة للاحتلال ومنفذةً لأهدافه، وأداةً طيعة في يده، وعميلة تعمل عنده ومن أجله، وأن الانتخابات التي جاءت بها وهمية وزائفة، ولا تعبر عن إرادة الشعب ولا تمثله، وهي صنيعة أمريكا وحلفائها وأداتهم القذرة على الأرض، فكما يجب العمل على استئصال الاحتلال وطرده، وتحرير البلاد والعباد منه، ينبغي إسقاط كل سلطةٍ أنشأها، وكل حكومةٍ نصبها، وطرد كل قيادةٍ صنعها، كونها امتداداً لها، وجزءً منه لا تنفصل عنه ولا تختلف، لارتباط مصالحهم وتوافق أهدافهم، وحتمية مصيرهم، وهو ما تبين قطعاً وتحقق فعلاً بعد ذلك.

 

أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية، وكل قوى الاحتلال الأخرى التي تحتل أرض غيرها، وتنتهج نهجها وتفكر مثلها، إذ ظنت أنها تستطيع تقويض إرادة الشعب، وثنيه عن أهدافه، وحرفه عن غاياته، وتزوير مستقبله وتزيين واقعه، وتجبره على القبول بها والسكوت عنها، واعتقدت واهمةً أن الأمر قد استقر لها، وأن العقبات التي تقف في طريقها قد سويت وانتهت، ولم يعد هناك ما يعرقل مشروعها أو يهدد وجودها، ونسيت أن البلاد لأهلها، والشعوب لا تسكت على سلب إرادتها ومصادرة حقوقها، ورهن مستقبلها وتزوير حقيقتها، وأن قوة الاحتلال مهما عظمت وتوحشت، فإنها أضعف من أن تفرض إرادتها، وأوهى من أن تستمر وتحافظ على وجودها، ومصيرها الحتمي وإن تأخر إلى زوالٍ وانتهاءٍ.

 

حاولت الإدارة الأمريكية بصورةٍ مباشرةٍ وعبر وسطاء ومتعاونين، أن تثنيَ حركة طالبان عن موقفها، وأن تقبل بالتغيير الحادث في بلادهم، مقابل وعودٍ يمنحونهم إياها، وتعهداتٍ يقومون بها، ففاوضت سجناءها في معتقلاتهم، وجلست مع قادتها في مغترباتهم، واستمعت إلى الوسطاء الذين اجتمعوا بهم واستمعوا إليهم، ونقلوا لهم العروض الأمريكية السخية، والأحلام الوردية، والمستقبل المشرق والاقتصاد المزدهر الذي يعدونه بهم ويضمونه لهم، شرط أن يلقوا السلاح ويتخلوا عن المقاومة، ويجلسوا على طاولة المفاوضات ويقبلوا بالحلول المطروحة  والعروض الممكنة.

 

لم تكن حركة طالبان تمتلك غير بندقيتها المقاتلة، وشرعيتها المقاومة، وأرضها التي تقف عليها وترابط فيها وتقاوم منها، ويقينها الذي لا يتزعزع، وثقتها التي لا تضعف، إذ كانت مشردة في الأرض، وتائهة في الوديان، وهاربة فوق الجبال، ومطاردة من السلطات ومستهدفة من الاحتلال، بينما قادتها في السجون والمعتقلات يرزحون في قيودهم، ويعانون في أغلالهم، ورغم ذلك لم تتنازل عن أهدافها، ولم تقبل بالمساومة على حقوقها، وبقيت متمسكة بما أعلنت عنه وانطلقت من أجله وقاومت في سبيله.

 

لم تجدِ الإغراءات الأمريكية والوعود الأوروبية في ثني طالبان عن هدفهم، وحرفهم عن مسيرتهم، أو تشويه صورتهم وتغيير حقيقتهم، إذ عرضوا عليهم المناصب والمواقع، وقدموا لهم الامتيازات والهبات، والوعود والالتزامات، وراقبتهم الأجهزة الأمريكية في أماكن إقامتهم ومراكز اجتماعاتهم، فرأتهم بأثوابهم البسيطة وأسمالهم الشعبية يتسربلون، وعلى قصعةٍ واحدةٍ وطعامٍ بسيطٍ يجتمعون، وفي مكانٍ ضيقٍ وفراشٍ متواضعٍ ينامون، فلا تهمهم كثيراً تسهيلات الشخصيات المهمة، ولا امتيازات القادة والمسؤولين، بقدر ما كان يهمهم رحيل الاحتلال عن أرضهم، وتحقيق الاستقلال لبلادهم، وقد باتوا يحسنون التفاوض ويبرعون فيه، حسنهم في القتال وإبداعهم في المقاومة، وهو ما أرغم أمريكا على احترامهم ولو كرهاً، والاستسلام لهم، والخضوع لشروطهم، والقبول بطلباتهم.

 

وضوح الأهداف ضرورةٌ، والثبات عليها قوةٌ، والتمسك بها يفضي إلى تحقيقها، والمساومة عليها والتفاوض حولها يقود إلى الهزيمة والخسارة، ويؤدي إلى ضياع الحق وخسارة الأرض، والتراجع عنها خطوة يعني التراجع دوماً، والتنازل البسيط يقود إلى التنازل الكبير، ولا شيء يغيظ العدو أكثر من طفلٍ يطالب بحقه وهو الصغير، ومن أسيرٍ يصر على أهدافه وهو السجين، ومن لاجئٍ يتمسك بوطنه ويؤمن بحتمية العودة إليه وهو المشتت البعيد، فهنيئاً لشعبٍ صمدت قيادته، وصدقت ريادته، وحملت الراية بقوةٍ وسلمتها بأمانةٍ، وحافظت عليها بشرفٍ وصانتها بصدقٍ، تلك القيادة سَتُحمدُ، وعلى صدقها سَتُشكرُ، وبأمانتها سَتُذكرُ، ويقيناً عليها يتنزل النصر، وعلي يديها يتحقق الظفر.

يتبع...

 

بيروت في 22/8/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjwG_ngKN17jdcWSG89pU%3DubQRPS5t3X3_uCdbCX27wrQ%40mail.gmail.com.