Monday 30 May 2022

{الفكر القومي العربي} مسيرةُ الانتهاكاتِ الفاضحة وتظاهرةُ الاحتلالِ الغادرة

مسيرةُ الانتهاكاتِ الفاضحة وتظاهرةُ الاحتلالِ الغادرة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

إنها مسيرة الكيان الصهيوني كله لا المستوطنين المتطرفين وحدهم، وهي مظاهرة الغاصبين كلهم لا المتشددين دون غيرهم، وهي مسيرة رئيس حكومة الكيان نفسه لا اليمين الصهيوني وحده، وهي انتهاكات سلطات الاحتلال الرسمية لا تصرفات الدهماء العفوية، وهي حال الاحتلال وحقيقته، وطبيعته وسجيته، وفطرته وطويته، وهي صورته الظاهرة وعقيدته الخفية، وهي سياسة الحكومة ومواقف المعارضة، وهي التخطيط القديم والأحلام الدائمة، وهي الأماني المريضة والطموحات المستحيلة، التي ستقتل أصحابها وستفكك ملكهم، إنهم اليهود في أصلهم، والصهاينة في فعلهم، والأعداء بكل أشكالهم، إنهم الشر المطلق والشيطان الأكبر، الذي لا يأتي بخير ولا يأمر إلا بشرٍ.

 

أسفر العدو في مسيرته العدوانية بوقاحةٍ وخبثٍ، وحقدٍ وكرهٍ، وتحدي ومواجهة، سلطةً وعامةً، وعلمانيين ومتدينين، وساسةً وأمنيين، ومفكرين وإعلاميين، ومدنيين وعسكريين، عن وجهه الخبيث ونواياه العدوانية، وكشف عن وجهه الذي نعرفه وعدوانه الذي نخبره، ليظهر في أبشع صوره، ويتجلى في أسوأ مظاهره، ويداهم بكل قوته، ويهاجم بأعتى أسلحته، ويعتدي على كل شيءٍ كثورٍ هائجٍ وفيلٍ أعمى، لا يميز بين رجلٍ وامرأة، ولا بين شابٍ وشيخٍ، أو طفلٍ وصبي، ولا بين سليمٍ ومريضٍ، أو صحيحٍ وقعيدٍ.

 

صب العدو الإسرائيلي جام غضبه، على كل ما يمس الفلسطينيين ويتعلق بهم، ونفث سمه ونفخ حقده على كل ما يخص المسلمين ويؤمنون به، ولم يكتف بالاعتداء على الشبان وضربهم، والرجال واعتقالهم، والصبية وترويعهم، بل امتدت أيديهم الآثمة إلى النساء الحرائر، الماجدات المرابطات، المصليات الداعيات، الطاهرات الشريفات، العفيفات المصونات، فاعتدى عليهن ضرباً وشتماً، ودفعاً وركلاً، فآذاهن في حجابهن، وتطاول على كرامتهن، واجتمع جنوده كالكلاب عليهن، ينهشون ثيابهن، ويعتدون على شرفهن، في مشاهدٍ يندى لها جبين الإنسان، ويتبرأ منها البشر، ويدينها الأحرار، ويحاسب عليها الأشراف.

 

رأينا جنود الاحتلال وشرطته، يخوضون في باحات المسجد الأقصى بأقدامهم الثقيلة النجسة، ورائحتهم الخبيثة المنتنة، وكلماتهم العنصرية المبتذلة، يلاحقون الفلسطينيين دون سببٍ، ويعتدون عليهم دون مبررٍ، اللهم إلا تنفيذاً لسياسة حكومتهم، وتعبيراً عن سوء أخلاقهم، وحقد نفوسهم، وترجمة لئيمة لخبثهم ومكرهم، الذي ظنوه سيثمر نصراً وسيحقق كسباً، ولكن صبر الفلسطينيين وصمودهم، وثباتهم وإصرارهم، جعل جناهم شوكاً، وصَيَّرَ قوتهم عجزاً، وأذاقهم المرَ علقماً.

 

ورأينا شرطتهم تجوس بخيولها بين المصلين، يشقون جمعهم ويعتدون عليهم، ويضربون من يعترض طريقهم أو يمر من أمامهم، ولا يبالون بمن يضربونه صغيراً كان أو كبيراً، رجلاً كان أو امرأةً، ولا يؤنب ضميرهم أو يخدش إنسانيتهم بأي طريقةٍ ضربوا أو اعتدوا، فهم يطلقون الأعيرة النارية والطلقات المعدنية المغلفة بغلالةٍ مطاطيةٍ، تؤذي أكثر ولا تخفف من أثرها أبداً، ويضربون الفلسطينيين بهراواتٍ غليظةٍ، تكسر العظام وتهشم الرؤوس، وتحدث في الأجساد آلاماً لا تحتمل، وتترك آثاراً تبقى ولا تزول، ولعل وسائل الإعلام قد وثقت ضربهم العنيف وممارساتهم القاسية.

 

لم تسلم المقدسات من دنس جنود الاحتلال ونجاسة مستوطنيه، إذ خاضوا بأحذيتهم في صحن الحرمين القبلي والصخرة المشرفة، وخلعوا أبوابهما وحطموا آثاثهما، وقلبوا المصاطب وخلعوا الخزائن، وبعثروا الكتب ومزقوا المصاحف، وعاثوا في رحاب المسجدين خراباً، فلم تسلم جدرانهما ومحاريبهما، وسجادهما وأعمدتهما، كما المصلين فيهما والمرابطين في صحنهما، وكأنهم يحقدون على هذا المكان المقدس لدى المسلمين، الذي هو المسجد الأقصى المبارك، ويشعرون أنه يسلبهم هيكلهم ويحرمهم من معبدهم، وأن تدميره يعجل استعادة وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، وما علموا أن القدس هي عنوان الصراع، وهي قلب فلسطين، وعروس مدائن العرب والمسلمين، وأن الأقصى في كتاب الله آيةٌ وفي دين المسلمين عقيدة، لا يفرطون فيه كقرآنهم، ولا يتخلون عنه كصلاتهم.

 

تباهى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بمسيرة الأعلام اليهودية، وقدم التهنئة لكل من ساهم فيها وسار معها، وتفاخر بأنه لم يخضع كسلفه نتنياهو لحماس وقوى المقاومة الفلسطينية، التي أجبرته على التراجع والانكفاء، وتغيير مسار المسيرة وتبديل برامجها، لكنه تحداها وأصر على منح الترخيص لمنظميها، وسمح لها بعبور الأحياء العربية، والمرور باب العامود، وكلف أكثر من ثلاثة آلاف رجل شرطة وأضعاف عددهم من جنود جيشه، لحفظ الأمن في مدينة القدس، وضمان تيسير المسيرة بسلام، وعدم تعرض المستوطنين لأي خطر، وعلا صوته متبختراً متغطرساً، أن المسيرة نفذت ولم تقوَ القوى الفلسطينية على تعطيلها أو إطلاق الصواريخ لإفشالها.

 

مضت مسيرة الأعلام الإسرائيلية ولكن المؤامرات الصهيونية لم تتوقف ولن تنتهي، ولن تكون هذه المسيرة الحاقدة هي آخر ما في جعبتهم، فكما رأينا على مدى العقود السبعة الماضية صوراً مختلفة من العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني وأرضه ومقدساته، فإننا قد نرى المزيد والأسوأ،  والأخبث والأقذر.

 

لكن الجديد الذي لم يدركه العدو بعد، أن الشعب الفلسطيني قد غدا كله مقاومة، وأن أشكال مقاومته أصبحت متعددة ومختلفة، وأنه كما مقاومته المسلحة لن يسمح لسلطات الاحتلال بتمرير مخططاتها وتنفيذ أحلامها، وسيجدون فعلاً لا قولاً أن القدس هي عاصمتنا، وأنها عربية الوجه فلسطينية الهوية إسلامية الحضارة، وأن أعلامنا الفلسطينية ستملأ سماءها وستعلو كل بناياتها، وأن الأقصى سيبقى لنا وحدنا، مسجداً نشد الرحال إليه، وقبلةً أولى نحافظ عليه.

 

بيروت في 30/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjiMRoHzPLFYg2qGyE4JDJsOFutD9bLXcLt7na4Tk4Eiuw%40mail.gmail.com.

Friday 27 May 2022

{الفكر القومي العربي} الوضعُ التاريخيُ للمسجدِ الأقصى فهمٌ مغلوطٌ وحلٌ مرفوضٌ

الوضعُ التاريخيُ للمسجدِ الأقصى فهمٌ مغلوطٌ وحلٌ مرفوضٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

نخطئ كثيراً بمطالبتنا باستعادة الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، وكأننا باستعادته نكون قد حررناه وطهرناه، وطردنا الاحتلال منه وأعتقناه، وفرضنا سيادتنا عليه واسترجعناه.

 

المقصود الشائع باستعادة الوضع التاريخي للمسجد الأقصى المبارك، هو العودة إلى الواقع الذي كان عليه قبل احتلال الشطر الشرقي من مدينة القدس في يونيو عام 1967، عندما كان تحت السيادة العربية الأردنية، التي كانت تشرف عليه وعلى مدينة القدس، ضمن الارتباط العضوي والسياسي للضفتين الشرقية والغربية، اللتان كانتا تتبعان التاج الأردني، والذي اعتبر المسجد الأقصى مكاناً خاصاً بالمسلمين فقط، ومنه انبثقت الاتفاقيات مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، القاضية باحترامه للوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، وهو ما لم يلتزم به، وما حاول تغييره تدريجياً، بالقوة والفرض حيناً، وبالخبث والمكر أحياناً أخرى.

 

إلا أن الوضع التاريخي والقانوني الصحيح للمسجد الأقصى المبارك، وهو ما يجب أن نطالب به ونصر عليه، هو الوضع الذي كان لمئات السنين في ظل الدولة العثمانية، حيث السيادة الإسلامية الكاملة عليه، وإبان الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث كان المسجد الأقصى المبارك مكاناً خاصاً بالمسلمين وحدهم، لا ينازعهم عليه أحد، ولا تمنعهم من الدخول إليه والصلاة فيه سلطة.

 

صحيح أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسعى لتغيير الواقع الذي كان عليه المسجد الأقصى المبارك إثر عام 1967، ولا تفكر أبداً في العودة إلى ما كان عليه قديماً، وتسعى كما تدعي للتقسيم المكاني والزماني للمسجد، وخطواتها إن أنكرت ونفت تدل على ذلك، واقتحامات مستوطنيها المستمرة تشير إلى هذه النية.

 

إلا أن هدفها الأسمى وغايتها الأولى هي السيطرة الكلية على قبة الصخرة المشرفة، والاستيلاء على المكان المقدس، والمباشرة في بناء الهيكل الثالث المزعوم، الذي يعتقدون أن قبة الصخرة قد احتلت مكانه، وأنها بنيت على أنقاضه.

 

ومن أهدافهم الخبيثة التحكم في أوقات صلاة المسلمين وساعات دخولهم إلى مسكنهم، وتنظيم رحلاتٍ سياحية ودينية لليهود الوافدين والأجانب من مختلف أنحاء العالم، ضمن إدارة وتنظيم وزارة السياحة الإسرائيلية، ولعل الخرائط التي تصدرها وتوزعها على السياح، بما فيها من أسماء ومعالم وآثار، تشير إلى مخططاتهم الحقيقية تجاه المسجد الأقصى المبارك.

 

سلطات الاحتلال الإسرائيلي لم تعد تعمل بصمت، كما لم تعد تخفي نواياها وتموه أهدافها، فقد وصلت بها الجرأة والوقاحة إلى الإعلان المباشر والصريح عن أهدافها، والكشف المستمر عن مخططاتها، ولعلها منذ العام 2016 قد غيرت كثيراً من سياساتها، حيث كانت تعمل على مدى العقود السابقة بصمتٍ وهدوءٍ، بعيداً عن الإعلام وبصورةٍ لا يشعر بها الفلسطينيون، فكانت تحفر الأنفاق، وتبني الجسور، وتعمر الأدراج، وتغلق بوابات وتفتح أخرى، وتعيد رسم الخرائط وتسمية الأماكن.

 

لكنها اليوم لا تخفي نيتها بناء كُنسٍ داخل باحات المسجد، والسماح لليهود بالدخول إليها والصلاة فيها، وها هي جماعاتها تعلن عن نيتها تقديم القرابين وذبح السخلان داخل باحات المسجد، والصلاة علناً والاستلقاء على الأرض جهراً، والنفخ في الأبواق تحدياً، في إشاراتٍ صريحةٍ واضحة، أن زمان الهيكل قد اقترب، وأن أوان استعادته قد أزف، وأن أدواته وحجارته، وأزياء عماله وعُمَّاره، وثياب زواره ومصليه، كلها قد أصبحت جاهزة ومتوفرة.

 

لا يقصر الفلسطينيون في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، والحفاظ على هويتهم العربية ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية، ولا يألون جهداً في مواجهة سلطات الاحتلال والتصدي لإجراءاتهم، ومحاولة إفشال مشاريعهم وإحباط خططهم، رغم كل الصعاب والتحديات التي يواجهونها.

 

فهم محاصرون في مناطقهم، وممنوعون من الوصول إلى مدينة القدس والدخول إلى المسجد الأقصى المبارك، وكثيرٌ من أهل القدس يطردون منها، وتسحب هوياتهم، وتقيد حركتهم، ويبعدون عن المسجد، ويطردون من المدينة، ويعاقبون بالحبس المنزلي والاعتقال الفعلي، إلا أنهم يرون أن واجب الدفاع عن هويتهم ومقدساتهم، ووجودهم وحقوقهم، لا يسقط بتغول العدو وقوته، ولا بقسوة إجراءاته وخشونة معاملته.

 

أمام هذا الثبات الشعبي الفلسطيني الكبير، وتضحياتهم وعطاءاتهم، وصبرهم وصمودهم، وألمهم ومعاناتهم، فإنهم يحملون الأنظمة العربية والإسلامية خاصةً، والمجتمع الدولي عامةً، كامل المسؤولية عن جرائم العدو واعتداءاته، فعليهم تقع مسؤولية التصدي لسلطات الاحتلال، ومنعه من فرض أي تغييرٍ على واقع القدس والمسجد الأقصى.

 

فهم يملكون أدواتٍ أخرى ووسائل دبلوماسية مختلفة، وعندهم مؤسسات ومنظمات، ولجان وهيئات، ويستطيعون رفع شكاوى أمام الأمم المتحدة ومؤسساتها المختصة، والمطالبة بمحاسبة سلطات الاحتلال وإرغامهم على احترام حقوق الشعب الفلسطيني، والكف عن محاولات المس بحقوقه ومقدساته، وتغيير الواقع لما يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم، ولعل الشعوب العربية والإسلامية لا تغفر لأنظمتها وحكوماتها صمتها وضعفها، وعجزها وربما قبولها بجرائم العدو التي تتوالى ولا تتوقف، وتشتد وتيرتها ولا تضعف.

 

أخيراً فإن الفلسطينيين والعرب والمسلمين معاً، لا يتطلعون فقط إلى حرية العبادة، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس، للصلاة في المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، فهذا حقٌ مشروعٌ ومكفولٌ، لا يتنازل عنه الفلسطينيون، ولا يعتقدون أن أحداً يقوى على انتزاعه منهم أو حرمانهم منه، مهما عظمت قوته وبلغ عنفه، ولن يرضوا عن الاحتلال ويسكتوا عنه في حال سمح لهم بالوصول إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والصلاة فيهما، أو توقف عن استفزازاته وإجراءاته العدوانية، ذلك أنهم يتطلعون إلى تحرير بلادهم كلها، واستعادة وطنهم كاملاً، وتطهير مقدساتهم الدينية، وفرض سيادتهم الوطنية، وهذا ما سيكون بإذن الله، طال الزمن أو قصر، وتأخر النصر أو تعجل.

 

بيروت في 27/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhhVczJTLN0sV1QcOs6w%3Di2iDU_siaHu0dK62_ye%2BAtBQ%40mail.gmail.com.

Monday 23 May 2022

{الفكر القومي العربي} مناوراتٌ عسكريةٌ إسرائيليةٌ حصادُها هشيمٌ وجوهرها عقيمٌ

مناوراتٌ عسكريةٌ إسرائيليةٌ حصادُها هشيمٌ وجوهرها عقيمٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا يمكن محاكاة إنقاذ ركاب طائرة مدنية تحترق في السماء وتهوي على الأرض، ولا سفينة غارقةٍ في عمق البحر وركابها تتلاطمهم الأمواج وتجذبهم المياه إلى عمقها، ما لم تكن الحادثة حقيقية، والمحاولة جدية، والركاب لا يعلمون أن العملية وهمية، وأنها ليست أكثر من مناورة تجريبية، ومحاولة عملية لاكتساب الخبرة ومراكمة التجربة، في الوقت الذي يعرف المشاركون في عملية الإنقاذ أنهم في دورةٍ تدريبيةٍ، وأنهم يستطيعون إجابة الهاتف، والاتصال بمن يحبون، أو التقاط الصور التذكارية كما يرغبون، وأنهم لا يواجهون خطراً حقيقياً، وليسوا في موقفٍ يفاضلون فيه بين سلامتهم الشخصية وسلامة غيرهم.

 

هذا ما يقوله ضباطٌ إسرائيليون سابقون وخبراء عسكريون مطلعون، تهكماً على المناورات العسكرية التي تقرها قيادة الأركان، وتنفذها قطاعات الجيش المختلفة، وتنفق عليها أموالاً طائلة، وتستنفذ بها قدراتٍ كبيرةً، وتشغل بها الجمهور الإسرائيلي وتوهمه، بدءً من خطة تنوفا التي لم تثمر شيئاً، ولم ترمم قدرات الجيش، ولم تعد إليه الهيبة التي كانت، والتفوق الذي كان يدعيه، ولا تلك التي تحاكي السيطرة على مناطق في جنوب لبنان، أو تعيد احتلال مناطق في قطاع غزة، وتدمر أنفاقها وتقتل رجالها، وتحرر من بين أيديهم جنودها الأسرى، أو غيرها من المناورات التي تصفها دوماً بأنها الأضخم والأكبر، والأكثر دقةً ومشابهةً للواقع.

 

يتساءل الخبراء الإسرائيليون عن نتائج خطة تنوفا الضخمة، التي كانت نتيجتها فشلاً ذريعاً في حرب سيف القدس "حارس الأسوار"، وهي التي عول عليها رئيس أركان جيش الكيان أفيف كوخافي في ضرب المقاومة وكسر شوكتها، ولكن النتيجة كانت مخزية ومهينة، إذ انقشع غبار القصف العنيف على المنطقة الشمالية في قطاع غزة، فيما أطلق عليه جيش الاحتلال "مترو حماس"، عن نتائج بسيطة لم تؤثر على نتيجة الحرب، ولم تفت في عضد المقاومة الفلسطينية، التي سارعت بالكشف عن فشل العدوان، وخرجت من تحت الأنقاض تضحك وتسخر، وتباغت وتهاجم.

 

تأتي تعليقات المسؤولين الإسرائيليين في ظل مناورات "عربات النار"، التي انطلقت وما زالت، إذ من المقرر لها أن تستمر شهراً كاملاً، وهي تحاكي سيطرة المقاومة الفلسطينية على بعض المناطق الحدودية، ونجاحها في أخذ عددٍ من المدنيين رهائن، وتحاول المناورات أن تظهر قدرة الجيش على التعامل مع أكثر من جبهةٍ محتملةٍ في آنٍ واحدٍ، مع عدم إغفال الجبهة الداخلية التي باتت هي الخاصرة الأضعف في الكيان، تمهيداً للقيام بعملية حارس الأسوار الثانية، إلا أن المتابعين لشأن المنطقة يقولون، أن حسابات البيدر تختلف كلياً عن حسابات الحقل، وقد لا تشبهها أبداً ولا تتطابق نتائجها معاً.

 

فالمقاومة الفلسطينية تراقب المناورات جيداً، وترصد جيش العدو، وتتابع خطواته، وتدرك خطره، ولا تأمن شره، وتعرف أنه قد يغدر بها ويقلب مناورته إلى حربٍ، وهي لذلك مستعدة ومتهيأة، وتعبئ صفوفها وتجهز عدتها، ولعل عندها ما يخيف العدو ويقلقه، وما يفاجئه ويصدمه، وإلا كان قد باغتها قديماً وهاجمها كثيراً، وقضى على الأخطار التي تهدده، والمخاوف التي تنتابه، ولكنه يعلم أن قوى المقاومة تتهيأ وتتجهز، وتتطلع لأن تثبت على الأرض نفسها، وأن تفرض عليه قواعد الاشتباك الجديدة، التي لا يستطيع أن ينكر أن بعضها قد فُرضَ فعلاً، وثبت عملياً خلال حرب سيف القدس، التي جرت أحداثها قبل عامٍ من اليوم، وهي الحرب التي بدأتها المقاومة وأطلقت طلقتها الأولى هجوماً لا دفاعاً.

 

لا يقتصر التهكم على مناورات جيش الاحتلال وقيادته على الضباط السابقين والخبراء العسكريين، بل إن قيادة الكيان السياسية، الحكومة والنواب وقادة الأحزاب، لا ينفكون يشككون في قدرة الجيش على حسم المعركة، خاصةً لجهة العمليات البرية الكفيلة بحسم نتيجة الحرب، ولا يخفون عدم ثقتهم في إجراءاته ومناوراته، ويمتعضون كثيراً من مطالبة رئيس الأركان المستمرة بزيادة ميزانية الجيش والأجهزة الأمنية، وتمويل عمليات الشراء وتطوير الأسلحة والمعدات، وتغطية النفقات المتزايدة والمهام الطارئة التي يتصدى لها الجيش وأجهزته الأمنية، بينما لا يتمكن من تحقيق الأهداف التي بات لا يعلن عنها تجنباً للحرج وخوفاً من الفشل.

 

يعيب الخبراء العسكريون الإسرائيليون على جيش كيانهم، أن قيادته تستثمر في الشكل فقط وتهمل الجوهر، وتبالغ في قوتها وتنسى أن خصمها يقوى ويراكم القوة، ويستثمر في الشكل والجوهر معاً، ويحارب في الميدان وعلى مستوى النفسي، ويكسب في الحرب الكلاسيكية وينجح في حرب السايبر وتقنيات الطائرات المسيرة.

 

لا ينكر الخبراء الإسرائيليون تفوق جيشهم في سلاح الجو والبحر، وأنه يستطيع أن يمطر الخصم، خاصةً في غزة، بوابلٍ من الهجمات الصاروخية الجوية والبحرية، وقد تساعده أسلحة الميدان المتمركزة بعيداً عن مرمى الخصم، ولكن هذا التفوق البعيد لا يصنع نصراً ولا يحقق حسماً، ولا يضع نتيجةً ملموسةً للحرب لصالحه، ما لم يتمكن من النزول إلى الأرض، والقيام بعمليةٍ بريةٍ واسعةِ النطاق، يتمكن خلالها من قتل مئات المقاومين وعزلهم عن قيادتهم، دون أن يتكبد خسائر كبيرة تقوى المقاومة عليها، وتهدد بها، فضلاً عن عزمها خوض الحرب على الجانب الآخر من الحدود بعيداً عن سكانهم، لكن قريباً من المستوطنين وداخل بلداتهم.

 

يدرك قادة جيش الاحتلال هذه العيوب جيداً، ويعلمون مدى عجزهم في هذا الجانب، ولكن هذا لا يمنعهم أبداً عن التخطيط لعملياتٍ بريةٍ موضعيةٍ محددةٍ، وتشكيل فرقٍ عسكريةٍ نخبويةٍ خاصة، للقيام بمهامٍ محددةٍ في عمق أرض الخصم، بحيث تكون الفرق على ارتباطٍ كامل بهيئة الأركان، وتكون هناك جاهزية تامة لدعمهم وإسنادهم أو إنقاذهم وإعادتهم إلى وحداتهم بسلامٍ، إلا أن قادة الجيش ومسؤولي الوحدات الخاصة، يدركون صعوبة البقاء في أرض الخصم، واستحالة الانسحاب منها أحياناً، الأمر الذي من شأنه أن يجهض أي عمليةٍ قبل المباشرة بها، علماً أن مثل هذه العمليات لن تتمكن أبداً من تدمير القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية، ولن تمنعها من مواصلة إطلاق رشقاتٍ صاروخية.

 

بيروت في 23/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhYJkCq9nJ123%2B3KLzABOzSQ%2B75vb8_VTvoFFRNTsKcsw%40mail.gmail.com.

Friday 20 May 2022

{الفكر القومي العربي} الأقصى في خطرٍ شعارٌ يفضحُ وسلاحٌ يجرحُ

الأقصى في خطرٍ شعارٌ يفضحُ وسلاحٌ يجرحُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

نجح الفلسطينيون في كشف العديد من المؤامرات الصهيونية على المسجد الأقصى، وأماطوا اللثام عن محاولاتهم المحمومة منذ سنواتٍ طويلةٍ للدخول إليه من تحت الأرض ومن فوقها، وتصدوا بأجسادهم وأرواحهم، وإمكانياتهم البسيطة ووسائلهم المتاحة، لمحاولات المتدينين وقطعان المستوطنين وقادة أحزابهم السياسية، اقتحامه والصلاة فيه، وإقامة شعائرهم الدينية وطقوسهم التوراتية ومخططاتهم التلمودية، التي تمهد لهدم المسجد وتدميره، وبناء الهيكل المزعوم فوق أنقاضه، وقد سارعوا في السنوات الأخيرة خطواتهم، وكثفوا جهودهم، وحفروا المزيد من الأنفاق تحته، بما يهدد أساساته ويصدع جدرانه ويعجل في سقوطه، واستغلوا مختلف الظروف المحلية والإقليمية والدولية، لتحقيق أهدافهم، والوصول إلى غاياتهم.

 

إلا أن الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم، ومن جميع مناطقهم، تمكنوا ولو بالكثير من التضحيات المادية والبشرية المؤلمة، من إفشال العديد من المحاولات الصهيونية، وساهموا جميعاً التزاماً بالواجب وأداءً للفريضة، كلٌ بالقدر الذي يستطيعون، وبالسلاح الذي يملكون، في الحفاظ على المسجد الأقصى، مسجداً إسلامياً، ففتحوا بالقوة بواباته، وشرعوا للمصلين والمرابطين أبوابه، وأرغموا سلطات الاحتلال على إزالة البوابات الإلكترونية، والتراجع عن كثيرٍ من الإجراءات الأمنية والإدارية التي كانت تحد من وصول المصلين إلى مسجدهم.

 

ونجحوا فعلاً بصبرهم وثباتهم، وتضحياتهم وعطاءاتهم، ومعاناتهم وألمهم، إلى حدٍ بعيدٍ في تسليط الأضواء على المسجد الأقصى المبارك، الذي هو آيةٌ في كتاب الله عز وجل، وجزءٌ من قرآننا العظيم، نتلوا آياته آناء الليل وأطراف النهار، ونتعبد بها الله عز وجل، ونتقرب بتلاوتها إليه جَلَّ شأنه، وأظهروا للعالم الإسلامي أن مسجدهم في خطر، وأن مسرى رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم يتعرض للهدم، فكان المدافعون عنه شيباً وشباباً، ونساءً ورجالاً، وصبيةً وأطفالاً، لا يترددون ولا يتهيبون، ولا ينكفئون ولا يتراجعون، ووقف معهم مدافعاً ولهم مؤيداً وإلى جانبهم مقاوماً، إخوانهم المسيحيون من كل الطوائف، الذين اعتبروا أن الاعتداء على المسجد الأقصى إنما هو اعتداءٌ على كنائسهم ودور عبادتهم.

 

ما زال الفلسطينيون بكل انتماءاتهم يعتبرون القدس والمسجد الأقصى عنوان شرفهم، وذروة سنام جهادهم، وأسمى أهداف مقاومتهم، تهون دونه المهج، وتبذل في سبيله الأرواح، وتجود من أجله الدماء، فأسقطوا بمواقفهم الصلبة، وثباتهم العنيد، وتضحياتهم الكثيرة، كل أماني الكيان الصهيوني وأحلامه، وأجبروه بالأرواح الطاهرة والدماء الزكية، التي قدمت بسخاءٍ وبلا حدود، على الاعتراف باستحالة تحقيق أهدافه، وصعوبة تمرير مشاريعه، وأكرهته على مراجعة حساباته، والتفكير ملياً قبل الموافقة على مشاريع المستوطنين وأحلام المتدينين، وغدا سكان الكيان يلعنون مستوطنيهم، ويصبون جام غضبهم على متطرفيهم، ويحملونهم المسؤولية عن التوتر الذي ساد مناطقهم، والدماء التي سالت في شوارعهم، والرعب الذي عم بينهم وسيطر عليهم.

 

يعترف المحللون والباحثون، والكثير من الخبراء والمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، ومعهم قادة أركان جيشهم وكبار ضباطه، أن الفلسطينيين قد نجحوا في معركة القدس، وجعلوا منها ومن المسجد الأقصى معركة العرب والمسلمين عامةً، وحَمَّلَت شعوبهم المسؤولية في الدفاع عن بيت المقدس وأقصاه الشريف، وأضعفت في الوقت الذي ظن فيه الإسرائيليون أنهم أصبحوا أقوى، الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، التي وجدت نفسها ضعيفة أمام حراك شعوبهم من أجل القدس ودفاعاً عن المسجد الأقصى، وحارت كيف تفسر لهم علاقاتها بالكيان الصهيوني، واعترافها بهم وتطبيعها معهم، وبدت أمامهم صاغرةً ذليلة، ومتآمرة شريكة، مما اضطرها إلى مسايرة الشارع، والتنديد بالممارسات والسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عامةً وتجاه القدس والمسجد الأقصى خاصةً.

 

ويعترف عامة الإسرائيليين أن الفلسطينيين قد نجحوا إلى درجةٍ كبيرةٍ في توريط كيانهم، وإضعاف حكومتهم، وتعرية سياساتهم، خاصةً بعد معركة سيف القدس الأخيرة، التي وحدت الفلسطينيين وجمعت كلمتهم، ونسقت جهودهم وعممت حراكهم، وربطت مناطقهم، وحرمت الاستفراد ببعضهم، فلم يعد من السهل على حكومة الكيان ضبط الشارع، ومنع انتشار الأحداث، والحيلولة دون وقوع المزيد من العمليات، ولعل كثيراً منهم يرى أن التطبيع مع بعض الأنظمة العربية علامةُ شؤمٍ وفألُ نحسٍ، وأن هذه الدول أصبحت أضعف من أن تتقارب مع كيانهم، وأبعد من أن تتعاون معه وتتفق وإياه على سياساتٍ مشتركةٍ تخدم أهدافهم.

 

إنها القدس المدينة العربية الفلسطينية العظيمة، الخالدة بمسجدها الأقصى المبارك، الذي بارك الله فيه وحوله، وشرَّف ساكنيه وكرَّم معمريه، وجعل المرابطين فيه خير الخلق وأشرف الأمم، إنها عروس المدائن وسيدة العواصم، عنوان العزة ودليل الشرف، التي تهوي إليها قلوب الملايين من العرب والمسلمين، ويتطلعون إلى تحريرها واستعادتها، فطوبى لمن سكنها، وهنيئاً لمن دافع عنها وضحى في سبيلها، والخزي والعار لكل من فرط فيها وتنازل عنها، وويلٌ لمن تخاذل وسكت، أو تراجع وضعف، فكما تكتب القدس في سجلاتها الخالدة، بحروفٍ من نور أسماء محرريها والمدافعين عنها، فإنها تفضح على الملأ المقصرين، وتكتب نهايةً مخزيةً لكل المتآمرين، وتخلدهم ملعونين، وتحفظ أسماءهم ضالين.

 

 

بيروت في 20/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh30m_GLM9U2rLM57dJCgohTrbKjn%2By8PMQU8QmiaZSSg%40mail.gmail.com.

Sunday 15 May 2022

{الفكر القومي العربي} في ظلالِ شهادةِ شيرينَ مشاهدٌ وصورٌ

في ظلالِ شهادةِ شيرينَ مشاهدٌ وصورٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

وَيكأنَّ الله عز وجل قدر شهادة الإعلامية القديرة شيرين أبو عاقلة، المرأة الصحافية المقدسية الأمريكية الفلسطينية، على مداخل مخيم جنين، بهذه الطريقة المدوية والصورة الصارخة، وفرضها على العالم كله، فكانت ملء سمع الكون وبصره، لشيءٍ عظيمٍ أراده، ولغايةٍ في نفسه سبحانه وتعالى شاءها، فهيأ لها الأسباب وقدر لها الظروف، ولو أنها كانت فقداً أليماً وحزناً كبيراً، إلا أننا نرجو الله عز وجل خيرها، ونعوذ به سبحانه وتعالى من شرها، فهو جَلَّ شأنه الذي يسير الكون بحكمته، ويقدر آجال الخلق بإرادته، فله في كل شيءٍ حكمة قد لا ندركها ولا نحيط بها في زمانها وحينها، ولكنها قد تتجلى من حيث لا ندري أو نحتسب، فنجني من الحزن فرحاً، ومن الألم عزماً، ومن الضعف قوةً.

 

بكينا بدموعٍ حرى غياب شيرين، ورثيناها بكل جميلٍ يليق بها، وتابعنا بحزنٍ حتى ساعة كتابة هذه الكلمات طقوس وداعها والصلاة عليها، ومراسم تشييعها ودفنها، وفعاليات تكريمها والعزاء بها، فلمسنا مما رأينا وشاهدنا طهرها وصدقها، وخيرها وبركتها، فكأنها بوابةٌ للمقاومة فتحت، وجبهةٌ فلسطينية تقدمت، ومنبراً وطنياً بالحق الفلسطيني صدح، فقد هزمت العدو في تابوتها، وقهرته في مماتها، وفضحته في شهادتها، وما زالت حتى الساعة تحرج سلطات الاحتلال وتفضحهم، وتكشف حقيقتهم وتظهر مخازيهم، وتميط اللثام عن لؤمهم وخبثهم ونذالتهم وفساد أخلاقهم.

 

استدعت سلطات الاحتلال في القدس شقيقها الفخور بها أنطوان، وطلبوا منه التعهد بأن تقتصر مراسم التشييع والدفن على خمسين فرداً من أسرة شيرين وعائلتها، فكان رد أنطوان الذي رفض التعهد وأصر على أن شيرين ابنة الشعب الفلسطيني كله، وأنه لا يملك الحق في منعهم من وداعها والمشاركة في تشييعها، أن خرج في وداعها عشرات آلاف الفلسطينيين، جاؤوا إليها من كل أرجاء فلسطين، مسلمين ومسيحيين جنباً إلى جنبٍ في جنازةٍ عز نظيرها في الشارع الفلسطيني.

 

أصرت الشرطة الإسرائيلية ألا يرفع المشيعون علم فلسطين، وطلبت من منظمي التشييع أن يلتزموا بالقرار، فإذا بسماء القدس تحجبها رغم أنف العدو وسلطته آلاف الأعلام الفلسطينية، في مشهدٍ سيبقى عالقاً في وعي سلطات الاحتلال التي تدعي أن القدس الموحدة عاصمتها، وأنه لا علم يرفرف فيها غير علم كيانهم، فإذا بالعلم الفلسطيني يبزهم ويزاحمهم، ويهدد وجودهم وينذر بزوالهم، وكأن الفلسطينيين يقولون لهم بتحدي أن هذه هي عاصمتنا، وهذه البلاد لنا، وهذا علمنا سيبقى أبداً وسيرتفع دوماً.

 

كما طلبت شرطة الاحتلال أن تكون مسيرة التشييع صامتةً هادئةً، لا تتخللها شعاراتٌ ولا خطاباتٌ، ولا يكون فيها تحريضٌ ولا إشادة بالمقاومة، ولا وعودٌ بالثأر أو دعوات للانتقام، فإذا بالمسيرة تتحول إلى شلالٍ من البشر هادراً، تزداد أعدادهم كل خطوةٍ ولا تنقص، فلا ينفضون نتيجة الاعتداء، ولا ينسحبون خشية الضرب أو الاعتقال، وهم يصدحون بشعارات يتردد صداها في جنبات القدس، وترتفع أصواتهم إلى عنان السماء، وقد اختلطت معها تكبيرات المساجد وصوت أجراس الكنائس، في مشهدٍ بهيجٍ يفرح به الفلسطينيون ويتيهون.

 

لن يغفر العالم لعناصر شرطة الاحتلال الإسرائيلي سلوكهم الشائن وتصرفهم البغيض، وهم يزاحمون المشيعيين، وينهالون ضرباً على الذين يحملون التابوت، يريدون إسقاطه بالقوة، إلا أن الشبان الذين تكبدوا الصعاب وتحملوا المشاق وهم في طريقهم إلى القدس للمشاركة في التشييع، رفضوا التخلي عن التابوت، وقاموا سقوطه، وأصروا أن يبقى مرفوعاً فوق الأكتاف، عالياً فلا يسقط، صامداً فلا يتزعزع، رغم الهروات الثقيلة التي كانت تنهال عليهم بوحشية من جنودٍ همجٍ لا يعرفون شيئاً من معاني الحضارة ومفاهيم الإنسانية.

 

لم تكتف سلطات الاحتلال باعتداءات جنودها وشرطتها على التابوت والمشيعين، وعلى حملة الأعلام والمتضامنين، بل داهمت جموعٌ غوغاء من جنودهم بيت الشهيدة شيرين واقتحموه، وفتشوه حقداً وعاثوا فيه فساداً، وصادروا بعض ما فيه غِلاً، ونزعوا من على جدران بيتها صورها وشهاداتها غيظاً، وأخذوا ما وجدوه في بيتها من أعلام فلسطينية وكوفيات وطنية حقداً.

 

لم يحترم الاحتلال الإسرائيلي كرامة الموتى ولا حرمة المقابر، ولم يحافظ على قدسية الكنائس ودور العبادة، ولم يقدر حزن المحبين وجوى المعزين، بل اعتدى على بيت العزاء، وحاول فض المعزين وإخراجهم بالقوة، واعتقل بعضهم واعتدى بالضرب على كثيرٍ منهم، إلا أن الفلسطينيين الذي رأوا في البقاء صموداً، وفي الثبات كيداً للعدو وغيظاً، أصروا على أن يواصلوا العزاء، وأن يتحملوا ما يتعرضون له من ضربٍ وأذى، إكراماً للشهيدة وسلوى لأهلها.

 

ستبقي شهادة شيرين أبو عاقلة ذكرى عالقة في وجدان الشعب الفلسطيني، ولن تقوى الأيام على طمسها، ولن يستطيع العدو الإسرائيلي أن ينساها، ولن تنتهي مفاعيلها، فقد حركت العالم كله ضده، وأجبرت حكوماته على إصدار بيانات استنكار وشجبٍ على غير عادتها، ما سيجعل جريمة اغتيالها لعنةً تطارده، وحسرةً وندامةً لا تفارقه، فسلامُ الله عليك شيرين، وسلام الله على من أحبك وودعك ودعا لك وصلى عليك.

 

بيروت في 15/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh85zm9j1HDoXkg3KQGD0H7Tn9mtLPWGFAk5qRGHKcMQQ%40mail.gmail.com.

Friday 13 May 2022

{الفكر القومي العربي} شيرين نصرٌ متعددُ الجبهات وشهادةٌ تحاصرُ الاحتلالَ

شيرين نصرٌ متعددُ الجبهات وشهادةٌ تحاصرُ الاحتلالَ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

عربيةٌ فلسطينيةٌ هي شيرين أبو عاقلة، مقاومةٌ كسائر أبناء شعبها، ومرابطةٌ كأهلها على تراب وطنها، لا تميز نفسها عنهم، ولا تتعالى عليهم بجنسيتها الأمريكية ونجوميتها الإعلامية، ولا تنأى بنفسها عن قضيتهم، ولا تتخلى عن دورها بينهم.

تشاركهم الهموم والأحزان، وتشاطرهم الآلام والأوجاع، وتكابد وإياهم ويلات الاحتلال، وتعاني مثلهم من سياساته العنصرية وإجراءاته القمعية، ولا تشعر بأن مهنتها الصحافية تمنحها الحصانة، وتحميها من غدر الاحتلال وحقده، ولا تعتقد أن سترتها الصحفية وشارتها المميزة تحول دون استهدافها، وتمنع الاحتلال من قتلها.

 

وقد هيأت نفسها لمثل هذا اليوم واستعدت له، ودأبت في منشوراتها الخاصة وأحاديثها الشخصية تذكر أنها قريبة من الشهادة، وأنه قد يطالها ما طال أبناء شعبها، وقد كان ما توقعته، ووقع ما كانت تكتب عنه وتواجهه ولا تهرب منه.

 

إلا أن شهادة الإعلامية الفلسطينية المتألقة شيرين أبو عاقلة، التي استحقت بجدارة لقب "أيقونة الإعلام الفلسطيني المقاوم"، لم تكن شهادة عاديةً ولا تصفيةً عابرةً، بل غدت جريمة اغتيالها حرباً جديدةً ومعركةً كبرى، حقق فيها الفلسطينيون على العدو الإسرائيلي نصراً عزيزاً وفتحاً كبيراً، ولو أنه جاء بالدم القاني الطاهر، وبخسارةٍ كبيرةٍ لقامةٍ إعلاميةٍ وطنيةٍ عريقةٍ، صادقة اللهجة قوية العبارة، جرئية الجنان بليغة اللسان، واثقة الخطى سباقة إلى الواجب، تؤمن برسالتها وتضحي من أجل قضيتها.

 

دم شيرين المهراق على أرض الوطن فلسطين، قريباً من أرض البطولة والتحدي، وعلى مداخل مخيم الصمود والمواجهة، مخيم جنين الذي احتفى بشهادتها، ورفع جثمانها فوق الرؤوس وساماً، وطاف به رجاله في أرجائه تيهاً وفخاراً، وأقسموا وهي على أكتاف المقاومين عزيزةً، أن يواصلوا المسيرة، وأن يستكملوا المعركة، وأن يثبتوا أمام جنود الاحتلال ثباتهم أمامه أول مرةٍ، وأن يكبدوه خسائر أكبر، ويجبروه على دفع ضريبةٍ أكثر وجعاً وأشد ألماً، وهي التي هيأت نفسها للمشاركة فيها إعلامياً، وقد خطت صبيحة استشهادها كلماتها الأخيرة، داعيةً كل من أراد العزة والكرامة، وكل من يتطلع إلى النصر والمواجهة،أن ييمم وجه شطر جنين.

 

شيرين أبو عاقلة فضحت الاحتلال الإسرائيلي المفضوح أصلاً وعرته أكثر، وكشف أوراقه السوداء وسياساته الحمقاء أمام المجتمع الدولي كله، الذي لا تكاد توجد فيه دولةٌ واحدة لم تدن الجريمة وتستنكرها، فقد شجبت جريمةَ اغتيالها كبرى العواصم الدولية، وأصدرت أغلبها بياناتِ إدانةٍ لم تخلُ من عبارات الغضب ومفردات الإدانة شديدة اللهجة، وهو أمرٌ لم نعتد عليه في فلسطين، ولم نشهد مثله من قبل، ولكن دماء شيرين التي روت أرض فلسطين وجنين، كان لها من الخير والبركة ما يعم الوطن ويفيض على الشعب.

 

أجبرت شيرين المتلحفة بالعلم الفلسطيني، والمتزينة بثوبٍ مقدسيٍ مطرزٍ موشىً قشيب، العدو الإسرائيلي وهي جثةً ترقد في أحد مستشفيات مدينة القدس، على أن يخضع لقداسها وأن يتراجع أمام طقوس دفنها، فُرُفعَ العلم الفلسطيني رغم أنفه خفاقاً في سماء القدس، ورفرف فوق السواري والبيوت، وبقبضات الرجال وأيدي النساء، رغم محاولاته ثني الفلسطينيين ومنعهم من رفع علم وطنهم والتلويح به، إلا أن دم شيرين قهره وجثمانها هزمه، وأصر أبناء شعبها على الوفاء لها والانتصار لدمها وعدم خذلانها، فأعادوا علم فلسطين بجثمانها إلى سماء عاصمتها القدس.

 

كما أجبرته شيرين على أن تجري مراسم التشييع والدفن في مدينة القدس، مسقط رأسها وعاصمة بلادها، وأن تدفن في ثراها إلى جانب أبيها، وأن يشارك رفاقها وزملاؤها وأبناء شعبها في مراسم التشييع والدفن.

وأعلن أكثر من ثمانية عشر سفيراً أوروبياً عن نيتهم المشاركة في مراسم الدفن، الأمر الذي أغاظ سلطات الاحتلال وكبلهم، ومنعهم من استخدام القوة لتفريق المشيعين وإفساد مراسم التشييع والعزاء.

ولعل إعلان السفارة الأمريكية في القدس عن إمكانية مشاركة مندوبين عنها في التشييع، يعتبر سابقةً في تاريخها، وخطوةً قد يكون لها ما بعدها، خاصةً أن الإدارة الأمريكية ودول أوروبا يطالبون بإجراء تحقيق مسؤولٍ لكشف ملابسات اغتيالها.

 

نجحت شيرين أبو عاقلة في جمع كلمة الفلسطينيين وتوحيد صفوفهم، مسلمين ومسيحيين، فكما قرعت كنائس القدس وفلسطين أجراسها، فقد رفع الآذان وتهليلات الله أكبر في المسجد الأقصى ومساجد القدس وفلسطين، فيما بدا أنه أجمل تلاحمٍ وأوضح رسالةً إلى العدو الإسرائيلي وإلى العالم كله من بعده.

 

أثبتت شيرين بدمها أن شعبَ فلسطين شعبٌ واحدٌ، يجمعهم همٌ واحدٌ ومصيبةٌ واحدةً، وأنهم جميعاً يداً واحدة في مواجهة الاحتلال والتصدي له، وها هم جميعاً مسلمين ومسيحيين في شوارع القدس يتحدون جيش الاحتلال، ويتصدون لإجراءاته التي تحول دون مشاركتهم في وداع ابنتهم والسلام عليها، وإلقاء النظرة الأخيرة عليها.

 

شهادة شيرين أبو عاقلة موجعة مؤلمة قاسية، تدمي القلوب وتفجعها، وتفطر الأكباد وتفتتها، ولكن عزاءنا في شهادتها أنها قاتلت بدمها، وقاومت بجثمانها، وجعلت من شهادتها فتحاً قريباً ونصراً لشعبها وقضيتها مبيناً، ولا أظن أن الأيام القادمة ستطوي الجريمة، وستنسي الفلسطينيين ألمهم، بل إن مواراة شيرين الثرى سيبعث في شعبناً أملاً جديداً وعزماً كبيراً، أننا بالدم نقاوم وبه ننتصر، وأن عدونا أمامه ضعيف وبه ينكسر، وكما كانت شهادتها لشعبها نصراً ولقضيتها فرضاً، فإن جنازتها ستكون على العدو لعنةً، ودفنها سيكون لكيانه زوالاً ودفناً.

 

بيروت في 13/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgH7OqNnrO-MSKHW-hDwcUuEXVu4NkijRkWAd6Z6rqQ8A%40mail.gmail.com.

Tuesday 10 May 2022

{الفكر القومي العربي} المقاومةُ الفلسطينيةُ تتقدمُ والمناعةُ الإسرائيليةُ تتراجعُ

المقاومةُ الفلسطينيةُ تتقدمُ والمناعةُ الإسرائيليةُ تتراجعُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يوماً بعد آخر يثبت الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، على أرضه المغتصبة وفي وطنه المحتل، تميزه الكبير، إذ تتعاظم مقاومته وتتعدد أشكالها، وتتنوع أسلحته ويتضاعف أثرها، وتتدافع صواريخه ويزداد مداها، وتمتاز وسائله وتختلف أدواتها، ويبدع رجاله وتتنافس مُسَيَّراتُه، ويتحدى أبناؤه الصعاب ويواجهون المخاطر، ويتجاوزون العقبات ويصمدون أمام التحديات، ويستطيعون الوصول إلى أبعد مدى وأخطر موقع، ويخترقون الجدران المحصنة، ويتغلبون على المعابر والحواجز الأمنية، ويفلتون من أجهزة الرقابة والكاميرات، ووسائل الملاحقة الجوية والفضائية، والأرضية والبشرية، وتقنيات التعقب والتتبع الحديثة والمتطورة.

 

ويزداد الفلسطينيون مع الأيام يقيناً بالنصر، ويتعمق إيمانهم بحتمية العودة والتحرير، ويعدون العدة للغدِ الآتي والمستقبل الموعود، ولا يفت في عضدهم أو يوهن عزمهم عِظَمُ الضحايا وفداحةُ الثمن، فلا الشهادة تخيفهم، ولا الاعتقال يمنعهم، ولا هدم البيوت يردعهم، ولا الممارسات القمعية ترعبهم، ولا شئ مما يتمخض عنه عقل الاحتلال وخياله العنصري المريض يقعدهم أو ييأسهم، وقد جرب معهم وضدهم كل غريبٍ وظالمٍ، وكل عنيفٍ وقاسٍ، فما استكانوا له ولا سلموا باستعلائه وقوته، ولا خضعوا لجبروته وسلطته، بل بزوه ونافسوه، وتحدوه وواجهوه، ونالوا منه وأوجعوه، وأصابوه وفجعوه.

 

منذ ما قبل الصيف الماضي الذي شهد فيه شهرُ رمضانَ معركةَ سيفِ القدس، والفلسطينيون لا ينفكون يواجهون العدو في كل مكانٍ، ويلاحقونه في كل المدن والبلدات، والمستوطنات والتجمعات، ويهاجمونه في المحلات والحافلات، وفي الشوارع والطرقات، ويواجهونه بشجاعةٍ ورباطة جأشٍ، بكل ما يملكون من أسلحةٍ بسيطةٍ وأدواتٍ بدائية، فصدموه بسياراتهم، وطعنوه بسكاكينهم، وفجوا رأسه ببلطاتهم وأسياخهم الحديدية، وأطلقوا عليه النار من بنادق قديمة ومسدساتٍ صغيرة، وغنموا منه بنادق آلية ومسدساتٍ حديثة، وبقي في جعبتهم الكثير مما يرعب العدو ويخيفه، وبما يصدمه ويشل قدرته على الفعل والحركة، ويعطل قدرته على التفكير والمواجهة، وقد خال جهلاً أن الفلسطينيين وحدهم، ولا أحد معهم يساندهم أو يؤيدهم، وأنهم وصلوا إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من اليأس والقنوط، بعد سقطات التطبيع وعار المصافحة والاعتراف.

 

غدت المقاومة الفلسطينية ثقافة شعبيةً، وسلوكاً يومياً اعتيادياً، يلجأ إليها كل شابٍ ثائرٍ، ويقوم بها كل رجلٍ غيور، وتنبري إليها الحرائر الماجدات والنساء الغاضبات، ولا يتأخر عن القيام بها الصغار والكبار، والفقراء والأغنياء، وأبناء المخيمات وسكان المدن، فقد ألجأ العدو بممارساته القمعية وسياساته الفاشية الشعب الفلسطيني كله إلى التفكير في المقاومة، وخوض غمار المواجهة لصد العدوان، وكف المستوطنين، ومنع عمليات التغول والعدوان والاقتحام والتدنيس، ووقف مساعي التقسيم والتخصيص، وتكبيد العدو ضريبة الاحتلال وكلفة الاستيطان، وأثمان البغي والقتل والاعتقال.

 

أما العدو فقد انهارت حصونه، وتفككت صفوفه، ووهنت عزيمته، وضعفت قوته، وتصدعت جبهته، وتراجعت قدرته، وتآكل ردعه، واهتزت صورة جيشه، وارتعشت حكومته، وأخفقت أجهزته الأمنية، وفشلت استطلاعاته وغارت تنبؤاته، ولم يعد قادراً على تدارك الأحداث ومواجهة المفاجئات، وبات أقرب إلى الاستجداء والسؤال، ومطالبة الأصدقاء بمساعدته والجيران بالوساطة بينه وبين المقاومة، لتكف عن عملياتها، وتتوقف عن تنفيذ مخططاتها، وقد أوجعه حتى اليوم تسعة عشر قتيلاً وعشرات الجرحى، الذين لن يسلم من ينجو منهم من معاناةٍ دائمة وأمراضٍ مزمنةٍ مستعصيةٍ، نفسيةٍ معقدة وجسديةٍ مقعدة.

 

لم تعد بين يدي العدو خياراتٌ جديدةٌ، ولا سبل فعالة أمامه لمواجهة الفلسطينيين والحد من إرادتهم، فقد خرج الفلسطينيون خروجهم الأخير، وأعدوا لمعركتهم الخاتمة، ولبسوا لَأْمَةِ الحرب وعدة القتال، واستودعوا الله عز وجل أماناتهم، بيوتهم وعائلاتهم، وأسرهم وأطفالهم، وباتوا لا يرومون غير النصر الناجز والعودة الآمنة المطمئنة، ولا يلتفتون إلى الوعود الكاذبة والمفاوضات الزائفة، ولا يؤمنون بغير القوة طريقاً وذرى سنام العزة والكرامة سبيلاً، ولا يتطلعون لغير هزيمة العدو ودحر الاحتلال بديلاً.

 

لعل الاحتلال بات يعرف يقيناً أكثر من غيره، أن يواجه شعباً مؤمناً عنيداً، صلباً صادماً، لا تكسر له قناة، ولا تلين له عريكة، ولا يعقد له لسان أو يغلق عليه سجان، ولا يوجد في قاموسه مفردات التسليم واليأس والخضوع والخنوع، والنسيان والقبول، وقد بات في الوطن وفي الشتات ثورةً تشتد وجمرةً تتقد، وسيلاً من العمليات البطولية لا تُحد، في الوقت الذي يدرك فيه أن مستوطنيه قد فقدوا يقين البقاء، وسلامة العيش وأمن الحياة، وشهوة السلطة وعظمة الاستعلاء، وأنهم أمسوا أقرب إلى الهروب أو الرحيل، إيذاناً بالوعد الآخر الذي يؤمن به الفلسطينيون ويعملون له، ويعتقد به اليهود ويخافون منه.

 

بيروت في 10/5/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgFkST4xV-rDoafaVgS75CeLyD%2BP73Gb-GMCwiP7vjEEg%40mail.gmail.com.