Thursday 24 August 2023

{الفكر القومي العربي} المجلس الأمني الإسرائيلي يُقَلِبُ أوراقه القديمة

المجلس الأمني الإسرائيلي يُقَلِبُ أوراقه القديمة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما من حكومةٍ إسرائيلية يمينيةً متطرفة أو عماليةً يسارية وما بينهما مما توصف بأنها يمين الوسط، إلا كان مجلسها الوزاري الأمني المصغر "الكابينت"، المعروف بأنه المجلس الذي يعنى بصناعة واتخاذ أهم القرارات الأمنية والعسكرية في الكيان، ويرأسه رئيس الحكومة، ويشارك فيه إلى جانب وزير الأمن ورئيس أركان الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة، عددٌ آخر من الوزراء المعنيين، إلا كان يتطرف في قراراته، ويتشدد في سياساته، ويهدد ويتوعد ويفرط في استخدام القوة، ويقرر اتخاذ إجراءاتٍ حازمةٍ وعقوباتٍ رادعةٍ ضد المقاومين الفلسطينيين ومموليهم ومن يقف خلفهم ويحرضهم، وينظم عملياتهم ويوجه عناصرهم.

 

 

فما من عدوانٍ قام به جيش الاحتلال، حرباً واجتياحاً، أو مداهمة واقتحاماً، أو عملية عسكرية أو أمنية نفذتها وحداتهم الخاصة، إلا كان المجلس الوزاري الأمني المصغر هو الذي قرر القيام بها، وأعطى الضوء الأخضر بتنفيذها، بما في ذلك عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، واعتقال القادة والرموز الشعبية الفلسطينية، وغير ذلك من القرارات الحساسة والتي تكتنفها مخاطر شديدة، مع التأكيد على محورية شخص رئيس الحكومة ومسؤوليته المباشرة عن كل القرارات الصادرة، كونه صاحب الصلاحية الحصرية في التوقيع النهائي على القرارات والتوصيات، قبل المباشرة في تنفيذها.

 

 

لا يبدو أن مجلس الوزراء الأمني المصغر لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يختلف عن سابقيه، بل هو صورة طبق الأصل عنهم، فالذين اتخذوا قراراتٍ باغتيال وتصفية قادة الفصائل الفلسطينية والعربية والإسلامية في الداخل والخارج، وملاحقة المطلوبين وقتلهم، واستهداف العقول والطاقات الفلسطينية، وتنفيذ العمليات الخاصة، هم أنفسهم الذين اجتمعوا يوم أمس وقرروا استئناف عمليات التصفية والاغتيال التي بدأ بها أسلافهم، وكلفوا رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يؤاف غالانت بملاحقة المتورطين في أعمال المقاومة وقتلهم، سواء كانوا في فلسطين المحتلة أو خارجها.

 

 

كما لا يبدو أن قرارات "الكابينت" الإسرائيلي جديدة أو مختلفة، رغم حملة التهويل والتهديد التي صاحبتها، والتظاهر بأنها ستحقق الأمن لهم وستردع "أعداءهم"، وسيستعيد بها الجيش والأجهزة الأمنية السيطرة على المناطق الفلسطينية التي تشهد توتراً وتصاعداً في العمليات العسكرية، فهي جميعها صورة طبق الأصل عن قراراتهم السابقة، التي نجحوا في تنفيذ بعضها وفشلوا في أكثرها، فلماذا يظنون أنها اليوم قادرة على تحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه في السنوات الماضية، فهي لم تجدهم نفعاً قديماً، ولم تحقق لهم السيطرة والتفوق، ولم تستطع أن ترهب المقاومة وأن تخيفها، ولم تتمكن من إخمادها والسيطرة عليها، فما الذي تغير وتبدل حتى يعتقدون أن نتائجها ستكون مختلفة، وستكون هذه المرة لصالحهم وستردع الفلسطينيين وتضعفهم.

 

فهل استطاع السور الواقي الذي يهددون بتكراره أن يجتث المقاومة من الضفة الغربية، وأن يحقق الأمن للمستوطنين الإسرائيليين، رغم أنه كان اجتياحاً شاملاً شمل كل أرجاء الضفة الغربية، وأخضعها لإدارته العسكرية من جديد، وقام خلالها بعمليات اعتقال وتصفية واسعة، شملت عدداً كبيراً من قادة المقاومة ورموز العمل السياسي والنضالي الفلسطيني.

 

 

وهل أجدت سياسة جز العشب التي استهدفت المقاومين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، وكذلك عمليات الاغتيال الواسعة التي نفذها أرئيل شارون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

وهل استطاعت عملية كاسر الأمواج التي ما زال جيش الاحتلال ينفذها ويواصل عملياته بموجب السياسات التي وضعها، في كبح جماح المقاومين وتفكيك خلاياهم ونزع سلاحهم.

 

 

وهل تمكنت السياسات القمعية وحملات البطش والتنكيل التي لجأت إليها الحكومات السابقة، وأوصت بها المجالس الوزارية المصغرة، في دفع الشعب الفلسطيني لليأس والقنوط، والتوقف عن أعمال المقاومة

 

ألا يرى العدو الإسرائيلي ووزراؤه الحمقى الجهلاء، أنهم ما قتلوا قائداً إلا جاء أعظم منه وأقوى، وما اغتالوا مقاوماً إلا خَلَفَه عشراتٌ آخرون أشد بأساً وأقوى شكيمةً وأصلب عزيمةً، وأنهم مهما حالوا إطفاء جذوة المقاومة في منطقة إلا استعرت ناراً في أخرى، واستحالت جحيماً يحرقهم في غيرها.

 

 

ألا يرون أن المقاومين لا يخشون الشهادة بل يسعون إليها ويتنافسون عليها، وأنهم لا يخافون المواجهة بل يسرعون نحوها ويستعدون لها، وأنهم يخرجون من بيوتهم، يودعون أطفالهم، ويقبلون أيدي والديهم، وهم في طريقهم لتنفيذ عملياتهم، وهم يعلمون يقيناً أنهم لن يعودوا منها إلا شهداءً أو أسرى، فهل رأوا مقاوماً يخاف من تهديداتهم وترتعد فرائصه من قراراتهم، أفلا يرون أن أعداد المقاومين في ازدياد، وأنهم شبانٌ يتنافسون، ورجال يسارعون، وأن جذوة المقاومة تتسع مساحةً وتتضاعف أعدادها، وأن قتلى الجنود والمستوطنين في تزايدٍ ملحوظٍ، وقد باتوا يخشون من بأس المقاومة وجرأتها، ومن مفاجئاتها وقدراتها.

 

لعل الخائف الهَلِع، الجبان الجَزِع، القلق المضطرب، هو العدو الإسرائيلي لا الشعب الفلسطيني، فما تهديدات العدو هذه إلا تعبيراً عن قلقهم وخوفهم، ونتيجةً لأزمتهم الداخلية وصراعاتهم البينية، وهروباً إلى الأمام من مصيرٍ أسودٍ يترقبهم ومستقبلٍ مظلمٍ يتهددهم، فظنوا بعد أن عجز جيشهم وخابت أجهزتهم عن تحقيق الأمن لمستوطنيهم، وفقدت حكومتهم سيطرتها وتشتت قرارها، أن الحرب النفسية قد تنفعهم وتنقذهم من مأزقهم، وقد تخيف الفلسطينيين وتردعهم، وما علموا أن الفلسطيني لا يخاف التهديد ولا يخشى الوعيد، وأنه يتمنى الشهادة ولا يهرب من المواجهة، وهو الذي يهددهم ويتوعدهم، ويترقبهم ويترصدهم.

 

بيروت في 24/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojgiod%3DWCeoSnb_chdQnOKowVnD6%2BvWkKX9nRsNKLV6S5w%40mail.gmail.com.

Tuesday 22 August 2023

{الفكر القومي العربي} حوارة تنتقم وترد الصاع وتعد بالصاعين

حوارة تنتقم وترد الصاع وتعد بالصاعين

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا تنام على الظلم، ولا تقبل بالضيم، ولا تخضع بالقهر، ولا تستسلم للجور، ولا تخضعها النيران، ولا تخيفها القطعان، ولا تحيلها الحرائق إلى رماد، ولا تعدم وسيلةً للثأر ولا طريقةً للانتقام، ولا تعرف اليأس ولا تعترف بالعجز، بل تثور وتغضب، ومن بين الركام تنهض، ورغم الجراح تنقض، ومن تحت الأنقاض تنتفض، ورغم الآلام وعمق الجراح فإنها تهب على أقدامها وتقف ثائرةً، وتقول للعدو أبداً لن نركع ولجيشك لن نخضع، ولسموتريتش لن نتبع ولبن غفير لن نسمع.

 

 

إنها بلدة حوارة الثائرة ابنة جبل النار نابلس، الرابضة في جنوبه، والساكنة في ضلوعه، والحارسة لحدوده، التي ظن المستوطنون أنهم قد حرقوها بنار حقدهم، وأحالوها رماداً بسواد نفوسهم، وأنها لن تنهض من جديد، ولن ترفع رأسها من هول ما أصابها، بعد أن قرر أحد شياطينهم أن يزيلها من الوجود، وأن يشطب اسمها ويجتثها من الجذور، وشجع مستوطنيه على اقتحامها وحرق بيوتها، وتحطيم سيارتها وتدمير بيوتها، عقاباً لها ودرساً، وعبرةً لغيرها وردعاً، ولما كان لهم الخراب الذي أرادوا فرحوا وطربوا، وغنوا ورقصوا، وظنوا أنهم سينامون طويلاً، وسيحلمون كثيراً، ولن ينغص حياتهم أحد، ولن يكدر عيشهم مقاوم.

 

 

إلا أن حوارة التي لا تزيد مساحتها عن عشرة آلاف دونم، ويسكنها أقل من ثمانية آلافِ فلسطينيٍ، قررت أن تنتقم من قاتلها، وأن تثأر ممن أساء إليها، وأن تقطع اليد التي امتدت إليها واعتدت عليها، فتوالت عملياتها الانتقامية بأيدي أبنائها حيناً وبأيدي الغيارى عليها والغاضبين من أجلها أحايين أخرى، ونالت من الإسرائيليين وأوجعتهم، وأصابت المستوطنين وآلمتهم، وكوت وعي المحتلين وصدمتهم، وشجعت الثائرين وحفزتهم، وحرضت المقاومين ودفعتهم، وألحقت بالعدو خسائر ما ظن أنه سيدفعها، وقد ظن أن مستوطنيه سيكونون بمنأىً عن المقاومة وبمأمنٍ من رجالها.

 

 

لكن حوارة التي تنال من العدو دوماً، رغم كثافة قوات الجيش الإسرائيلي، كونها تقع في قلب تجمعات استيطانية وعلى الطرق العامة التي يسلكها المستوطنون، أقسمت أن تؤدب هذا العدو وأن تردعه، وأن تلقنه درساً بليغاً عله منه يتعلم وعن غيه يرجع، فجرعته من كأس المنون مراراً، ونال أبطالها من مستوطنيه كثيراً وألحقوا بهم خسائر عديدة منذ مطلع العام الجاري، وكان آخرها داخل مغسل سيارات على الطريق العام، تمكن خلالها مقاومٌ فلسطيني من قتل مستوطنين اثنين بمسدسٍ كان يحمله، وبطلقاتٍ خمسةٍ لا أكثر، وفق صور كاميرا المراقبة في المحطة، وادعى جيش العدو أنه وجد المسدس المستخدم في العملية قريباً من مكان العملية.

 

 

بات عجز جيش العدو وأجهزته الأمنية لا يقتصر فقط على فشله في إحباط العمليات العسكرية ومنع تنفيذها، على الرغم من الكم الكبير من الإنذارات ورسائل التحذير التي تصل إليه عبر مختلف الوسائل التقنية الحديثة والبشرية، ودليل عجزه نجاح المقاومة المتكرر في مختلف المناطق الفلسطينية في إحداث خروقٍ أمنية وتنفيذ عملياتٍ عسكرية ناجحة، حيث تذكر إحصائيات جيش العدو أنه يشهد العام الأسوأ منذ العام 2015، حيث قتل حتى اليوم ستةٌ وثلاثون إسرائيلياً، بعد عملية الخليل التي قتلت فيها مستوطنة.

 

 

لكن جديد العجز وأخطره يتمثل في نجاح المقاومين في الانسحاب بأمان بعد تنفيذ عملياتهم، ونجاحهم في الاختباء والتواري عن الأنظار ولو لفترةٍ قصيرةٍ، وهو ما بات يقلق الإسرائيليين ويخيفهم، فقد يقوم المنفذون بتنفيذ عملياتٍ أخرى خلال مطاردتهم، تماماً كما حدث مع الشهيد عدي التميمي، الذي نجح خلال مطاردته في تنفيذ عمليةٍ ثانية على مدخل مستوطنة معاليه أدوميم، والأمر نفسه يتكرر اليوم بعد عملية حوارة الناجحة، في ظل المخاوف نفسها من إمكانية نجاح منفذ العملية في تنفيذ غيرها، وهو أمرٌ بات ممكناً ومحل تفكير وتخطيط المقاومين جميعاً، الذين يؤثرون الشهادة على الأسر، ويفضلون المواجهة والتحدي واستمرار المقاومة حتى آخر طلقةٍ تعمر بنادقهم.

 

 

حوارة تنتقم من الإسرائيليين بطريقتها الخاصة، وبإسلوبها المميز، وفي الأوقات التي تختارها والأماكن التي ينتقيها مقاوموها، فقد اعتاد رجالها على ركوب الخطر وتحدي الصعب، فهم يعلمون أن بلدتهم صغيرة، وأن عين العدو عليها، وهو يتربص بها ويريد أن ينقض عليها ويضمها إلى مستوطناته، أو يشق منها طرقاً آمنة لمستوطنيه، الذين يعانون خلال عبورهم الشواراع القريبة منها، ورغم أنها تقع في منطقة ينتشر فيها الجيش الإسرائيلي بكثافةٍ نسبيةٍ، فقد لجأ أبناؤها إلى نصب الكمائن وقنص السيارات العابرة، واستهداف عربات الجيش ودورياته، مما ترك في نفوس المستوطنين أسوأ الأثر، إذ هم يستهدفون ويقتلون في ظل وجود الجيش الذي يدعي حمايتهم والدفاع عنهم.

 

 

لم تأخذ حوارة ثأرها بعد، ولم يبرد دمها ولم تهدأ عاصفة غضبها، ولم ترض عما قدمت وأبلت، إذ ما زال رماد أحيائها وحطام سياراتها التي أحرقها المستوطنون، والدعوات إلى إبادتها وشطبها، وشهداء شعبهم واقتحام المتطرفين لأقصاهم، وعدوان الجيش الإسرائيلي المتكرر عليهم، يذكرهم بالثأر والانتقام، ويدفعهم نحو المزيد والجديد، والرد على العدو باللغة التي يفهمها وبالطريقة التي تؤلمه، إذ لا غيرها يوقفه، ولا سواها يردعه، إلا كما قال آباؤهم الأولون وقد صدقوا "ما بيرد الصاع إلا الصاعين".

 

بيروت في 22/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojgtf9SBQSUzBnS%3D9LFz1B1jpgTzC8_rOeG_f8j3hw0tpg%40mail.gmail.com.

Saturday 19 August 2023

{الفكر القومي العربي} الأسرى ينتفضون إمَّا حياةً بعزٍ أو شهادةً بشرفٍ

الأسرى ينتفضون إمَّا حياةً بعزٍ أو شهادةً بشرفٍ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تعهد اليميني المتطرف إيتمار بن غفير منذ اليوم الأول الذي استلم فيه وزارة الأمن الوطني الإسرائيلية، أن يضيق على الأسرى الفلسطينيين، وأن يتشدد في التعامل معهم، وأن يسحب الامتيازات منهم، ويحرمهم أبسط حقوقهم الإنسانية، ويصادر ممتلكاتهم وحاجاتهم الشخصية، وأن يشتتهم ويرهقهم بعمليات النقل المفاجئة، وحملات القمع والتفتيش القاسية، وأن يتم اعتماد عقوبة العزل الانفرادي بصورة دائمة، وألا يتساهل معهم في زيارة الأهل ومقابلة المحامين، وأن يقلص الخدمات التي يحصلون عليها من "كانتينة" السجن، وأن يفرض عليهم عقوباتٍ مالية تستنزف مدخراتهم التي يستخدمونها في شراء ما يلزمهم من "الكانتينة".

 

 

وكان بن غفير قد قام في أول يومِ عملٍ له بزيارة سجن نفحة الصحراوي، وهو المعتقل الأقسى بين السجون الإسرائيلية، ليطمئن إلى التزام إدارة السجون بتنفيذ تعاليمه، والتقيد بالضوابط الجديدة التي وضعها لهم، وألا تكون هناك أي تجاوزاتٍ من شأنها التخفيف عن الأسرى، وقد بدا وكأنه قد جاء للانتقام من الأسرى والتنكيل بهم، وهو الذي كان يسعى عندما  كان نائباً في المعارضة لتشريع قانون يجيز إعدام الأسرى الفلسطينيين، وكان ولا يزال يصر على حرمان الأسرى من أي رعاية صحية أو توفير أدوية لهم، أو إجراء عملياتٍ جراحية لإنقاذ حياتهم.

 

 

إلا أن الأسرى الفلسطينيين في مختلف السجون الإسرائيلية الذين أدركوا سياسة الحكومة اليمينية الإسرائيلي، ولمسوا نوايا وزير الأمن الوطني، وشعروا بأنه يحاول أن يحرمهم كل ما تمكنوا من الحصول عليه بصبرهم وثباتهم ونضالهم وتضحياتهم وإضراباتهم المستمرة، قد قرروا مواجهته والتصدي له، وعدم الخضوع لشروطه والقبول بسياسته، والوقوف في وجهه وإحباط محاولاته، فالسكوت على إجراءاته القمعية وممارساته العنصرية سيغريه نحو المزيد والأسوأ منها، والصمت عليه جريمة في حق أفواج الأسرى الذين يزداد عددهم يوماً بعد آخر، ضمن سياسة سلطات الاحتلال الماضية قدماً في اعتقال عشرات المواطنين الفلسطينيين بصورةٍ يومية.

 

 

ليس لدى الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين وطنوا أنفسهم على الشهادة، شيئاً يخسرونه في معركتهم ضد سلطات السجون الإسرائيلية، وضد وزير أمنهم الوطني الغٍر الأهوج، الذي ظن أنه يستطيع أن يركعهم وأن يضعف روحهم المعنوية، وأن ينال من صمودهم وثباتهم، وأن يحد بسياسته الرعناء التي ظن أنها جديدة، رغم أن كل من سبقه قد لجأ إليها واستخدمها واعتاد عليها، من عمليات المقاومة خوفاً مما قد يلقونه من عذابٍ وهوانٍ في السجون، إلا أن هذه السياسات لم تؤت الثمار المرجوة منها، ولم تحقق الأهداف التي تطلعوا إليها، فلا الأسرى خضعوا واستكانوا، ورضوا بحياة الذل والهوان، ولا المقاومة توقفت ولا العمليات تراجعت، بل استمر الفلسطينيون في مقاومتهم، ومضى الأسرى في صمودهم.

 

 

يؤمن الأسرى والمعتقلون دائماً أن عندهم ما يكسبونه، وينتظرهم المزيد بنضالهم ليحققوه، فهم لن يقبلوا بحياة الذل والهوان، ولن يمكنوا العدو من رقابهم، ولن يخضعوا لسياساته، ولن يهابوا تهديداته، ولن يفرطوا في مكتسباتهم، ولن يتنازلوا عن حقوقهم، فإما حياةً عزيزةً يصنعونها، أو شهادةً شريفةً ينالونها، وهم إلى الخيارين أقرب وعن هدف العدو اللعين أبعد، والإضرابات التي خاضوها والامتيازات التي حققوها تؤكد للاحتلال وغيره أنهم لا يقيمون على الضيم، ولا يرضون الذل، ولا يخضعون للقيد، ولا يجبنون على المواجهة.

 

 

وقد علمت سلطات السجون يقيناً وخبرت طويلاً أن إرادة الأسرى أصلب، وأن عزيمتهم أقوى، وأن صبرهم على المواجهة أكبر، وأنهم لا يترددون في خوض إضرابٍ عن الطعام ولو كان طويلاً ومجهداً، ولو أدى إلى استشهاد بعضهم وتردي صحة كثيرٍ منهم، إلا أن يحققوا أهدافهم، ويجبروا سلطات السجون على التراجع عن استفزازاتهم، والتوقف عن محاولات إذلالهم وإهانتهم، والكف عن التضييق عليهم والتشدد في التعامل معهم.

 

 

لكن الأسرى والمعتقلين لا يستطيعون مواجهة سلطات الاحتلال وحدهم، فصوتهم مهما كان عالياً فإنه دون أهلهم لا يصل، ومعاناتهم مهما بلغت فإن أحداً لن يعلم بها ما لم يقف شعبهم معهم، يساندهم ويؤيدهم، ويسلط الأضواء على قضيتهم، ويشرح للعالم كله معاناتهم، فهم الذين ضحوا بزهرة أعمارهم نيابة عن شعبهم ومن أجل وطنهم، يستحقون من شعبهم كل رعايةٍ واهتمامٍ، ويلزم لتبقى قضيتهم حاضرة، ولتشكل عبئاً على الاحتلال ثقيلاً، أن ينظم الفلسطينيون في الوطن وحيث ينتشرون، والعرب والمسلمون والأحرار المؤيدون لهم ولعدالة قضيتهم، مظاهراتٍ واعتصاماتٍ، وأن يقوموا بأنشطة وفعاليات مختلفة تسلط الضوء على قضيتهم، وتلفت أنظار العالم إليهم، وتدفع المؤسسات الدولية لتحريك قضيتهم والدفاع عنهم.

 

 

حياة الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية في ظل أفضل الامتيازات وأحسن الشروط لا تطاق ولا تحتمل، فهي حياةٌ قاسية ومريرةٌ جداً، لا يقوى على احتمالها إلا أصحاب المبادئ والمثل، والمؤمنون بقضاياهم والمضحون بحياتهم من أجل شعوبهم ومستقبل أجيالهم، ولولا الإيمان في قلوبهم، والعقيدة التي تحفظهم، والوطن الذي يجمعهم، والأمل الذي يتطلعون إليه، ما كانوا ليصبروا على الأذى الذي يتعرضون له، والعذاب الذي يقاسون ألوانه وصنوفه على أيدي جلاوزة الاحتلال وإدارات السجون القمعية، وها هم بصبرهم وإصرارهم، ووحدتهم واتفاقهم، يحققون نصراً ويستعيدون حقاً، ويرغمون بن غفير غصباً ويفرضون على حكومته تراجعاً، فألف تحيةٍ لكم أسرانا البواسل، حفظكم الله أعزةً كراماً، وأعادكم إلينا أبطالاً أحراراً.

 

بيروت في 19/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjivKupUh1ZWhO-iVYszj3s%3De-Lxu5wF_sHh%2Bq%3DqyGK%2BfQ%40mail.gmail.com.

Tuesday 15 August 2023

{الفكر القومي العربي} سبعة عشر عاماً على تدمير الميركافاه وقصف ساعر

سبعة عشر عاماً على تدمير الميركافاه وقصف ساعر

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

سبعة عشر عاماً مضت على انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي تعرف لدى اللبنانيين باسم "حرب تموز"، بينما يطلق عليها الإسرائيليون اسم "حرب لبنان الثانية"، وهي التي بدأت يوم 12 تموز من العام 2006، بعد نجاح مقاتلي حزب الله في استهداف دورية إسرائيلية، وقتل أربعة من جنودها وأسر اثنين آخرين، أستخدما فيما بعد في إجراء واحدة من أهم صفقات تبادل الأسرى بين المقاومة والعدو، وانتهت الحرب يوم 14 آب/أغسطس بفشلٍ إسرائيليٍ مريع، بعد أربعة وثلاثين يوماً من الحرب الضارية دمر خلالها العدو قطاعاتٍ واسعة من المؤسسات المدنية والبنى التحتية اللبنانية، إلا أن دماره الشديد لم يجلب له نصراً، ولم يحقق له فوزاً، ولم يمنع المقاومة من تلقينه درساً قاسياً موجعاً ما زال إلى اليوم يتجرع مرارته ويشكو من نتائجه.

 

لم تتمكن حملة "الثواب العادل" الإسرائيلية من الرد على عملية "الوعد الصادق" اللبنانية، وعجزت عن تحقيق الأهداف التي انطلقت لأجلها وأعلن عنها قادتها، ونال الإسرائيليون المعتدون ثوابهم العادل واستحقوا من المقاومة الجزاء الأوفى على عدوانهم، إذ باء عدوانهم بالفشل، ومنوا بخسائر مادية وبشرية ومعنوية كبيرة، شهدت عليها بلدة مارون الراس التي أوجعتهم وأدمتهم، وتركت إلى جانب غيرها من المناطق اللبنانية جرحاً غائراً في الذاكرة الإسرائيلية، وحالات اكتئابٍ وهلعٍ وصدماتٍ نفسية ،حملها معهم إلى جانب الجرحى جنودُهم العائدون إلى المستشفيات والمصحات والعيادات النفسية.

 

صدمُ الإسرائيليون قبل سبعة عشر عاماً بقدرات المقاومة الإسلامية، وذهلوا لجرأتها وتفوقها وإقدامها واقتحامها وصمودها وثباتها، وهالتهم مفاجأتها وإبداعاتها وقدرتها على السيطرة والتحكم، والإدارة والتنسيق والمواجهة، وانهارت جبهتها الداخلية أمام كاميرا المقاومة، التي فضحتهم وصدمتهم، وكشفت حقيقة جيشهم وحالة جنودهم، وأظهرت عجزهم وضعفهم، ونجحت مصداقيتها التي قصفت البارجة الحربية "ساعر" على الهواء مباشرة في تأكيد روايتها، وتكذيب رواية جيش العدو وحكومته، ورفض تصريحات الجيش وقيادته، الذي وقف مذهولاً أمام احتراق البارجة ساعر وتدمير دبابة الميركافاة، أسطورة السلاح البري ومفخرتهم.

 

لعل العدو الإسرائيلي أدرك يقيناً، بعد أن رأى وعرف، وذاق وتجرع، ولمس وأدرك، قدرة المقاومة الإسلامية وإمكانياتها، أن حربه الثانية على لبنان هي الحرب الأخيرة، ولن يتمكن بعدها من خوض غمار حربٍ جديدةٍ ضدها، يغامر فيها بأمنه وسلامته، وسمعته وصورته، ويعرض مستقبله للخطر ووجوده للزوال، فقد تشوه جيشهم، واضطرب شعبهم، وتصدعت جبهتهم، واهتزت مكانة رئيس حكومتهم، وسقط وزير حربهم، وفضح رئيس أركان جيشهم، وتوالت خسائرهم وتواصلت جراحهم، حيث كوت الحرب وعيهم وأرعبتهم، وأعيت جيشهم وصدمت جنودهم، وأسقطت حكومتهم وكشفت عورتهم، وعلمتهم بالدم والنار أن تكرار التجربة مؤلم، ونتائج المغامرة قاسية، والحرب الجديدة موجعة إن لم تكن خاتمة.

 

كان ذلك الوعي الإسرائيلي قبل سبعة عشر عاماً، عندما كانت المقاومة الإسلامية تطلق في اليوم الواحد 130-150 صاروخاً، ولا تستطيع تعويض النقص بسهولة، وكانت صورايخها متوسطة المدى، وتشكو من دقة الإصابة ومحدودية الأثر، وتجد صعوبةً في نقلها وتلقيم منصاتها وتحديث إحداثياتها.

 

وعندما كانت تعاني من التفوق الجوي والتقني الإسرائيلي، وتتأذى من كثافة القصف والنيران من البر والبحر، الذي أحدث دماراً وخراباً في المباني والمناطق السكنية، وتسبب جنوباً في حالة نزوحٍ واسعةٍ، وألحق دماراً واسعاً في الضاحية الجنوبية لبيروت، وعطل مرافق الحياة العامة في البلاد، وطال القصف العنيف المطار ومحطات توليد الكهرباء والجسور والمقار والمستودعات وغيرها.

 

وكان ذلك عندما كانت تشكو من القتال وحدها وانشغال الجبهات عنها واستفراد العدو بها، وعندما كانت تفتقر إلى الغطاء الجوي، وعدم القدرة على القتال خلف خطوط النار، وتعاني من صعوبة انتقال مقاتليها وحركتهم نتيجة قصف الشوارع والطرقات، واستهداف الممرات البديلة والطارئة، واستخدام المسيرات وطائرات الاستطلاع في الرصد والمتابعة، وغير ذلك من العقبات والتحديات التي انتصرت عليها المقاومة في حينها، وتجاوزتها رغم غزارة نيران العدو ووحشية قصفه والحصار والتآمر العربي والدولي.

 

إذا كان ذاك حال العدو مع المقاومة قبل سبعة عشر عاماً، فكيف سيكون حاله اليوم بعد هذه السنوات المجيدة من الإعداد والمراكمة والتطوير والتجهيز، وبعد النجاحات العديدة لقوى المقاومة عموماً والإخفاقات المتكررة للعدو وجيشه، فالمقاومة اليوم مختلفة ولا تشبه تلك التي تعاركت العدو وعركته، ولا تلك التي قاتلته وهزمته، فهي اليوم أقدر وأقوى، وأكثر خبرةً وأشد مراساً، وباتت صواريخها دقيقة الإصابة وبعيدة المدى وشديدة الأثر، وأصبحت أكثر عدداً وأشد فتكاً، وأهدافها محددة وآليات إطلاقها جاهزة، وقدرتها على الإصابة الدقيقة أكيدة، وأعدادها اليومية بالآلاف، وهي كفيلة بتعطيل كل المنظومات الصاروخية المضادة وإرباكها وتعطيل عملها، وإصابة جميع الأهداف الإسرائيلية المحددة، البعيدة والقريبة، المدنية والعسكرية، والعمرانية والصناعية، وغيرها وأكثر بالقدر الذي يوسع في العدو أهدافه.

 

إن المقاومة الإسلامية التي أسقطت قبل سبعةَ عشر عاماً هيبة دبابة الميركافاة، وشطبت اسمها من أسواق السلاح الدولية، وتسببت في كسادها ورفض شرائها، والتي كسرت ذراع العدو البحرية ودمرت مفخرته الحربية، والتي أبكت جنوده وأدمت قادته، وأسقطت حكومته وتسببت في محاسبة وعقاب كبار ضباطه، قادرة اليوم بما تمتلك من صواريخ ومسيرات وقذائف موجهة، وقدرة عالية على اختراق منظومات السايبر وتعطيل البرامج الالكترونية، فضلاً عن قيادتها ومقاتليها، وحاضنتها وبيئتها، وتضامن الساحات ووحدة الجبهات، على تحقيق نصرٍ جديدٍ من نوعٍ آخر، نصر يتوج بتحرير شمال فلسطين وتطهيره من رجس المستوطنين، وعودة أهله إليه فاتحين منتصرين، ولعلهم قد أعدوا العدة لهذا اليوم وتهيأوا له، وإنهم ليرونه أقرب إليهم من أي وقتٍ مضى.

 

بيروت في 15/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhWDMeVOCJeQCvdqAKm-D_VMSt3M8XiEw-CC8GYBi1y-w%40mail.gmail.com.

Saturday 12 August 2023

{الفكر القومي العربي} البقرات الإسرائيلية الحمراء تقود عجول حكومتهم الحمقاء

البقرات الإسرائيلية الحمراء تقود عجول حكومتهم الحمقاء

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يسابق المتدينون الإسرائيليون الزمن ويستعجلون الخطى والعمل، ويحاولون طي المراحل بسرعةٍ، وتجاوز العقبات بقوةٍ، وينفذون الخطط والمشاريع فعلاً، ويكثرون من الاقتحامات عنوةً، ويزداد عددهم يوماً بعد آخر كثرةً، ويلتف حولهم ويعمل معهم يهودٌ متدينون غيرهم، ممن يؤمنون مثلهم بالأرض المقدسة والهيكل الموعود، ويعدون العدة لإعادة بنائه، ويتهيأون بالثياب الخاصة لإعماره، ويحضرون ما يلزم للمباشرة في العمل لاستنقاذه، إذ يظنون أن زمانه قد آن، ووقت إعادة بنائه قد حل، بعد ألفي عامٍ من شتاتهم وضياعه، وتيههم وفقدانه، وفناء ممالكهم وهلاك ملوكهم.

 

 

لكن المتدينين الصهاينة الذين يجاهرون بخططهم، ويعلنون مشاريعهم، ويحرضون المستوطنين جهاراً نهاراً للحاق بهم والعمل معهم، لا يعملون وحدهم ولا يخفون عن أحدٍ نواياهم، ولا يخططون سراً بعيداً عن حكومتهم، التي تساعدهم وتقف معهم، وتؤمن بهم وتساندهم، وتسهل مهامهم وتزيل العقبات من طريقهم، وتعتقل الفلسطينيين الذين يعترضونهم، وتحاسب بشدةٍ من ينكر حقهم، وتصب جام غضبها على من يكذبهم أو يشكك في معتقداتهم، أو يهزأ بهم ويتهكم عليهم، ويصف معتقداتهم بالخرافة ورواياتهم بالأباطيل، ويرى أنها أساطير مفتراه وحوادث مختلقة.

 

 

ومما يختلقونه ويدعون أنه حق، ويصرون على تنفيذه ويؤمنون أنه وعد، قصة البقرة الحمراء، التي يؤمنون أنها قربانٌ يجب عليهم أن يؤدوه، وواجبٌ يجب عليهم أن ينفذوه، استجابةً للرب وطاعةً له، الذي أمرهم –بزعمهم- أن يذبحوا ويحرقوا بقرةً حمراء، وأن ينثروا رمادها على اليهود في كل مكان، لتسهل عليهم عمليات اقتحام المسجد الأقصى بصورةٍ يومية، وأداء الصلاة والطقوس اليهودية في باحات "جبل الهيكل"، وهذا يجدونه مكتوباً عندهم في كتبهم، ومنصوصاً عليه في تلمودهم، ويؤكد عليه أحبارهم.

 

 

هذا ليس افتراءً على اليهود، ولا ادعاءً على الصهاينة المستوطنين، الذين يحتلون فلسطين وينكلون بأهلها ويغتصبون حقوقها ويدنسون مقدساتها، بل هو ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تعمل مع المتطرفين الإسرائيليين والمتطرفين اليهود في كل مكانٍ في العالم، وتحثهم على البحث عن البقرة الحمراء، ويقال أنهم فعلاً وجدوا ضالتهم في خمس بقراتٍ حمراء، وأنهم شحنوهن فعلاً من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كيانهم المغضوب، وكي يتمكنوا من تكثيف عمليات الاقتحام وزيادة وتيرتها، يلزمهم ذبح بقرة حمراء وحرقها، ونثر رمادها على اليهود لينالوا البركة، ويتشجعوا أكثر على اقتحام المسجد الأقصى، والاقتراب أكثر من "جبل الهيكل"، وتسهيل دخول البنائين وإدخال الحجارة التي سيعاد بها بناء الهيكل ورفع عماده وإعلاء أسواره.

 

 

تعتبر الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، التي يرأسها بنيامين نتنياهو على رأس تحالفٍ يضم غلاة المتطرفين وزعماء المستوطنين، أن من واجبها الحفاظ على حياة البقرات الخمس، وتأمين عيشهن في كيانهم وعدم المساس بهن، والتعجيل في ذبح واحدة منهن، ونثر رمادها لتطهير الشعب وتخليصه من خطاياه وفق العقيدة اليهودية، التي تعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية في الوعي الديني اليهودي، وإشارة إلهية مباشرة باستعادة الهيكل، وهذا يعني فتح الأبواب واسعةً أمام الاقتحامات الشعبية الغفيرة للمسجد الأقصى، والانتقال من مرحلة الاقتحامات الرمزية إلى الاقتحامات الشاملة، التي يشارك فيها عشرات آلاف اليهود من كل أنحاء العالم، بعد سقوط فتوى المتدينين "الحريديم" بحرمة اقتحام المسجد الأقصى قبل ظهور العلامة الإلهية.

 

 

يبدو أن الأمر بات غايةً في الوضوح، فالمؤامرة على المسجد الأقصى أصبحت تشتد يوماً بعد آخر، وقد تجاوز المتطرفون الإسرائيليون التفكير في زيارة ما يسمى بــ"جبل الهيكل أو جبل المعبد"، ولم يعد تشغلهم الصلاة فيه أو إقامة طقوسهم الدينية و"السجود الملحمي"، حتى أنهم لم يعودوا يريدون مقاسمة الفلسطينيين المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، إذ يريدونه لهم وحدهم خالصاً بلا شريك.

 

 

فقد انتقل الإسرائيليون إلى المرحلة الأخيرة التي بدأت ببناء "كنيس الخراب"، وتبعتها محاولات إدخال "السخلان" إلى باحات المسجد الأقصى، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة، التي تؤذن بالدخول إليها بقرةٌ حمراء أنهت عامها الثاني، خالية من أي لون آخر غير الأحمر، ولم تدخل رقبتها في طوق، ولم يجرها حبلٌ، ولم يعلم جسدها بأي علامةٍ أو ختمٍ، ولم تستخدم في أعمال الخدمة، ولم يستفد منها إنسانٌ، ولم يمنعها أحدٌ من حرية الرعي وتناول الطعام والشراب المخصص لها، ليكون دمها هو الطهارة والبداية، ورمادها المدخل إلى زمان الهيكل الثالث.

 

قد يظن البعض أن استجلاب البقرات الخمس من ولاية تكساس الأمريكية إلى الكيان الصهيوني كان بمسعى من الحكومة اليمينية الحالية، التي يتربع عليها إلى جانب نتنياهو أقطاب اليمين الديني المتطرف، إلا أن استجلابهن وإدخالهن وتخصيص مزرعة خاصة بهن، تمهيداً لذبح إحداهن قد تم في ظل حكومة يسار الوسط، وبرعاية ومتابعة من رئيسها ووزرائها المعنيين، الذين يدعون العلمانية، ويتظاهرون بأنهم يحاربون الأحزاب الدينية، والحقيقة أنهم يؤمنون بهذه الخرافات ويتبعون الأساطير الموروثة، ويعملون على تحقيقها شأنهم شأن أي حكومة يمينية أخرى.

 

 

أمام هذه الخزعبلات الخطيرة، والآيات المحرفة، والأباطيل التي تكتسي بعداً دينياً، والتي لا تقتصر على البقرات والسخلان، التي يبدو أنها توجه الحكومات وتقود الوزراء، وترسم خطوات القوى والأحزاب، ينبغي الانتباه إلى خطورة المخططات الصهيونية عامةً، التي يقوم بها ويشرف عليها إلى جانب الحكومات الإسرائيلية اليمين المسيحي المتطرف، الذين يسعون بكل السبل الممكنة والأدوات المتوفرة إلى هدم المسجد الأقصى وانتزاعه كلياً من الفلسطينيين، ولعلهم رأوا أن الفرصة باتت سانحة لتحقيق حلمهم التوراتي القديم والتلمودي الجديد، الذي يرى أن مدينة القدس خالصة لهم وحدهم، وعاصمة موحدة لكيانهم، ولكنهم يؤمنون أنها لن تكون لهم عاصمةً وموطناً، إلا إذا كان هيكلهم الثالث قائماً والمسجد الأقصى خراباً.

 

بيروت في 12/8/2023

Moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjipeKssG0WbU9-jf6cietyLK6XRmqUq7uQWiWD_NhkdZg%40mail.gmail.com.

Tuesday 8 August 2023

{الفكر القومي العربي} الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية

الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم تبق وسيلة لمواجهة الشعب الفلسطيني وقمع انتفاضته، وإخماد مقاومته وإسكات صوته، وتشتيت صفه وإضعاف كلمته، وحرف مقاومته وتشويه صورته، وإخضاعه وكي وعيه، وتركيعه وكسر إرادته، وغير ذلك من الوسائل المكشوفة والخفية، والمباشرة والملتوية، التي يتفتق عنها ذهن الجلادين ويبتدعها عقل العتاة المجرمين، إلا لجأ إليها الاحتلال الإسرائيلي واستخدمها، واعتمدها سياسةً واتخذها منهجاً، ظاناً أنه يستطيع بها أن ينهي مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يتخلص من عناده وثباته، وأن ينهي وجوده ويحارب بقاءه، وأن يمرر على الفلسطينيين عموماً سياساته ونظرياته، ويسلبهم حقوقهم ويطردهم من أرضهم، ويجتث من عمق الأرض جذورهم، فلا يبقي لهم فيها اسماً ولا في قلبها أثراً، ولا تعود عندهم قوة يقاومون بها ولا وجود لهم فيها يشرع مقاومتهم ويعزز مكانتهم ويقوي موقفهم، أو يهدد أمن وسلامة مستوطنيهم، ويعرض كيانهم للخطر ومصالحهم للضرر.

 

فقد مارس العدو الإسرائيلي على مدى أكثر من سبعة عقودٍ ضد الشعب الفلسطيني مختلف أشكال القهر والإرهاب، واعتمد كل خيارات الحرب والعدوان، وجرب ضده ما أنتجه جيشه المجرم وأجهزته الأمنية القمعية، وما جادت به الأنظمة الاستعمارية الكبرى التي تعادي الفلسطينيين وتتحالف مع الكيان، فزودته بخبراتها وأطلعته على تجاربها، وساهمت معه في تطبيقها، وسهلت له حرية العمل في بلادها، ونفذت في الخارج خاصةً بالنيابة عنه أو بالتعاون معه بعض المهام، وتكلفت بتنفيذ العديد من العمليات، أو تقوم إكراماً له وتعاوناً معه بطرد العديد من الفلسطينيين من بلادها، وحرمانهم من حق الإقامة فيها، أو تسحب جنسيتهم المكتسبة وتحرمهم من أي امتيازاتٍ أو ضماناتٍ تحميهم.

 

أما جيشه الذي تدرب وتأهل، وأجرى المناورات وحاكى العمليات، فقد داهم واجتاح، واقتحم واخترق، وغار وقصف، واحتل واستوطن، وهدم ونسف، وخرب ورّوَّعَ، واغتال وقتل، وأصاب واعتقل، وطرد وأبعد، وصادر واغتصب، وسرق ونهب، وحرق الأشجار واقتلعها من جذورها، وأتلف المحاصيل وخرب الحقول، وسمَّمَ مياه الشرب وأغرق الأراضي الزراعية بالمياه العادمة، وألحق أضراراً بالمنتجات الزراعية وتسبب في تلفها ومنع تصديرها، ومن قبل كانت قيادته قد سمحت للجنود باستخدام القوة المفرطة، والمباشرة في إطلاق النار على أي هدفٍ يشتبهون فيه، وهو الأمر الذي أشاع جرائم الإعدام الميدانية والقتل في الشوارع والطرقات، بعد أن سمحت وزارة الحرب الإسرائيلية للمستوطنين بحرية إطلاق النار على الفلسطينيين، شأنهم شأن الجيش، الذي لا يسأل عن فعلته ولا يحاسب على جريمته.

 

ولم يبق جيش الاحتلال في ترسانته العسكرية سلاحاً لم يستخدمه في حربه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، إذ استخدم الطيران الحربي والطوافات على أنواعها، وأدخل سلاح المسيرات والقذائف الموجهة الحارقة المدمرة، وقصف البيوت السكنية والمخيمات المدنية بالصواريخ، وطوع في حربه وعدوانه الوسائل التقنية العالية والتكنولوجيا المتطورة، وتحالف مع الدول الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية، ونسق مع مختلف الأجهزة الأمنية الصديقة وغيرها، البعيدة عنه والقريبة منه، التي لا تتأخر في تحديث منظوماته وتغذية منصاته، وتعويضه عن أي نقصٍ في الذخائر والقذائف والعتاد العسكري عموماً.

 

كما تقوم أجهزته الأمنية بالتضييق على المواطنين الفلسطينيين عامةً، تستدعيهم وتعتقلهم، وتحتجزهم وتمنع سفرهم، وفي السجون تعذبهم وتقسو عليهم، وتعاقبهم وتحرمهم، وتجردهم من حقوقهم وتصادر انجازاتهم، وفي مدينة القدس على وجه التحديد تخنقهم وتضيق عليهم، وتطبق عليهم قوانين قاسية بقصد طردهم وإخراجهم من المدينة، إذ تفرض عليهم ضرائب باهظة، وتهدم بيوتهم وتصادر عقاراتهم، وتمتنع عن منحهم تراخيص بالبناء أو الإعمار، وتجيز للمستوطنين بالقوة أو عبر محاكمهم العسكرية طردهم من بيوتهم والاستيلاء عليها والإقامة فيها.

 

أما المستوطنون وعصاباتهم، والمتشددون ومجموعاتهم، والمتدينون وتشيكلاتهم، فهم لا يتوقفون عن اقتراف الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، ولا يترددون في إطلاق النار عليهم وقتلهم، بعد أن شرعت قوانينهم العسكرية وأنظمتهم الداخلية امتلاك السلاح وترخيصه، وحرية استخدامه بحجة حماية أنفسهم أو الدفاع عن بعضهم، ومن قبل سكتت عن قيامهم بدهس الفلسطييين وسحلهم، أو حرق بيوتهم وتخريب ممتلكاتهم، وأجازت لهم إقامة حواجز متنقلة، وإيقاف الفلسطينيين ومصادرة مركباتهم أو إعطابها وحرقها، وسكتت عن قيامهم بالسيطرة على بيوتهم وأرضهم، وإخراجهم بالقوة منها وبناء مستوطناتٍ مكانها، واعتبرت أعمالهم مشروعة ومقاومتهم جريمة، حيث يعمد الجيش غالباً إلى مرافقتهم وحمايتهم، وتأمين سلامتهم ومنع الفلسطينيين من الاعتداء عليهم.

 

أما الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تنفذ ضد الفلسطينيين سياسات الاحتلال بكل شدةٍ وقسوةٍ، ولا تتردد في إخضاعهم لها بالقوة، وإجبارهم على تنفيذها أياً كانت طبيعتها، فقد استنفذت ضدهم أغلب وسائل الضغط والخنق، والعزل والحصار، والتجويع والحرمان، والتحريض والتأليب، والعقاب والحساب، وتدخلت قسراً في شؤون حياتهم اليومية، وسمت قراراتها على قراراتهم الوطنية فيما يتعلق بالسجلات المدنية والمواليد والوفيات والمواريث والممتلكات، وكل ما يمس الحقوق الفردية والشخصية للإنسان الفلسطيني.

 

لا نعتقد أنه بقي في جعبة هذا المحتل الغازي، المستوطن المعادي، شيئاً لم يستخدمه ضد الشعب الفلسطيني، فقد فرغت جعبته وخلت كنانته، ولم يعد يملك شيئاً جديداً يجربه ضد الفلسطينيين ليخضعوا ويستسلموا، ويقبلوا ويرضوا، ويتنازلوا ويعترفوا، ويفرطوا وينسوا، فهذا الشعب العظيم العنيد، الثابت الصلب، الصادق الأصيل، قد تكسرت على صخرة صموده كل الوسائل والأدوات، وفلت إرادته كل الأسلحة والمعدات، وردت عنه كل السهام والمؤامرات، وهزم أبناؤه كل السياسات والمخططات، فلا يحلمن هذا العدو أنه سينجح في احتلاله، وسيهنأ في مقامه، وسيطيب له العيش في بلادنا، وليدرك يقيناً أن هذا الشعب سيهزمه، وهذه الأمة ستطرده، وهذه البلاد ستلفظه.

 

بيروت في 8/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjMQ-Kct%2BvkS7NmHiQtk3Pk-oAWPWrkXXXqyz0_YbgY0Q%40mail.gmail.com.

Sunday 6 August 2023

{الفكر القومي العربي} الكيان وكابوسُ وحدة الساحات والحربُ متعددة الجبهات

الكيان وكابوسُ وحدة الساحات والحربُ متعددة الجبهات

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

رغم التفوق العسكري المهول الذي يتمتع به الكيان الصهيوني، والمخزون الضخم الذي تزخر به ترسانته العسكرية من الأسلحة المتنوعة، كالصواريخ والقنابل الاستراتيجية والتكتيكية، والتقليدية والنووية، والتقنيات العلمية الكبيرة في المجالات الإلكترونية والتكنولوجية الحديثة، واعتماده على الفضاء والأقمار الصناعية والسايبر في خوض معاركه الصغيرة وحروبه الكبيرة، وتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمده بالسلاح والعتاد والتقانة والمال، وتقف إلى جانبه في كل معركةٍ وحرب، وتعوضه عن كل نقص، وتزوده بما يحتاجه فلا يشكو من عجزٍ أو ضعفٍ أو شحٍ في الذخائر والقذائف ومختلف أدوات القتال.

 

إلا أنه بات يدرك أن هذه القوة المهولة والأسلحة المريعة لا تستطيع حمايته، ولا تمكنه من تحقيق النصر الحاسم أو النجاح في تنفيذ أهدافه الموضوعة، إلا إذا كانت حربه تقليدية، كتلك الحروب التي اعتاد أن يخوضها ضد الجيوش العربية النظامية، والقوى الدولتية قبل العام 1982، حيث كان يعمد إلى تطبيق نظرياته الاستراتيجية في الحروب، كأن تكون على أرض "العدو" وداخل حدوده، وأن تكون على جبهةٍ واحدةٍ فقط، وضد عدوٍ واحدٍ، وأن يسبقها قصفٌ مكثفٌ بالطيران الحربي، الذي كان يتميز به كثيراً، ويعتبره ذراعه الطويلة التي تستطيع أن تصل بقدراتها وصواريخها إلى أي مكانٍ بسهولةٍ، ودون أن تلقى مقاومة أو عقباتٍ تحول دون وصولها إلى أهدافها، وإصابتها إصابة مباشرة.

 

اليوم وفي الذكرى السنوية الأولى لحربه على قطاع غزة ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي أطلقت عليها اسم "وحدة الساحات"، بات العدو يدرك أن هذا الاسم لم يعد شعاراً فقط، أو تهديداً شكلياً خالياً من المضمون الفعلي، وغير قابلٍ للتطبيق العملي على الأرض، بل غدا استراتيجية حقيقية وبرنامجاً عملياً لكل قوى المقاومة العربية والفلسطينية، التي أصبح لها غرفة عملياتٍ مركزية مشتركة، تخطط وتنسق، وتدرس حالة الساحات وحاجة الجبهات، وأوضاع العدو وظروفه، وتحدد نقاط ضعفه وعوامل قوته، وتدرس خيارات التعامل معه ومواجهته، وتحدد الأسلحة التي يلزمها لقتاله والتصدي له.

 

يعرف العدو أنه محاطٌ من كل الجهات بأعداءٍ شرسين، ومقاومين أشداء، وبقوى منظمة وجيوشٍ مدربة، وهم ليسوا فقط في الجوار القريب، وإنما في الجوار والمحيط وفي القلب وداخله وفي الإقليم بعيداً عنه، ويقول كبار قادته العسكريين أن "محور المقاومة" قد طوقهم بأكثر من مائتي ألف صاروخٍ، ومثلها من الطائرات المسيرة، وهي صواريخ حديثة ودقيقة، وتستطيع أن تتسبب لكيانه بأمطار صاروخية وأسراب من الطائرات المسيرة، بما يعقد كثيراً من عمل القبة الفولاذية ومنظومات الصواريخ المضادة المختلفة، التي ستكون عاجزة عن مواجهتها والتصدي لها، وقد كشفت الحروب السابقة أن صواريخ المقاومة الصغيرة والقصيرة المدى تستطيع أن تربك عمل منظومات القبة الفولاذية وتشتتها وتحبط فاعليتها.

 

ولما كان العدو يدرك أن استراتيجية "وحدة الساحات وتعدد الجبهات" لم تعد شعاراً فقط، بل أصبحت خطراً حقيقياً يهدده، واحتمالاً فعلياً عليه أن يواجهه، فقد خصص مناورته العسكرية الأخيرة، التي أطلق عليها اسم "اللكمة القاضية"، والتي وصفت بأنها المناورة الأكبر في تاريخه، لمثل هذه الحرب التي لم يعتد عليها، حاكى فيها حرباً على أكثر من جبهةٍ وضد أكثر من عدوٍ، وأجرى مناوراتٍ حقيقية ضد قوى متماسكة، تمتلك أسلحة قوية وفتاكة، دقيقة الإصابة وشديدة الأثر وبعيدة المدى، ولديها الجاهزية يومياً لإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة، وعندها إحداثيات لآلاف الأهداف التي تستطيع الوصول إليها وتدميرها، أو إلحاق أضرارٍ بالغةٍ فيها، بما يعطلها أو يخرجها عن الخدمة.

 

كما يعرف العدو تماماً أن قوى المقاومة التي تتطلع إلى مواجهته وقتاله، وتصمم على خوض الحرب ضده ومنازلته قوى عقائدية وقومية، تضحي بحياتها ولا تفرط في أهدافها، ولا تدخر في قتالها وسيلةً ولا تتردد في خوض أي معركة، وتقاتل حتى النهاية، وتستخدم كل ما لديها من أسلحة، ومقاتلوها مدربون جيداً، وعندهم الأهلية الكافية والتجربة الكبيرة في القتال، وهم ينفذون الأوامر ويطيعون القيادة، التي تتميز عن غيرها بأن قرارها حاضرٌ وحرٌ، وجاهزٌ ومستقل، وجديٌ وفوريٌ.

 

وهي قوى تعد لهذا اليوم وتهيأ له، وتعتقد يقيناً بأنه قادمٌ لا محالة، وتعتقد أن معركتها الحقيقة هي ضد العدو الإسرائيلي، وأن أي معركة ضد غيره باطلة وغير مشروعة، وتؤمن أن النصر حليفها، وأن هزيمة العدو مؤكدة، فهو لن يستطيع الصمود والثبات على عدة جبهاتٍ وفي كل الساحاتٍ ولأيامٍ طويلة، مما سيجعل هذه الحرب هي الخاتم والنهاية، التي يتفكك فيها الكيان وينتهي، ولعل العدو يخاف هذه الحرب ويخشاها، ويدرك أنها ستكون فعلاً حرب النهاية، ولهذا يطلق عليها اسم "الحرب الكبرى".

 

ولعل أكثر ما بات يخشاه العدو هو جبهة المقاومة الداخلية وساحاتها الوطنية التي أصبحت متحدة وقابلة للانفجار في أي لحظة، بينما جبهته الداخلية أصبحت مفككة ومتصدعة وآيلة للسقوط، في ظل عدم ثقتها بالجيش الذي بات مردوعاً وغير قادر على الحسم وتحقيق النصر، بعد أن فقد هيبته وتراجعت قدرته، وحتى تصبح وحدة الساحات وتعدد الجبهات سلاحاً جديداً وفاعلاً بين يدي المقاومة، يجب الاستمرار في العمل والاستعداد، والمراكمة والمشاغلة، واستنزاف العدو وزعزعة جبهته الداخلية، وصولاً إلى اليوم الموعود والحرب الأخيرة، التي نسأل الله سبحانه تعالى أن تكون هي حرب العودة والتحرير، ومعركة النصر وتحديد المصير.

بيروت في 6/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojg-xnvTHTOZQ4FxeucU2qW%2B-F0LB9vOVyAPgKpXi3MA8w%40mail.gmail.com.