Thursday 31 March 2022

{الفكر القومي العربي} أوكرانيا تتراجعُ وفلسطينُ تتقدمُ

أوكرانيا تتراجعُ وفلسطينُ تتقدمُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

انشغل العالم كله على مدى أكثر من شهرين بالأزمة الروسية الأكرانية، التي انفجرت حرباً مدويةً وقتالاً ضارياً واجتياحاً واسعاً للأراضي الأوكرانية، وانصرفت أذهان قادة العالم كله، وعواصم القرار الدولي الكبرى إلى العملية العسكرية الروسية الواسعة النطاق، ونتائجها وتداعياتها على أوروبا وعلى النظام العالمي القديم، وألقت يوميات الحرب الدامية تداعياتها القاسية على الاقتصاد العالمي، وعلى أسواق النفط والغاز، وبدأت موجة عالية من الغلاء وجنوحاً مقيتاً نحو الاحتكار، مما أقلق الأنظمة والحكومات، وأخاف الشعوب والأمم، حتى غدت يوميات الحرب وتفاصليها، وتداعياتها وآثارها، هي الحدث العالمي الأول، التي يتصدر الأخبار ويسبق الأنباء، ويطغى على كل حدثٍ آخر.

 

شعر الفلسطينيون ببعض القلق، وانتابهم خوفٌ من أن يستغل العدو الصهيوني انشغال العالم كله بالحرب الروسية الأوكرانية، فيعمد إلى تنفيذ برامجه وتطبيق مخططاته القديمة الجديدة، سواء فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، أو البلدات المقدسية وسكانها، ومصادرة أرضهم وهدم بيوتهم وترحيلهم من بيوتهم، أو يعمد إلى شن عملياتٍ عسكريةٍ موضعيةٍ ضد أهدافٍ محددة للمقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وغير ذلك مما يمكن توقعه من محتلٍ غادرٍ ماكرٍ خبيثٍ، يحاول دوماً استغلال كل الفرص والاستفادة من كل الظروف خدمةً لأهدافه وتحقيقاً لأغراضه.

 

زاد من قلق الفلسطينيين وخوفهم غيابُ القضية الفلسطينية عن صدارة الأحداث، وتراجع الخبر اليومي الفلسطيني، رغم أنه خبرٌ دامٍ وموجعٍ، وفيه من المآسي والآلام الشيء الكثير، إذ لا يمر يومٌ لا يقوم فيه العدو الإسرائيلي بارتكاب جريمةٍ جديدةٍ تضاف إلى جرائمه الكثيرة والمتنوعة، وفاقم القلق لديهم وضاعفه هرولةُ بعض الأنظمة العربية للانفتاح على الكيان الصهيوني، وعقد اجتماعاتٍ معه، وتنظيم لقاءاتِ قمةٍ سنويةٍ تجمعهم به، وإبرام اتفاقياتٍ أمنية وعسكرية معه، في الوقت الذي يرون فيه جرائمه ويسكتون عنها، ويلمسون معاناة الشعب الفلسطيني ويشيحون بوجوههم عنها، ويصرفون النظر عنها وكأنها لا تعنيهم.

 

إلا أن الفلسطينيين الذين يؤمنون بعدالة قضيتهم، وشرف مقاومتهم، ويضحون في سبيلها، ولا يترددون في بذل الغالي والنفيس من أجلها، يعتقدون أنها قضية مقدسة، قد باركها الله عز وجل وبارك أهلها، وخص ببركته المقاتلين من أجلها والمرابطين فوق ثراها، وأنه سبحانه وتعالى يكلأها بحفظه، ويحفظها برعايته، ويقيض لها من حينٍ إلى آخر من يحفظها حيةً، ويبقيها حاضرةً، ويعيدها إلى الواجهة دوماً، مهما حاول البعض، أشقاءً أو أعداءً، أن يطمسوها ويغيبوها، أو أن يحجبوا عنها الأضواء ويخفوها، إلا أن جهودهم دوماً تبور وتخسر، وتبوء مؤامراتهم وتفشل، ويخرج من الأرض المباركة، شبانٌ وشاباتٌ يعيدون البريق إلى قضيتهم، والألقَ إلى مقاومتهم، ويسلطون الأضواء على معاناة شعبهم وحقوقه، ويفضحون العدو ويكشفون سوأته، ويظهرون ضعفه ويسلطون الضوء على عجزه.

 

عملياتٌ ثلاثةٌ فقط، في النقب والخضيرة وتل أبيب، نجحت في قتل أحد عشر مستوطناً وجندياً إسرائيلياً، وأصابت عشرات آخرين بجراحٍ متفاوتةٍ، استطاعت أن تعدل البوصلة، وأن تصحح المسار، وأن تعيد العالم كله والعدو معه إلى القضية الأولى والأهم في العصر الحديث، والتي لا يجوز الانشغال عنها بغيرها، وتقديم سواها عليها، وقد كان للفلسطينيين ما أرادوا، وحققوا غايتهم الشريفة، وأفشلوا ما عمل العدو وأعوانه على تحقيقه، فعادت القضية الفلسطينية براقةً تتصدر النشرات الإخبارية، وحيةً تشغل المسؤولين والقادة، وتقلق الأمنيين والعسكريين والمفكرين ورجال الإعلام وغيرهم، الذين كانوا يظنون أنهم طافوا على لجة الحرب الأوكرانية، وعاموا على موجة التطبيع العربية، وقمم التنسيق الأمنية والعسكرية المشتركة.

 

مخطئٌ من يظن أن الفلسطينيين سيصيبهم اليأس من الأحداث الدولية الكبرى، وستدفعهم للقنوط والانزواء الحروبُ العالمية والأزمات الدولية، وسيشعرهم باليتم والغربة تخلي بعض الأشقاء عنهم وانقلاب غيرهم عليهم، وسيعترفون بضعفهم ووحدتهم، وسيسلمون للعدو وسيخضعون له، وسيتركونه عن ضعفٍ وعجزٍ يجمع ثمار الحروب وغلة الانشغال، من شعبهم وأرضهم وحقوقهم بسهولةٍ ويسرٍ.

 

وما علموا أن سلة الفلسطينيين دوماً عامرة بشتى أنواع المقاومة وأساليب القتال وفنون المواجهة، وأنهم يفاجئونه دوماً بكل جديدٍ، ويجترحون من أرضهم المباركة كل سلاحٍ ماضٍ وعزمٍ أكيدٍ، ولعل عدوهم اليوم أشدُ خوفاً من أمسِ، وأكثر قلقاً من ما قبل الحرب، يتساءل بتخبطٍ أعمى وجهلٍ أخرقٍ، ماذا بعدُ وأين، وما القادم وبأي سلاحٍ، ومن هم الضحايا الجدد وكم عددهم، وهل نستطيع صدهم أم فقط سنكتفي بجمع القتلى ونقل الجرحى، ورفع الصوت بالتهديد والجأر بالشكوى والوعيد.

 

بيروت في 31/3/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Oji_m-spS3GTMEF_C%3D%2BtnTZ%2BqN2Ydgi29w-P_s4qfT%2B%2B1g%40mail.gmail.com.

Friday 25 March 2022

{الفكر القومي العربي} صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (5) الوساطةُ الإسرائيلية الأسبابُ والدوافعُ

صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (5)

الوساطةُ الإسرائيلية الأسبابُ والدوافعُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بدا غريباً جداً قيام حكومة الكيان الصهيوني بمحاولة الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وسعيها لإطفاء نار الحرب المحتدمة بينهما، ووقف جميع العمليات العسكرية بكافة أشكالها، وجمع ممثليهما وعقد لقاءٍ مباشرٍ بين رئيسيهما، للحوار والتفاوض حول أفضل السبل وأسرعها للخروج من الأزمة، وتجاوز المحنة التي قد تكون أوسع وأشد، وقد نافست الحكومة الإسرائيلية، لسببٍ معروفٍ وغايةٍ غير مجهولةٍ، الدولَ الكبرى على هذا الدور الحساس والمهمة الاستراتيجية، واستطاعت أن تجد لنفسها مكانة ًكبيرةً وكلمةً مسموعةً ورأياً يُعْتَدُ به، يُقَدَرُ ويفرضُ.

 

جهة الغرابة في المساعي الإسرائيلية، التي يبدو أنها قُبلت واستمرت، ولاقت من الأطراف ترحاباً وتقديراً، أنها أظهرت الكيان الصهيوني وكأنه قد اتخذ موقفاً مغايراً لموقف الولايات المتحدة الأمريكية، ومخالفاً لرأي دول الناتو، الذين يرون أن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين قد اعتدت على سيادة أوكرانيا، وأنه ينبغي مقاطعتها ومعاقبتها، وتوريطها ومحاسبتها، في الوقت الذي يجب فيه دعم القيادة الأوكرانية، ومساندة مقاومتها، ومدها بكل ما تحتاج إليه من أسلحةٍ ومعداتٍ، تمكنها من الصمود الثبات، ورد العدوان وإلحاق الهزيمة بروسيا، ولعلها لم تلقَ معارضةً من الإدارة الأمريكية على دورها ووساطتها وحسب، بل ربما نسقت معها دورها، وتكاملت معها جهودها.

 

الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن اذهاننا، أنه لا يوجد اختلاف في الموقف بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والغرب تجاه الأزمة الأوكرانية، بل إن مصالح الكيان الصهيوني في أوكرانيا دولةً مستقلة وقوية أكثر بكثير من مصالح أمريكا والغرب، فقد أصبحت أوكرانيا التي يرأسها رئيسٌ يهودي، ورئيسُ حكومةٍ وأحد عشر وزيراً آخر يهودٌ، ساحةً هامةً للنفوذ والعمل الاقتصادي والأمني والعسكري، فقد نسج الكيان الصهيوني معها علاقاتٍ استراتيجية، وأنشأ فيها قواعد خاصة، ومدها بالخبراء والمدربين، وزودها بالتقنيات العالية والمسيرات المتطورة، وزودها بمضادات الصواريخ والطيران الحديثة، وأصبح يؤمها ويزورها سنوياً مئات آلاف الإسرائيليين، ومثلهم من الأوكرانيين، اليهود والمسيحيين، الذين دأبوا على زيارة الكيان الصهيوني، عملاً وسياحةً ودعارةً.

 

أتاحت الحكومة الإسرائيلية للرئيس الأوكراني فرصة إلقاء كلمةٍ أمام أعضاء الكنيست الإسرائيلي، وسهلت نقلها مباشرةً عبر وسائل الإعلام، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الإعلام الجديد، وأتاحت لسكان العالم فرصة الاستماع إليها، ولكن هذه الخطوة التي بدت محابية لأوكرانيا، حيث لم تخلُ كلمة الرئيس الأوكراني من اتهاماتٍ وإساءاتٍ لروسيا ورئيسها، وتحريضٍ عليها وطلبٍ من أمريكا ودول العالم دعم بلاده ومساعدتها، ومعاقبة روسيا وحصارها، إلا أنها لم تَحُلْ دون قيام رئيس حكومة الكيان الصهيوني نفتالي بينت بإجراء عدة اتصالات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استغرق بعضها أكثر من ساعةٍ، ناقشا خلالها فرص التوصل إلى إنهاء الأزمة ووضع حلولٍ للمخاوف الأمنية الروسية.

 

بعيداً عن جهود الوساطة الإسرائيلية المعلنة، كانت هناك لقاءاتٌ رسميةٌ منظمةٌ بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين روس، لتنسيق قواعد العمل المشترك في سوريا، وضبط احتمالات الاشتباك والتصادم فيها، فالكيان الصهيوني يريد من مسعاه أن تبقى يده طليقة في السماء والأرض السورية، يعبث فيها كيف يشاء، يقصف بحريةٍ أهدافاً سورية وغيرها، يقتل ويدمر ويخربُ دون أن يجد عقباتٍ أو معارضة روسية لغاراته، لعلمه التام أنه لن يستطيع ممارسة عدوانه في سوريا في حال قررت موسكو منعه، أو قامت بتفعيل مضادتها وتصدت لغاراته وأسقطت طائراته ودمرت في السماء صواريخه.

 

يبدو أن الحكومة الإسرائيلية أصبحت مضطرة عملياً ورسمياً للوقوف على الحياد في الحرب الروسية الأوكرانية، وقررت أن تمتنع عن انتقاد موسكو أو المشاركة في فرض عقوباتٍ عليها، حرصاً على مصالحها، وحفاظاً على حرية عملها العدواني، وتؤيدها في ذلك الإدارة الأمريكية وبريطانيا، وربما غيرهما من دول أوروبا، الذين غضوا الطرف عن السلوك الإسرائيلي وقبلوا بدورها ووساطتها وحيادها الشكلي، لتتمكن من تمرير سياستهم المشتركة في ضرب سوريا واستهداف جيشها ومقراتها ومقدراتها.

 

وعليه فقد نرى في الأيام القليلة القادمة نتائج هذه الوساطة، وحقيقة الثمن الذي تقاضاه الكيان الصهيوني نتيجةً لهذا الموقف أجراً لحياده المزعوم ووساطته الكاذبة، وفهماً حقيقياً للأسباب والدوافع التي جعلته يتخلى عن دولةٍ نصف قيادتها من اليهود، وكثير من شعبها منهم، وكل أرضها مستباحةً لهم وسوقاً لخبرائهم وحقلاً لتجاربهم، فهذا العدو لا يعطي إلا إذا أخذ، ولا يلتزم بالعهد إلا إذا استفاد، ولا يسعى بالخير بين الفرقاء إلا لمنافعه، ولا يصلح بين المتخاصمين إلا لتحقيق مآربه، فاحذروه إن تحرك، وشِكِّوا فيه إن سكن، وانتبهوا منه إن نطق أو صمت.

 

بيروت في 25/3/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

 

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh%3Dd6FK79-0xuY%3Dw8hJEjYUtk8RnLUuQA4YpSKfKB_HDQ%40mail.gmail.com.

Wednesday 23 March 2022

{الفكر القومي العربي} أبو القيعان اسمٌ يسمو من جديدٍ

أبو القيعان اسمٌ يسمو من جديدٍ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم ننس بعدُ الشهيد الأستاذ يعقوب موسى أبو القيعان، المدرس المربي الذي استشهد في 18 يناير من العام 2017، خلال أحداث بلدة أم الحيران السبعاوية، التي انتفض أهلها وثاروا ضد الممارسات العسكرية الإسرائيلية، وخرجوا يدافعون عنها ويقفون في وجه الجرافات والآليات العسكرية، يمنعون تقدمها، ويعطلون مهمتها، ويصدون عناصر الجيش والشرطة الذين اجتمعوا لتنفيذ أوامر الهدم والجرف، إلا أنهم أطلقوا النار على جموع المحتشدين، وتعمدوا إصابتهم وقتل بعضهم، ومضوا قدماً في هدم البيوت وتجريف التجمعات السكنية، ولم يوقفهم عن جريمتهم استشهاد يعقوب أبو القيعان برصاصهم الغادر، وتجريف بيته وحجز جثمانه.

 

ظن الإسرائيليون أن دم يعقوب أبو القيعان، الذي كان يدافع عن أرضه، ويذود عن وطنه، ويضحي في سبيل بيته وأهله، سينسى وسيهمل، وأن أهله سيسكتون على جريمة قتله، وسيسلمون بالأمر الواقع، وسيقبلون بنتيجة التحقيق ومبررات الشرطة، وسيقبلون اعتذار نتنياهو وأسفه، ولن تثأر له عشيرتُهُ، ولن ينتقم له ربعُهُ، وسينشغلون وأهله بالدفاع عن سمعة ابنهم الذي اتهمته سلطات الاحتلال بأنه داعشي، وأنه حاول دهس أحد عناصر الشرطة، وأنه داهم المكان بسيارته، ولولا أنهم أطلقوا عليه النار لدهسهم وقتلهم، ولكن أهل قريته الذين شهدوا الجريمة أكدوا أن عناصر الشرطة الإسرائيلية أطلقت عليه النار عمداً وقتلته بدمٍ باردٍ قصداً.

 

مضت خمس سنوات على استشهاد يعقوب موسى أبو القيعان، كان خلالها قريبه وابن بلدة حورة محمد غالب أبو القيعان في سجون العدو وزنازينه، يعتصر ألماً ويبكي دماً وتنتفخ أوداجه غضباً، أنه بعيدٌ عن بلدته التي تجرف، وعن بيوتها التي تهدم، وعن أهلها الذين يقاومون ويتصدون بصدورهم العارية لجرافات العدو وآلياته الثقيلة، ولكن اعتقاله لم يمنعه من أن يختزن غضبه، ويراكم في صدره ثورةً، ويعقد العزم على أن يثأر لأهله وينتقم لدم الشهيد الذي سُفحَ بدمٍ باردٍ طاهرٍ روى أرض بلدته الأبية "أم الحيران".

 

قضى محمد أبو القيعان أيامه الثقيلة في السجن يعدها عداً، ويحسب ساعاتها ويترقب انتهاءها، وقد بَيّتَ النية وعقد العزم، وأبرم مع الله عز وجل عهداً لن يخلفه، ولن يتأخر عن الوفاء به مهما كانت الظروف، حتى جاء اليوم الموعود فما تردد، وأقدم على تنفيذ ما خطط، وصال على الأرض وجال كهزبرٍ يتلمظ، وأسدٍ هصورٍ يترقب، وليثٍ همامٍ يتبختر، فنال من العدو ما تمنى، وقتل منه وأصاب، وأرسل له رسائل وثبت على الأرض وقائع، وأربكه بعمليته وحيره، وتركه في دمائه يتخبط، وقد قاتل بشرفٍ وثبت بشجاعةٍ، وكانت عيونه على بلدته أم الحيران ترنو، وقلبه باسم قريبه يعقوب ينبض، يخاطبه ويناجيه، ويناديه من الأرض التي منها إليه سيرفع شهيداً، بشراك يا يعقوبُ فقد نلتُ من قاتليك، وأذقتهم كأس المنون مراً، وجرعتهم القتل زعافاً، فنم قرير العين شهيداً.

 

إنها النقب الثائرة، وبئر السبع الرائدة، لن يهنأ فيها العدو ولن يطمئن، ولن يستكين أهلها ولن يذلوا، ولن يخضعوا لعدوهم ولن يستسلموا، وسيبقى أهلها الصِيِدُ الأباةُ الكماةُ الأماجدُ شوكةً في حلقه تؤلمهم، وصخرةً صماء تتحطم عليها معاولهم، وتتبدد أمامها أحلامهم، وتنهار أمام صمود أهلها مشاريعهم وتفشل خططهم.

 

وها هي هباتهم تتوالى وانتفاضاتهم تتواصل، وصمودهم أمام عدوهم يشتد، واستبسالهم في مقاومته يتعاظم، ووعيهم في مواجهة مؤامراته يكبر، وثباتهم في التصدي لعدوانه يزداد، وهم في كل يومٍ يثبتون تمسكهم بأرضهم أكثر، ويصرون على الحفاظ عليها والبقاء فيهما مهما كلفهم الصمود من دمٍ وألمٍ، وقيدٍ وأسرٍ، لكن يوقنون أن الغد سيكون يوماً آخراً، على المحتلين عسيراً غير يسيرٍ، فما هو قادمٌ بإذن الله أشد وأقسى، وما تحمله الأيام عليهم أسوأ وأصعب، وأخزى وأنكى.

 

يا شهيداً قد غلبتهم وأنت غالبُ، وشفيت غليلنا منهم وأنت المقاوم، وسموت بروحك إلى العلياء وأنت محمدٌ العابدُ، فها أنت اليوم في جنان الخلد ترتقي وقد كنت لكتاب الله قارئاً، وفي جوف الليل لله قائماً، وفي النهار صائماً، فاختارك الله عز وجل من بين أهلك وجيرانك صفوةً، وانتقاك شهيداً، وقيضك للحق نصيراً، وقد عرفك في سجون العدو إخوانك بدوياً أصيلاً، فلسطينياً وطنياً، فارساً مقداماً، ورعاً صادقاً، طيب النفس حسن الخلق، دمثاً خلوقاً ودوداً لطيفاً، فطب نفساً يا شهيد، واهنأ في جنان الخلد رفيقاً للشهداء والأنبياء والصديقين، واخسأ أيها العدو وطأطئ الرأس ذلاً، وذُق الموتَ هواناً.

 

بيروت في 23/3/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhCdsZocYdNp-zG9baH7aGqNvjb0EsotVDBXkTsJHKShw%40mail.gmail.com.

Monday 21 March 2022

{الفكر القومي العربي} صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (4) جنونُ الأسعارِ وشجعُ التجارِ

صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (4)

جنونُ الأسعارِ وشجعُ التجارِ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كأنهم كانوا على موعدٍ معها وفي انتظارٍ لها، فما إن اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبدأت العمليات العسكرية تشتد والمعارك بينهما تحتدم، حتى بدأت نُذُرُ أزمةٍ اقتصاديةٍ عالميةٍ تلوح في الأفق، وتتراءى لسكان العالم كلهم، الذين أسرعوا إلى الأسواق والمحال التجارية، يشترون كل شيء، ويخزنون كل ما يجدون، ويتسابقون في الحصول على أقصى ما يستطيعون.

 

فالحرب الدائرة قد تتسع دائرتها، وقد تطول مدتها، وتتعقد تسويتها، مما جعل سكان العالم يشعرون بالخوف مما يجري، ويسكنهم القلق من التالي، خاصةً أن روسيا وأوكرانيا تشكلان معاً أهم مصادر القمح والغاز، ليس لأوروبا وحدها الفقيرة بالغاز، بل للكثير من دول العالم الجائعة للقمح والدقيق، والتي تنتظر بواخرها يومياً أن تعود من موانئ روسيا وأوكرانيا محملةً بالقمح والحبوب الأخرى.

 

قد يكون تصرف المواطنين عموماً تصرفاً فطرياً مقبولاً، فالإنسان في الحروب والمحن، وفي مواجهة الحصار والعقوبات، يلجأ إلى الحفظ والتخزين، والاستزادة مما يحتاج إليه احتياطاً للأيام القادمة، التي قد تحمل معها مجهولاً أشد وظروفاً أصعب، وقد تطول المحنة وتستمر الأزمة، لكنه يلجأ إلى جانب الجمع والتكديس والادخار والتوفير، إلى ترشيد الاستهلاك وضبط الإنفاق، وتنظيم الحاجات وإعادة ترتيب الأولويات، مؤقتاً إلى أن تنتهي المحنة وتزل الغمة، وتتوقف الحرب ويسود السلام من جديد.

 

لكن التجار عموماً ورجال الأعمال الذين يتحكمون في التجارة الخارجية ويهيمنون على الوكالات الحصرية، سواء كانت نفطاً أو غازاً، ودقيقاً أو حبوباً وغيرها، وجدوا ضالتهم المنشودة في الحرب الدائرة، وشعروا بأنها فرصتهم الذهبية للإثراء والغنى، ومضاعفة الأسعار ومراكمة الأموال، فأيقظوا شياطين الجشع وأبالسة الاحتكار، وفرضوا شروطهم القاسية على الأسواق الوطنية والعالمية، وأخضعوها لجشعهم وطمعهم، فغابت سلعٌ أساسية من الأسواق، وارتفعت أسعار أخرى بنسبٍ عاليةٍ، وحلقت أسعار النفط والغاز في كل مكانٍ، وانعكس ذلك كله ارتفاعاً كبيراً على أسعار كل السلع ومختلف الخدمات.

 

ليست الحرب الروسية الأوكرانية هي الحرب الأولى في السنوات الأخيرة، فقد اندلعت حروبٌ وتفجرت أزماتٌ في أكثر من مكانٍ في العالم، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون وغيرهم، هم الذين يقفون وراء تفجير الحروب وتصدير الأزمات، وزرع الفتن وخلق الصدامات، ولكن هذه الحروب لم تخلق أزمةً اقتصاديةً، ولم تتسبب في مجاعة عالمية، ولم تهدد الأمن والاستقرار العالمي في أكثر من مكان، بل اقتصرت آثارها على المنطقة ومحيطها، بينما نَعُمَ العالم في غيرها بالأمن والسلام والاستقرار.

 

هذا يقودنا حتماً إلى أن هناك من يخطط ويدبر وينظم ويوجه، ويريد قصداً أن يدخل العالم كله في أزمة اقتصادية كبيرة، وأن يهز الأمن ويهدد الاستقرار العالمي، ويشكل رأياً عاماً عالمياً دولياً مع فريقٍ وضد آخر، رغم أنني لا أقلل أبداً من تداعيات الحرب الطبيعية، فلكل حربٍ تداعياتها وآثارها، وانعكاساتها السلبية على أطرافها والمحيطين بها، خاصةً إذا كانت الحرب تنذر بحربٍ عالمية، وتستخدم فيها أسلحة فتاكة مدمرة، تحدث تغييراً حقيقياً على الأرض، وترسم في السياسة مساراتٍ أخرى.

 

إنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الاستفادة من كل المعطيات، وتسخير كل القدرات وتوظيف كل الظروف، خدمةً لها، وتنفيذاً لأهدافها، وحرصاً على مصالحها الخاصة، وهي التي لا تتردد في قتل شعبٍ بأكمله، وتدمير بلادٍ على أهلها، ونهب خيراتها وتخريب اقتصادها، ولا يعنيها ملايين الضحايا وحجم الخراب والدمار الذي تخلفه وراءها، وهذا ما رأيناه جلياً في عدوانها على العراق، الذي اتهمته لتغزوه، وضيقت عليه وحاصرته لتضعفه، وكذلك أفغانستان وغيرها.

 

لا أبرئُ الكيان الصهيوني من هذه المؤامرة، التي يتحكم فيها رأس ماله الكبير، وشركاته العملاقة متعددة الجنسيات، التي تنشط غالباً في ظل الحروب وأثناء الأزمات، وتجد نفسها خلالها قادرة على فرض إرادتها وطرح شروطها، وتاريخهم في الحروب العالمية والأزمات الدولية يؤكد أنهم لا يظهرون إلا لمزيدٍ من التأزيم، أو للسيطرة وقطف الثمار، وتحقيق أكبر المكاسب السياسية وأكثر المنافع المادية.

 

لستُ موالياً لروسيا ولا مؤيداً لها في غزوها لدولةٍ يعلن رئيسها أنه مظلومٌ كما إسرائيل، وأنه يؤيدها ويقف معها في حربها وعدوانها على الفلسطينيين، ولا أُبرئُها من تحمل جزءٍ من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن ما يحزنني ويؤلمني كثيراً أن أسواقنا العربية سبقت غيرها، وأعلنت رفع أسعار بضائعها قبلهم، وربما أكثر من سواهم، الأمر الذي انعكس سلباً على شعوبنا، وقهراً لأهلنا، وضاعف من معاناتهم المستأصلة وأزماتهم المستفحلة، وقد كان حرياً بتجارنا، ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل، شهر الخير والإحسان والعمل الكريم، أن يكونوا رحماء بأهلهم وبارين بهم، ومخلصين لشعوبهم وحريصين على أوطانهم.

 

بيروت في 21/3/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

 

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojj2aUvD%2Bkw%2BAheEh7jTTBqWb28ZmLLch%3D9AFMDUefAHEw%40mail.gmail.com.

Friday 18 March 2022

{الفكر القومي العربي} صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (3) أوكرانيا الأوروبية أفغانستان الإسلامية

صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (3)

أوكرانيا الأوروبية أفغانستان الإسلامية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يوماً بعد آخر تغوص الأقدام الروسية الثقيلة في وحول المستنقعات والغابات الأوكرانية، بما يعيدها بسرعةٍ إلى الماضي القريب نهاية العقد الثامن من القرن الماضي، عندما غزت قواتها السوفيتية عام 1979 الأراضي الأفغانية، على أمل أن تنتهي من مهمتها بسرعةٍ، وتعود أدراجها إلى مواقعها وثكناتها العسكرية، دون أن تتورط في حربٍ طويلةٍ، واستنزافٍ مؤلمٍ، تتكبد فيه خسائر كبيرة، وتطمئن إلى تحقيق أهدافها المرجوة واستقرار الأوضاع الأمنية، بعد أن تنزع سلاح الدولة الأفغانية، وتفكك الفصائل المسلحة، وتنهي نفوذها على الأرض، وتثبت نظام نجيب الله الموالي لها في كابول.

 

يبدو أنها نفس الأهداف والغايات تتكرر في أوكرانيا، فقد أقدمت موسكو على تنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ واسعة النطاق في أوكرانيا، أو قامت بإعلان الحرب عليها وفق تعابير أمريكية وأخرى غربية وأوكرانية، فهي تشعر بالقلق على أمنها القومي الاستراتيجي من جهة الشرق الأوروبي، وتريد العودة إلى الاتفاقيات السابقة التي تلت تفكيك حلف وارسو، والتي قضت بعدم ضم دول حلف وارسو "السابقة" إلى حلف الناتو الغربي، ووجوب نزع أسلحتها ومحافظتها على الحياد التام، وهو ما لم يتم الالتزام به أمريكياً وأوروبياً، بل إن ما حدث هو عكس ما تم الاتفاق عليه، حيث أصبحت دول حلف وارسو القديمة، أشواكاً قاسية في حلق الدولة الروسية، ونقاط ضعفٍ في خاصرتها الأمنية والعسكرية.

 

لا تنفك القيادة الروسية تكرر ذات الأهداف التي أطلقتها إبان غزوها لأفغانستان، فهي تريد أن تكون الدولة الأوكرانية، التي ساهمت في إنشائها وإعلاء شأنها وتسليحها وتطوير قدراتها، دولةً محايدةً منزوعة السلاح، لا تهدد أمن روسيا القومي، ولا تتحالف مع أعدائها، ولا تستخدم أراضيها لأي عملياتٍ معادية لروسيا أو مقلقة لها، ولهذا فإنها تبحث عن ضماناتٍ حقيقية، أقلها تنصيب نظامٍ أوكراني موالي لها، يضمن أمنها، ولا يخرق الاتفاقيات الموقعة معها.

 

لكن يبدو أن الحسابات الروسية قد تعثرت أمام المخططات الأمريكية والأوروبية، التي تريد توريط روسيا في حربٍ طويلة الأمد، تستنزف فيها قواتها، وينهمك فيها جيشها في حروبٍ غير متناظرة، تنهكه وتتعبه، وتفككه وتضعفه، وهو ما يبدو فعلياً وعملياً على الأرض، فالعمليات العسكرية الروسية قد خفت حدتها، وتراجعت وتيرتها، وتجمدت قواتها على أطراف المدن ومداخلها، وأعيتها المقاومة الأوكرانية وأوجعتها، بعد أن زودتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بأسلحة دقيقة وفتاكة، ومضاداتٍ متطورةٍ، تستطيع أن تصيب أهدافها بدقةٍ، وأن تلحق بالخصم إصاباتٍ بليغةٍ، الأمر الذي أربك القوات الروسية، وعَطَّل َخططها، وأَخَّرَ تقدمها، وربما سيضطرها الأمر إلى أن تعيد التفكير في خططها وآليات عملها.

 

وقد نشهد في الأيام القليلة القادمة، ما لم تحسم موسكو أمرها، وتتخذ قرارها، وتتمكن من اجتياح العاصمة كييف والسيطرة عليها وعلى المدن الكبرى الأخرى، وتنحية الرئيس الأوكراني الشاب، الذي غدا رمزاً وعامل وحدةٍ وطنيةٍ، تراجعاً في الأداء العسكري الروسي، وإحباطاً كبيراً بين الجنود، وخسائر مادية كبيرة وأخرى في الأرواح مكلفة، مما سيضطر القيادة الروسية لاستخدام أسلحةٍ فتاكةٍ تغير مجرى الأحداث، وتعجل في حسم المعركة، وتلجم الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا على التوقف عن أعمال الدعم والإسناد والتزويد بالصور والمعلومات والإحداثيات، وتجنيد المرتزقة ودفع المقاتلين الأجانب الذين بدأوا يتوافدون بأعدادٍ كبيرة للقتال إلى جانب الأوكرانيين والدفاع عن مراكز المدن والحيلولة دون سقوطها التام.

 

مما لا شك فيه أن روسيا باتت اليوم أمام أفغانستان جديدة، لكنها أضحت في مواجهة خصوم جددٍ وأعداء آخرين، ليسوا إسلاميين أو متطرفين، وليسوا عرباً وأفغانيين، بل غربٌ يشبهونهم ومسيحيون مثلهم، فأوكرانيا مختلفة عن أفغانستان نسبياً، فهي دولة أوروبية "مسيحية"، قوية ومتطورة، ولديها إمكانيات وعندها قدرات، وتفهم الطبيعة الروسية وتتحدث "جزئياً لغتهم، وحاجة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لها كبيرة.

 

فهي واحدة من البوابات الشرقية لأوروبا، وأحد أهم بوابات حراسته الأمنية، الأمر الذي سيجعل مبررات حرب الاستنزاف كثيرة، أقلها إشغال موسكو عن أي مواجهة أمريكية محتملة مع الصين أو إيران، ومنعها من أي تدخلٍ في أي حربٍ محتملةٍ معهما تأييداً أو مساعدةً لهما، فهل سيطفو الدب الروسي على سطح المستنقع الأوكراني، وستنجح موسكو في مهمتها وتتجنب المؤامرة الغربية عليها، أم ستسيخ أقدامها وتغرق عميقاً في المستنقعات الخطرة، وستلحق بها اللعنة الأفغانية إلى قلب أوروبا.

 

بيروت في 19/3/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

WhatsApp: +96171261359

 

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgMhATPEyM7y%2B3iDw111iDAK72Xh8fspDve4rZmowmDsw%40mail.gmail.com.

Saturday 12 March 2022

{الفكر القومي العربي} صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (1) الدورُ الأمريكيُ الخبيثُ

صفحاتٌ من الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ (1)

الدورُ الأمريكيُ الخبيثُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس هناك أدنى شكٍ في أن الإدارة الأمريكية هي التي فجرت الأزمة الروسية الأوكرانية، وأنها هي التي أشعلت فتيل الحرب بينهما وسَعَّرت أواراها، وأنها تتحمل كامل المسؤولية عن تدهور الأوضاع العامة في شرقي أوروبا، وأنها التي مارست التعبئة والتحريض، والفتنة والتخريب، وأنها التي نفخت في الكير وأغرت الحكومة الأوكرانية وخدعتها، ومَنَّتهَا وكذبت عليها، ووعدتها وأخلفت معها، فقد كانت معنية بالحرب وحريصةً عليها، ومهدت لها ويسرت السبل لاندلاعها.

 

مارست الإدارة الأمريكية الأكاذيب والأباطيل، ونشرت أقمارها الصناعية وبثت صورها الكاذبة وأخبارها الملفقة وتصريحاتها التحريضية، ونقلت صوراً مضللةً وحشوداتٍ مختلفةً، لتوحي بأن الحرب قادمة، وأن الاجتياح الروسي لأوكرانيا بات مؤكداً، وأن الحرب أصبحت مسألة وقتٍ ليس إلا، وضربت لاندلاع الحرب أكثر من موعدٍ وحددت أكثر من تاريخ، وهي أكثر ما تكون رغبةً في اندلاعها، وأحرص ما تكون على تجنبها وعدم وقوعها، فهي المستفيدة منها والرابحة من تداعياتها.

 

خُدِعَ الأكرانيون وصدقوا الدعاية الأمريكية، وشعروا بأنها معهم تؤيدهم وتنصرهم، وأنها ستقف إلى جانبهم وتساعدهم، وأنها لن تتركهم وبلادهم نهباً للروس وطعماً لآلتها العسكرية الجبارة، وأن حلف الناتو القوي المترامي الأطراف حتى حدودها، والذي تترأسه أمريكا، سيقف معها وستدافع عنها، وأنها بهما، أمريكا والناتو، ستكون قويةً وقادرةً على صد الغزو الروسي إن وقع، والصمود في وجه آلته العسكرية إن هاجمت واعتدت، وقررت الغزو والحرب والاجتياح.

 

لكن الإدارة الأمريكية، شأن كل الإدارات التي سبقتها، تمارس السياسة بخبث، وتتقن الدبلوماسية بدهاء، وتمتهن بحنكةٍ ودرايةٍ فن خلق الفتن وإشعال الحروب، ولا يعنيها خسائر الآخرين وضحاياهم، بقدر ما تعنيها وتدفعها مصالحها ومنافعها، وأهدافها وغاياتها، وهي في الغالب أهدافٌ معاديةٌ، وغاياتٌ تضر بأهل المنطقة وسكان الأرض وأصحاب الحقوق، والتجارب على ذلك كثيرةٌ وعديدةٌ، ولكن الشعوب تنسى أو الأنظمة والحكومات تسكت وتتغافل.

 

اندلعت الحرب واجتاحت القوات العسكرية الروسية الأراضي الأوكرانية، فبلع الأمريكيون ألسنتهم، وتخلوا عن مسؤوليتهم، وتراجعوا كالشيطان عن وعودهم، وأنكروا أنهم تعهدوا بحماية الأوكرانيين والدفاع عن بلادهم، وبدأوا بشنِ حربٍ دعائية تحريضية ضد روسيا، وأوفدوا للمهمة حلفاءهم من كندا وصولاً إلى بولندا، مروراً بألمانيا والعديد من المسؤولين في حكومات دول أوروبا الغربية، ولكنهم بدوا ضعفاء في مهمتهم، ومترددين في جهودهم، وغير واثقين من نجاحهم، بعد أن رأوا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ماضي بحزمٍ، ومصر على مواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف التي أعلنها وحرك جيوشه من أجلها.

 

لن تتوقف الجهود الأمريكية الخبيثة التي قرعت طبول الحرب وأشعلتها، عند دوي المدافع وهدير الطائرات، وأصوات الانفجارات وعديد الضحايا وحجم الخراب، بل ستواصل مهمتها بخبثٍ ودهاءٍ، وهي تظن أنها ستنتصر فيها كعادتها، وستتفوق فيها وتنتصر، وتحقق أهدافها، وتعود كما كانت وتريد، سيدة العالم الأولى، وصاحبة القوة الأعظم والقرار الأوحد، وقطب العالم الوحيد الذي يتحكم في القرارات ويقرر مصير الشعوب ومآلات الدول والحكومات، ولكن الواقع هذه المرة قد يختلف، والنتيجة قد تكون مغايرة، فالدروس قد حفرت مكانها في الأذهان، وتركت آثارها على الأدمغة والأجساد، فلن تنساها الشعوب ببساطة، ولن تمر على خصومها التقليديين بسهولة.

 

إنها ليست أوكرانيا فقط، بل هي السياسة الأمريكية ذاتها في كل مكانٍ، فهم الذين يؤججون الفتن، ويفتعلون الأزمات، ويخلقون التناقضات، ويفجرون الحروب، ويفرضون السياسات الظالمة والحلول العنيفة، وهم الذين يختلقون الخصوم ويناصبون الشعوب العداء، ويمارسون ضدهم مختلف أنواع الظلم والعسف والعدوان، يحاصرون البلاد ويفرضون العقوبات، ويفسدون العلاقات، ويخربون الاقتصاد، ويتطلعون إلى نصرة الظالمين ومساندة المعتدين، كشأنهم المعهود مع الكيان الصهيوني، الذي ينصرونه بظلمٍ على الشعب الفلسطيني المظلوم، ولعلنا في قراءتنا لصفحات الحرب الروسية الأوكرانية، نتلمس كعربٍ وفلسطينيين ينفعنا، ونلتفت إلى ما يفيدنا ويحقق أهدافنا، شرط أن ندرس الأوضاع برويةٍ، وأن نقرر تجاهها بحكمةٍ ومسؤوليةٍ.

 

بيروت في 11/3/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojg98%3DPB6v%2BbqdMdfd7_UZ4VuSSc8KLJLYQRSxMLLHPG1g%40mail.gmail.com.

Thursday 3 March 2022

{الفكر القومي العربي} Fw: مجلة الوعي العربي : أسيا تايمز : روسيا مستعدة لكسر مقاومة أوكرانيا




مجلة الوعي العربي : أسيا تايمز : روسيا مستعدة لكسر مقاومة أوكرانيا
 


From: mohamed el-sharkawy <sharkupper@hotmail.com>
Sent: Wednesday, January 26, 2022 3:52 PM
To:
Subject: مجلة الوعي العربي : احياء ذكرى الهولوكوست فى قلب القاهرة