Friday 30 June 2023

{الفكر القومي العربي} رسائلٌ شعبيةٌ فلسطينيةٌ صارمةٌ إلى العدو عَلَّه يَعِي ويفهمُ

رسائلٌ شعبيةٌ فلسطينيةٌ صارمةٌ إلى العدو عَلَّه يَعِي ويفهمُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

رغم الحملات العسكرية الإسرائيلية المسعورة والمتواصلة عليهم، التي بدأت بالسور الواقي ولم تنته بكاسر الأمواج، واستمرت بعمليات الاقتحام والاجتياح والقتل والاغتيال والاعتقال، والمصادرة والحرق والتخريب والنسف والتدمير، وحملات الترويع والترهيب والتهديد والوعيد التي يطلقها السياسيون المتطرفون، ويمارسها اليمينيون المتشددون، وينفذها المستوطنون المجرمون، وترعاها الحكومة ويحميها الجيش، ويسكت عنها المجتمع الدولي وتشجع عليها دولٌ عظمى وتؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ينجح الفلسطينيون دائماً في القدس والضفة الغربية كما في غزة وعموم فلسطين وعلى حدودها الشمالية والجنوبية، في استهداف العدو ومباغته، والنيل منه ومواجهته، بجدارةٍ منقطعةٍ النظير، وجرأةٍ تحير وتربكُ، وتطورٍ في الوسائل والأدوات لافتٍ يثير الانتباه، وتفوقٍ صادمٍ يعطل المخططات، وينفذون ضده أقوى العمليات العسكرية وأكثرها دقةً وصعوبةً، وأعقدها تخطيطاً وتنفيذاً، ويصلون إلى أبعد المناطق ويطالون مختلف الأهداف، رغم التحصينات والإجراءات، ووسائل الحماية وأجهزة التنبؤ المبكر، وعمليات التنسيق والرصد والاستطلاع، والتنصت والتصوير والمراقبة من الجو والأرض، وعمليات التجسس بالمناطيد والطائرات المسيرة وأجهزة التنصت على الهواتف، وبرامج المتابعة على وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الانترنت.

 

تلك هي الرسائل الشعبية الفلسطينية الحرة للعدو الإسرائيلي، التي قد تكون مختلفة كلياً عن الرسائل الرسمية المقيدة التي تصله بترددٍ وعلى استحياء، وبخجلٍ أو خوفٍ، وتجبن عن رفع الصوت في وجهه أو التلويح ضده بالعصا، بل تداريه أحياناً وتجبن، أو تخنس وتسكت، وتصمت أو تهمس، مخافة غضبه والولايات المتحدة الأمريكية، ومراعاةً للظروف وخضوعاً للواقع.

 

ولكنها قد تهبط وتسقط، وترتكس وتنحط، فتثور له وتغضب، وتدين وتستنكر، وتتفهم مخاوفه وتبرر عدوانه، وتستجيب له وتنفذ مطالبه، وتنشغل عنه أو تعمل معه، وتغمض عيونها عن جرائمه وتساعده، فتلاحق المقاومين وتعتقلهم، وتضيق عليهم وتحاصرهم، أو تدل عليهم وتساعد في الوصول إليهم، وهو الأمر الذي يكشف سوأتها ويفضح عورتها ويشوه صورتها، ويظهرها أمام شعبها وأمتها بصورة المتآمرة على الحقوق الوطنية، والمتعاونة مع العدو ضد شعبها.

 

إلا أن الرسائل الشعبية الفلسطينية التي يصدرها عامة الفلسطينيين وغالبيتهم، رسائلٌ واضحةٌ وصريحة، وصارمة وحازمة، ودقيقة ومباشرة، وقوية وجريئة، وشجاعة وصادمة، ومتعددة الأشكال ومختلفة العناوين، يصرون فيها على حقوقهم، ويتمسكون فيها بأرضهم، ولا يتخلون عن وطنهم، ولا يفرطون بمقدساتهم، ولا يقبلون تدنيسها والإساءة إليها، ولا يترددون في سبيل الدفاع عن حياض وطنهم وحرمة مقدساتهم، أو التضحية في سبيله بحياتهم وأرواحهم، ويرون أن وطنهم جزءٌ من عقيدتهم وآية من كتاب ربهم، لا يجوز التفريط فيه أو التقصير في الدفاع عنه.

 

أغلب الرسائل الشعبية الفلسطينية التي تصل إلى العدو، ينفذها شبانٌ يافعون ومقاومون شجعان، وثائرون غاضبون، وغيرهم من الشيب والولدان، والرجال والنساء، رسائلٌ ممهورة بالدم ومذيلة بالشهادة أو موسومة بالاعتقال، وهي رسائلٌ محددة الهدف ومعروفة الهوية، وموجهة إلى العدو الإسرائيلي مباشرةً، مفادها أن الفلسطينيين رغم ما يواجهون ويلاقون، مصرون على مواصلة مقاومتهم، وتعزيز نضالهم، وتطوير عملياتهم، وتحدي كل الإجراءات التي يحاول العدو فرضها عليهم، لتحجيم مقاومتهم، ونزع سلاحهم، وتفكيك مجموعاتهم، وتجفيف منابعهم، تمهيداً للقضاء عليهم وإحباطهم، وكي وعيهم وقتل الأمل في قلوبهم.

 

يدرك الفلسطينيون أنهم يقاومون عدواً شرساً عنيداً واحتلالاً بغيظاً، مدججاً بالقوة ومحصناً بالحلفاء، وأنه يصارع من أجل البقاء ويقاوم ليحصن الوجود، لكنهم يصرون على مقاومته، والثبات في وجهه رغم عدوانه، ويثقون أنهم سينتصرون عليه وسيخرجونه من أرضهم، وسيطردونه من ديارهم، وما عملياتهم التي يقومون بها ويواظبون عليها، إلا رسائل له صارمة وعنيدة، عله يفهم ويعي، ويدرك أن هذه الأرض ليست له، وأن هذه البلاد ليست لمستوطنيه، وأنهم ليسوا إلا غزاةً مستعمرين، وغرباء وافدين، وأنهم شاءوا أم أبوا، وطال الزمن أو قصر، فإنهم سيخرجون وسيرحلون، ولكن بعد أن تسوء وجوههم، وينتقم الفلسطينيون منهم.

 

تلك هي سنة الشعوب ومسيرة الأمم التي يعيها الفلسطينيون ويؤمن بها المقاومون، وصفحات التاريخ على ذلك تشهد، فما من شعبٍ أحتلت أرضه إلا بالتضحية والفداء تحررت، وما من عدوٍ أو غازٍ مهما بغا وطغا وعلا واعتدى، إلا هزم واندحر، وطرد أو رحل، وهو ما يريد الفلسطينيون إثباته برسائلهم والتأكيد عليه بمقاومتهم، وليس أجرأ منهم جناناً وأصدق لهجةً وأقوى حجةً وأوضح بياناً.

 

لكن العدو الذي يراهن على القوة، ويتبجح بالغطرسة، ويتمادى بالظلم والعدوان، لا يدرك هذه السنة ولا يعيها، ولا يفهم التاريخ ولا يريد أن يدرس حقبه، ولا أن يتعلم من تجارب الشعوب أو يتعظ من مصائر الاستعمار، ورغم ذلك فإن غيه لن يطول، واستعلاءه لن  يدوم، وكيانه سيتفكك ووجوده سيزول، ومصيره محتوم وخاتمه قريبة، وسيجد نفسه أمام إصرار الفلسطينيين خاضعاً، وفي مواجهة ثباتهم صاغراً، فهذا الشعب لا ينكس رأسه، ولا يحني قامته، ولا تهون عزيمته ولا تلين عريكته، ولا يعرف اليأس إليه طريقاً، ولا القنوط إليه سبيلاً. 

بيروت في 30/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgqQdnpJzy%3D%2BVVc77fEf6z_EwH92L7y0H_HKf0y-H3-9Q%40mail.gmail.com.

Thursday 15 June 2023

{الفكر القومي العربي} إخراجُ غزةَ من الصراع غايةٌ إسرائيليةٌ ومساعي دوليةٌ

إخراجُ غزةَ من الصراع غايةٌ إسرائيليةٌ ومساعي دوليةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

شاعت في الأيام القليلة الماضية أنباءٌ متضاربة نفتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حول مساعي التوصل إلى اتفاقية هدنة طويلة الأمد بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، ونشرت وسائلٌ إعلامية عديدة، بصورةٍ مقصودة ومتعمدة، ولغاياتٍ معلومةٍ وأهدافٍ محددة، تفاصيل الحوارات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة حسب وصفها، وذكرت بأن القاهرة التي استضافت قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي عرضت عليهما اقتراحاً بعقد هدنة طويلة الأمد مع "الجانب" الإسرائيلي، وتباينت التقارير المسربة والمقالات المكتوبة حول مدة الهدنة بدءً من سبع سنواتٍ وصولاً إلى ثلاثين سنة، مقابل تسهيلاتٍ وعطاءاتٍ مختلفة يقدمها العدو الإسرائيلي، وتساهم في كثيرٍ منها الولايات المتحدة الأمريكية ودولٌ أوروبية وعربية بالإضافة إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها.

 

لعلها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن هدنةٍ طويلة الأمد بين الجانبين، أو تهدئةٍ متفاهمٍ عليها بين الطرفين برعايةٍ مصريةٍ ومباركةٍ أمريكيةٍ وإقليمية ودوليةٍ، فقد سبقتها عشرات التوقعات عن قرب التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بمختلف الأشكال وعلى كل الصُعد والجبهات بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، إلا أن الحديث هذه المرة مختلفٌ نسبياً، كون هذه التسريبات لا تأتي خلال حربٍ أو إثر عدوانٍ إسرائيلي على قطاع غزة، وليست خلال موجة تصعيد عنفٍ وإطلاق صواريخ من قطاع غزة على مدن ومستوطنات الغلاف، فالأوضاع الآن شبه هادئة بعد انتهاء حرب الأيام الخمسة، ونجاح مصر في تثبيت وقف إطلاق النار بين العدو وحركة الجهاد الإسلامي.

 

أي أن الحديث عن الهدنة يأتي هذه المرة في ظل أجواء هادئة على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، بما يشير إلى أن هناك من يفكر ويخطط للاستفادة من فترة الهدوء السائدة في فرض اتفاقٍ "أمني-اقتصادي" بين الجانبين، يطمئن العدو الإسرائيلي من خلاله على أمنه من الناحية الجنوبية، ليتفرغ للعمل على جبهاتٍ أخرى، تتجاوز القدس والضفة الغربية التي ينشط فيها ليل نهارٍ لتهويدها ومصادرة أراضي أهلها وبناء المزيد من المستوطنات فيها وتوسيع القديم منها، ومواصلة العمل على زيادة عدد المستوطنين القاطنين فيها إلى قرابة مليون مستوطنٍ، إضافةً إلى عمليات الاجتياح والمداهمة وقتل واعتقال نشطاء المقاومة فيها.

 

يتطلع العدو الإسرائيلي بتسكين جبهة غزة للعمل على جبهاتٍ أخرى يرى أنها خطرة جداً عليه، وأنها قنابل موقوتة قد تنفجر في وجهه في أي لحظةٍ، ويريد توجيه ضرباتٍ استباقية حاسمة ضدها، ويقصد بها الجبهات الشمالية في سوريا ولبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران، التي يشكل مشروعها النووي وتطورها العسكري وتحالفاتها الإقليمية كابوساً مرعباً له، لهذا فهو يعمل على تنفيذ مخططاته لمواجهة إيران وتدمير مشروعها النووي داخل حدودها، أو التصدي لها واستهداف القوى المتحالفة معها والمنتسبة إليها خارج حدودها كحزب الله في لبنان، ومواصلة توجيه ضربات أمنية ضدها في أكثر من مكانٍ في العالم، أو عسكرية ضد أهدافٍ لها في سوريا.

 

أمام هذه الأجندة الإسرائيلية الضاغطة، وفي مواجهة الأخطار الداهمة ومعالجة الملفات الساخنة، وحتى يتفرغ لها ويركز عملياته ضدها، يريد العدو أن يُسَكِّنَ المقاومة في قطاع غزة، وأن يهدئ جبهتها، ويخلق حالة من الأمن المؤقت والسلام الكاذب فيها، ليس لأنه مطمئنٌ إليها ولا يريد أن يستهدفها ويقضي عليها، بل إنه يتمنى تقويضها وتفكيك قواها وتدمير قدراتها والقضاء على تهديداتها، والشفاء من الصداع المزمن الذي تسببه له، فهي تشكل عليه خطراً حقيقياً وكبيراً، كونها الأقرب إليه والأقدر على إيلامه وإرباكه، والأكثر استنزافاً له وإشغالاً لجيشه، وقد شن ضدها العديد من الحروب والمعارك، لكنه فشل وعجز عن إخضاعها وتحقيق أهدافه المرجوة بالقوة وبالمزيد من القوة ضدها.

 

إذن يريد العدو بخبثٍ ودهاء، ومكرٍ وخداع، أن يقصي قطاع غزة عن الصراع ويبعدها عن المواجهة، مقابل جزرةٍ مسمومةٍ يقدمها إليها وتسهيلاتٍ يعدها بها، ووعودٍ يطلقها ويتعهد بها، يعلم الجميع أنها وعودٌ كاذبة، وتعهداتٌ مؤقتة لا يلتزم بها ولا يحافظ عليها، ولا يقوى الوسطاء ولا الرعاة على إلزامه بها والضغط عليه للوفاء بشروطها وعدم سحبها والتراجع عنها، أو القيام بما يفسدها ويبطلها، فالسوابق التي تشهد على نكثه العهود كثيرة، وصفحاته السوداء ضد الفلسطينيين لا تحصى، وتجاربهم معه لا تنسى، ولسان حال الفلسطينيين يقول له "كيف أنساك وهذا أثر فأسك"، فالموت والدمار والخراب والجوع والحرمان والحصار يشهدون عليه ويؤكدون على عدم الثقة به والتسليم له.

 

أياً تكن التسهيلات الإسرائيلية والوعود الدولية والضمانات الإقليمية فهي عطاءاتٌ مسمومةٌ مؤقتة، ووعودٌ كاذبةٌ مبطنة، سرعان ما تنتهي وينقلب عليها العدو وينكثها، وإن سلمنا له وصدقناه، وآمنا به وعاهدناه، فإن دورنا سيأتي واستهدافنا سيكون قريباً وسريعاً، وبطشه بنا سيكون قاسياً، وإن التخلي عن الحلفاء والقبول بتسكين الجبهات والاستمتاع بالعشاء الأخير قبل أن تحز سكين العدو رقابنا، في تأكيدٍ لما ورثناه من حكمةٍ وتجربةٍ "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، سيكون قريباً وأكيداً، فلنحذر هذا اليوم، ولنتجنب وقوعه، ولنرفض مقدماته، ولنكن حذرين فطنين منتبهين، مخافة أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ويستفرد العدو بعد ذلك بنا.

 

بيروت في 15/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhXv6QhaDjBxJjchjBmRX84bR6arh-OT%3DrdBgmQOmT_Vg%40mail.gmail.com.

Saturday 10 June 2023

{الفكر القومي العربي} إنجاز المعاملات الرسمية هدرٌ للوقت والكرامة واستنزافٌ للصحة والعافية

إنجاز المعاملات الرسمية هدرٌ للوقت والكرامة واستنزافٌ للصحة والعافية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس منا في بلادنا العربية، من لم يشكُ يوماً خلال محاولته إنجاز معاملةٍ رسميةٍ أو استصدار وثيقةٍ أو استخراج بدل فاقد أو تصديق صورٍ وشهادات، أو غير ذلك من المعاملات الكثيرة التي تقوم بها مؤسسات الدولة حصراً، ولا يمكن إصدارها من أي جهةٍ أخرى بديلةٍ، من سوء المعاملة وطول الانتظار، ورعونة الموظفين وإهمال المكلفين، وفُحش الإدارة وفجاجة العاملين، وتعالي المسؤولين وخشبية القوانين، وتعطيل الأولوية وغياب الشفافية، وتفضيل المحسوبية وتقديم العلاقات الشخصية، واعتماد الرشاوى ورفض الشكاوى.

 

لينجز المواطنون معاملاتهم لدى دوائر الدولة الرسمية في بلادنا العربية يجب عليهم أن يذهبوا إليها مبكرين، وأن يقفوا في طوابير طويلة لا تتحرك أحياناً إلا بصعوبة، ولا يقل أعداد المصطفين فيها إلا قليلاً، إذ يتجاوزها المقربون والمسؤولون، والمشاهير والمعروفون، والموصى عليهم والمحظوظون بواسطتهم، واللافتات للنظر بجمالهن أو بثيابهن، والمثيرات للجدل بزينتهن أو أشكالهن، وليس من المستغرب أن يقوم موظفٌ أو عاملٌ باستخدام العصا وضرب المواطنين بحجة تنظيم الطوابير، ولا يترددون أحياناً في إخراج بعضهم من الطابور وحرمانهم من حقهم ودورهم الذي عانوا للوصول إليه كثيراً.

 

أما عامة المواطنين من الرجال والنساء، سواء كانوا رجالاً مسنين أو شباناً ويافعين، فلا يأبه بهم أحد، ولا يثير انتباه المسؤولين منهم شيخٌ عجوزٌ أو مقعدٌ مريضٌ أو امرأة حامل، أو أخرى تحمل طفلها الصغير الباكي، فأولئك جميعاً من العامة الدهماء ممن لا يدفعون ولا يرشون، ولا يملكون ما يقدمون، ومعهم فئةٌ غير قليلةٍ من خيرة المواطنين الذين يعتبرون الرشاوى عيباً والواسطة اعتداءً على حقوق الآخرين، ورغم هندامهم الأنيق، وهيئاتهم المحترمة، وسمتهم المؤدب، ولسانهم اللبق، فإن هذه المناقبية الأخلاقية لا تشفع لهم، ولا تؤهلهم لتجاوز الدور أو التعجيل في إتمام معاملاتهم وتسوية ملفاتهم، فيضطرون كغيرهم إلى انتظار دورهم الذي يتأخر غالباً.

 

أما السماسرة والأذنة والحراس، وصغار العاملين في الدوائر والمؤسسات، والحجاب والسائقون وأمثالهم، الذين يفهمون طبيعة العمل ويعرفون النظام المعمول به وأسرار المكاتب المغلقة والمفاتيح السحرية لكل منها، فهم يصولون ويجولون بين الطوابير، يقتنصون الزبائن ويصطادون الفرائس، ويبحثون عن كل راغبٍ في الدفع وجاهزٍ لأداء الثمن، فيأخذون أوراقهم وينجزونها بأنفسهم، وهذا يكلف أصحابها كلفةً أكثر، أو يسهلون دخولهم إلى الغرف المغلقة والمكاتب الموصدة، بعد أن يحصلوا منهم على "المعلوم"، أو يخبروهم عن قيمته عند الدخول، وإلا فإن عليهم المكوث والانتظار طويلاً حتى يصلهم الدور وتسوى معاملتهم وتنجز، أو يردها المسؤولون لمزاجهم المتعكر أو لخلقهم السيء بحجة الأوراق الناقصة والمعاملة غير المكتملة.

 

غالباً لا ينجح المراجعون في إتمام أو إنجاز معاملتهم في نفس اليوم، إذ يتطلب إنجازها التوقيع من أكثر من مكتبٍ وديوان، والمصادقة عليها من أكثر من مديرٍ ومسؤول، وأحياناً لا يجد المراجعون والمستدعون طوابع بريدية، أو أوراق رسمية يسجلون عليها طلباتهم، كما لا يجدون آلات تصوير واستنساخٍ، إلا عند بعض الموظفين، حيث تكون الأسعار عالية، رغم أن الدقة تكون قليلة، إلا أنه لا سبيل أمام المستدعين وأصحاب الحاجات إلا التصوير عندهم، والخضوع لأسعارهم، وشراء الطوابع وكتابة الطلبات عندهم، وإلا فإن الموظفين والمسؤولين يرفضون طلباتهم، ويجبرونهم على العودة من جديد، كونهم أصلاً شركاء مع أصحاب الأكشاك والدكاكين المجاورة.

 

يصادف المراجعين لدى الدوائر الرسمية العربية حوادثٌ غريبةٌ وقصصٌ عجيبة، كأن يجد المواطن أن جنسه المثبت في السجلات عكس حقيقته، وحينها عليه أن يثبت لدى الجهات المختصة جنسه الحقيقي، أو أن يكون تاريخ ميلاده المثبت في السجلات الرسمية قبل قرنٍ من الزمان، أو أنه ميتٌ وليس حياً، أو أن يقوم الموظف بتمزيق الملفات وإتلافها، وغير ذلك من الحوادث التي تفرض على المواطن أن يعيد إصدار كل أوراقه الرسمية من جديدٍ، وأن يتحمل نفسه كل التكاليف المترتبة على خطأ الموظفين الذين ثبتوا في سجلاتهم بياناتٍ خاطئةً.

 

ليس فيما قدمت وعرضت أي مبالغة أو تهويل، بل هو أقل بكثيرٍ من حقيقة ما يعانيه المواطن العربي لدى دوائر الدولة الرسمية المختلفة، ولعلنا جميعاً مررنا بواحدة على الأقل من هذه الحالات، فعانينا وقاسينا، وتذمرنا وغضبنا، وشكونا واعترضنا، ولكن أحداً لا يسمع الشكوى أو يأبه بالاعتراض، أو يطالب بالمراجعة والمعالجة، أو التحقيق والمساءلة، وكأننا قد جبلنا على هذا الواقع المزري البئيس، الذي يستنزف قوانا ويضيع أوقاتنا، ويهدر حقوقنا ويمتهن كرامتنا، ورضينا به قدراً، أو سكتنا عنه جبراً، وتميزنا به عن غيرنا من الشعوب لكن لجهة الجهالة والدونية، والتخلف والرجعية.

 

بيروت في 11/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgXpE-2ntsDGn22pg%2BHtaH2xqageALEKBhi99ZFT80i1w%40mail.gmail.com.

Wednesday 7 June 2023

{الفكر القومي العربي} هاجس الإلهام ورعب المحاكاة يخيف الإسرائيليين

هاجس الإلهام ورعب المحاكاة يخيف الإسرائيليين

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تغيرت الشكاوى الإسرائيلية وتبدلت، وأخذت أشكالاً جديدة وتنوعت، فلم تعد شكواهم تقتصر فقط على الصواريخ والمسيرات والمضادات، وإطلاق النار والاشتباكات، وعمليات الدهس والصدم والطعن، وإطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية، وإشعال الحرائق وتخريب الحقول والبساتين وإتلاف المحاصيل، وغيرها من العمليات التي دأبت المقاومة الفلسطينية على القيام بها وتنفيذها، وهي بلا شك قد أوجعت العدو وآلمته، وألحقت به خسائر بشرية ومادية ومعنوية ونفسية، وتسببت له في أضرار اقتصادية وتهتك في البنية الاجتماعية وتصدع في الجبهة الداخلية، وأظهرت عجز الكيان ومؤسساته عن مواجهة تنامي هذه الظواهر وتنوعها.

 

لكن ما بات يخيف الإسرائيليين ويقلقهم أكثر، خاصةً بعد كل عمليةٍ ناجحة تقوم بها المقاومة، وتحقق فيها بعض أهدافها، وتؤلمهم وتوجعهم، وتبكي جنودهم وتجزعهم، وتفرض عليهم أجواءً من الرعب والهلع، هي تلك الآثار الإيجابية التي تتركها عمليات المقاومة في نفوس جمهورها العربي والفلسطيني، فترفع روحهم المعنوية، وتبعث فيهم الأمل قوياً من جديد، وتستنهض هممهم وتحرك مشاعرهم وتجيش نفوسهم، وتجعلهم أقدر على الصبر والصمود، وأقوى في المواجهة والتحدي، وأشد شوكةً وأصلب عوداً في مقارعة الاحتلال وإيلامه وإساءة وجهه، وأكثر إصراراً على تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.

 

لكن خشية العدو الإسرائيلي من عمليات المقاومة النوعية الفريدة، التي يطلق عليها عمليات "الذئب المنفرد"، التي بات ينفذها شبانٌ يافعون، ومقاومون جريئون، وطلابٌ مميزون، وأثرياء ميسورون، ونشطاء وسيمون، وصبيةٌ متحمسون، وزائرون غاضبون، وغيرهم ممن باتوا يفاجئون العدو ويربكونه، ويصدمونه ويصدعونه، فلا ما يدل على منفذي هذه العمليات النوعية، ولا ما يشير إلى قرب وقوعها، ولا ما يساعد على فك طلاسمها ومعرفة تفاصيلها وكشف أسرارها، ولا ما يقود إلى إلقاء القبض على أمثالهم ممن بيتوا النية وعقدوا العزم على تنفيذ عملياتٍ انتقامية وثأرية، رداً على عدوان الاحتلال وجرائمه المستمرة ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقدساته.

 

خشية العدو المتعاظمة يوماً بعد آخر هي من محاولات التقليد والمحاكاة والتأسي والاحتذاء، التي بات يلجأ إليها المقاومون الفلسطينيون وغيرهم، ممن يرغبون في تنفيذ عملياتٍ انتقامية وثأرية ضد العدو، الذي لا يتوقف عن عدوانه وعملياته الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، حيث برزت لدى المقاومة ظواهر إيجابية جداً، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارها وشيوعها، وتقليدها والاستفادة منها في تنفيذ أفضل منها، وتحقيق أهدافٍ أكثر وأفضل، وتجنب الأخطاء وتجاوز السلبيات، والبحث عن مختلف الأهداف وأنسب الأماكن للقيام بمثل هذه العمليات.

 

يدرك العدو الصهيوني أن المقاومين الجدد باتوا أيقوناتٍ وطنيةً، ورموزاً قوميةً، وأعلاماً في سماء المقاومة والنضال، وصفحاتٍ مشرقةً في تاريخ الشعب والأمة، وأنهم أصبحوا بما قدموا نماذج تُحتذى وأمثلةً تُقلد، وغدوا مصادر إلهامٍ ومراكز إشعاعٍ لعمل الأجيال الجديدة، الذين وجدوا في بعض المقاومين قدوةً حسنةً يقتدون بهم، وعملاً موفقاً يقلدونه ويتعلمون منه، ويقومون بمثله وربما أفضل منه، ولعل ما شهدته الشوراع العربية في الأيام الماضية من مظاهر ابتهاجٍ وفرحةٍ، بالعملية البطولية التي نفذها البطل المصري محمد صلاح لهي خير مثالٍ على هذه الأيقونات القومية، التي أصبحت موضع اعتزاز وافتخار الأمة.

 

لا ينسى الإسرائيليون صور المقاومين الفلسطينيين الجدد، الشبان اليافعين، الأقوياء البنية والمتفوقين دراسةً، الوسيمي الشكل الأنيقي المظهر، المدللين عائلياً، الذين نفذوا عملياتٍ عسكريةً، وانتقلوا مكانٍ إلى آخر يلاحقون أهدافهم، وانتقوا منها ما يشاؤون، وحيدوا منها ما لا يريدون، فلم يقتلوا طفلاً ولم يستهدفوا امرأةً، وأظهروا مهاراتهم  الفنية في استخدام الأسلحة التي يحملون، قديمها وحديثها، وصغيرها وكبيرها، وأبيضها وغيره، واستمروا في القتال والمقاومة وإطلاق النار، وقوفاً وقعوداً وعلى جنوبهم، وواصلوا مقاومتهم رغم غزارة النيران التي يطلقها عليهم المستوطنون، إلا أنهم لم يبدوا استلاماً، ولم يظهروا ضعفاً، وأثبتوا أنهم رغم قسوة الظروف وصعوبة المهمات، قادرون على الوصول إلى أهدافهم، وتجاوز العقبات الأمنية والإجراءات الاحترازية.

 

أمام هذا التحدي الجديد طالب مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ومؤسسات أمنية أخرى تعنى بدراسة سلوك المقاومة واتجاهات الرأي العربية الشعبية، الحكومة الإسرائيلية بالطلب من السلطات المصرية محاربة ظاهرة تقليد محمد صلاح، ومحاسبة كل الذين يظهرون فرحاً وابتهاجاً بما قام به، ومراقبة سلوك وتصرفات عناصرها الأمنية وجنود جيشها العاملين في مناطق الحدود أو قريباً منها، واعتبرت أن التساهل في هذا الأمر يجعل من السيطرة على مثل هذه العمليات أمراً صعباً، إذ سيعمد الكثير من الجنود والعناصر الأمنية إلى تقليد الجندي المصري، وذلك بالنظر إلى الحظوة والمكانة التي وصل إليها وتمتع بها.

 

لن يهنأ العدو الإسرائيلي بيننا ولن ينام ليله الطويل، ولن يطمئن باله ولن يطول في أرضنا بقاؤه، ولن ينعم بالهدوء وهو يحتل أرضنا ويعيث فساداً في بلادنا، ولن يعيش الأمان وهو يستوطن ديارنا ويدنس مقدساتنا وينتهك حرماتنا، فهذا عهد أحرار الأمة كلهم أن ينتقموا منه ويثأروا، وأن يقاتلوه بشجاعةٍ ويقاوموه ببسالةٍ، وسيخرج من بيننا دوماً صلاحٌ جديدٌ كما خاطر والدقامسة وغيرهم، وسيرسم المقاومون الفلسطينيون الشجعان على هام الزمان آياتٍ من العز والفخار، تكتب سيرتهم وتخلد ذكرهم وترسم ملحمتهم وتحيي أمجادهم، فقد آن أوانهم وحل زمانهم، وأشرقت فلسطين بنورهم.

 

بيروت في 8/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjqFN583sN6gkP%3DO903aDpzS661KOiPGkYdzHOM1%3DB_ZQ%40mail.gmail.com.

Monday 5 June 2023

{الفكر القومي العربي} المصريون يغنون لابنهم محمد صلاح أنا أم البطل

المصريون يغنون لابنهم محمد صلاح أنا أم البطل

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

رغم ندرتها إلا أن دلائل عملية العوجا وإشاراتها وتداعياتها كثيرة جداً، وربما تتجاوز انعكاساتها وتأثيراتها السلبية والإيجابية مصر والكيان الصهيوني إلى المنطقة والإقليم، فقد ألقت بظلالها المختلفة على كل الأطراف في المنطقة، وتباينت ردود فعل أهلها وسلطاتها بين السخط والغضب، والحيرة والأسف، والفرح والاستبشار، والسعادة والرضا، واختلف المزاج الشعبي حولها، فبينما سخط المستوطنون وغضبوا، فرح العرب والفلسطينيون وابتهجوا، وتغنى المصريون وافتخروا.

 

قد لا تكون هذه العملية هي الأخطر على مدى أكثر من أربعين عاماً من "السلام"، إلا أن وقوعها بعد سنوات الصمت "السلم والأمن" الطويلة على جانبي الحدود، حيث تشهد الحدود المصرية مع الكيان الصهيوني هدوءً نسبياً ملحوظاً، لا يعكر صفوه حوادثٌ أمنيةٌ أو عملياتٌ قومية، اللهم إلا عمليات مكافحة تهريب المخدرات، ومحاربة الهجرة الأفريقية غير المشروعة، يجعل من الصعب على الطرفين التخفيف من نتائجها أو تبسيط تداعياتها، فهي عملية كبيرة وخطيرة جداً على مختلف المستويات، وليس من السهل تجاوزها أمنياً وعسكرياً، أو المرور عليها شعبياً ونفسياً دون التوقف طويلاً أمامها وأخذ العبر والدروس منها.

 

ربما يتمكن الإسرائيليون من تجاوز تداعيات العملية على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية، ويضبطون أداء المسؤولين ويلطفون من حدة التصريحات ومستوى الانتقادات الموجهة إلى وزير الدفاع المصري والسلطات المصرية عموماً، مخافة أن تتوتر العلاقات بينهما وتتدهور إلى مستوياتٍ يصعب ضبطها والسيطرة عليها، خاصةً أن الكيان الإسرائيلي حريصٌ جداً على أن تكون علاقتهم بمصر علاقة جيدة مضبوطة ومأمونة، ويعمل نتنياهو شخصياً على رعايتها وعدم المساس بها، ولهذا فقد حظر على المسؤولين الإسرائيليين توجيه انتقاداتٍ قاسية للحكومة المصرية، التي دعاها إلى التعاون في إجراء تحقيق سريع ومسؤول.

 

وقد تجري قيادة أركان جيش الاحتلال تحقيقاً مهنياً من طرفٍ واحدٍ، أو بالتعاون مع السلطات المصرية المختصة، للوصول إلى نتائج دقيقة تفسر العملية وتشرح أبعادها وتعرف أسرارها، وتحدد هوية منفذ العملية وانتماءه الحزبي وميوله السياسية، وغيرها مما يتعلق بفكره وسلوكه وقناعاته الشخصية، تمهيداً لمعرفة ما إذا كان منفذ العملية قد قام بها بنفسه، أو أن جهاتٍ ما ساعدته ووجهته، وأشرفت عليه وتابعته، أو كانت تعرف بنواياه فحرضته وشجعته.

 

وقد يتخذون قراراتٍ تأدبية وأخرى عقابية بحق عددٍ من المسؤولين الأمنيين والعسكريين، خاصة ضد أولئك الذين كانوا يخدمون في المنطقة ويشرفون على سير العمليات فيها، سواء من الجانب المصري أو الجانب الإسرائيلي، فتلك عملية بالنسبة للإسرائيليين لا يمكن السكوت عنها، خاصةً أن منفذ العملية قد حقق اختراقاتٍ كثيرة أظهرت عجز جيش الكيان وأجهزته الأمنية عن التنبؤ بها، أو سرعة التعامل مع منفذها، حيث تأخر المسؤولون الإسرائيليون في اكتشاف مقتل المجندين، ثم عجزوا عن استقدام طائرة هيليوكبتر لنقل أفراد وحدة اليمام، الذين وصلوا بعرباتٍ عسكرية إلى مكان منفذ العملية، الأمر الذي مكنه من الاشتباك مع أفراد الوحدة وقتل أحدهم وإصابة آخرين بجراحٍ.

 

لكن التداعيات الأكبر على الكيان الصهيوني التي سيصعب عليه تجاوزها، وسيعاني منها كثيراً، فهي تلك التي لمسها في الشارع المصري وعبر عنها المواطنون المصريون، فقد سادت حالة من الفرحة والابتهاج الشارع المصري، واحتفى المصريون بمحمد صلاح ورفعوا صوره وأعادوا نشر تغريداته، وأشادوا به وبما قام به، واعتبروه بطلاً قومياً يستحق التقدير والتمجيد، وغنوا له أغنيتهم الشهيرة "أنا أم البطل" مما دفع بالعديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى الصراخ بأن "المصريين يكرهوننا"، "إنهم لا يحبوننا".

 

ولم يخفِ كثيرٌ من الإسرائيليين قلقهم من إمكانية تكرار مثل هذه العملية، التي يبدو أنها ستصبح أيقونة مصريةً، ومثالاً قومياً يمكن محاكاته وتقليده، وقد تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تحويل فعل محمد صلاح إلى ظاهرة مصرية عامة، تنتقم للقدس والمسجد الأقصى، وتساند الفلسطينيين وتدعم مقاومتهم، وتثأر من العدو الإسرائيلي الذي يتبجح من حينٍ لآخر بالجرائم التي ارتكبها جيشه ضد أسرى الجيش المصري، الذين تعرضوا للمجازر ودفن بعضهم أحياء في صحراء سيناء إبان حربي العام 1956 و1967.

 

عملية الشرطي المصري محمد صلاح ليست الأولى ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، ولن تتمكن أي قوةٍ من منع انتشار هذه الظاهرة وامتدادها، فإن كانت أكثر من أربعين عاماً من "السلام البارد" لم تستطع أن تقتل الحمية والغيرة لدى الشعب المصري، ولم تطفئ جذوة العروبة والإسلام فيه، فإن ظلم العدو الإسرائيلي وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني وقدسه وأقصاه المبارك، كفيلٌ بأن يدفع كثيرين غير محمد، من مصر والأردن وغيرهما، للقيام بعمليات ثأرٍ وانتقامٍ من العدو الذي لا يفتأ يرتكب المزيد من الجرائم، فهذه الأمة الحرة الثائرة لا تنام على الضيم، ولا تقيم على الخسف، ولا تقبل بالذل، ولا ترضى إلا أن تعيش أبيةً عزيزةً، مرفوعة الرأس موفورة الكرامة، تصون مجدها بدمائها، وتحفظ عزتها بتضحياتها.

 

بيروت في 5/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjqFnsE3K%2Byhvw7PGXAq8Gmqw6j4FhYGRb8-WhxbAJQgw%40mail.gmail.com.

Friday 2 June 2023

{الفكر القومي العربي} في القدس والأقصى الصلاةُ مقاومةٌ والرباطُ صمودٌ والعربيةُ هويةٌ

في القدس والأقصى الصلاةُ مقاومةٌ والرباطُ صمودٌ والعربيةُ هويةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يدرك الفلسطينيون أن الحرب اليهودية على القدس والمسجد الأقصى حربٌ مفتوحةٌ، وهي حربٌ ضروسٌ طاحنةٌ، مستمرةٌ أبداً، ومستعرةٌ دوماً، لا تخبو نارها ولا ينطفئ جمرها، ولا تتوقف فصولها ولا تنتهي أشكالها، ولا يتورع العدو الإسرائيلي خلالها أن يستخدم كل أسلحته القاتلة وأدواته القذرة، ولا يمتنع أبداً عن اللجوء إلى وسائله الخبيثة وأساليبه الخشنة للوصول إلى أهدافه المرسومة وغاياته القديمة المعلومة، فهو يريد السيطرة على القدس وما حولها كما فلسطين كلها، ولا يريد أن يرى فيها أهلها ولا أن يعيش فيها أبناؤها، ويعمل على هدم مسجدها وتدمير أقصاها وطمس هويتها واستبدال صورتها، ليبني مكانها هيكله المزعوم وكنيسة الخراب المشؤومة.

 

ينبري الفلسطينيون جميعاً بقوةٍ وحماسةٍ، وجرأةٍ وشجاعةٍ، وصدقٍ وإخلاصٍ، للقيام بواجبهم ولا يترددون، ويتصدون للعدوان الإسرائيلي أياً كان شكله وحجمه، ويشتركون جميعاً في محاولات صد المستوطنين ومنعهم،  وثني حكومتهم ومسؤوليهم عن قراراتهم التعسفية، أفراداً وعائلات، مسلمين ومسيحيين، مقيمين وزائرين، ومقدسيين وغيرهم، ليقينهم أن هذه الأرض كلها والقدس ومقدساتها هي للفلسطينيين، وهي ملكٌ لهم ولأجيالهم التي سبقت وتلك الآتية إلى يوم القيامة، وهي تستحق التضحية والفداء، وتستأهل المقاومة والنضال، وتهون من أجلها المهج والأرواح.

 

وأمام الهجمات الصهيونية المسعورة، ومحاولات الاقتحام اليهودية المتكررة، وجرائم الانتهاك العنصرية المقصودة، يلجأ الفلسطينيون جميعاً إلى مختلف الوسائل الممكنة للدفاع عن مدينتهم المقدسة ومسجدهم الأقصى المبارك، ولا يدخرون وسيلةً تغيظ العدو وتزعجه، وتعطل مشاريعه وتربكه، وتفشل مخططاته وتحبطه، إلا ويلجأون إليها ويركزون عليها، ولا يقصرون على وجه العموم والمقدسيون منهم على وجه الخصوص في الدفاع عن حقوقهم وحرماتهم، بل يتداعون من كل المشارب والفئات العمرية والجنسية، ومن كل المناطق الفلسطينية التي يستطيعون الخروج منها والدخول إلى القدس.

 

الصلاة فرض وهي عبادةٌ، والرباط شكلٌ من أشكال الاعتكاف وهو مندوبٌ، ولكنها في القدس والمسجد الأقصى ظاهرةٌ مختلفة، فهي جهادٌ ومقاومةٌ، وصمودٌ ومواجهةٌ، وقد حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا أمته إلى شد الرحال إليها والصلاة في مسجدها، وعَدَّ الصلاة فيه بخمسمائة صلاةٍ في غيره أجراً ومثوبةً ومنزلةً وفضلاً، وجعل خير المرابطين من أمته فيها، ووصفهم بأنهم على الحق ظاهرين، وعلى موقفهم ثابتين، ولا يظهرهم ما يصيبهم من اللأواء في سبيلها، وبشرهم بالتمكين والنصر وأعداءهم بالهزيمة والدحر.

 

علم الفلسطينيون أثر الصلاة في المسجد الأقصى على العدو الإسرائيلي فحرصوا على أدائها فيه رغم الصعوبات والعقبات، فشد مئات الالاف من الرجال والنساء والصبيان الرحال إليه للصلاة فيه في أيام الجمعة، وهو ما اعتادوا عليه سنين طويلة، لكن ما أغاظ العدو أكثر وأشعره بالضعة والمهانة والضعف أمام الفلسطينيين، هي صلاة الفجر العظيم، التي اعتاد أداءها آلاف الفلسطينيين ممن يستطيعون الوصول إلى القدس والدخول إلى المسجد الأقصى.

 

شكل الفلسطينيون في أيام الفجر العظيم تظاهراتٍ ضخمةً ومسيراتٍ حاشدة، تغذُ الخطا بهمةٍ وعزيمةٍ، وأملٍ ويقينٍ، إلى المسجد الأقصى المبارك، يؤمهم العلماء والشيوخ، والنخب العلمية ورجال الدين، وعامة الفلسطينيين وخاصتهم، وحذا حذوهم ملايين المسلمين في كل مكانٍ، يقلدونهم ويحتذون بهم، تأييداً لهم ومساندة، وتضامناً معهم ودعماً لهم، الأمر الذي أغاظ الإسرائيليين أكثر، وأكد لهم أن القدس خطٌ أحمر، وأن الأقصى فتيل انفجار وبركان لهب، وأن الاقتراب منه سيفجر حرباً شاملةً ومواجهةً داميةً قد لا يقوى عليها، وسيصعب عليه السيطرة عليها أو الانتصار فيها.

 

وكما كانت الصلاة سلاحاً ومقاومة، فقد كان الرباط في المسجد الأقصى والثبات في القدس، والصمود في مواجهة الطغيان الإسرائيلي، وإثبات الطابع العربي للمدينة المقدسة وإبراز هويتها العربية الحضارية، مقاومةً أخرى، حرص الفلسطينيون على إظهارها والقتال بها والإصرار عليها، فذاك سلاحٌ جديدٌ لا تهدده الآلة العسكرية الإسرائيلية، ولا توقفه العربدات اليهودية، ولا يحد منها أو يمنعها، أو يفت فيها ويضعفها، صلفُ العدو وطغيانه، وجرائمُ القتل المتعمدة والإعدامات الميدانية ومئاتُ حالاتِ الاعتقال اليومية.

 

يدرك الفلسطينيون أن القدس يحفظها أهلها، ويبقي على هويتها سكانها، ويثبت وجودهم فيها أبناؤها، فتراهم رغم الصعوبات والعقبات، والتحديات والاستفزازات، والسياسات والقرارات، يتمسكون ببقائهم فيها، ويحافظون على وجودهم في بلداتها، ويدفعون جنى عمرهم وحصاد سنواتهم ضرائب لبلدية القدس لتسمح لهم بالبناء والترميم، والحصول على الخدمات والاستفادة من التسهيلات التي يتمتع بها المستوطنون اليهود ويحرم منها المواطنون الفلسطينيون، وهم السكان الأصليون والمُلَّاك الحقيقيون.

 

ويعرفون أن العدو الصهيوني يريد اقتلاعهم من أرضهم، ونفيهم من بلادهم، وطردهم خاصةً من القدس ومن فلسطين كلها عامةً، وحرمانهم من حقهم في الحياة فيها، والصلاة في مسجدها، إنه يريد الخلاص منهم كلهم وإلى الأبد، طرداً وإخراجاً أو قتلاً وموتاً لا فرق، المهم أن تخلو البلاد منهم، ولا يكونون في فلسطين معهم أو شركاء لهم، فهم يؤمنون أن هذه الأرض لا تتسع لشعبين، ولا تجوز لديانتين، والفلسطينيون يؤمنون أن اليهود يحلمون ويتمنون، ويبنون أحلامهم على أساطير وخرافات، وأماني وخيالات، ولكن شيئاً من أحلامهم لن يتحقق، وإن بدا لهم أنهم يملكون ويسيطرون، ويعلون ويقوون، ولكنه علو السقوط وقوة الانتحار إن شاء الله. 

 

بيروت في 2/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhYYKa5uH0NLtyDmeP0VtZf2tz0qFwCWHE9w4y04B9Yrw%40mail.gmail.com.