Tuesday, 30 August 2022

{الفكر القومي العربي} تدويرُ صواريخ المقاومة وإعادةُ تصنيعها واجبٌ وطنيٌ وتكليفٌ دينيٌ

تدويرُ صواريخ المقاومة وإعادةُ تصنيعها واجبٌ وطنيٌ وتكليفٌ دينيٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يعد خافياً على العدو والصديق، أن قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، باتت تمتلك أسلحة صاروخية مختلفة الدقة والمديات والقدرات التدميرية، وأنها تخزن فوق الأرض وتحتها آلاف الصواريخ المحلية الصنع وغيرها، وتخفي بعيداً عن الأضواء الكثير من الأسرار التي لا يعرفها العدو ويصدم بها، ويتفاجأ بها الشعب ويفرح لها، وهي تعدها وتجهزها لتستخدمها ضد العدو لتحرير أرضها وفي أي حربٍ يشنها عليهم.

 

وهي لا تتردد في إطلاقها على العمق الإسرائيلي في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية المشروعة، ورغم أن جيش العدو وقادة أركانه، يعلنون في كل عدوانٍ على المقاومة، عزمهم على نزع أسلحتها، وتفكيك بنيتها، وتدمير منصاتها وصواريخها، إلا أنه لم ولا يحقق شيئاً من أهدافه، وفي كل مرةٍ ينهي عدوانه صاغراً، ويلتزم بوقف إطلاق النار مرغماً، بل ويخضع لشروط المقاومة ويلتزم بها، وإن كان يعود إلى خرقها والنكث بها.

 

من المعلوم أن الصواريخ التي تتسلح بها قوى المقاومة الفلسطينية، وتحمل أسماءً مختلفة، بعضها يخلد قادتها الشهداء، ويربط أسماءها بمصنعيها، وأخرى تحمل معاني خاصة ترتبط بموروث الأمة وتاريخها، قديمةٌ وجديدةٌ، وبدائية ومتطورة، وعشوائية ودقيقة، وقصيرة المدى وبعيدة المدى، وذات قدرات تدميرية محدودة، وأخرى ذات قدرات تدميرية عالية، وبعضها محلية الصنع محدودة القدرة، وغيرها إيرانية أو صينية وروسية بمواصفاتٍ أفضل ومميزاتٍ أخطر، وهي على أجيال مختلفة وأنواع متعددة.

 

وقد جربت المقاومة مختلف أنواع الصواريخ التي تملكها، وتمكنت من فرض معادلاتها الجديدة، وباتت ترساناتها الصاروخية تنذر العدو بأمطار صاروخية غزيرة، لا تقوى قبتهم الفولاذية، ولا منظوماتهم الصاروخية المضادة على اعتراضها وإسقاطها، خاصةً أن المقاومة تعتمد استراتيجية خاصة في إطلاق الصواريخ من أكثر من موقعٍ واتجاه، وبغزارةٍ صادمةٍ وبدفعاتٍ متزامنة، الأمر الذي يربك منظومات العدو المضادة، ويتسبب لها في فوضى دفاعية تعود بالضرر عليهم، لكثرة الصواريخ المضادة التي ينعكس أثرها السلبي على المستوطنين أنفسهم، وسكان المدن والبلدات الإسرائيلية.

 

لكننا نعترف أننا خلال مسيرتنا الوطنية في برنامج التسليح وبناء القدرات، قد واجهنا صعاباً كثيرة، وتحدياتٍ خطيرة، وانتصرنا على سياساتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ صعبة، وتجاوزنا عقباتٍ كبيرة، واستطعنا أن نصنع من العدم قوة، ومن الحصار تحدياً وإرادةً، وخلال ذلك نجحنا وفشلنا، وانطلقنا وتعثرنا، وكسبنا وخسرنا، وحققنا انجازاتٍ كبيرة، وتكبدنا خسائر كثيرة، وسقط منا شهداء خلال عمليات التصنيع وأثناء إجراء التجارب، وسقط ضحايا آخرون بسبب قصورٍ فيها وخللٍ في صناعتها جراء سقوطها في المناطق الفلسطينية، وعدم وصولها إلى أهدافها المرسومة لها داخل الكيان الصهيوني.

 

أما الآن وقد قطعت المقاومة شوطاً كبيراً في الخبرة والتجربة والنجاح والتميز، والتفوق النوعي "دون مبالغة أو تهويل" بالنسبة لها كقوى مقاومة، فقد بات لزاماً عليها أن تعيد النظر في ترسانتها الصاروخية، فتفكك القديم منها، وتتلف الضار منها، وتدورها كأي منتجٍ آخر، فتستفيد من حديدها، وتعيد استخدام حشواتها التفجيرية، وتعيد تصنيعها من جديد، بما تراكم لديها من خبرةٍ وتجربةٍ، وتدخل فيها التقنيات الحديثة التي توصلت إليها، وتلك التي تحقق جانباً كبيراً من الأمان، وتضيق هامش الخطورة إلى أقل قدرٍ ممكن.

 

لعل هذه المهمة مسؤولية وطنية وأمانة شعبية وتكليفٌ دينيٌ واجبٌ، تقع على عاتق جميع القوى الفلسطينية المقاومة، تلتزم بها جميعاً التزاماً حديدياً، وفرضاً وطنياً ودينياً، لا يجوز الإهمال فيه أو التقصير، ولا الإرجاء والتسويف، وينبغي على غرفة العمليات المشتركة لقوى المقاومة أن تشرف على هذه المهمة، وأن تشكل لجاناً خاصةً للمتابعة والتدقيق، والمسائلة والمحاسبة، ولن يكون هناك ثمة مبرر لأي خطأ أو تقصير، اللهم إلا في الحدود الدنيا المعمول بها والمعترف بها في مثل هذه الحالات.

 

هذه المهمة هي جزءٌ أصيلٌ من مهام المقاومة، وعملٌ لا ينفك عن دورها وواجبها، وبها نرضي شعبنا ونساعده في الصمود معنا والثبات قبلنا، فهو الذي يدفع أكثر من غيره ثمن هذه الأخطاء، التي أراها غير مقصودة سابقاً، وخارجة عن السيطرة قديماً، أما اليوم فأراها غير ذلك أبداً، إذ بات تجنبها ممكناً، وتصحيحها سهلاً، ولعل المقاومة في سبيل ذلك تستطيع تحديث ترسانتها، والتخلص من أعباء القديم الفاسد وعديم الجدوى منها، وهذا يحسن أداءها، ويضاعف أثرها، ويزيد في بأسها.

 

نعتز ونفخر بما حققته مقاومتنا الأبية، ونتطلع إلى امتلاك المزيد والجديد من الصواريخ الرادعة والموجعة للعدو، ونأمل أن تكون صواريخنا حديثة ومتطورة، وفعالة ومؤثرة، ونريد أن ننزع من عدونا السلاح الذي يشهره في وجوهنا، ويشهر به فينا أمام شعبناً وأمتنا والمجتمع الدولي، ويشوه به مقاومتنا، علماً أنه كاذبٌ ومدعي، وظالمٌ ومعتدي، فهو الذي يقتل ويبطش، ويعتدي ويدمر، وصواريخه هي التي تفتك بشعبنا وتقتل أطفالنا ونساءنا، وبإذن الله عز وجل نعدل مسارنا، ونحسن أداءنا، ونطور سلاحنا، ونُحَدِّثُ صواريخنا بما يوجع العدو ويؤلمه، ويسوء وجهه ويعمق جرحه، وبما يفرح شعبنا ويسره، ويثلج قلبه ويرضي نفسه ويسعده.

 

بيروت في 30/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgjcBwW3g%2BeorigSZO4FnjvHyNyVutYt%2BeY4vTHxpyRJQ%40mail.gmail.com.

Sunday, 28 August 2022

{الفكر القومي العربي} غرفةُ العمليات المشتركة حاجةٌ شعبيةٌ وضرورةٌ وطنيةٌ

غرفةُ العمليات المشتركة حاجةٌ شعبيةٌ وضرورةٌ وطنيةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لعل من أعظم إنجازات المقاومة، وأجٍّل الأعمال التي قامت بها في السنوات الأخيرة، اتفاق فصائلها وتراضي تنظيماتها على تشكيل غرفة عمليات مشتركة للمقاومة، تكون بمثابة قيادة أركان المقاومة، وخلية إدارة ضباطها، وملتقى خبرائها، يطمئن إليها شعبها، ويركن إلى قوتها أهلها، ويطمئنون جميعاً، في الوطن والشتات، إلى يقظتها وحرصها، وجاهزيتها واستعداها، ومسؤوليتها وأمانتها، ووعيها وحكمتها، ووطنيتها واستقلالية قرارها، فيسلمون لها ويطمئنون إليها، ويأمنون معها ويشعرون بالعزة والكرامة في ظلالها.

 

إنها غرفةٌ حقيقيةٌ تجمع أطراف المقاومة، وتوحد جهودها، وتنسق فيما بينها، وتوزع الأدوار على بعضها، وتتبادل المهام وتتفق على العمليات المشتركة، وتضع الخطط العامة وتحدد الأهداف المرجوة، وتتخذ قرارات السلم والحرب، وتقرر في الاتفاقيات والهدن، يتساوى فيها أطرافها، وتتعادل داخلها أصواتهم، فلا يتغول طرفٌ على الآخرين، ولا يستبد بالرأي آخر، أو يستفرد بالقرار فريق، ولا يستخف بالآخرين فصيل، بل تكاملٌ وتنسيقٌ، وتنافسٌ على العمل شريف، إذ المركب واحدٌ والركاب جميعاً أهل، والمصالح كلها مشتركة، والأضرار التي قد تلحق بنا عامةٌ، فإن غرق المركب خسرنا، وإن قتل الركاب هلكنا.

 

غرفةٌ مشتركةٌ لها نظامها وعندها برنامجها، تتفق على المبادئ وتتلاقى على الثوابت، لا تستثني أحداً، ولا تقصي طرفاً، تتمسك بالحقوق ولا تقبل بالحلول، ترفض المساومة وتصر على المنازلة، وتؤمن بالمقاومة المسلحة وتتبناها خياراً أولاً لا تفرط فيه ولا تتنازل عنه.

 

غرفةٌ حقيقيةٌ غير وهميةٍ، مهنيةٌ غير شكليةٍ، تلتقي عملياً، وتنسق ميدانياً، وتناقش جدياً، وتتحمل مسؤولية القرارات وطنياً، وتظهر بوحدة أطرافها واجتماع كلمتها، وجدية اجتماعاتها، وحكمة قراراتها، وخبرة ضباطها، هيبة المقاومة وإرادة قيادتها، وعلو كعبها في الميدان وجسارتها في القتال، فيخافها العدو ويحسب حسابها، ويعتقد يقيناً بقدرة أركانها وقوة مكوناتها، وصلابة مواقفها، وجدية قراراتها.

 

غرفةٌ مقدرةٌ محترمةٌ، لها هيبتها وعندها إرادتها، تملك قرارها وتنفذ وعيدها، جادة ومسؤولة، ملتزمة وأمينة، تتابع اجتماعاتها، وتحترم أصول عملها، وتحافظ على سرية مهامها، فلا عشوائية ولا مزاجية، ولا انتقائية أو استنسابية، ولا غضب هائج ولا سلوك طائش، ولا عمليات غير منسقة أو صواريخ غير منظمة، وإنما ضبطٌ عسكري، وأداءٌ مهنيٌّ، والتزامٌ حديدي، يحفظ المقاومة، ويصون مقدراتها، ويحمي أبناءها، ويمنع التغول على أطرافها أو الاستفراد ببعضها.

 

غرفةٌ مجهزةٌ متطورةٌ، لديها الإمكانات وعندها القدرات، سريعة فاعلة، نشيطة حاضرة، تجمع المعلومات وتحلل البيانات، وتطور القدرات وتعلي من قدر الكفاءات، تدرب وتؤهل، وتصقل الخبرات وتنقل التجارب، وتسلح وتطور، وتبني وتحصن، وتحافظ على المقاومة وتحصنها، وتحمي صفوفها من الاختراق والتجسس، وتمنع العدو من التغلغل والسيطرة، وتجتهد في إحباط خططه وإفشال مؤامراته، بل وخسارته وهزيمته، وقطع يده وكسر ذراعه، ليعلو صراخه متألماً، ويرتفع صوته نادماً.

 

حاجتنا نحن الفلسطينيين إلى مثل هذه الغرفة حاجةٌ ملحةٌ، ولعلنا تأخرنا كثيراً في تشكيلها، وأهملنا طويلاً أهميتها، فاستفرد العدو بنا ونال منا، وحقق الكثير من الأهداف في غيابها، وتضررت مصالح الشعب وشؤون الوطن لعدم وجودها، ودفع أهلنا من دمائهم وأرواحهم أثماناً باهظة، وقد كان بالإمكان تجنبها أو التقليل منها، ولكن العمل الفردي غير المنسق، والتنافس الميداني غير الشريف أحياناً، وغرور القوة القاتل، وغطرسة التفوق المُهلك، كبد شعبنا الكثير من الخسائر، ومكن للعدو منا، وحقق له في أرضنا وعلينا الكثير من المكاسب.

 

غرفة العمليات المشتركة التي نتطلع إليها وفق المواصفات التي ذكرنا، لا ينبغي أن تكون غرفة عملياتٍ عسكريةٍ فقط، تنشط خلال عمليات القتال وأثناء العدوان، وتضع خطط الدفاع والهجوم، وتنكفئ إذا ما توقفت رحى الحروب وسكنت منصات الصواريخ، بل يلزمنا غرفة عمليات تعمل على مدى اليوم والساعة، أولاها عسكرية، تهتم بالشؤون الفنية والعمليات العسكرية للمقاومة، وأما الثانية فهي سياسية، وهي لا تقل أهميةً عن العسكرية، بل تتوفق عليها وتوجهها، وتسبقها وتحدد مهامها وترسم مسارها، وإلا كانت المقاومة ضرباً من ضروب العنف الأعمى والقتال العبثي، ما لم تكن قيادة سياسية ترشده، وغرفة عملياتٍ توجهه.

 

نحن في حاجةٍ حقيقيةٍ إلى غرفة عملياتٍ بشقيها العسكري والسياسي على مستوى الوطن كله، فالوطن كله مستهدف، وشعبنا أينما كان مقصودٌ بالقتل والترويع والتهجير، والعدو لا يتوقف عن الاعتداء علينا وتنفيذ برامجه وتحقيق أهدافه، ولا يصده شيء غير القوة، ولا ينغص عليه عمله غير الوحدة، وهذه كلها تحققها غرف العمليات السياسية والعسكرية الموحدة، التي هي في الحقيقة حاجة ماسة للشعب، وضرورة ملحة للمقاومة عموماً، ولا شيء مهما كان يبرر تأخيرها، أو يجيز تعطيلها، أو يمنع تشكيلها، اللهم إلا الاختلاف السياسي والتناقض الوطني.

 

العدو لا يريدنا صوتاً واحداً ولا إرادة مشتركة، ولا يريد أن يرانا متفقين متحدين، ومتجانسين متوافقين، بل يريدنا متفرقين سهلين، متنافسين متناحرين، وشركاء متنافرين، وهو يتطلع لأن يستفرد ببعضنا وأن ينال منا كلنا، فلا نمكنه بضعفنا، ولا نمنحه القوة بعدم جديتنا، ولنكن مسؤولين دائماً، ومخلصين أبداً، وعاملين حقاً، بذا نحقق أهدافنا، ونصل إلى غاياتنا، ونحفظ أرضنا ونصون وطننا، ونحمي شعبنا ونرفع الرأس عالياً مفاخرين الأمم، وما ذلك علينا بعزيز إن تلاقت عزائمنا، واتفقت نوايانا، وإلا فلا تنتظروا نصراً، ولا تعدوا شعبكم بالعودة، ولا تمنوا أنفسكم باستعادة القدس وصلاةٍ المسجد الأقصى المحرر.

 

بيروت في 28/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjgmLjqvfenviMK09m3G5tvVHLhpjbNzWDAChS3WE1fww%40mail.gmail.com.

Friday, 26 August 2022

{الفكر القومي العربي} معركةُ وحدة الساحات في ميزان الكسب والخسارة

معركةُ وحدة الساحات في ميزان الكسب والخسارة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تختلف معركة "وحدة الساحات" التي أطلق عليها العدو الصهيوني اسم "الفجر الصادق"، أو "بزوغ الفجر"، عن أي معركةٍ أو حربٍ أخرى شنها على قطاع غزة وقوى المقاومة الفلسطينية، فهي الحرب الأقصر زمنياً، إذ استغرق العدوان قرابة خمسة وخمسين ساعة لا أكثر، واستهدف العدو فئةً فلسطينية واحدةً، إذ قصر عدوانه على حركة الجهاد الإسلامي، واستهدف قيادته العسكرية ومنصاته الصاروخية، وخرج المدنيون الفلسطينيون "نسبياً" من دائرة الاستهداف، إذ لم يتعرضوا لغاراتٍ عنيفةٍ شاملةٍ كتلك التي اعتادوا عليها في الحروب السابقة، ولم تستهدف المباني السكنية والأبراج العالية، رغم أن العدو لاحق الشهيد خالد منصور داخل التجمعات السكنية المكتظة بالمدنيين.

 

بعد أن انتهت معركة "وحدة الساحات" وانطفأت محركات الطائرات المغيرة، وتوقفت أعمال القصف والتدمير، وجرائم القتل والاغتيال، وانتهت حالة الاستنفار العامة على جانبي السلك الزائل، وانكشف غبار المعركة عن نتائج متباينة، وأعدادٍ واحصائيات مختلفةٍ، أصبح من الممكن للمراقبين والمحللين، وأصحاب الشأن والمسؤولين، أن يحللوا الأحداث كلها بقلبٍ باردٍ وذهنٍ صافٍ، بعيداً عن ضغط العدوان وأصوات الغارات، وأعداد الشهداء والجرحى والمصابين، في ظل أجواءٍ من الأمن النسبي والاطمئنان الحذر.

 

رغم أنه من الصعب جداً في مقالٍ واحدٍ قصيرٍ، وقراءةٍ أحاديةٍ قاصرةٍ، وفي ظل غياب المعلومات الدقيقة والشفافية المطلوبة، إجراء مراجعة نقدية علمية جادة ومسؤولة تطال مختلف جوانب العدوان، وتحيط شمولاً بآثاره النفسية ونتائجه المادية، وتداعياته الاقتصادية وانعكاساته على المقاومة العسكرية، وعلى البنية الوطنية الداخلية، وما أحدثته من تصدعاتٍ وشروخٍ لا يمكننا إهمالها أو التقليل منها، رغم محاولات ترميمها وتجاوزها، والإفادة منها ومحاولة تجنبها.

 

إلا أنني سأحاول في ست نقاطٍ لا أكثر، وكلماتٍ محدودةٍ معدودةٍ، افترضها كعناوين ومفاتيح بحثٍ، واستنتاجاتٍ وقراءاتٍ سريعةٍ، أن أضع تقديراً عاماً لنتائج المعركة، علماً أن كل عنوانٍ مما سأذكر ليس مطلقاً ولا مغلقاً، ويلزمه حوار وإعادة دراسةٍ وتقييم، وقد يكون محل خلافٍ وموضع انتقادٍ، إذ قد لا يقبل بما خلصت به الجميع، خاصةَ من الحزبيين الموالين، المتعصبين للتنظيم والمخلصين للانتماء، ممن يرفضون المعارضة ويرهبون النقد، ويرون فعلهم هو الأصوب وقرارهم هو الأدق والأكثر حكمةً ومنطقيةً، إلا أنني أرى أن ذلك تعصب أعمى وتبعية تضر ولا تنفع، فالحق أولى بالاتباع أياً كان قائله، والصواب أجدر بالتبني أياً كان مصدره.

 

أرى أن حركة الجهاد الإسلامي قد كسبت، وأن حركة حماس قد تضررت وتأذت، وأن المقاومة قد استعلت واطمأنت، وتعززت وتعمقت، وأن العدو بشخص رئيس حكومته يائير لابيد قد كسب نسبياً، وأن مستوطنيه قد قلقوا كثيراً، وأن جمهور المقاومة وحلفاءها قد صدموا وحزنوا، وقلقوا وخافوا، وأن الشعب قد نجا وتجنب الدمار الذي اعتاد عليه وكان يتوقعه ويتحسب منه.

 

لا أريد هنا الخوض في نقاش وتحليل العناوين الستة التي ذكرتها أعلاه، علماً أنني أظلم البحث العلمي باختصارها المخل، وتقييدها المستفز، لكنني أرى أنها خلاصة التقييم وقراءة النتائج، وهي شاملة رغم اختصارها، ودقيقة رغم عمومها، ولعلني أستطيع إعادة طرحها مفصلة، وبيان وجهة نظري في كل منها، وتعزيزها بما لدي من معلومات وآراء، مع التأكيد أنني لا أتمسك برأيي إن وجدت ما يفنده، ولا أصر على موقفي إن رأيت أن غيره أصوب منه وأدق.

 

ستبقى هذه المعركة مختلفة عن سابقاتها، وإن كان قد جرى مثلها في العام 2019، إثر جريمة اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا، إلا أنها تتميز عنها وتختلف، وتفرض نفسها كحالة جديدة وتجربة فريدة، تفرض على جميع الفرقاء التوقف عندها طويلاً، والاستفادة منها للبناء على ايجابياتها وتجنب سلبياتها.

 

وهي بلا شك قد أوجعت العدو وأقلقته، وستدفعه يقيناً إلى مراجعة حساباته وتغيير مخططاته، وربما التخلي عن الكثير من أحلامه، علماً أننا نحن الفلسطينيين قد بتنا بعد هذه المعركة وقبلها، نراكم القوة، ونزداد خبرة، ونجدد أسلحتنا، ونشحذ هممنا، ونؤمن بعزمنا، ونثق بقدراتنا، ونعتقد أن نصر الله عز وجل قادمٌ، وأن وعده لنا آتٍ، ولا محالة أنه سيتحقق وهذه بوادره، وأن الكيان الغاصب سيتفكك ويزول وهذه دلائله.

 

بيروت في 26/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjYikJnnsOm-aktwqUhTLYV-M4nG88uHgfqT0QjEN9M7w%40mail.gmail.com.

Saturday, 20 August 2022

{الفكر القومي العربي} حربٌ إسرائيليةٌ مفتوحةٌ على القدس الضفة الغربية

حربٌ إسرائيليةٌ مفتوحةٌ على القدس الضفة الغربية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما تتعرض له مدن وأحياء القدس والضفة الغربية يومياً وعلى مدى الساعة، هي حربٌ مفتوحةٌ سافرةٌ، وعدوانٌ مقيتٌ حاقدٌ، ومعارك قاسيةٌ مؤلمةٌ، متنقلة ومستمرة، وعميقة وشاملة، يستخدم فيها العدو الإسرائيلي مختلف الوسائل والسبل في عدوانه عليها أرضاً وسكاناً، وقدساً ومقدساتٍ، وخيراتٍ ومياه، ومعامل ومزارع، ومساكن ومباني، وحياة وحريات، ومدارس وجامعاتٍ، ومقابر ومستشفياتٍ وغيرها.

 

فلا يكاد يمر يومٌ دون أن يمارس الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا في القدس والضفة الغربية، أعمال القمع والبطش والإرهاب، والقتل والاعتقال والتجويع والحصار، والمداهمة والتغلغل والاجتياح، وقد لا يكون مضطراً للقيام بكل هذه الأعمال المشينة، إذ لا تكون الظروف الأمنية تستدعي حملاته المسعورة، ورغم ذلك فإنه يقوم بها ويبالغ فيها، ويصر عليها ويكررها، ويصنف ما يقوم به من أعمالٍ قمعية وممارساتٍ وحشية، بأنها أنشطة اعتيادية لجيشه، ومهام يومية ينبغي عليه القيام بها، صوناً للأمن، وحمايةً للمستوطنين، ومداهمةً "للمخربين"، وإحباطاً لعملياتٍ "عدوانية" محتملة.

 

باتت العربات العسكرية الإسرائيلية، والوحدات الأمنية الخاصة، وفرق المستعربين الكثيرة، والكلاب الضارية المدربة، تشاهد يومياً في مختلف أرجاء الضفة الغربية، تجتاح مدنها، وتداهم بلداتها، وتقتحم مخيماتها، وتعتقل أبناءها، وتشتبك مع أهلها، وتحدث خراباً كبيراً أثناء دخولها وخلال انسحابها، وتطلق النار عشوائياً بذريعة حماية عناصرها والدفاع عن قواتها، ولا تتردد في إطلاق النار على عناصر الشرطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، في حال الاشتباه بها أو عرقلتها مهمتها، رغم التنسيق الأمني المسبق معها.

 

وفي الأثناء لا تتوقف الجرافات الإسرائيلية عن تجريف الأراضي الفلسطينية وخلع أشجارها وإتلاف محاصيلها، وطرد أهلها وسكانها منها ومصادرتها منهم، تنفيذاً لقراراتٍ حكومية ببناء مستوطناتٍ جديدةٍ أو توسيع القديم منها، أو استجابةً ومساندةً لمحاولات غلاة المستوطنين وقادة اليمين المتشددين، بحماية بؤرهم الاستيطانية وتشريعها، ومساعدتهم في تثبيتها وتحصينها، كتلك التي يقوم بها فتية التلال ومجموعات المتطرفين من الشبان، الذين يخرجون كل ليلةٍ للاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وكأنهم يخرجون في عمليات صيدٍ مشروعة، وأعمال مدنية مسموحة، علماً أن جيش الاحتلال يراقبهم من بعيد، ويتابع أعمالهم عن كثب، ولا يتدخل لمنعهم أو إخراجهم من أراضي الفلسطينيين بالقوة، بل يتدخل فقط لحمايتهم والدفاع عنهم، عندما يرى أنهم يتعرضون للخطر، وأن السكان الفلسطينيين يحاولون الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، وحماية أرضهم وأشجارهم.

 

يشعر أهلنا في القدس والضفة الغربية أنهم مستهدفون عمداً، وأن الاحتلال يريد اقتلاعهم من أرضهم وإخراجهم منها بالقوة، ويتطلع إلى تشتيتهم وتفريقهم، وتمزيق أرضهم وبعثرة سكانهم، تحقيقاً لأحلامهم القديمة وأهدافهم الكثيرة، بالسيطرة الكاملة، والسيادة الكلية على "يهودا والسامرة" الضفة الغربية، إلى جانب كامل مدينة القدس وأحيائها العربية، وتحقيق مبدأ "أرضٌ أكثر وشعبٌ أقل"، وهو ما بات يخشاه حقاً نتيجة التزايد السكاني الفلسطيني، وتغير العقيدة الوطنية الفلسطينية، التي ترفض سياسات التهجير والترحيل، وتصر على التمسك بالأرض والعيش في الوطن، ولو في العراء تحت ظل السماء، أو في خيام تدق أوتادها في عمق أرض الوطن.

 

يبدو أن أهلنا في الضفة الغربية الذين باتوا يدركون المخططات الصهيونية، ومشاريع الاحتلال التوسعية، قد قرروا المواجهة، وأصروا على التحدي، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا تُحَدُ السلطة إلا بالسلطة، ولا سلطة أقوى وأجدى وأعلى من المقاومة، ولذا فقد نشط المقاومون، وتعددت عملياتهم وتنقلت من مكانٍ إلى آخر داخل القدس ومدن الضفة الغربية، في رسالةٍ واضحةٍ وصريحةٍ، أن هذا الشعب لا يتخلى عن وطنه، ولا يتنازل عن حقه، ولا يستسلم للقوة، ولا يخضع للبطش، وأنه مصرٌ على التمسك بأرضه والدفاع عنها والاستشهاد في سبيلها، وقد رأى العدو من أهلنا ما يسيئه ويغيظه، وما يقلقه ويزعجه، ولعل عمليات المقاومة تتعاظم وتتزايد، وتتنافس فصائلها ويبدع أبناؤها، وتتعدد أشكالها.

 

أما الجانب الأهم والأكثر تطوراً في الوعي الجمعي الفلسطيني، فهو ما عمدت إليه المقاومة الفلسطينية، والتي سعت إلى إرسائه بالقوة، وفرضه بالسلاح، والتضحية من أجل تثبيته بالدم، والتمسك به مهما كانت الصعاب والعقبات، وهو "وحدة الساحات"، و"تضامن الجبهات"، وهو الاسم الذي اختارته حركة الجهاد الإسلامي اسماً لمعركتها الأخيرة مع العدو الصهيوني خلال عدوانه على قطاع غزة، ولعلها نجحت في التلويح به والإصرار عليه، وهو يلقى القبول والاستحسان لدى الشعب الفلسطيني كله في الوطن والشتات، وقد تمنوه قديماً وعابوا كثيراً غيابه.

 

ربما قد آن الأوان لفرض هذه المعادلة بقوة، وإرغام العدو على احترامها وعدم خرقها، فلا استفراد بأي منطقة فلسطينية، ولا استهداف لأي فريقٍ فلسطيني، ولا خذلان عن النصر، ولا تأخر عن المساندة، ولا سماح للعدو أبداً بالاعتداء على القدس أو المسجد الأقصى دون رد، ولا صمت عن اجتياحاته المتكررة لمخيماتنا ومدننا، وعدوانه على مقاماتنا ومقابرنا، وأرضنا وممتلكاتنا، دون ردٍ موجعٍ، وتضامنٍ عملي، وتهديدٍ فعلي.

 

وحدة الساحات، وتضامن الجبهات، عنوان عريضٌ ومعنى شامل، فلا يقتصر على فلسطين المحتلة وحدها، وإنما بعد أن تضامن الفلسطينيون مع بعضهم، واتحدت جبهاتهم في القدس وغزة والضفة والأرض المحتلة عام 1948، فقد بات لزاماً على كل أهل أرضٍ عربيةٍ محتلةٍ، وعلى كل مقاومةٍ نشأت لمقاومة الاحتلال والتصدي له، أن تحقق التضامن فعلاً، وأن توحد الجبهات عملاً، وأن تهدد الكيان الصهيوني حقيقة، ولعلنا أصبحنا من القوة والانتشار، ومن العمق والامتداد، والسلاح والقدرة، ما يمكننا من تحقيق أهدافنا، والانتصار على عدونا، وأقله لجمه ومنعه، وردعه وزجره، " قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَٰلِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".

 

بيروت في 20/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjRrVCVg4yxjLZDkpojuGqx%2B0jfEc_Bg0SpBZTCmTmGEQ%40mail.gmail.com.

Monday, 15 August 2022

{الفكر القومي العربي} لابيد المنتشي بنصرٍ زائفٍ وتفوقٍ خادعٍ

لابيد المنتشي بنصرٍ زائفٍ وتفوقٍ خادعٍ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يكن يائير لابيد الزاحف إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وتصريف أعمالها وتسيير ملفاتها، حتى تمام الانتخابات التشريعية المبكرة الخامسة وظهور نتائجها، وتكليف الأقوى فيها بتشكيل الحكومة الجديدة، يحلم أن يرتفع رصيده في الشارع الإسرائيلي، وأن ينال نسبةً أعلى من أصوات المؤيدين له والراضين عن سياسته، وهو المتهم في الأوساط الداخلية الإسرائيلية أنه أقرب إلى اليسار فكراً وسياسة، وأنه لا يستطيع اتخاذ قرارات تتعلق بالحرب وشن عمليات عسكرية، أو تنفيذ مهامٍ أمنية كبيرة، فهو القادم من خلف المكاتب الإعلامية والبرامج التلفزيونية، دون أدنى خبرة عسكرية أو أمنية، إلا أنه ضليعٌ بالملفات الاقتصادية، فهو إلى جانب أنه كان وزيراً للاقتصاد في إحدى حكومات نتنياهو، فهو رجل أعمالٍ كبير، وأحد أكثر الإسرائيليين ثراءً.

 

فجأة وجد رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية يائير لابيد نفسه في خضم المعركة العسكرية، وداخل ميدان القتال، يزور مستوطنات الغلاف، ويقف على الحدود، ويتجول بين الدبابات والجنود، ويطلق التصريحات من بين السيارات العسكرية والتجهيزات القتالية، ويستخدم مفاهيم جديدة لم يألفها من قبل، فهو يريد حسم المعركة دون أن يتكبد مستوطنوه أي خسائر، ويشجع قائد الجيش على تحييد قادة حركة الجهاد الإسلامي، وتصفية كبار مسؤوليها، بما يعيد الأمن إلى العمق والغلاف، ويحقق الردع واستعادة الثقة بالجيش وقدراته القتالية، ويرفض تقديم أي اعتذار للفلسطينيين أو المجتمع الدولي بسبب استخدام القوة المفرطة في قصف أهدافٍ مدينةٍ فلسطينية، ويعتبر أن ما قام به جيشه يندرج تحت مفهوم حفظ الأمن وسلامة المستوطنين، وتوجيه ضرباتٍ استباقية ضد أي مخاطر محتملة.

 

يظن لابيد أنه حقق في قطاع غزة ما لم يحققه أسلافه، وأنه تمكن من تدمير منصات إطلاق الصواريخ، ووجه ضربةً مؤلمةً إلى حركة الجهاد الإسلامي، وصَفَّى كبار قادتها، واستطاع أن يخلق شرخاً بين قوى المقاومة الفلسطينية، وعطل غرفة العمليات المشتركة، ومكن جيشه من استعادة بعض هيبته، وترميم بنيته، واستعراض قدراته العسكرية، التي مزج فيها بين القوة والأمن، ومنح سلاح الطيران الفرصة الكاملة لأن يتفرد في المعركة، فيما يبدو أنها محاولة لاستعادة هيبة الذراع العسكرية الطويلة لسلاح الطيران الإسرائيلي القديم.

 

كما ظن لابيد أنه نجح في توجيه رسائل صريحة ومباشرة إلى قوى المقاومة الفلسطينية وغيرها، بأنه قادرٌ على أن ينال منها ويحيدها، وأن جولة القتال القصيرة في غزة قد تتكرر مراتٍ أخرى في أكثر من مكان، وتخيل أن قوى المقاومة الأخرى قد تلقت الرسالة وفهمتها، وأدركت أن سياسة الجيش قد تغيرت وصلاحياته قد تبدلت، ولعل بعض مستشاريه الأمنيين والعسكريين، فضلاً عن قائد جيشه، قد نفخوا فيه وأشادوا به، وهَوَّلوا له ما حقق وعظموا ما أنجز، وكَبَّروا رأسه أكثر مما يعرف هو عن نفسه.

 

زاد في زهو لابيد وخيالائه، أن نتنياهو استجاب له ولبى دعوته، واستمع إليه وقدم له نصائحه، وقَبِلَ أن يتلقى منه تلخيصاً أمنياً، ويطلع على التقارير الخاصة بالعمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة، بما يعني اعترافه به رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وهو الذي كان يرفض الاعتراف بسلفه نفتالي بينت، ويصر على تحقيره والتقليل من قدره وشأنه، والاستخفاف بقدراته ومميزاته، رغم أن الظروف الأمنية والعسكرية التي كانت سائدة في مايو/آيار من العام 2021، في ظل حرب "سيف القدس"، كانت أقسى وأصعب، وأكثر خطورة وسخونة مما هي عليه الآن، ورغم ذلك فقد رفض تقديم الدعم لبينت بينما قدمه للابيد، الذي اعتبره اعترافاً به وتنازلاً من نتنياهو له.

 

ما زالت استطلاعات الرأي الإسرائيلية تورط لابيد أكثر فأكثر، وتمنحه المزيد من التقدم، وتوهمه أنه أصبح الأقوى والأقدر، وأنه المنقذ والمخلص، وأن على شعب إسرائيل أن يضع فيه الثقة ويمنحه المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة، بما يمكنه من تشكيل حكومةٍ قوية ومستقرة، فلا يكون الشعب مضطراً لخوض انتخاباتٍ سادسة وربما سابعة.

 

يبدو أن يائير لابيد مخمورٌ بما يسمع، ومنتشيٌ بما يرى، وما زالت السكرة تلعب في رأسه، ونسي أن الأرض التي يقف عليها تميد به وبمستوطنيه، وأنها تشتعل ناراً في كل مكانٍ حوله، وأن الفلسطينيين، أصحاب الأرض وحماة الوطن، لن يتركوه في سكرته طويلاً، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام استعلائه الموهوم، وتفوقه المخادع، فكما أسقطت المقاومة شيمعون بيريز وأيهود أولمرت وأيهود باراك وأفيغودور ليبرمان، وقادة الجيش السابقين أمثال دان حالوتس والدعيِّ الفاشل بيني غانتس، فإن المقاومة التي تضرب في القدس والضفة الغربية، وتصمد وتصد في قطاع غزة، وتخيف في جنوب لبنان وترعب، قادرة بإذن الله أن تنسي لابيد وساوسه، وأن تعيده بالقوة إلى حجمه الطبيعي وجحره الذي كان فيه.

 

بيروت في 15/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojj_Xp3ZgNSCBAmUWsNPdvUTQPTXj1KHnUuH-%2B1iLyO_CQ%40mail.gmail.com.

Saturday, 6 August 2022

{الفكر القومي العربي} يوميات العدوان الإسرائيلي الغادر على غزة 1 الفجرُ الإسرائيلي الكاذبُ

يوميات العدوان الإسرائيلي الغادر على غزة (1)

الفجرُ الإسرائيلي الكاذبُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس فَجراً بل هو الفُجرُ بعينه، فالفَجرُ أبلجٌ أبيضٌ باردٌ صافي، وفُجرُهم أسودٌ قاتمٌ باغيٌ ظالمٌ،

 

والفَجرُ سلامٌ ومحبةٌ، وصلاةٌ وذكرٌ، وفُجرُهم عدوانٌ وحربٌ، ودمارٌ وقتلُ،

 

والفَجرُ حياةٌ وفُجرهم موتُ، وأهلُ الفَجر أبرارٌ وصناعُ الفُجرِ فُجَّارٌ،

 

وهيهاتَ لفُجرٍ أن ينتصر على الفَجرِ، أو يطفئ نوره ويمنع بزوغه، فما بعد الفَجرِ نورٌ وضياءُ، وما بعد الفُجر موتٌ وفناءُ،

 

فالفَجرُ أقسم به رب العزة وعظمه، وفُجرهم دانه وحقره، وللفَجرِ رجالٌ نستبشرُ بهم، وللفُجر شياطينٌ نستعيذ بالله السميع العليم منهم، وأهل الفَجر يسبحون، والفُجّار يُلعنون ويُرجمون،

 

أطلقوا على عدوانهم البغيض اسم "الفجر الصادق"، وهم أكثر من يعلم أنه فجرٌ كاذبٌ، وأنه لا صبح بعده ولا نورَ يرتجى منه، فهم الفُجار في خصومتهم، والكفار في ملتهم، والمغضوب عليهم من خالقهم،

 

وهم كما سرقوا الأرض واغتصبوا الحقوق، ودلسوا وزوروا وكذبوا وخدعوا، ونسبوا إلى أنفسهم ما ليس فيهم، وادعوا ملكية ما ليس لهم، فقد سرقوا منا الفجر، ونسبوه لأنفسهم وهو لا يعرفهم، بل هو عدوهم منذ وجدوا على الأرض، وحاربوا الرب وقتلوا أنبياءه،

 

قد لوثوا اسم الفَجر وشوهوه، وغيروا معناه وبدلوا حقيقته، وألبسوه ثياباً من نارٍ، وشواظاً من لهب، وهو الذي اعتدنا على نسائمه العليلة، وأنواره البهيجة، وأنفاسه الطيبة،

 

اختارت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية اسم "الفجر الصادق" على عدوانها الخامس حرباً على قطاع غزة، اعتقاداً من قيادة الأركان الراحلة قريباً، أنهم سيرممون بها جيشهم، وسيحسنون سمعته، وسيعوضون خسارتهم، وسيستدركون ما فاتهم، وسيحققون بعضاً من أهدافهم التي فاتتهم خلال كل الحروب السابقة، وعجزوا عن تحقيقها رغم فائض القوة وقسوة السلاح،

 

شعبنا بحول الله واثقٌ، ومقاومتنا بإذن الله قادرةٌ، ولن يخفينا فجورُ العدو ولا ترسانة أسلحته، ولن يفت في عضدنا تهديده ووعيده، ولن يفل عزمنا جمعه وعديد أحلافه، فنحن الأقوى ما مضينا على الحق، وصبرنا على الألم، وَجُدْنا بالدم، وضحينا في سبيل الوطن  

 

سيعود إلينا فجرناً أبلجاً ومعه فلق الصبح أبيضاً، وسيبوء العدو بعدوانه حسرةً وخسراناً، وسيجني جراء عدوانه شوكاً وألماً، ولن يفرح بنصرٍ يحلم به، ولن يحقق تفوقاً عمل عليه، ولن ينال من المقاومة التي أوجعته، ولا من رجالها الذين أدموه وآلموه،

 

وسيعود رجالنا ذات صباح يحملون على أكتافهم بنادقهم، وفي أيديهم غنائم معاركهم، وستستقبلهم نساء فلسطين بالأغاني والأهازيج، والمهاهاة والزغاريد، كصيادي البحر العائدين بسلالٍ ملأى بالسمك، وقلوب تعج بالفرح، وضحكاتٍ عاليةٍ تسمع البلاد كلها صداها،

 

ألا أيها الفجر الصادق إننا على موعدٍ معك كما الوعد الصادق والطير السانح، على موعدٍ مع نصرٍ على عدونا تجلبه، وطردٍ له تحققه، ونارٍ تحته تحرقه، ولعنةً عليه تلاحقه،

 

فجرنا الصادق نصرٌ يتنزل، ووعدٌ يتحقق، وقلوبٌ تفرح، وشعبٌ يعود، وعلمٌ يرفرف، ورايةٌ ترفع، وهو أملٌ يتحقق، ورجاء يقبل، ودعاءٌ يستجاب.

 

بيروت في 7/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgY3PyXkRGwMvO3JL2egt9g1WgpaR0aMHDo3itAEDn%2BQA%40mail.gmail.com.

Friday, 5 August 2022

{الفكر القومي العربي} معادلةُ حركةِ الجهادِ وجيهةٌ وشروطها منطقيةٌ

معادلةُ حركةِ الجهادِ وجيهةٌ وشروطها منطقيةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

·     ملاحظة: كتبت المقال قبل ساعاتٍ من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

أخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عشية اعتقال الشيخ بسام السعدي، تهديدات حركة الجهاد الإسلامي على محمل الجد، واتخذت إجراءات احترازية عالية للغاية، فأغلقت المعابر، واستدعت قوات الاحتياط، وكلفت الفرق الخاصة بالجاهزية التامة، وأمرت المستوطنين بالتزام بيوتهم، وعدم مغادرتها إلى الأماكن العامة، وطلبت منهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد على مدى الساعة، عند أول توجيه أمني أو صافرة إنذارٍ عامةٍ، للنزول إلى الملاجئ والمباني المحصنة، تحسباً لأي عملية ردٍ قد تقوم بها حركة الجهاد الإسلامي، التي يبدو من خطابها السياسي والإعلامي أنها جادة في تهديداتها، وأنها ماضية في تنفيذ وعودها، وأن أحداً لن يردعها حتى تستجيب سلطات الاحتلال لشروطها.

 

وكان المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" لحكومة الاحتلال قد اجتمع أكثر من مرةٍ، واستمع رئيسها الذي اختلفت لهجته، إلى رئيس الأركان وقادة الأجهزة الأمنية، الذين أفادوا بخطورة الأوضاع الأمنية، واحتمال تدهورها إلى ما هو أسوأ من ذلك، وأن الأمر يتجاوز التوقعات المنخفضة إلى الاحتمالات العالية، حيث غلب عليهم الظن أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين قد اتخذت قرارها، وحسمت أمرها، وجهزت مقاومتها لتنفيذ عملياتٍ ما ضد أهدافٍ إسرائيلية، مدنية وعسكرية، انتقاماً لاعتقال قائدها في جنين، وأحد أبرز رموزها في الضفة الغربية، الشيخ بسام السعدي.

 

تدرك سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن حركة الجهاد الإسلامي قد شعرت بالغصة الكبيرة لاعتقال الشيخ السعدي، وآلمها كثيراً الطريقة التي استخدمت لاعتقاله، إذ أطلقوا عليه كلباً ضارياً مدرباً، لاحقه ونهش جسده وعضه، قبل أن يقوم جنودهم بجره على الأرض وسحله، وضربه وتعذيبه وإهانته، وهو ما دفعهم إلى نشر مجموعة من الصور له، تظهر حسن تعاملهم معه، وعدم إساءتهم إليه، حيث بدت الصور الجديدة خالية من الخدوش والكدمات التي كانت موجودة حكماً عند اعتقاله، ولكن خشيتهم من توتر الأوضاع أكثر بسبب الصور الأولى المتداولة، دفعتهم إلى تعميم الصور الجديدة، والسماح للمنظمات الدولية بزيارته في مكان اعتقاله، في رسالةٍ واضحة إلى حركة الجهاد الإسلامي.

 

إلا أن الحركة التي وصلتها رسائل كثيرة، قام بها وسطاءٌ مصريون وغيرهم، وتعرضت لضغوطٍ كثيرة لئلا ترد، فضلاً عن التهديدات الإسرائيلية بقصف مقراتها، واستهداف قياداتها، وضرب معسكراتها ومراكزها التنظيمية، تصر على موقفها إلا أن تستجيب سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى مطالبهم الثلاثة، وهي الإفراج عن الشيخ بسام السعدي، والإفراج عن الأسير المضرب عن الطعام خليل عواودة، ووقف عمليات الاقتحام والمداهمة والاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة.

 

قد تبدو هذه الشروط صعبة أو مستحيلة وتعجيزية، إذ لا يقبل بها العدو الإسرائيلي ولا يخضع لها، وهي تمس كرامته وسيادته، ولم يسبق له أن خضع أو استجاب لها، وهو لا يريد أن يسجل سابقة في تاريخه، أنه يخضع لشروط المقاومة وينزل عندها، الأمر الذي يعني تكرارها وتشجيعها على القيام بمثلها، وهو الذي سبق له أن اعتقل سعدات والبرغوثي وحسن يوسف وغيرهم من كبار القادة والرموز الفلسطينيين، ولم يخضع للتهديدات، ولم يفرج عنهم أو يبدي استعداداً لمبادلتهم، فكيف يقبل الآن بترسيخ قواعد جديدة ومعادلات كاسرة، يصعب عليه بعد ذلك الخلاص منها.

 

قد تبدو هذه الشروط فعلاً صعبة لكنها ليست مستحيلة، وقد لا يقبل بها العدو اليوم، لكنها مطالب وجيهةٌ وشروطٌ منطقيةٌ، سيقبل بها العدو، شاء أو أبى في المستقبل القريب، إن وجد نفسه في مواجهة  الشعب كله وقواه المقاومة جميعاً، ورأى أن هذه الشروط ليست شروط حركةٍ أو حزبٍ، إنما هي شروط شعبٍ ومقاومة، وأن الفلسطينيين جميعاً يقفون خلفها ويؤيدونها، ولا يتركون حركة الجهاد الإسلامي ترفعها أو تنادي بها وحدها، وأنهم على استعداد للتضحية من أجلها، والصبر حتى تحقيقها.

 

إنها شروط عزةٍ وكرامةٍ، ومطالب حقٍ وعدالة، فالشعب الفلسطيني كله يقف وراء هذه الشروط ويؤيدها، لكنه مع تعميمها وتوسيعها، فلا تمييز بين الأسرى، ولا مفاضلة بين المعتقلين، بل هم جميعاً أمانةً في عنق هذا الشعب ومقاومته، وتحريرهم مسؤولية والإفراج عنهم واجب، وإن كان من تمييز بينهم ومفاضلة، فالأولوية هي للأسيرات والمعتقلات، وللصبية والأطفال، وللمرضى والمصابين، وللشيوخ المسنين وعمالقة الأسرى الصابرين، فلهؤلاء الأولية دائماً، بما لا ينسينا الواجب الأكبر والمسؤولية الأشمل، وهي الحرية الكاملة وتبييض السجون كلها، حينها يفرح المؤمنون ويحتفل الفلسطينيون بنصر الله. 

بيروت في 6/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhDRoy0_HDCnKpLjPMSr2KbLxHXjHR6wWCNZw%2ByxvZGDg%40mail.gmail.com.

Thursday, 4 August 2022

{الفكر القومي العربي} أضواءٌ على الانتخاباتِ الإسرائيليةِ الخامسة يأسٌ شعبيٌ وسُعارٌ حزبيٌ (2)

أضواءٌ على الانتخاباتِ الإسرائيليةِ الخامسة

يأسٌ شعبيٌ وسُعارٌ حزبيٌ

(2)

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بعد قرار سحب الثقة عن حكومة نفتالي بينت، والدعوة إلى انتخاباتٍ تشريعيةٍ مبكرةٍ في الأول من نوفمبر/تشرين ثاني القادم، يتهيأ الشارع الإسرائيلي، أحزاباً ومستوطنين، لإجراء انتخاباتٍ مبكرةٍ للمرة الخامسة خلال أربع سنواتٍ متواليةٍ منذ العام 2019، وللمرة الخامسة والعشرين منذ تأسيس الكيان، في ظل أجواء من اللامبالاة والبرود الشعبي، وغياب مظاهر الحماس والتعبئة الانتخابية التي اعتاد عليها الجمهور الإسرائيلي في دوراته الانتخابية العادية.

 

ذلك أن الجمهور الإسرائيلي قد مَلَّ التوجه المتكرر إلى صناديق الانتخابات التي لا تحسم نتائجها، ولا تتغير معطياتها، ولا تقود بحالٍ إلى استقرارٍ سياسي، أو تبشر بحكومةٍ مستقرةٍ، تتمتع بثقةٍ برلمانيةٍ كافيةٍ، وإنما تعيد إنتاج الانقسام نفسه، الذي يخلق حالةً من الاستعصاء السياسي في ظل حكوماتٍ ضعيفةٍ مهزوزةٍ، تقوم شرعيتها على أغلبيةٍ ضئيلةٍ بصوتٍ واحدٍ أو أكثر بقليلٍ، الأمر الذي يجعلها دائماً عرضةً للابتزاز والمساومة، وأقرب إلى فقدان الثقة والسقوط عند أول أزمةٍ تواجهها.

 

إلا أن الأحزاب السياسية التقليدية والجديدة، والتحالفات التي تُبنَى والتكتلات التي تنشأ، على عكس الجمهور اليائس المحبط، فإنها لا تتوقف عن محاولات السعي للوصول إلى الكنيست الإسرائيلي، رغم قناعة الجميع أنه لن يكون هنالك ثمة حزبٍ ملكٍ، ولا تكتلٍ رئيسٍ.

 

فالقانون الانتخابي والتشظي السياسي والشرذمة الحزبية، تحول دون عودة الحياة السياسة الإسرائيلية إلى زمن أحزاب العمل والليكود وحتى كاديما، ما يعني أن الكل في حاجةٍ إلى الكل، وأنه لا قيمة مهملة، ولا تمثيل هامشي، بل إن المقعد الواحد يستطيع أن يمنح الحكومة الثقة، كما أنه يستطيع أن يسحب الثقة منها ويسقطها، وهي المعضلة التي أنشأتها الأغلبية الضئيلة، التي لم تعد تزيد عن 61 عضواً، أي النصف زائد واحد فقط، الأمر الذي يجعل كل الحكومات مهزوزة وضعيفة، وغير قادرة على الصمود أمام أي جلسة للتصويت على حجب الثقة عنها.

 

أمام هذه القناعات التي أصبحت ثوابت، فإن بعض الأحزاب تعمل بجدٍ ومثابرة لزيادة حصة تمثيلها، وتقليل حصة خصومها، بينما تسعى غيرها إلى تجاوز نسبة الحسم، وحجز مقاعدها منفردةً أو بالتحالف مع غيرها، ورغم حالة الاستقطاب الكبرى، والمفاوضات التي لا تهدأ، والمساعي التي لا تفتر، فإن اليمين الإسرائيلي الذي يتزعمه زعيم المعارضة الحالي، رئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو، لن يحصل على أكثر من 57 صوتاً، ما يعني أنه في حاجةٍ إلى أربعة أصواتٍ أخرى، وهو ما قد لا يتحقق إلا في حال نجاح الحزب الجديد "الروح الصهيونية" بتجاوز نسبة الحسم وحجز أربعة مقاعد في الكنيست.

 

أما تكتل يسار الوسط المكون من أحزاب الجنرالات وساعر ولابيد وليبرمان، وحزب العمل وميرتس، فإنه لن يتمكن من الحصول على أكثر من 53 مقعداً، مما سيجعله مضطراً للتحالف مع الأحزاب العربية، وهو ما باتت أطرافه ترفضه وتخشى منه، وتعتبره أنه السبب الأكبر في ضعف تمثيل الحكومة، حيث ستتهم الحكومة في أحسن الأحوال بأنها غير صهيونية، في حين أن آخرين سيصفونها بأنها معادية للصهيونية، كونها تضم أحزاباً عربية تناوئ الصهيونية وتعاديها.

 

رغم حالة الاستعصاء القوية ومظاهر الجمود المسيطرة، والإحساس العام بأن الانتخابات التشريعية الخامسة ستفضي إلى سادسة وسابعة وثامنة وما بعدها، ما لم يتم الاتفاق على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" واسعة، تشمل الطيف السياسي كله، اليمين ويسار الوسط والعمل، وهو ما لا يبدو في الأفق المنظور ممكناً، طالما بقي نتنياهو يتصدر المعارضة، ويسجل حزبه الليكود في مختلف الاستطلاعات أعلى الأصوات، ويريد العودة إلى رئاسة الحكومة، وتوظيفها مع الكنيست لخدمته شخصياً، وتنظيف سجله، وفرض حصانته ضد أي اتهامٍ آخر، وهو ما لا تقبل به الأحزاب الأخرى، التي ترى أن عودته مشكلة، وأن انتصاره هزيمةٌ لها، وهي الأحزاب التي اصطلح على تسميتها "أحزاب البديل"، أي بديل نتنياهو.

 

إلا أن قوى المعارضة وفي المقدمة منها نتنياهو، التي طالبت أن تجرى الانتخابات في 25 تشرين أول، أي قبل أكثر من شهر من الموعد الذي تم تحديده، تخشى من أن بقاء يائير لابيد في منصبه رئيساً للحكومة، ولو بصفة تصريف أعمال، التي قد تطول في حال لم يتم حسم النتائج وتشكيل حكومة، مما قد يزيد من قوته وحظوظه.

 

من المؤكد أن المدة المتبقية قد تحسن أوضاعه، وتزيد من نسبة تمثيل حزبه "ييش عتيد" والموالين له في الكنيست الإسرائيلي، آخذين بعين الاعتبار تأييد الإدارة الأمريكية له، وتفضيلها له على نتنياهو، وهي التي خصته باستقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أرجأ زيارته مدة أسبوعين، ليكون هو لا نفتالي بينت في استقباله، الأمر الذي قد يزيد من فرص فوزه واحتمالات زيادة حصته.

 

ما زال في الوقت متسعٌ كبيرٌ لمتغيراتٍ جديدةٍ، إذا أخذنا بعين الاعتبار التحديات التي يواجهها الكيان الصهيوني، سواء على الحدود الشمالية لفلسطين، خاصةً ما يتعلق بملف التنازع المائي بينه وبين لبنان، حول حقول الغاز في حوض البحر المتوسط، والتحديات المتصاعدة في الضفة الغربية، التي تشهد أكبرها محافظات جنين ونابلس، الأمر الذي يجعل من نسبة اندلاع حربٍ متعددة الجبهات كبيرة، تشمل لبنان وسوريا وغزة، واحتمالات التحاق جهاتٍ أخرى بها، مما سينعكس حتماً على نتائج الانتخابات والخيارات السياسية، التي قد تقود حكماً نحو حكومةٍ وحدةٍ وطنيةٍ واسعةٍ، وإن كانت ستكون على الأرجح حكومة برأسين، قد يكون نتنياهو الساعي للنجاة والحالم بالعودة أحد رأسيها.

يتبع.....

 

بيروت في 4/8/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhbQo05hpvbmab61m1hSTqz1yJ9Au19JdzSz-ukZM_Nvg%40mail.gmail.com.