Sunday, 30 October 2022

{الفكر القومي العربي} عرينُ الأُسودِ ظاهرةٌ شعبيةٌ دائمةٌ أم حالةٌ تنظيميةٌ عابرةٌ

عرينُ الأُسودِ ظاهرةٌ شعبيةٌ دائمةٌ أم حالةٌ تنظيميةٌ عابرةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

نجحت كتائب "عرين الأسود" في بث الرعب والخوف في قلوب الإسرائيليين، وأقلقت كثيراً سلطاتهم الأمنية، وأربكت قواتهم العسكرية، وأدخلت الاحتلال في تحدٍّ جديدٍ ومواجهاتٍ دائمةٍ، وكشفت عن عميق تخوفهم وشديد توجسهم من تنامي قوة الكتائب واتساع نطاق عملها وانتشار عناصرها وتعميم مقاومتها.

 

فقد تمكنت المجموعة رغم حداثة نشأتها وقلة عدد أعضائها، وقسوة الحرب ضدها، والحصار المفروض عليها وعلى مدينتها، من فرض نفسها وإظهار دورها، وأعلت بعملها من شأن المقاومة، ورسم قادتها باستقلاليتهم وتنوع انتماءاتهم صوراً رائعة للبطولة والتحدي، وأضحت كلماتهم خلال المواجهة أو في وصاياهم الأخيرة أثناء الحصار وخلال ساعات الاشتباك العصيبة، درباً يحتذى ونوراً يستضاء به، ومعاني يُستشعرُ بها العزة والكرامة والشمم والإباء.

 

عبأت سلطات الاحتلال قواتها، وكلفت جيشها وأجهزتها الأمنية، واستعانت بفرق المستعربين والوحدات الخاصة، واستخدمت أقمارها الصناعية وطائراتها المسيرة وبرامجها التجسسية، خلال محاولاتها المحمومة السيطرة على مدينة نابلس والقضاء على أعضاء "عرين الأسود"، ولعلها نجحت في تصفية بعضهم أو اعتقالهم، ويسرت استمالة السلطة لآخرين منهم بتعهدها الكاذب التوقف عن ملاحقتهم واعتقالهم أو تصفيتهم وقتلهم، إلا أنها لم تتمكن من تصفية عناصر المجموعة الفتية، وتفكيك بنيتها، أو السيطرة عليها واعتقال أعضائها، وما زالت حتى الساعة تخطط لمواجهتهم، وتعد العدة لاقتحام مناطقهم ومداهمة أماكنهم.

 

لم تعد سلطات الاحتلال تواجه بضعة عناصر من مجموعة عرين الأسود، ينتمون إلى وحداتٍ عسكريةٍ أو خلايا حزبيةٍ منظمةٍ، أو تتشكل من عناصر النخبة وأعضاء من الفصائل الفلسطينية، وإنما غدت تواجه الشعب كله، الذي شارك أبطال عرين الأسود معاركهم، وخاض معهم بطولاتهم، وحماهم بالصدور والأرواح، وفتح له الدور والبيوت، وأخلى لهم الشوارع والطرقات، وحلق شبابهم في مكانٍ آخر شعر رؤوسهم تمويهاً لهم وتيسيراً لحركتهم، وخذل عنهم وتفانى في الدفاع عنهم، بعد أن رسم أبطال المجموعة بصمودهم وتضحياتهم صورةً رائعةً للمقاومين، ومشاهد بطولية للمقاومة، وسطروا بالدم والسلاح أروع الرسائل، وأطلقوا أصدق الوصايا وأخلص الكلمات.

 

باتت المقاومة ومواجهة الاحتلال هي حديث الشارع الفلسطيني العام ومادتهم اليومية، تتصدرها أخبار مجموعة عرين الأسود وكتيبة جنين وغيرهما من الخلايا المستجدة الأصغر منها، لكنها لم تعد مجرد ثرثرةً عامةً وتحليلاتٍ ممجوجةً أو أخباراً متناقلة، بقدر ما أصبحت عملياتٍ متنقلةً ومحاولاتٍ مستمرةً، ويشهد العدو على أن عملياتها أصبحت جادةً وقوية، وظاهرة مقلقة ومزعجة، فما من يومٍ إلا ويشهد عمليةً جديدةً، لا تقتصر على الصوت والصدى، والبيان والخبر، بل يقتل فيها جنودٌ ومستوطنون إسرائيليون، ويجرح منهم الكثير، ويخضع بسبب كثرة العمليات العسكرية مستوطنوهم للحبس المنزلي، ويغلقون عليهم أبوابهم، ولا يخرجون من مستوطناتهم، التي يفرض في شوارعها أنظمة حظر التجوال، خوفاً من فدائيين يتسللون، ومقاومين يدخلون.

 

لا شيء يقلق الاحتلال أكثر من الحاضنة الشعبية والرعاية الوطنية، فالمقاومة البعيدة عن محيطها والغريبة عن وسطها، سرعان ما تنتهي وتذوب، وتذوي جذوتها وتزول، ولهذا فهو يلجأ بخبثٍ بكلامٍ معسولٍ وتصريحات ٍجوفاء إلى الفصل والتمييز بينهم، ويدعي أنه يستهدف العامة ولا يقصد قتل المواطنين، وهو في الحقيقة يستهدفهم ولا يميز بينهم، ويقتل المقاومين في الميدان تماماً كما يقتل المواطنين في الشوارع والطرقات، ويفرض الحصار القاسي والإجراءات المذلة المهينة على الشعب كله، ويمارس العقاب الجماعي بلا رحمةٍ ضد السكان جميعاً، صغارهم وكبارهم، وأطفالهم ونساءهم، ومرضاهم وأصحاءهم.

 

ربما تتمكن سلطات الاحتلال من تفكيك المجموعة وقتل أو اعتقال أعضائها، لكن خبراءهم والمسؤولين، والمتابعين والدارسين، وقادة الجيش وضباط الأجهزة الأمنية، يدركون تماماً أنهم لم يعودوا يواجهون مجموعةً عابرةً، أو حالةً نضالية مؤقتة، فقد نجحت مجموعة عرين الأسود، ومن قبل كتيبة جنين، في خلق حالةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ عامةٍ، وشيوع مزاجٍ وطني شعبيٍ مقاوم، فإن خمدت نيران كتيبةٍ هنا، فإن نار سريةٍ هناك ستندلع، وجمر كتيبةٍ أخرى سيتقد، ولن تقف المقاومة عند جنين أو نابلس، ولن تجمد أشكالها على عرين الأسود وكتيبة جنين، فها هي جبع تشكل كتيبتها الجديدة، وتطلق عليها اسم "كتيبة جبع"، وغداً ستتشكل كتائب أخرى جديدة، وستنطلق سرايا مقاومة أخرى، يلتحق بها المقاومون، ويتنافس في العمل فيها الفلسطينيون، فلا يهنأ العدو كثيراً، ولا ينام ملء جفنيه طويلاً.

 

 

إسطنبول في 30/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojha70E-6BO6sEebY7nyxgiXhGWhDNvgJkvUmuMBxWVa_A%40mail.gmail.com.

Friday, 28 October 2022

{الفكر القومي العربي} ثلاثةُ أيامٍ قبل الانتخابات الإسرائيلية الخامسة

ثلاثةُ أيامٍ قبل الانتخابات الإسرائيلية الخامسة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تغلي الساحة الإسرائيلية كالمرجل، وتعج جدرانها بالصور كجريدةٍ، ووسائلها الإعلامية بالوعود والتصريحات، وتشتبك أحزابها وتلتحم كتلها وتعود بعضها فتخرج وتنفصل، وتستقل بنفسها وتعلن خوض الانتخابات وحدها، وهي تتأهب بتحفزٍ شديدٍ وقلقٍ أكبر لخوض الانتخابات التشريعية الخامسة في غضون أقل من ثلاث سنواتٍ، التي لم يبق على إجرائها سوى ثلاثة أيامٍ فقط، إذ ستجري يوم الثلاثاء القادم الأول من شهر نوفمبر/تشرين ثاني 2022.

 

يعلم الإسرائيليون على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، أن الانتخابات الجديدة لن تنقذهم، ولن تخرجهم من مأزقهم، ولن تكون نتائجها هي جسر العبور وبوابة الاستقرار، بل ستعيدهم حتماً إلى المربع الأولى التائه الحائر، العاجز الضعيف، الذي لا يملك فيه أي طرفٍ القوة الكافية للحسم وتجاوز مراحل حالة اللا وزن واللا قرار واللا استقرار التي يمر بها كيانهم، ويعاني منها مستوطنوهم، ويشكو منها اقتصادهم، وتضطرب فيها شؤونهم، وتتصادم مصالحهم، في ظل عالمٍ متغيرٍ وتحدٍ دائمٍ ومواجهاتٍ مستمرةٍ.

 

رغم أنه لم يبق وقتٌ طويل على يوم الانتخابات، ولم يعد هناك احتمالاتٌ لتغيير وجهات النظر وتبدل النتائج المتوقعة، إذ أن الغالبية قد حسمت قرارها، وأكدت عل خياراتها، ولا يبدو أن أحداً يستطيع تغيير قرارها، أو حملها على انتخاب من لا تريد، إلا أن المؤسسات الإسرائيلية المختلفة لم تتوقف عن إجراء الاستقراءات الميدانية، وإصدار نتائج استطلاعات الرأي التي تصل إليها، التي تؤكد كلها عدمية التوصل إلى نتائج مفاجئة، تغير الواقع وتحسم القرار.

 

لكن اللافت في الشارع الإسرائيلي في الأيام القليلة الماضية، هو أن قطاعاً كبيراً من المستوطنين قد عزفوا عن التصويت، وأعلنوا نيتهم مقاطعة الانتخابات، ليأسٍ شديدٍ من نتائجها، وعدم جدوى بذل الجهد في سبيلها، في ظل سلبيةٍ مزاجيةٍ شعبيةٍ لافتةٍ، تحاول الأحزاب تبديدها وإخراج المستوطنين منها، ودفعهم للمشاركة الفاعلة والتصويت الكثيف، واعتبار ذلك مهمة وطنية ومسؤولية قومية لا ينبغي التقصير فيها أو التخلي عنها، في ظل وعودٍ يطلقها قادة الأحزاب أنهم سينفذون وعودهم، وسيلبون طلبات جمهورهم.

 

أما الأمر الآخر اللافت والمثير للانتباه، فهو حالة التصادم والاشتباك بين أطراف التكتلين وأحزاب الفريقين، فاليمين الإسرائيلي الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود، قد أعلن الحرب على شريكته إيليت شاكيت رئيس حزب البيت اليهودي، واتهمها بأنها تحاول سرقة أصوات حزبه والتأثير على الناخبين له، لتتمكن من تجاوز نسبة الحسم، بعد أن شعرت بأنها قد اقتربت منها للمرة الأولى، حيث كانت أغلب استطلاعات الرأي تمنحها نسبة 1.1، لكنها تمكنت في الأيام القليلة الماضية من الحصول على 2.6، ما يعني أن آمالها في التمثيل البرلماني قد انتعشت.

 

وفي الوقت نفسه فقد قام نتنياهو بطرد قادة اليمين الديني المتطرف وهم حلفاؤه الجدد وشركاؤه المؤكدون، ورفض أن يشاركهم الكلمة أو تلتقط له صورة معهم، وأجبر ايتمار بن غفير على النزول من على المنصة، وكذلك فعل الشئ نفسه مع بتسليئيل سموتريتش، واتهمهما بمحاولة سرقة أصوات حزبه، والتأثير على الناخبين الموالين له، رغم أن سلوكه لا يخلو من إشاراتٍ واضحة ومقصودة، أنه قد لا يتحالف معهما، ولن يشركهما في حكومته، ليفسح المجال أمام بعض أحزاب يمين الوسط، الذين يشاركون في معسكر البديل، لينظموا إلى تحالفه ويشتركوا معه في حكومةٍ أكثر استقراراً.

 

أما في الجانب الآخر والتكتل المعارض الذي يتزعمه رئيس حكومة تصريف الأعمال يائير لابيد، فإن الخلافات الحزبية تعصف به وبشركائه الذين يتهمونه بتفتيت أحزابهم والتأثير على ناخبيهم، ونقلهم إلى معسكره، فقد ظهرت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أظهرت ارتفاع مقاعد حزب "هناك مستقبل" إلى 28 عضواً، عن هجرة بعض أصوات حزبي العمل وميريتس إلى حزب "ييش عتيد"، وتراجع مستوى تمثيل الحزبين إلى خمسة مقاعد وربما أقل، الأمر الذي من شأنه أن يهدد وجودهم ويعقد من احتمالية تجاوزهم لنسبة الحسم.

 

رغم أن أفيغودو ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" يدعي أنه الحزب الثابت والأكقر استقراراً والأقل تأثراً بالمتغيرات، وأن تمثيله لا يتغير، إلا أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والمواقف الإسرائيلية المرتعشة تجاه أطراف الحرب، تضعه وحزبه في مهب الرياح، فجل ناخبيه هم من أصولٍ روسية وأوكرانية، وقد شعر الطرفان بخذلان الحكومة الإسرائيلية لبلديهما.

 

أما بالنسبة للعرب، الذين عصف بهم اختلاف قوائمهم وتناقض أحزابهم، وعدم مسؤولية كبارهم، بعد خروج حزب التجمع الذي يرأسه سامي أبو شحادة، بالإضافة إلى إحساسهم بعدم قدرتهم على التأثير الكبير، فإنهم لا يبدون رغبةً كبيرةً في المشاركة في الانتخابات، ومن المؤكد أن نسبة تصويتهم ستنخفض، رغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن القائمتين العربيتين المشتركة والموحدة، سيحققان أربعة مقاعد لكلٍ منهما، إلا أن هذه النتائج تبقى متأرجحة، ولا تحسمها إلا صناديق الانتخابات.

 

الإسرائيليون قلقون، والأمريكيون يراقبون، وربما هذا حقهم وهو شأنهم، لكن الذي نخشى منه ونخاف، هو رهان بعض العرب والفلسطينيين على نتائج الانتخابات، واعتقادهم أنها قد تغير الواقع وتبدل الحال، وأن بعضهم سيكون أفضل من غيرهم، ويمينهم المعتدل أقرب إلى السلام من يمينهم المتطرف، وما عرفوا أنهم جميعاً ملةً واحدةً، وجبهةً ضدنا مشتركةً، وأنهم جميعاً شركاء في قتلنا والعداء لنا، ولا خير يرجونه لنا ولا سلام يأملونه معنا.

 

بيروت في 28/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojjd--zKMLnWm%2B4LKGWaJNZNhgN2rYR%2BwStxfaYp1tDyAw%40mail.gmail.com.

Wednesday, 26 October 2022

{الفكر القومي العربي}







عرين الأسود حالة ستترسخ في المجتمع الفلسطيني رغم التنسيق الأمني وعنجهية الاحتلال 

 

رشيد شاهين 

بدون مقدمات او كثير من الضجيج وبعيدا عن أعين عملاء الاحتلال وعسسه واستخباراته وكل ما يمتلكه من تكنولوجيا تراقب حتى انفاس الفلسطينيين وخلجاتهم، خرجت مجموعة من الشباب المقاوم لتعلن عن "تشكيل" أطلقت عليه اسم عرين الأسود. 

لم يمض كثير وقت على اعلان هذا التشكيل حتى حاز على تأييد الجماهير الفلسطينية، الامر الذي يعكس تعطشها لمثل هذا التشكيل، او الفصيل المقاوم لكل ما هو قائم ومناهض للاحتلال، كما ويعكس هذا التأييد العارم البغض لكل ما له علاقة بسياسات سلطة أوسلو المعلنة وغير المعلنة. 

لقد كان الإعلان عن العرين مفاجأة غير سارة لكل الأطر والفصائل في الساحة الفلسطينية، هذه الفصائل التي فقدت مبرر وجودها حيث انها لم تعد قادرة على اقناع الناس بضرورتها وذلك انها تخلت تماما عن دورها الكفاحي سواء كان ذلك في السياسة او الفعل النضالي الحقيقي. 

خلال الأسابيع الماضية كان عرين الأسود الشغل الشاغل لكافة المستويات السياسية والأمنية سواء في سلطة أوسلو او في دولة الاحتلال، ذلك انه لقي استجابة جماهيرية واسعة تجلت بأبهى صورها في التفاعل الشديد مع دعوات العرين للإضرابات او خلال التشييع للشهداء الذين ارتقوا وهم في مواجهة مع قوات الاحتلال. 

لقد أشاع العرين أجواء وحدوية غير مسبوقة في الشارع الفلسطيني منذ حدث الانقسام بين جناحي الوطن، وهو الامر الذي لم يعجب أصحاب ذلك الانقسام بغض النظر عما يقال في وسائل الاعلام من كلام براق واحاديث منمقة تشيد بالعرين. 

وحيث ان العرين بدأ يأخذ كل هذا الصدى والتضامن فانه اصبح هدفا لجميع الجهات المتضررة من وجوده وفي المقدمة دولة الاحتلال التي تعهد قادتها على جميع المستويات بالقضاء على هذه "الظاهرة". 

في واقع الامر فان محاولات التشكيك بالعرين وافراده قد ابتدأت بشكل مبكر وأسرع مما هو متوقع، حيث صارت بعض الجهات وخاصة تلك المرتبطة بسلطة أوسلو تحاول الترويج "بهدوء حتى اللحظة" عن ارتباطات للعرين وترديد أسطوانة باهتة عن اجندات له مرتبطة بهذه الجهة او تلك، لا بل تجرأ البعض على محاولات الإساءة للعرين وإشاعة انه تشكيل مخترق يهدف الى القضاء على كل المقاومين في مدن الشمال. 

دولة الاحتلال بدورها اخذت على عاتقها انهاء العرين من خلال عمليات الاغتيال الغادرة والهجمات المكثفة، لا بل لقد جندت كل امكانياتها من اجل القضاء على العرين، وهي قد تحقق نجاحا هنا او تقدما هناك، الا انها على المدى الاستراتيجي تدرك ان ما نجح العرين بترسيخه في الذهنية الفلسطينية لا يمكن محوه أو نسيانه بسهولة، فقد ثبت بالوجه القاطع ان العرين صار حقيقة ثابتة ستتكرر وتتمدد على مساحة الأرض المحتلة بأكملها. 

 

بيت لحم  

الأربعاء 26-10-2022 


{الفكر القومي العربي} زارا تستحقُ أكثر من رسالةِ إنذارٍ وعتبٍ

زارا تستحقُ أكثر من رسالةِ إنذارٍ وعتبٍ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما من مدينةٍ عربيةٍ إلا وفيها عشرات الفروع لشركة "زارا"، التي يرتادها المواطنون من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية أيضاً، وجميع الفئات العمرية من الجنسين، إذ تتخصص الشركة الإسبانية في بيع الملابس الرجالية والنسائية والولادية، بالإضافة إلى الأحذية والمحافظ الجلدية والعطور وأدوات الزينة والمكياج، وغيرها من المنتجات التي تتميز بها الشركة، وتبدع في تقديم المزيد والجميل منها، مما يرضي مختلف الأذواق ويلبي أغلب الرغبات، ويجعل منها شركةً رائدةً وناجحة.

 

لم يكن زبائن شركة زارا العرب يشعرون بأي حرجٍ عند ارتيادهم لفروعها المنتشرة في كل مكان، فهي شركةٌ إسبانية، يحبونها كما يحبون أندية بلادها الرياضية ورموز كرة القدم فيها، وقد اعتادوا على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وحقه في أن تكون له دولةٌ ووطنٌ وعلم، والرافض لسياسة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية الظالمة ضد الفلسطينيين، والمستنكرة للعمليات الاستيطانية ومصادرة الأراضي وطرد السكان والاعتداء على حياتهم وحقوقهم.

 

إسبانيا تعترف بالدولة الفلسطينية ولها سفير في عاصمتها مدريد، وفيها جالية فلسطينية كبيرة، تتمتع بكامل حقوقها، وتشكل جاليتها، وتعقد فيها أنشطتها، وتحيي المناسبات الفلسطينية العامة، التي يشارك فيها إسبانٌ رسميون وشعبيون، يعلنون فيها بجرأةٍ ووضوحٍ وصراحةٍ، تأييدهم لنضال الشعب الفلسطيني، ولا يترددون في إعلان تضامنهم معهم وتقديم المساعدات لهم، وقد سبق لها أن نظمت قوافل إغاثة للشعب الفلسطيني، كان بعضها بمبادرة الجالية الفلسطينية، لكن كثيراً منها كان بدعم وتشجيع ومساعدة الجهات الرسمية الإسبانية.

 

إزاء هذه المواقف السياسية الرائعة المؤيدة لفلسطين ونضال شعبها، أحب الفلسطينيون إسبانيا وأهلها، وشجعوا التبادل التجاري معها، ولم يسبق أن طالبوا بمقاطعتها وفرض عقوباتٍ عليها، إذ لم يروا منها إلا كل دعمٍ وتأييد، في حين دعوا إلى مقاطعة شركاتٍ فرنسية وإنجليزية ودنماركية وسويدية وغيرها، ممن توالي الكيان الصهيوني وتدعمها، ولعلنا سنرى قريباً في مونديال الدوحة، عاطفة الفلسطينيين تترجم إيجاباً تجاه إسبانيا، تشجيعاً لأنديتها الرياضية، وتأييداً لمنتخبها الوطني في مباريات كأس العالم كما يتجلى دائماً في مباريات كأس الأمم الأوروبية.

 

لكن الأيام القليلة الماضية حملت معها صدمةً عنيفةً، ومفاجأةً غير سارةٍ، أحزنت الفلسطينيين وخيبت ظنونهم، إذ نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، خبر رعاية وكيل شركة زارا في الكيان الصهيوني جوفي شوفل، لبعض الفعاليات الانتخابية للمرشح اليميني المتطرف ايتمار بن غفير، رئيس حزب البيت اليهودي الإسرائيلي، المحرض الأول على عمليات اقتحام باحات المسجد الأقصى، الذي يدعو وحزبه إلى طرد الفلسطينيين وترحيلهم، وإعلان دولة إسرائيل القومية للشعب اليهودي فقط، وإخراج كل من يرفضها أو يعارضها من حدودها.

 

يَعُزُ جداً على الفلسطينيين الذين يحفظون الموقف الإسباني المؤيد لهم، أن يطالبوا أبناء أمتهم العربية والإسلامية بمقاطعة شركة زارا، وعدم ارتياد فروعها والشراء منها، وسحب تراخيص عملها وإلغاء عقود استئجارها واستثمارها في التجمعات التجارية العربية الكبرى، على خلفية هذا الموقف المخزي والمشين للشركة، الذي يتناقض وعراقة علاقة إسبانيا بالعرب عموماً وبالفلسطينيين خصوصاً.

 

لكن الفلسطينيين لن يقبلوا من الشركة الإسبانية أقل من تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، والتأكيد على مواقف بلادها الداعمة للشعب الفلسطيني، وإدانة ما أقدم عليه وكيلها في الكيان الصهيوني، وإعلان البراءة مما قام به، وسحب ترخيص الوكالة منه، واستعادة كل الأموال التي تبرعت بها الشركة لتمويل حملة بن غفير الصهيونية، وإلا فإنها تغامر بسمعتها، وتفرط في حب المواطنين العرب لها، وإقبال الفلسطينيين على منتجاتها، وخسارة قطاعٍ كبير من الزبائن والأسواق العربية. 

 

استانبول في 26/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojhtq6GqJ6tJZXF9LJW4uYkoL3zdiPKhdT1y7L_Cqjd-pA%40mail.gmail.com.

Monday, 24 October 2022

{الفكر القومي العربي} أمنُ الكيان بين كاريش اللبنانية ومارين الفلسطينية

أمنُ الكيان بين كاريش اللبنانية ومارين الفلسطينية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تدرك سلطات الاحتلال الإسرائيلي، السياسية والعسكرية والأمنية، أنها لن تتمكن من حماية حقول النفط والغاز البحرية، المنتشرة على امتداد الشواطئ الفلسطينية، بدءً من شواطئ قطاع غزة جنوباً، وصولاً إلى شواطئ فلسطين الشمالية المتاخمة للشواطئ اللبنانية، والتي يكتشف جديدها الغني يوماً بعد آخر، ويقدر مخزونها بمليارات الأمتار المكعبة من الغاز ومثلها من براميل النفط، بما يعني عوائد مالية بمئات مليارات الدولارات على مدى السنوات القليلة القادمة، الأمر الذي يفرض عليهم استخراجه وحمايته وتأمين بيعه وتصديره، وهو ما لا يبدو سهلاً دون تفاهماتٍ إقليمية واتفاقياتٍ مع دول الجوار.

 

تصف قيادة أركان جيش الاحتلال حقولها النفطية ومنصاتها العاملة في استخراج النفط والغاز، المعلومة المكان والمحددة الإحداثيات بدقة، أنها كالبطة العائمة، التي تتحرك ببطءٍ ولا تستطيع حماية نفسها، في الوقت الذي يسهل اصطيادها واستهدافها بدقةٍ متناهيةٍ، ولن تتمكن القبب الفولاذية وبساط الريح وغيره، ومضادات الصواريخ المختلفة، باتريوت الأمريكية والسهم الإسرائيلية وغيرها من حمايتها، وبالتالي فإن منع استهدافها من مختلف الجهات ضربٌ من الاستحالة، وفي الوقت نفسه فإن شركات التنقيب والاستخراج لن تتمكن من العمل في ظل أجواء من التهديد الأمني والعسكري في المنطقة، ما يفرض على سلطات الاحتلال فرض أجواء هادئة وآمنة لتشجيعها على التعاقد ومباشرة العمل.

 

نجحت حكومة الاحتلال في تأمين استخراج النفط والغاز من الحقول الشمالية، والتي هي ليست كاريش فقط، وإن كان حقلها هو عنوان الثروة النفطية البحرية وقمة جبل الجليد منها، وإنما هي سلسلة من الحقول والآبار النفطية الواعدة، التي يتطلع الاحتلال إلى استخراج نفطها وغازها بأمنٍ وطمأنينة، بعيداً عن أي تهديدٍ قد يوقفها أو يعطلها، ويبدو أن المحكمة العليا الإسرائيلية، التي ردت كل الالتماسات المعارضة بكف يد الحكومة ورفض مشروع اتفاق الترسيم، قد أيدت قرار الحكومة وشجعتها عليه، ومهدت السبيل أمام التوقيع عليه بصورة نهائية ورسمية.

 

بعد كاريش وربما قبلها ولكن بصمتٍ وهدوءٍ، التفت الاحتلال إلى قطاع غزة، الذي بشرت شواطئه منذ أكثر من عشر سنواتٍ بكمياتٍ كبيرةٍ من النفط والغاز المخزون في جوف شواطئه، غير بعيدٍ عن سواحله كثيراً، إذ ذكرت تقارير أمنية واقتصادية إسرائيلية أن حقل "مارين" الغني بالغاز يقع على بعد 36 كم من شواطئ قطاع غزة، وتشير أغلب الدراسات والصور الفضائية أن الحقل اقتصادي بامتياز، وأنه مرشح لاستخراج كمياتٍ كبيرة من الغاز، حيث يقدر مخزونه بثلاثين مليار متر مكعب، وهي كميات كافية لتغطية احتياجات المنطقة كلها، وتصدير الفائض عن الحاجة إلى الخارج، والاستفادة من العوائد في تطوير قطاع غزة على وجه الخصوص، وتوفير الخدمات الضرورية له.

 

تدرك سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن قطاع غزة يختلف عن لبنان، وأن المقاومة فيه متحررة من كثيرٍ من القيود التي تكبل المقاومة في لبنان، فقطاع غزة ليس عنده ما يخسره أبداً، وهو محاصر منذ أكثر من خمس عشرة سنة، ومحرومٌ من الكهرباء، ومحطته الوحيدة التي تكاد تعمل بضعة ساعاتٍ يومية، تعاني من نقصٍ في الديزل اللازم لتشغيلها، فضلاً عن أنها محطة قديمة، وقدرتها الإنتاجية غير كافية، وتصنف على أنها مضرة بالبيئة، بالنظر إلى الدخان المنبعث من محركاتها الضخمة القديمة.

 

على خلاف التوقعات في لبنان، لا تستبعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن تقدم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على قصف حقل "مارين" ومنشآته، وضرب أي منصة قد تغامر وتتعاقد مع حكومة الكيان للعمل فيها، ويبدو أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي لا تنسى أبداً أن حقل مارين أقرب إلى قطاع غزة من أسدود وبئر السبع، لا تخفي مخاوفها من امتلاك بحرية المقاومة في غزة تقنياتٍ عالية وأسلحة متطورة، وقدرتها على تلغيم أهداف بحرية، مما سيجعل من الحقول النفطية ومنصات استخراج الغاز كمستوطنات الغلاف، التي لا تفتأ المقاومة تقصفها وتهدد أمنها، وتفقدها الاستقرار والقدرة على ممارسة الحياة الطبيعية الهادئة المطمئنة.

 

انطلاقاً من المخاوف والمطامع، وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتفاوض مع السلطة الفلسطينية والحكومة المصرية، لتطوير حقل مارين وخلق شراكة بين الأطراف الثلاثة للاستفادة من عوائد الغاز المتوقعة، ووافقت على المباشرة في إجراءات التنفيذ أملاً في أن يحقق قطاع غزة بعض المكاسب المادية المتعلقة بتحويل محطة توليد الكهرباء من وقود الديزل إلى الغاز الطبيعي، وأملاً في خلق آلاف فرص العمل لأبناء قطاع غزة، الأمر الذي من شأنه توفير أجواء آمنة ومستقرة لشركات التنقيب والإنتاج.

 

يبدو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتت تدرك أن القوة لا تخلق الأمن، وأن الحروب والعدوان يزيد من قوة المقاومة ولا يضعفها، وأن الأدوات الخشنة قد أفادت المقاومة أكثر مما أضرت بها، وأن بيئتها التي لا تملك شيئاً تخاف عليه لا تفكر في الثورة والانقلاب عليها، أو التمرد عليها وعصيانها، أما في حال خلق آفاق اقتصادية كبيرة، وتوفير فرص عمل مغرية، وربط أمن واستمرار عمل المشاريع الإنتاجية ببعضها، فإن هذا من شأنه أن يضغط على قوى المقاومة، وأن يكبح جماح قادتها، ويمنعها من القيام بأي مغامرة أو المبادرة بأي عملٍ قد يزيد من كلفتها ويرفع فاتورة خسائرها.

 

بيروت في 24/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjibZGSNgkO89nA-C%3D59fW-jnnNonoeU%3DKiuSZHoPTi%2Bww%40mail.gmail.com.

Saturday, 22 October 2022

{الفكر القومي العربي} فلسطينُنا أرضٌ وبحرٌ وفيءٌ وسماءٌ ونهرٌ ونفطٌ وغازٌ وماءٌ

فلسطينُنا أرضٌ وبحرٌ وفيءٌ وسماءٌ ونهرٌ ونفطٌ وغازٌ وماءٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كل الأرض الفلسطينية من البحر غرباً إلى النهر شرقاً، ومن رفح جنوباً حتى رأس الناقورة شمالاً، أرضٌ عربيةٌ فلسطينيةٌ، أرضها وسماؤها وبحرها، كانت لنا وحدنا، وإلينا ستعود حرةً مهما طال الزمن وتعذرت الظروف وتعثرت المحاولات، ولعلها اليوم إلى الحرية أقرب وإلى النصر أسرع، وما دماء شعبنا ومقاومته إلا إيذاناً ببزوغ الفجر ودنو ساعة الحرية والخلاص، فقد اقتربنا من ساعة الحسم ويوم النصر، وها هو العد يشعر ويدرك، ويخشى ويقلق، وقد علمتنا سير الشعوب وتجارب الأمم، التي صمدت وقاومت، وصبرت وضحت، أن النصر حليفها والحرية مآلها، وأن العدو مهما طال وتمكن، ومهما طغى واستعلى، فإنه إلى رحيلٍ وفناءٍ، وكيانه إلى تفككٍ وزوال.

 

أرضنا الفلسطينية المباركة، جوفها العميق وبحارها وأنهارها، بحدودها التاريخية المعروفة، ومساحتها الموثقة والمسجلة، وتاريخها القديم الموغل في أعماق الزمن، هي للفلسطينيين العرب وحدهم، لا ينازعهم عليها أحد، ولا يدعي ملكيتها سواهم، ولا يحرمهم منها إلا غاصباً محتلاً.

 

وما حوت أرضنا الفلسطينية من خيراتٍ طبيعية وكنوزٍ دفينةٍ وآمالٍ مستقبلية هي لنا وحدنا، النفط والغاز والمعادن والمياه وغيرها مما تفيض به علينا السماء وتفيء به الأرض، وتكشف عنه الأيام، ويتكون فيها على مر الزمان، وقد أظهرت مختلف البحوث العلمية والمسوحات الميدانية، أن فلسطين غنية بالخيرات وزاخرة بالكنوز، وأن ما فيها يكفيها ويفيض عن حاجتها، ويجعلها غنيةً ثريةً، ويجعل أهلها أعزةً كراماً.

 

إلا أن العدو الغاصب والكيان اللقيط يسرقها وينهبها، ويغتصبها ويصادرها، ويجوع أهلها ويحرمهم منها، ويدعي زوراً وبهتاناً أنه مالكها وصاحب الحق فيها، ويعينه على بغيه آخرون فيعترفون بشرعية ما اغتصب، ويفاوضونه على تقاسم ما نهب، ويعملون معه على انتزاع الحقوق وتأمين استخراج خيرات الأرض، وضمان بيعها وتصديرها، والتكفل بحمايتها وعدم الاعتداء عليها.

 

لا يكتفي العدو الصهيوني باغتصاب الأرض وطرد السكان، وقتل الإنسان، ومصادرة الحقوق، والتضييق على المواطنين وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة، وكما اعتدى قديماً على المياه الجوفية واستأثر بها، وعلى الأنهار وسرقها، فها هو اليوم يسرق ذهبنا الأسود وغازنا الطبيعي، ويباهي دول العالم بأنه أصبح كياناً نفطياً، ويحق له أن ينظم إلى نادي الدول النفطية، فها هو يتحكم في بحارٍ من النفطِ، وحقولٍ غنيةٍ بالغاز، ويقدم نفسه لأوروبا الخائفة من البرد، وأمريكا المفزوعة من ارتفاع الأسعار، أنه المنقذ والمخلص، وأنه القادر على المساعدة والخدمة، وضبط الأسعار وتعويض النقص.

 

أمام هذا التغول الكبير والاعتداء الغاشم والحرمان المقيت والحصار القاسي، ينبغي على الفلسطينيين أن يطوروا من مفاهيمهم النضالية، وأن يعددوا وسائلهم المقاومة، وأن يغيروا خطابهم ويشرحوا معاناتهم، وأن يعلم العالم كله مدى الظلم الذي يلحق بهم، وحجم الأذى الذي يتعرضون له، فقد أصابهم في ظل معايير النظم العالمية الظالمة، التي تسكت على سياسات الحصار والتجويع، والحرمان والعقاب الجماعي، كما يقول المثل العربي القديم، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول، فنحن لسنا فقراء حتى نجوع، وأرضنا ليست جافة حتى نعطش، ومياهنا ليست شحيحة حتى منها نحرم، وخيراتنا ليست قليلة حتى تنضب.

 

نحن نريد أرضنا بكل ما فيها من خيرات، وسنناضل من أجل عودتنا إليها والعيش فيها والاستمتاع بما أفاء الله به علينا فيها، ولن نسكت عن حقنا فيضيع، ولا عن نفطنا فيسرق، ولا عن غازنا فينهب، ولا عن أي شيءٍ لنا فيها وعليها فينسى.

 

لا فرق بين الغاز والقدس، ولا بين النفط والأقصى، أو الأرض والمياه، والحقوق والمقدسات، والمواطن والحرمات، والتاريخ والموروثات، والقبور والمقامات، والمساجد وحرية الصلاة، فكلها حقوقٌ وطنيةٌ فلسطينية، وجب علينا تحريرها واستعادتها، والمقاومة في سبيلها والتضحية من أجلها، والتمسك بها وعدم التفريط بها أو المفاضلة بينها، فهي كلها سواءٌ لا فرق بينها، فمن يفرط في قطرة ماء يفرط في شبر أرض، ومن يتنازل عما في جوف الأرض يخسر ما فوقها، ويهون عليه ضياع خيراتها، ومن يساوم على الحقوق يساوم على الأرض، ومن يقبل بأنصاف الحلول لا يلوم القوي إن طرده والباغي إن حرمه.

 

بيروت في 22/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhLnJ0CGTgFAd_oig_6NAY38bb3KYScVQ%2BEmb2zxUesaQ%40mail.gmail.com.

Monday, 17 October 2022

{الفكر القومي العربي} ترامب يشيد بالإسرائيليين ويستجدي الأصوات اليهودية

ترامب يشيد بالإسرائيليين ويستجدي الأصوات اليهودية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

سئل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عما سيفعله بعد انتهاء فترة حكمه كرئيسٍ للولايات المتحدة الأمريكية، فأجاب وهو يظن أنه سينتخب للولاية الرئاسية الثانية، وسليتف حوله المواطنون الأمريكيون، ولم يكن لغرورٍ فيه وغطرسةٍ في نفسه يتوقع الهزيمة والفشل، أو تلك النهاية المخزية التي وصل إليها، بل كان يظن أنه الرئيس الأمريكي الأقوى والأكثر شعبية في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه جعل أمريكا أكثر قوةً وعظمةً مما كانت عليه، فكانت إجابته التي ظن البعض أنها مزحة عابرة أو نكتة خفيفة، أنه سيترشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، وسينتخبه الإسرائيليون إيماناً منهم أنه الأقوى بينهم والأفضل فيهم، والأكثر حرصاً على كيانهم، وعملاً لمشروعهم، وإخلاصاً لمعتقداتهم.

 

لا يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يمزح ويسخر، أو يحلم ويهرطق، بل كان جاداً في تصريحه، ومقتنعاً بما يقوله، وواثقاً أنه سينال ما يريد إن عزم على الترشح وخوض غمار الانتخابات الإسرائيلية، فقد قدم للكيان الصهيوني ما لم يقدمه أي رئيسٍ أمريكيٍ سابق، وتعهد لهم بأكثر مما يتوقعون ويأملون، وظن أنهم سيحفظون وده، وسيوفون له بعهده، وسيكافئونه على ما قدم وأعطى، وسيقفون إلى جانبه عندما يحتاج إليهم أو يستصرخهم.

 

كأنه لا يعلم أن "اليهود" هم أكثر من ينكر العشير ويكفر بالمعروف، وينسى الفضل ولا يعترف بأهله، والمشهور عنهم أنهم ينقلبون على حلفائهم، ويغدرون بأصدقائهم، ولا يوفون عهودهم، ولا يحفظون كلمتهم، ويخونون أقرب الناس إليهم وأكثرهم خدمةً لهم وصدقاً معهم، وأن مصالحهم مقدمة على المبادئ، ومنافعهم تسبق القيم والمثل، وأنهم الذين قتلوا أنبياءهم وتخلوا عن رسلهم، لن يصعب عليهم الانقلاب على من أسدى إليهم معروفاً، والتخلي عمن ضحى من أجلهم.

 

اليوم وقبل أيامٍ قليلة على الانتخابات النصفية التشريعية الأمريكية، وقبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، التي ستجري في منتصف العام 2024، يعلو صوت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي سيترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وسيدعم مرشحيه في الانتخابات النصفية، بغضب ضد اليهود الأمريكيين، متهماً إياهم بعدم الولاء له، وعدم تقدير جهوده، وأنهم لا يدعمون حملته الانتخابية، ولن يصوتوا له في الانتخابات الرئاسية، رغم أنهم يعلمون حجم الخدمات التي قدمها للكيان، وبالمقابل فقد وصف اليهود في "الكيان الصهيوني" أنهم أكثر صدقية معه ووفاءً له، شأنهم شأن المسيحيين الانجليين الذين يرونه المنقذ والمخلص.

 

يبدو أن يهود الولايات المتحدة الذين لا يقلون عنصريةً وصهيونيةً عن ترامب، ولا عن أي يهوديٍ آخر يعيش غاصباً مستوطناً في فلسطين المحتلة، لم تعجبهم تصريحات ترامب، ولم يرق لهم نقده وتوجيه الاتهامات لهم، فدعوه إلى الصمت والكف عن مثل هذه التصريحات، ورأوا أن أفعاله تتناقض مع القيم الصهيونية، التي تدعو إلى خدمة "إسرائيل" بصمت، وإلى التضحية في سبيلها بلا مقابل، بيد أنه يصخب بأعماله، ويجاهر بإنجازاته، ويستفز الجميع بخدماته، وينتظر من "اليهود الصهاينة" بدلاً لجهوده، وثمناً لمواقفه.

 

يحاول ترامب استفزاز كل الأطراف لتعمل في حملته الانتخابية، وتقوم على خدمة برنامجه والدفع به إلى سدة الرئاسة الأمريكية من جديد، فهو يمتدح يهود "إسرائيل" وينفخ فيهم ويغريهم، ويظن أنهم يحبونه ويوالونه ويقدرون جهوده، كما يمدح المسيحيين الإنجيليين ويحرضهم على دعمه وتأييده، ويرى أنهم الأكثر صدقاً ووفاءً مع "إسرائيل"، لكنه ينتقد يهود أمريكا ويقسو عليهم، ويتهمهم بالخيانة وازدواجية الولاء، بينما تتطلع عيونه إليهم، ويتوقع أن تصب أصواتهم في صناديقه الانتخابية، فلا ينتخبون غيره، ولا يدعمون حملة من ينافسه.

 

ليس من المستبعد أبداً أن ينجح ترامب في العودة إلى سدة الرئاسة الأمريكية من جديد، وقد يفرح اليهود بعودته، وقد يسعد الإسرائيليون بانتصاره، وقد يمهد الإنجيليون لانتخابه، وقد يكون سبباً في العلو الإسرائيلي الأخير وفسادهم الأكبر، ولكنه سيكون حتماً علو السقوط، وزهو الموت وعتبة النهاية، فما بعد هذا العلو ليس إلا عباداً لله وجنداً للحق، يجوسون خلال الديار ويتبرون ما علوا تتبيراً، يحررون الأرض ويطهرون المقدسات، ويدخلون المسجد الأقصى، ويعيدون مجد الأمة.

 

بيروت في 17/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhoNunSt%2BMJ%3DxDXWaT6atoSQ_B-qxfX%2B2mgT%2B4Y6im3qw%40mail.gmail.com.

Saturday, 15 October 2022

{الفكر القومي العربي} تصعيدُ قادةِ الكيان ضدَ الضفةَ وإعلانُ الحربِ عليها

تصعيدُ قادةِ الكيان ضدَ الضفةَ وإعلانُ الحربِ عليها

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يبق مسؤولٌ إسرائيلي على كل المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، إلا وعقب على ما يجري في القدس والضفة الغربية، وكان له رأي واقتراح في أفضل السبل لإخماد الأحداث، وملاحقة المطلوبين، واستئصال شأفة المقاومين، والتصدي لعملياتهم، والضرب بيدٍ من حديدٍ على قادتهم والمحرضين على "العنف"، وضمان سلامة المستوطنين، وتأمين طرقهم وحماية شوارعهم ومرافقهم، والحد من تنامي "أعمال العنف" ومنع انتقالها من منطقة إلى أخرى، أو انزلاقها إلى انتفاضة شاملة يصعب تطويقها والسيطرة عليها.

 

فقد هالتهم العمليات العسكرية المتنقلة، وأفزعتهم كثرتها، وأقلقهم نجاحها، وقدرة منفذيها على القيام بها والانسحاب من المكان بسهولة، والتواري عن الأنظار ولو لفترةٍ قصيرةٍ، وبثت أسلحتهم النارية، التي لم تعد "كارلو قديمة "أو مسدسات غير فاعلة، بل أصبحت بنادق أوتوماتيكية حديثة، تحمل ذخائر أكثر، وتصل طلقاتها إلى مدياتٍ أبعد، ويمكنها أن تلحق في صفوفهم خسائر أكثر وإصاباتٍ أكثر دقةٍ، ووصف بعضهم ما يجري من أحداثٍ في القدس والضفة الغربية بأنها انتفاضة مسلحة ضد الجيش.

 

كما أزعجت الأجهزةَ الأمنيةَ العملياتُ الفردية، التي تصفها بعمليات "الذئاب المنفردة"، وتصنفها بأنها خطيرة وصادمة، إذ كشفت عن عجزها عن اكتشافها أو التنبؤ بها، وأظهرت عدم قدرتها على مواجهتها والتصدي لها، أو الحد منها وحصارها، فعناصرها هم الشعب كله، وعامة المواطنين جميعاً، ممن لا يلفتون نظراً أو يثيرون ريبةً، مما يضعف قدرة الأجهزة الأمنية على تمييزهم أو معرفة نواياهم، وبالتالي تحييدهم أو اعتقالهم، ذلك أن سجلات أغلبهم نظيفة، ولم يسبق اعتقالهم أو توجيه اتهاماتٍ لهم، ولا ينتمي كثيرٌ منهم إلى التنظيمات العسكرية والفصائل الفلسطينية الناشطة.

 

أمام هذا الواقع الذي بات يكبر يوماً بعد آخر، ويزداد خطورةً من منطقة إلى أخرى، وينذر باحتمالات انفجار ثورة أو اندلاع انتفاضة، انبرى المسؤولون الإسرائيليون لمواجهتها والتصدي لها، بل والاشتباك معها وإعلان الحرب عليها، رغم أن العديد من قادة الأجهزة الأمنية، وكبار ضباط الجيش المتقاعدين، يرون أن الأسلوب الذي تتبعه الحكومة في معالجة أحداث الضفة الغربية ستكون له نتائج أكثر سلبية، وسيقود إلى تأجيج الأحداث وتسخين مختلف المناطق، وينصحون لمعالجتها باللجوء إلى السلطة الفلسطينية، ومنحها صلاحياتٍ أوسع، والكف عن إحراجها ومصادرة أدوارها.

 

وقد وجد عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير ضالته في تصاعد العمليات المسلحة في القدس والضفة الغربية، فشهر مسدسه وجاب به في أحياء مدينة القدس ومستوطنات الضفة الغربية، يهدد ويتوعد، ويحرض ويتهم، ويوجد النقد واللوم إلى رئيس حكومة الكيان يائير لابيد ووزير حربه بني غانتس، متهماً إياهم بالعجز عن حماية المستوطنين الذين يتعرضون للقنص والرجم بالحجارة وقنابل المولوتوف، بينما يقف الجيش وعناصر الشرطة عاجزين عن حمايتهم، وغير قادرين على التصدي للشبان الفلسطينيين الذين يهاجمونهم في مراكزهم وعلى نقاط التفتيش ويقتلونهم.

 

أما العميد مئير إلياهو، فيحذر قبل استلامه رسمياً لمهام عمله الجديد كقائدٍ للحرس الوطني الإسرائيلي، من أن الأحداث الجارية في الضفة الغربية قد تكبر، وليس من المستبعد أن تجر الجيش للقيام بعملية حارس أسوار أخرى، ولهذا فهو يدعو المستوطنين وعامة الإسرائيليين إلى تجنب الاحتكاكات المستفزة مع الفلسطينيين، لأنها قد تقود إلى مواجهة أوسع وأشمل، مع ما يكتنف هذه العمليات من أخطار وخسائر لا يمكن توقعها وتجنبها، وأمام هذه الأخطار المتزايدة، فقد خصصت قيادة الجيش أربع سرايا احتياط من حرس الحدود للعمل تحت قيادة الحرس الوطني.

 

أما رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، الذي يعمل بكل السبل الممكنة لتبريد المناطق، وتهدئة الأحداث في القدس والضفة الغربية، وتطمين المستوطنين وتسكين روعهم، ليضمن تفوقه في الانتخابات التشريعية القادمة، فقد وجد نفسه مضطراً للانغماس في معترك التصريحات والتهديدات، فأكد أن جيشه سيتخذ كل الإجراءات المطلوبة، ومعه كامل الصلاحيات اللازمة، لضمان الأمن وتحييد الخطار وتفكيك الخلايا المسلحة، وبدا بذلك منسجماً مع وزير حربه بني غانتس، الآخذ في الطواف على مناطق الاشتباك والتوتر، يتفقدها ويزور جنوده وضباطه الجرحى، مستغلاً جولاته في تهديد المقاومة، وتأكيد قدرة جيشه على ضبط الأوضاع، وأنها مسألة وقتٍ لا أكثر.

 

لا ينفك المسؤولون الإسرائيليون يهددون ويتوعدون، ويزبدون ويرغون، مستخدمين أشد الكلمات خشونةً وقسوةً، وأكثرها استفزازاً وتحدٍ، ولا يتوقف جيشهم عن عمليات الاجتياح والهدم والتدمير والاعتقال، التي تتخللها عمليات قتلٍ وإطلاق نارٍ على عامة الفلسطينيين، إلا أن جذوة المقاومة تتقد، ونارها تشتعل، وأوراها يلتهب، وشبابها بها يلتحقون أكثر، ويشكلون مجموعاتهم الجديدة وقواهم الصاعدة، التي تتصدى لجيش العدو وتصده، وتباغته وتهاجمه، فلا يقوى على كسر جوزتها أو اقتحام عرين أسودها، الذي بات يكبر ويتسع، وإليه تنتسب أسودٌ جديدةٌ وليوثٌ متمردةٌ.

 

بيروت في 15/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhtYR%2BTp_%3DdP3%2Bqme8CLCuGEMBu4j6EiTZLX4bgjGOBwQ%40mail.gmail.com.

Tuesday, 11 October 2022

{الفكر القومي العربي} مصيرُ الاحتلال بين صواعق التفجير وحتمية التفكيك

مصيرُ الاحتلال بين صواعق التفجير وحتمية التفكيك

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا تستطيع دولة الاحتلال الصهيوني أن تنكر أنها حكومةً وجيشاً، ومؤسساتٍ رسمية وأجهزة أمنية، وأحزاباً ومستوطنين، وحلفاء ومناصرين، أنها باتت في نهاية ربع الساعة الأخير من عمرها الافتراضي، الذي لم تتجاوزه يوماً في تاريخها المُدّعَى وأساطيرها المختلقة وممالكها الهالكة، وفق ما يقولونه أنفسهم عن مستقبل كيانهم، وعن التحديات التي يتعرض لها وجودهم الآمن والقوي الذي يأملون به ويعملون له، فقد آذن كيانهم على الرحيل وشعبهم على الشتات من جديد، وفق ما يقوله المتخوفون من استعلائهم الكبير، والغاضبون من دولتهم الظالمة، الذين يعتقدون أن وجودها معصية واستمرارها أثمٌ، وهي مخالفة لتعاليم الرب، وكأن قادة الكيان يمهدون بإصرارهم على استمرار وجوده والتمسك ببقائه، لرحيلهم ونهاية زمانهم.

 

لا تتوقف الأخطار الوجودية الصهيونية على المعتقدات اليهودية والنبوءات التوراتية، ولا تنتهي عند تصريحات العارفين من رجال الدين والحاخامات، والمفكرين وكبار الضباط، والقادة والمسؤولين، بل تتجاوزها بقوةٍ لجهة حالة عدم الاستقرار العامة التي بات الكيان يعيشها على مدى الساعة، فهو وجيشه وأجهزته الأمنية في حالة استنفارٍ دائمٍ وجهوزية عالية، تؤثر بصورةٍ مباشرة على نمط الحياة العامة وسلوك المستوطنين، وتلقي بظلالها السلبية على النشاط الاقتصادي وسوق العمل بمختلف مرافقه، وتكشف عن العوار الشديد الذي بات يصيب الهياكل الاقتصادية المختلفة، بأسواقها المحلية والعالمية ومرافقها المختلفة.

 

لكل شيءٍ سبب، ولعل تصاعد عمليات المقاومة واشتداد عودها وقوة ساعدها، وتنوع أساليبها وتعدد أشكالها، واشتعال جذوتها في القدس وأحيائها، وفي مدن الضفة الغربية ومخيماتها وبلداتها، وعجز الجيش والأجهزة الأمنية على اجتثاتها أو وضع حدٍ لها، والتخفيف منها أو التصدي لها، يؤكد هذه النبوءات، ويبشر بقرب وقوعها، خاصةً أن المقاومة الفلسطينية باتت ثقافة شعب وسلوك مجتمع، يلجأ إليها الخاصة والعامة، وأبناء الفصائل والتنظيمات، وغيرهم من الشبان بجنسيهم، ممن لا ينتمون لغير فلسطين وطناً، ولا ينتسبون لغير الشعب وصلاً، ويضحون بكل ما يملكون وهم في ميعة الصبا وثورة الشباب، وفاءً لوطنهم وحباً في بلادهم، وإيماناً بأن لهم دور وعليهم واجبٌ في المقاومة ومعركة التحرير.

 

يبدو أن الأمور آخذةٌ في التفلت من بين أيدي المسؤولين الإسرائيليين، أمنيين وعسكريين وسياسيين، وتقلقهم جدياً وتخيفهم فعلاً، وإن كانوا يخفون شكواهم ويتسترون على أزماتهم، إلا أن الظروف السيئة عندهم وبينهم تزداد خطورةً يوماً بعد آخر، في ظل حكوماتٍ غير مستقرةٍ، وسياسيةٍ غير واضحةٍ، ومتغيراتٍ عالميةٍ كبيرة الأثر وطويلة الأمد، وانشغال الكبار عنهم بما هو أهم وأخطر.

 

فهم باتوا في مواجهة أزمتين وتحدي ثالثٍ أكبر، أما أزمتهم الأولى فتبدو جليةً في تفكك الجبهة الداخلية وضعفها، وفي تراجع الانتماء القومي وانحساره، وغياب القادة التاريخيين والزعماء القوميين، حملة المشروع ورواد الصهيونية التاريخية، وفي حالة اليأس والقنوط والإحساس لدى عامة الشعب وجموع المستوطنين، بدنو الأجل وقرب النهاية، بعد أن انكشف الجيش وتراجعت سطوته، وكسرت ذراعه وبات عاجزاً عن تحقيق نصرٍ أو صد عدوان، ومواجهة التنظيمات وتفكيك قواها وخلاياها المسلحة، مما جعله يبدو وهو الذي كان عماد المشروع الصهيوني، عاجزاً عن حماية الحلم وتحصين المشروع وتأمين الشعب.

 

أما الأزمة الثاني التي لا تقل عن الأولى، بل هي سبب مباشر للأولى، فهي تنامي الروح الوطنية لدى الشعب الفلسطيني كله، وتعاظم الانتماء لفلسطين لدى الأجيال الفلسطينية بكل مراحلها، بمن فيهم الصبية والأطفال، الذين لم يولدوا في فلسطين ولم يعيشوا فيها، وإنما سمعوا عنها وتعلقوا بها، وراهن العدو على نسيانهم وتخليهم، فإذا بهم ومعهم الشعب كله، يعيشون الأمل ويمتلكون اليقين بأن المستقبل لهم، والنصر حليفهم، والعودة موعدهم، والتحرير مكافأة تضحياتهم وخاتمة عطاءاتهم.

 

إلى جانب هاتين الأزمتين اللتين تتعلقان بالإيمان واليقين، وبالعقيدة والانتماء، والتي نتج عن الأولى فرار "اليهود" وتخليهم عن مشروعهم، وضعف الانتماء له والتضحية في سبيله، بينما نتج عن الأخرى عمق الانتماء وصدق العقيدة، وتنافس الفلسطينيين في التضحية والفداء والعمل والعطاء،

 

يبرز التحدي الأكبر والخطر الأشد الذي يتمثل في إرادة المقاومة الفلسطينية وقوتها، وفي اشتعال الأرض وثورتها، وفي العمليات اليومية النوعية، الفردية والمنظمة، التي لا يوقفها قتلٌ واعتقال، ولا تحد منها سياسات حصارٍ وعقابٍ، ولا عمليات ملاحقة وتضييق، ومصادرة وتجفيف، وهو ما لم يكن سابقاً وما لم يعتد عليه العدو يوماً، الأمر الذي أربك حساباته وخلط أوراقه، وجعله يشعر فعلاً بعوارض النهاية ومقدمات السقوط الأخير، الذي يعني من الجانب الآخر، النصر والعودة والتحرير.

 

بيروت في 11/10/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhUSvK7zcRMF_yGvTih%2BX%3DPxD_kHTP%2BX4OpJ1YrxAWGCA%40mail.gmail.com.