Thursday, 25 April 2019

{الفكر القومي العربي} عن مصر وسودانها – مجلة الوعي العربي

لم يكن جهل الساسة المصريين بشؤون السودان أمراً جديداً، بل إنه قديم وراسخ. وهو جهل، للحقيقة، لم يطرأ في زمان مبارك خاصة، بل إنه كان سمة في المصريين، منذ أيام محمد علي باشا. ولقد اعتقد والي مصر أنه سيعثر في السودان على مناجم ضخمة من الذهب والألماس، إن هو «فتح» تلك البلاد الشاسعة. وفضلاً عن الذهب الذي دغدغ خيال محمد علي، فإن شيطانه أوعز إليه بأنّ السودان مورد لا ينضب من العبيد. وإنه يستطيع أن يجعل من أولئك السودانيين جنوداً طيّعين في جيشه، فيعوّض بهم المصريين الذين رأى أن لا حول ولا قوة لهم في الحرب، وأنهم لا يُحسنون إلا أن يكونوا فلاحين. ولقد مضى محمد علي فعلاً في مشروع «فتح» السودان أشواطاً. فبعث ابنه إسماعيل، في تموز / يوليو 1820، على رأس جيش يتألف من أربعة آلاف جندي أغلبهم من الأتراك والألبان. ولم تكن موازين القوة متكافئة بين جيش محمد علي النظامي المدجج بالأسلحة النارية، وبين مقاتلي القبائل الذين يستعملون السيوف والرماح، ليقاوموا بها غزاة اجتاحوا مواطنهم في النوبة، وكردفان، وشندي، وسنّار، ودارفور… ولعل تلك الحملة الغاشمة التي شنها والي مصر على السودانيين، من أجل احتلال بلادهم، كانت أول ضغينة في العلاقة بين الطرفين. ولم يكتفِ جنود محمد علي باستجلاب آلاف السودانيين إلى مصر ليكونوا عبيداً. ولم يكتفوا بالإسراف في البطش والفتك، بل إنهم سنّوا في بلاد السودان بدعاً لم يسبقهم إليها غيرهم. وعلى سبيل المثال، فإنّ الأمير إسماعيل بن محمد علي، قائد الحملة على السودان، أمر جنوده بعد أن انتصروا على قبائل الشايقية، في معركة كورتي، بأن يقطعوا آذان الأعداء.

«وما نرتضي أن تقدّ القناة/ ويُفصل عن مصرَ سودانُها فمصرُ الرياضُ، وسودانُها/ عيونُ الرياض، وخلجانُها

ووعد الأمير أن يمنح لكل جندي يأتيه بأذنَي سوداني مكافأة قدرها خمسون قرشاً (2). فطفق الجنود يحزّون آذان الناس لا يميّزون في صنيعهم بين ميت وحيّ، وبين محارب ومسالم، وبين رجل وأنثى، وبين كبير وصغير. ولقد أدت هذه الشنائع والقبائح بالسودانيين لكي يثوروا، فقد فُرِضَ عليهم، إضافة إلى القتل والتشويه، أن يدفعوا ضرائب باهظة على أبقارهم، وأغنامهم، وحميرهم… لا، ولم يكتفِ ابن محم



No comments:

Post a Comment