Wednesday 30 July 2014

{الفكر القومي العربي} article

وصفة لبقاء العراق الموّحد
 
صباح علي الشاهر
 
هل من سبيل للخروج مما نحن فيه ؟
قطعاً الجواب سيكون نعم، إذا لا عقدة بلا حل، ولعل الكثير منا يضع يده بسهولة ويسر على سبب بلوانا، حتى أبسط الناس يقول لك الطائفية، والتقاسم الطائفي، والتناحر المستدام الذي يسببه مثل هكذا إصطفاف، لا أفق له سوى الدمار الشامل .
لا يحتاج الأمر إلى المزيد من التأمل والبحث والإستقصاء، فالواقع يتحفنا على مدار اليوم والساعة بالنتائج الكارثية المهولة  للهاث سياسيو المنافع الذاتية والفئوية المغلفة برداء فضفاض من الطائفية والعنصرية.
لا طائفة ولا قومية، مخدومة في هذا السعار، ولا دين أو جماعة، فقط أولئك المتلونون الذين يمتطون في كل مرحلة الموجة المناسبة ، فهم يساريون لا يشق لهم غبار، وقوميون وبعثيون متحمسون، في مرحلة، وشيعة وسنة، يتلفعون بالطائفية الفاقعة في مرحلة أخرى، وأمثال هؤلاء هم المستفيدون في كل آن، أما بقية الناس فهم وقود نيرانهم الطائفية والعنصرية التي يوقدونها.
كيف إرتضى العراقيون، اصحاب التأريخ الطويل في التمدن والتحضر، أولئك الذين عاش بين ظهرانيهم منذ الأزل هذا التنوع الثر الذي لا مثيل له قط، من الأقوام والشعوب والأديان والمذاهب والطوائف والملل والنحل، من يمتد في أحشاء الماضي إلى آلاف السنين ، ومن لاوجود لمثله في أنحاء المعمورة قط، كيف إرتضوا الإنخراط في كتل تشكلت على أسس طائفية وعنصرية، وأصبحت شيئاً مقدساً، المساس به، مساس بالوطنية، والمذهب، والقومية، والخروج عنه خروج عن الوطنية، والمذهب، والقومية ؟ ومتى كانت المذهبية متراساً سياسياً يتمترس وراءه السياسيون، الساعون لبناء وطن.
لا جدال في أن الشعوب والأمم المتخلفة، التي مصيرها شاءت أم أبت الإضمحلال والتلاشي، هي تلك الشعوب التي تجعل الإختلاف معادلاً للتناحر، والتنوع مدعاة للإستئصال، أما الشعوب والأمم المتطورة، الحيّة، التي تستحق مكانها تحت الشمس، فهي تلك الشعوب التي ترى الإختلاف أس التطور، والتنوع مصنعه.
ثقافة التخلف والعزلة وكره الآخر، تولد ممارسات قطع الرؤوس والقتل على الهوية، وإبادة المختلف، وإستئصال كل ما عدا الفكر الجامد المتيبس، الثابت، البالغ الهزال والسطحية، والذي لا قدرة له على المواجهة الفكرية، ومقارعة الحجة بالحجة، ومن عجب إن فكر قزمي كهذا يدعي إحتكار الحقيقة، مثلما يحتكر الطريق إلى الله.
لا يخدعن أحد نفسه بالقول أن مثل هذه الثقافة طارئة علينا، وأن الإحتلال هو من أوجدها، نعم الإحتلال أججها وأشتغل عليها، لكنه لم يوجدها، كانت ثقافة قطع الرؤوس موجودة في تأريخنا وفي الجانب المظلم من موروثنا، هل نذكر بقطع رأس إبن بنت رسول الله ، ووضعه على رمح والسير به من كربلاء إلى دمشق، وهل ثمة رأس أكرم من هذه الرأس؟، أويبقى بعد هذا الفعل الشنيع أي إعتبار لأي رأس مهما كانت؟، أو نستطيع تجاهل أن الخلفاء لا يرتاحون حتى تقدم أمامهم رؤوس منافسيهم أو المنتفضين عليهم ؟، ثم ألم يقم آل سعود بهدم جميع الأضرحة، سنية وشيعية، ولم يكتفوا بهذا بل هدموا كل أثر تأريخي، وفق فتوى إبن عبد الوهاب، الذي كان ضد الطوائف الإسلامية كلها سنة وشيعة وإباضية وإسماعيلية وزيدية ومتصوفة وغيرها، إذ كل المذاهب على باطل، وأتباعها في النار، إلا أتباع مذهبه المسخ الذي يثار شك كبير حول نشأته واسبابها ومن هم وراءه، وحتى إبن عبد الوهاب لم يكمن مبتدعاً، بل إعتمد على فكر إبن تيمية، وإستلهم فكر وممارسة الخوارج، الذين كانوا يبقرون بطن الحامل لقتل الجنين الذي سيولد على غير مذهبهم.
لنتذكر أن المحتل إشتغل على الطائفية، منذ تأسيس ما يُسمى بمجلس الحكم، وقسمنا طوائف وأثنيات، وحشرنا في هذا القالب ضمن قوانين وأطر هندسها بدقة، بحيث يبدو الفكاك منها أمر شبه مستحيل، المفارقة، أن العالم كله تقريباً خرج من تقسيمات مثل هذه منذ أمد بعيد، في حين نُحشر نحن فيها في بداية الألفية الثالثة، الألفية التي قيل أنها ستكون تكريساً لإنسانية الإنسان بوجهها الأممي، وفضائها الذي أسموه العولمة .  
هل ثمة أفق للفكاك من شبه المستيحيل هذا ؟
نعم .. ما كان يُعد شبه مستحيل، أصبح ممكناً، هذا إذا تجاهلنا الزعيق الأهوج، والوعيد الفارغ  المبني على أسس واهية.
ثمة فرصة ربما لا تعوّض في الخروج من أسر المحاصصة الطائفية والأثنية، وبناء نظام قابل للتطور والنمو والإستمرار.
يقولون من يخرج على التحالف الوطني سينتحر، لماذا الخروج من أطر الطائفية إلى رحاب الوطنية إنتحاراً ؟ لماذا لا يكون العكس صحيحاً، والشواهد تؤكد هذا؟
نفس الشيء يقولونه في التحالف السني، في مواجهة الوطنيين الذين تلمسوا بعد المعاناة أن خيمة العراق هي العاصمة، ونفس الشيء يقوله الإتحاد الكردستاني لأولئك الكرد العراقيين الذين يرون أن مستقبلهم ككرد مع أخوانهم عرب العراق، وفي عراق إتحادي ديمقراطي مزدهر.
نعم يمكن تشكيل الأغلبية السياسية الشاملة لجميع المكونات العراقية، من جزء من التحالف الوطني وجزء من القوائم السنية، وجزء من التحالف الكردستاني، ويمكن تشكيل معارضة قوية عراقية المنحى والهدف والهوية، من جزء من التحالف الوطني، وجزء من القوائم السنية، وجزء من التحالف الكردستاني .
هل تشكيل أغلبية سياسية من دولة القانون، وجزء من إتحاد القوى، وجزء من الإتحاد الكرستاني، لتشكيل الحكومة أو المعارضة أمر خاطيء ؟ أو متعارض مع الدستور، أو متناقض مع الديمقراطية؟
باتت الشقة بعيدة بين دولة القانون من جهة، ومسعود البارزاني، والأحرار، والنجيفي من جهة أخرى، ووجود هؤلاء معاً في حكومة واحدة سيكون وصفة للفشل التام، والتناحر غير المجدي، لذا فإما أن يشكل هؤلاء من دون دولة القانون الحكومة، أو يكونوا في المعارضة، ومثلما باتت الشقة بين دولة القانون ومن ذكرنا بعيدة، فإن التقارب يزداد عمقاً بين دولة القانون، والجزء الأكبر من إتحاد القوى، والإتحاد الديمقراطي الكردستاني، والتغيير، وعناصر أخرى بمكنتها تمرير الحكومة المتوقعة داخل البرلمان .
العراق أمام منعطف كبير، وفرصة هد جدار الطائفية والتقاسم الطائفي أصبحت ممكنة ، وممكنة جداً، والمطلوب تلقف الفرصة وعدم أضاعتها.
سيصرخ الطائفيون والمتعصبون القوميون ما شاء لهم الصراخ، إذ أن مصالحهم وإمتيازاتهم باتت في خطر، ولا أظن أنهم سيستسلمون بسهولة، وقد يقدمون هم، لا غيرهم على نحر المصالح المذهبية والقومية قصد الحفاظ على مصالحهم الذاتية .. كل شيء جائز ، وممكن، ولكن ما هو أقرب للتحقق ، حدوث إصطفاف آخر ، منشود ومؤمل، لا يُبنى على التقاسم الطائفي والأثني، وإنما أصفاف سياسي تشارك فيه كل المكونات ينبري لمهمة الحكم، وبمواجهته سينشأ أصطفاف سياسي آخر من كل المكونات يمثل المعارضة، وهذا لو تم فإنه سيشكل منعطفاً كبيراً في مسارالعمل السياسي العراقي، وقفزة كبيرة للأمام.      
الطائفية والأثنية هي أقصر الطرق لتقسيم العراق، أما الفضاء الوطني فهو وحده الكفيل بديمومة وإستمرارية عراقنا الذي أحببناه حد التوله، وعاش في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا.  

No comments:

Post a Comment