Saturday, 4 October 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: سلامٌ على الشاذلى فى يوم نصره

 

 

 

سلامٌ على الشاذلى فى يومِ نَصْرِه

بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى


(الأهرام 4/10/2014)

 

هذا العام .. وعيدُ الأضحى المبارك يتزامن مع الذكرى الحادية والأربعين لمعركة أكتوبر العظيمة .. التى انتصر فيها المصريون على الهزيمة .. فى ملحمةٍ رائعةٍ تخلصوا فيها من أمراضهم المزمنة .. وحلّ التخطيط محّل الفهلوة .. والتدريب محلّ الارتجال .. والجماعية محلّ الفردية .. وَجَبَ على كل مصرىٍ وعربىٍ أن يرفع كفيّه بالدعاء لحبيب مصر وقرة عينها وبطلها الأسطورى وابنها المظلوم والرأس المدبر والقائد الميدانى لهذا النصر العظيم والمايسترو الذى قاد هذه السيمفونية الرائعة .. الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة فى حرب أكتوبر.

إن بطلاً واحداً لمعركةٍ واحدةٍ من معارك مصر، يستحق منا أن نضعه فوق رؤوسنا إكليلَ غار .. وفوق صدورنا وساماً للفخر .. فما بالنا وبطلنا الأسطورى هذا لم يكن بطلاً لمعركةٍ واحدةٍ .. وإنما كانت حياته سلسلةً كاملةً من معارك الوطن المقدسة .. انتصر فيها جميعاً بنا ولنا .. وكما كان خالد بن الوليد نموذجاً تاريخياً للعسكرية الإسلامية، فإن سعد الدين الشاذلى كان وسيظل نموذجاً وعنواناً مُشرّفاً للعسكرية المصرية .. من أهانه فقد أهان نفسه، ومن ظَلَمه فقد ظلم مصر كلها .. هو الضابط المثالى المقاتل عن عقيدةٍ (لا كوظيفة) وكما قال هو عن نفسه فى كتابه الممنوع (لقد أمضيتُ عمرى كله فى خدمة بلادى) .. هو كذلك بالفعل .. لم يسرق ولم يزوّر ولم يلعنه شعبه فى يومٍ من الأيام .. وإنما شارك فى معارك مصر كلها بدءاً من حرب فلسطين 1948 التى كان أصغر ضابطٍ شارك فيها ..  إلى حرب أكتوبر المجيدة، التى اشتهر عالمياً بأنه الرأس المدبر لها وهو بعدُ فى الحادية والخمسين من عمره  .. انتصر الشاذلى فى كل معاركه .. حتى فى 1967 كان أداؤه طاقة نورٍ وسط الظلام الحالك .. إذ كان فى وسط سيناء على رأس وحدة القوات الخاصة المعروفة بمجموعة الشاذلي (وكان قد أسّس سلاح المظلات قبل ذلك)، ومع انقطاع الاتصالات بينه وبين قيادة الجيش، وبينما الجيش الصهيونى يتقدم فى سيناء اتخذ الشاذلي قراراً جريئاً فعَبَر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو .. وتمركز فى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة يومين كاملين .. إلي أن تم الاتصال بالقيادة العامة التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا، فنفّذ انسحاباً احترافياً نموذجياً، بدأه قبل غروب 8 يونيو في ظروفٍ غايةٍ في الصعوبة وفي أرضٍ يسيطر العدو عليها تمامًا، ودون دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، وقَطَعَ سيناء كاملة من شرقها إلى الشط الغربي لقناة السويس (حوالي 200 كم) .. وتفادى النيران الإسرائيلية وعاد بقواته ومعداته سالماً بخسائر لم تزد عن 10% إلى 20% . فكان اخر قائدٍ مصري ينسحب بقواته من سيناء.

هذا عن بطولته فى قلب النكسة .. أما دوره فى نصر أكتوبر فلا ينكره إلا جاحدٌ .. ويعرف كلُ من شارك فى هذا النصر العظيم اهتمامه بكل التفاصيل الصغيرة التى قادت إلى هذا الانتصار المبهر فى الإعداد والتنفيذ .. لدرجة أن القيادة العامة لم تكن بحاجةٍ لإصدار أى أوامر لأي وحدةٍ فرعيةٍ فى الأربع وعشرين ساعة الأولى من القتال .. إذ كانت القوات تؤدي مهامها كما خطّط الشاذلى بالضبط بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر وكأنها تؤدي طابور تدريبٍ تكتيكياً.

ليس هذا مجالَ سردِ تفاصيل بطولات الشاذلى فى ميادين القتال فالمساحة تضيق بها .. لكن المرءَ يتذكر بأسىً كيف خاض هذا الجندى المُحترف معركته الأخيرة بعد أن أُبعد عن ميادين القتال .. حيث تعرّض للظلم والجحود والخسة على مدى أربعين عاماً .. إذ رغم دوره المحورى فى حروب مصر، لا سيما حرب أكتوبر، كان هو الوحيد من قادة أكتوبر الذى لم يتم تكريمه بأى نوعٍ من أنواع التكريم وتم تجاهله فى الاحتفالية التى أقامها مجلس الشعب لقادة الحرب، وأزيلت صورته من صور غرفة عمليات الحرب ومن بانوراما حرب أكتوبر فى تزويرٍ فاضحٍ يُدين فاعلَه .. وتم تجريده من نجمة الشرف وأُوقف معاشه المستحق عنها وعاش على إيرادات قطعة أرض ورثها عن أبيه .. ولم يتم تكريمه (طبعاً) فيمن تم تكريمهم فى الذكرى الثلاثين للحرب التى قادها وانتصر فيها .. وظل هذا القائد المصرى الأسطورى الشريف يستمع إلى أكاذيب الإعلام وهى تُعيد التأريخ لهذه الحرب وتطمس دوره فيها وتُعلى من أدوار آخرين .. بل إنه سُجِنَ عاماً ونصف (يا عارَنا جميعاً) .. حتى فى معركته تلك، انتصر الشاذلى بصموده على ظالميه .. ولم يخذل حُسن ظننا به .. فلم يلتمس عفواً من مخلوق .. ولم يَحنِ هامتَه إلا لخالقه .. وكان كعهدنا به جبلاً شامخاً صبوراً عزيزاً أبياً .. وتحمّل بروحه العذبة .. وابتسامته التى تختصر روح مصر الضاربة فى عمق الزمان، تحمّل سفالات ورذالات الصغار وخِسّتهم .. إلى أن صعدت روحه إلى بارئها فى توقيتٍ مدهش (10 فبراير 2011).

وقد أحسَنَت القواتُ المسلحةُ المصريةُ بردّها الاعتبار لاسم هذا البطل بعد ثورة يناير، فأعادت له أوسمته وأطلقت اسمه على المحور الكبير الذى يربط بين الطريق الدائرى وطريق القاهرة الاسماعيلية ومُنِح قلادة النيل.

يا حبيب مصر .. سامِحنا .. فقد جرى لك ما جرى دون أن نستطيع أن نرفع عنك فى حياتك شيئاً مما لَحق بك من الظلم .. وصعدت روحك قبل أن تعلم بثورتنا التى أثبتت أن الوطن الذى أنجبك ولم يتوقف عن إنجاب الأبطال .. هو وطنٌ كبيرٌ .. أكبر من أن يسطو عليه الصغار والإمعات والتافهون والأنذال ..

فيا حبيب مصر وقرة عينها وبطلها الكبير سيادة الفريق/ سعد الدين الشاذلى .. شكراً لك .. وسامِحْنا .. ولتهنأ روحك فى سلامٍ بعد رحلة العمر القاسية .. فى مكانها الطبيعى مع النبيين والصديقين والشهداء .. وحسُن أولئك رفيقاً.

                  

No comments:

Post a Comment