Monday, 24 November 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: ولماذا لا يقرأ الرئيس لبلال فضل ؟

 
 
ولماذا لا يقرأ الرئيس لبلال فضل ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(اليوم السابع 24/11/2014)
أولاً: الخبر والمهزلة:
تقدّم مُحامٍ يتطابق اسمه مع اسم فنانٍ مشهور ببلاغٍ عاجلٍ للمدعي العام العسكري ضد الكاتب بلال فضل يتهمه فيه بالتحريض على العنف وبث أخبار كاذبة والتطاول والسخرية من القوات المسلحة وأن بلال فضل موطنه الأصلي اليمن وللأسف يحمل الجنسية المصرية (هكذا جاء فى البلاغ!) ويحمل قلماً مِدادُه أسودُ بلون قلبه يخط ويسطر كلماتٍ يملأها الحقد والخساسة والعمالة وأنه سارع بمغادرة البلاد متوجهًا إلى أمريكا واصطحب أسرته معه، والتحق أبناؤه بالمدارس الأمريكية (هل أصبحت هذه تُهَماً يُعاقب عليها القانون؟!)، وأنه خصص كتاباته فقط للهجوم على الرئيس عبدالفتاح السيسى والمؤسسة العسكرية المصرية ونَذَر نفسَه فقط للهجوم والشحن لإثارة الفوضى فى مصر .. والتمس المحامى إصدار الأمر بالتحقيق في هذه (الجرائم) التي اقترفها المبلّغ ضده (بلال محمد ناصر فضل) وإحالته للمحاكمة العسكرية فى حالة ثبوتها!.
لن أتحدث عن هذا المحامى الذى أصبح من علامات هذا الزمان .. يقرا مقالاً فى جريدةٍ وهو يتناول قهوة الصباح فيحوّله إلى بلاغٍ يُقدمه للنائب العام وهو ذاهبٌ إلى مكتبه .. ويُحوّل أحدُ الصحفيين البلاغ إلى خبر .. ويتحوّل الخبر إلى مُداخلةٍ فى إحدى فضائيات المجارى .. ولا يدرى أحدٌ بعد ذلك ما الذى آل إليه هذا البلاغ .. فينسى الناسُ البلاغ ويبقى التشهير .. عموماً ليس هذا موضوعنا اليوم .. موضوعنا هو المُتهم بلال فضل.
ثانياً: بلال فضل:
هو أحد أشهر الكتاب الساخرين وكاتبى السيناريو المُبدعين وأعمقهم ثقافةً فى مصر رغم صِغر سِنّه .. وُلِد فى محرم بك بالإسكندرية لأمٍ مصريةٍ أصيلةٍ مكافحةٍ أحسنت تربيته فأبدَى نبوغاً مُبكراً فى كل منحنيات حياته .. تخرّج فى الحادية والعشرين من عمره من قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة وكان ترتيبه الأول بامتيازٍ مع مرتبة الشرف .. عَمِل فى الإصدار الأول لجريدة الدستور سكرتيراً لرئيس تحريرها ومُبدِعها إبراهيم عيسى، إلى أن ضاق بها النظام فأغلقها .. اتجه بلال بعدها لكتابة السيناريو (أَبدَع حتى الآن ما يزيد على 20 فيلماً ومسلسلاً ) .. وكان من الكتيبة التى قادها إبراهيم عيسى فى الإصدار الثانى للدستور سنة 2005 ثم تنقل بين عدة صحف .. كوّن مع فنان الكاريكاتير المعجزة عمرو سليم أشهر ثنائى ساخرٍ بعد ثنائى الراحليْن أحمد رجب ومصطفى حسين (وبالمناسبة فإننى أعتب على بلالٍ تجاوزه فى حق إبراهيم عيسى بالذات .. وهو ما لم أفهمه وما لم أهضمه .. لا أتكلم عن الاختلاف فالاختلاف بينكما واردٌ وطبيعىٌ ، وكلاكما مُحبٌ لمصر بطريقته .. وأنتَ قد اختلفتَ مع توأمك الإبداعى عمرو سليم فافترقتما بإحسانٍ ولم يُسئ أحدكما لشخص الآخر .. مع أن علاقتك يا أبا عِشقٍ بأبى يحيى هى الأوْلى بالرعاية لأنها، كما عرفنا منك مِراراً، هى علاقة التلميذ المُمتَن بالأستاذ الحاضن والمُعلّم .. وهى رِفقةُ كفاحٍ بأكثر منها صُحبةُ عمل).
 
ثالثاً: حكاية الهجوم على مصر:
عندما أصدر الأستاذ/ هيكل فى السبعينيات كتاب (الطريق إلى رمضان) من دار نشرٍ أجنبيةٍ (لأن كُتُبَه كانت ممنوعةً من التداول فى مصر)، صدرت الصحف بعناوين ملتهبة تتهم هيكل بمهاجمة مصر من الخارج وشتمها بالإسترلينى .. وفى ظل الإعلام الأحادى كان كثيرون يرددون هذا الهُراء أمامى فأسألهم بجديّةٍ (كيف شَتَمَ هيكل مصر؟ هل قال مثلاً إن مصر بنت كذا أو كيت؟) ولم أحصل على إجابةٍ إلا بعد أن حصلتُ على النسخة الانجليزية للكتاب من أحد الأصدقاء المبعوثين العائدين من اليابان .. فلما قرأته وجدتُه (طبعاً) خالياً من أى هجومٍ على مصر .. كل ما فى الأمر أن الرجل تحدث عن حرب 73 بروايةٍ مختلفةٍ بعض الشئ عن رواية السادات، وهو ما اعتبره منافقو السادات هجوماً على السادات ومن ثمّ هجوماً على مصر! .. وفى بدايات حكم مبارك ألّف يوسف إدريس كتاباً ينتقد فيه الرئيس السادات فصدرت عناوين الصحف تتهمه بأنه يهاجم مصر، فإذا بمبارك الذى لم يكن يقرأ إلا بعض العناوين يوّجه حديثه فى محفلٍ عامٍ ليوسف إدريس (أحد العلامات الفارقة فى تاريخ الثقافة العربية) ناصحاً إياه بألا يهاجم مصر وأن يقتدى فى ذلك بالأستاذ/ سمير رجب (!) .. حدثت الواقعتان من عشرات السنين فى ظل الإعلام الأحادى المحتكر للخبر من خلال تليفزيون وإذاعة وصحف الدولة .. فهل يجوز أن تتكرر نفس الأكاذيب بعد أربعين عاماً وقد أصبح بإمكان أى طفلٍ فى قريةٍ نائيةٍ فى مصر أن يبحث على هاتفه المحمول عن أحدث مقالات بلال فضل فيحصل عليها فى أقل من 20 ثانية فيقرأها بنفسه فيعرف أن بلالاً لا يهاجم مصر وإنما ينتقد السيسى؟.
 
رابعاً: حكاية الأب اليمنى:
يالبؤس الزمن الذى نقف فيه موقف الدفاع عن مِصرية المصرى حتى النخاع بلال فضل .. ما المشكلة فى أن أباه يمنىٌ؟ ولماذا الإيحاء بأن كون الأب يمنى الجنسية سُبّة؟ أليس هذا سبّاً وقذفاً فى حق شعبٍ عربىٍ عريقٍ كاملٍ؟ .. مَن الذى فوّض هؤلاء فى الإساءة للشعوب الشقيقة باسمِنا؟ فَعلتْها إحداهُن مؤخراً مع الشعب المغربى الكريم .. وفعلوها من قبل مع الشعب الجزائرى العظيم، ووصل الأمر بأحدهم للمطالبة بطرد الفنان المصرى الشامل أحمد مكى لأن أباه جزائرى (وكأنها سُبّةٌ) مع أنه عاش معظم حياته فى الطالبية لأمٍ مصرية ..  مع أن أحداً منهم لم يعترض على الأصول الإنجليزية لجيهان السادات أو الأصول المالطية لجمال مبارك الذى كانوا يتسابقون لمبايعته رئيساً للجمهورية .. أم أن مالطة عندهم أفضل من اليمن؟ .. ثم إن كل من سرقونا ونهبونا وسامونا العذاب كانوا من أبوين مصريين.
 
خامساً: نقطة الافتراق:
هناك فصيلٌ كاملٌ من أنقياء مصر الذين لا أختلف عليهم وإن اختلفتُ مع بعض آرائهم وإن اختلفوا هم مع بعضهم البعض لاحقاً .. أولئك الذين تصدّواْ بشجاعةٍ لفساد نظام مبارك واستبداده حينما خَرَس غيرُهم مِن مُدّعى الشجاعة الآن .. مِن هؤلاء بلال فضل .. الذى لا يُنكر إلا جاحدٌ أو جاهلٌ أنه كان ممن نَذَروا أقلامهم لمهاجمة فساد واستبداد نظام مبارك وشماشرجيته وباروناته فى عز عنفوانهم .. وبعدما تولى مرسى وإخوانه الحكم لم يقف على الحياد كثيراً، فبادرهم بالنقد الناصح أولاً .. ثم بالهجوم الحاد الصريح إلى أن سقطوا .. ثم بدأت زاوية الرؤية تختلف اعتباراً من مساء 3 يوليو 2013 .. فبينما انقسم المصريون إلى قسمين كبيرين .. أغلبية ترى الخطر واضحاً ومُحدقاً بكيان الدولة المصرية (وهذه حقيقة) فتؤثر التعامى عن بعض أخطاء السلطة وهى تحارب الإرهاب حفاظاً على الدولة .. وأقلية لا ترى إلا أخطاء السلطة وتتعامى تماماً عن أخطاء وخطايا خصومها حتى وإن هددوا بسقوط الدولة .. وبعيداً عن هؤلاء وأولئك بقى بلال فضل ضمن أقلامٍ قليلةٍ لا تتعامى عن الأخطاء أيّاً كان مصدرها، وتسخر من الدولة والإخوان فى آنٍ واحد فتُغضبُ الجميع .. لكن بلالاً لم يُهاجم مصر ولا جيشها أبداً، إلا إذا اعتبرنا الهجوم على فِعلِ قبيحِ لمحافظٍ منفلتٍ هجوماً على جيش مصر لمجرد أن سيادته عسكرىٌ سابق! أنا عسكرىٌ سابقٌ وغضبى (وكثيرون غيرى) من هذا التصرف أشد من غضب بلال.
 
سادساً: لو كنتُ مُستشاراً للسيسى:
لو كنتُ مستشاراً للرئيس عبد الفتاح السيسى لطلبتُ منه عكس ما يطلبه المنادون برأس بلال ومنْع مقالاته وأفلامه وبرامجه، وطلبتُ منه أن يقرأ لبلال فضل مباشرةً، لا أن يقرأ عنه .. أعرف أن من حق الرئيس (أى رئيس) أن يستمع لمن يقول له أصبتَ عندما يُصيب، وهؤلاء والحمد لله كثيرون .. وأتفهم أن تَطرَبَ النفسُ البشريةُ لبعض التطبيل الذى قد يتداخل مع الثناء الجاد، ولكن فى حدودٍ مقبولة .. إذ حتى فى الفن لم نسمع عن فرقةٍ موسيقيةٍ كلّها من الطبالين باستثناء فرقة سعيد الأرتيست .. حتى هذه الفرقة تظل الاستثناء الذى يؤكد القاعدة .. مجرد فقرةٍ غريبة فى حفل، وليس الحفل كله .. ولم نسمع أن مطرباً غَنّى بمصاحبة فرقةٍ كلها من الطبالين ليس فيها عودٌ ولا كمان .. يا سيادة الرئيس مصر فعلاً فى حرب .. والحرب يخوضها المقاتلون لا السماسرة .. أما الطبول فتُقرع للتحميس فقط لكن الموسيقات العسكرية لا تحارب .. لو كنتُ قريباً من أُذن الرئيس لقلتُ له يا سيادة الرئيس اقرأ لبلال وإن لم يُعجبك كلامه .. لم تَعُد بحاجةٍ لمن يُسمعك ما تُحّب فما أكثر هؤلاء حولك .. لكن ما أحوجَك لمن يُسمعك ما لا تُحب .. ما أحوجك وأحوجنا لصوتٍ مختلف .. صادم لكنه صادق .. سيقولون لك إنه لا يُحبّك؟ .. ما ضرّك لو أن كاتباً لا يُحبّك؟ إنما يأسى على الحب النساء .. يكفى أنه يُحب مصر .. لو أخطأ فى مائة كلمةٍ وأصاب فى واحدةٍ فقط فما أحوجنا لها .. ما أحوجنا لمن يُهدى إلينا عيوبنا .. إذا ضاقت صدورنا بمُخالفينا فى الرأى سنتحول بالتدريج إلى نُسخةٍ مكررةٍ من نُظمٍ ثرنا عليها.
ياسيادة الرئيس إن هذا المبدع المصرى الساخر الجرئ انتقد مبارك فى عز جبروته، ويا ليت مبارك كان قد قرأ له ووَعَى ما يقول .. وانتقد محمد مرسى حتى يومه الأخير فى الحكم، ويا ليت مرسى كان قد قرأ له ووَعَى ما يقول .. وينتقدك الآن يا سيادة الرئيس، فيا ليتك تقرأُ له .. بل أَتِح لقرّاء الصحف الورقية أن يقرأوا له .. لماذا لا يكتب بلال فضل فى الشروق أو اليوم السابع؟ بل لماذا لا يكتب فى الأهرام؟.
لو كنتُ مستشاراً للرئيس لقلتُ له لا تَدَعْ هؤلاء المنافقين ينهشون بلال فضل باسمك وإن خالَفَك  .. هو أصلاً قادرٌ على ابتلاعهم .. لكنهم نذير شؤمٍ على كل من طبّلوا له .. ويؤكدون بضجيجهم انطباعاً سلبياً يتراكم الآن لدى الكثيرين، بأننا عائدون لأيامٍ كانت تُزاحُ فيها الجديّةُ لصالح التفاهة .. وتزاحُ فيها الصراحةُ المُوجعة لصالح النفاق المبتذل .. ويُزاح فيها يوسف إدريس لصالح سمير رجب .. لا أعادَها الله من أيام.
 

No comments:

Post a Comment