هل ثمة سخرية أمر وأدهى من هذه ؟!
صباح علي الشاهر
" أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يُريد " حقيقة لا تُرد، وجملة لا يُزايد عليها أحد، لو إستعملت في مكانها، ووضعت في سياقاتها، أما إذا أريد إستعمالها ، كما تُستعمل الكثير من الأشياء في هذه الأيام، لمعان غير التي وضعت لها أساسا، فإن الأمر يكون مختلفاً، فالله سبحانه وتعالى لا يريد للعراق أن يتقسم، ولا لشعبه أن يصفي بعضه بعضاً، ولا لمقدراته أن تكون بيد الأغراب عنه، ولا أن يتحكم في مصير شعبه القتلة والأراذل، ولا أن يستجير ناسه من الرمضاء بالنار.
يحاولون ان يجعلوا من قضية تقسيم العراق قضية قدرية لا راد لها، وكأنها مشيئة إلهيه وليس مشيئة المحتل، ومن أبتلي العراق بهم من الطائفيين والعنصرين، والمُحتالين، والمُتاجرين بنكبة العراق ودم العراقيين .
يقول البعض أن العراق لا يقبل القسمة، وهذا كلام لا يمكن تصريفه، فكل عدد قابل للقسمة، سواء كان عدد صحيح أم أجزاء من العدد الصحيح. كل شيء قابل للتقسيم مثلما هو قابل للتوّحد، الأمم والأوطان والشعوب والشركات، والأحزاب، إذا توفرت أسباب التقسيم ستقسم، وإن توفرت أسباب التوحد ستتوحد، وهذا أمر لا يتعلق برغبتي أو رغبتك، وهو وإن لم يكن أمراً قدرياً، إلا أنه بعين الوقت ليس أرادوياً محضاً، فالوحدويون مثلما التقسيميون يرتكزون على الأسباب والمبررات والذرائع، وهي التي ترجح كفة هذا الجانب أو ذاك في نهاية المطاف، وتجعل هذا ممكناً وذاك غير ممكن.
العمل على تقسيم العراق جار على قدم وساق، ليس منذ الإحتلال وإنما قبل هذا، وما الإحتلال وما تبعه سوى( فصل ) من فصول هذا المشروع الذي شارف على الوصول إلى خواتيمه.
الوحدويون يتراجعون على كل الأصعدة، والتقسيميون يتقدمون في كل مضمار.
العراق ينهزم أمام إقليم الشيعة، وأقليم السنة، وكردستان المستقلة، ودعاة وحدة العراق يتلاشون ويذوبون في مظلومية الشيعة التأريخية، ومظلومية السنة المُستحدثة، وحقوق كردستان المهضومة.
علام يستند دعاة العراق الموّحد، وهم مطرودون ومُستبعدون عن مصدر القرار، لا الحكومي فقط ، وإنما حتى السياسي والإعلامي والجماهيري؟
صحافتنا وإعلامنا مُقسم بين إعلام كردي أو مشايع للأكراد، أو شيعي مهمته الدفاع عن الطائفة، أو سني مهمته محاربة التهميش والإقصاء، وحتى لو بحثت عمن كنت تحسبهم إنسانيون أمميون، متجاوزون للتعصب القومي والطائفي والديني، فأنك سترى أفواههم مُغلقة بدولارات كردستان ورواتب كردستان، ومصالحهم المستحدثة في الإقليم، أما الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بالوحدة، ووقفوا ضد الوطنية القزمية، فقد تحولوا فجأة إلى سنة يدافعون عن العروبي معاوية و الوحدوي إبن عبد الوهاب، وشيوخ العشائر الثوريين حتى النخاع، وشيعة يستلهمون نضالهم من المنبر ويسيرون على هدي الفتاوى .
ليس للعراق اليوم من نصير، ولا ظهير، الكل يردح في ملعبه، وملعبه ليس سوى الطائفة أو العنصر، ولا أقول القومية، فإنه لوتم اللعب في ملعب القومية لكان لعب العرب الذين يشكلون أكثر من ثمانيين بالمائة من العراقيين لا يعلو عليه أي لعب آخر.. أمر دبر بدهاء أن يكون الإصطفاف طائفياً وعنصريا، لا قوميا في العراق. العنصر الكردي لا ينقسم إلى شيعة وسنة، رغم أن نسبة ليست قليلة من الكرد شيعة، أما العرب فينقسمون إلى سنة وشيعة، كيف حدث هذا ولماذا؟ لا أحد يسأل نفسه، ولا أحد معني بالإجابة، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، حد إنقسام عرب العراق إلى سنة وشيعة، ولكن عليهم حل صراعهم صفرياً، أي إما أن يقضي الشيعة على السنة أو يهجرونهم، وهذا مستحيل، أو أن يقضي السنة على الشيعة أو يهجرونهم، وهذا مستحيل آخر، أي أن الشيعة والسنة أصبحوا أمام هدف مستحيل التحقيق لكليهما، لا يتحقق مهما إمتد الصراع والتناحر إلا بإبادتهم جميعاً، فهل سيخلو العراق في قابل الأيام من العرب سنة وشيعة ؟!
ولكن ثمة سؤال آخر لا يقل خطورة هو، هل سيبقى هذا الذي نسميه عراق؟ هل سيحمل أحد الأجزاء أسم العراق ولو مبتوراً، أم سيبحث كل جزء عن مسمى خاص به مثل كردستان الجنوبية بدل كردستان العراق، وبلاد سومر بدل الوسط والجنوب العراقي، وبلاد ما بين النهرين بدل غرب العراق؟
أغلب الظن أنه سيصار لمثل هذا الإجراء، لأن المطلوب القطيعة مع الوطن الذي أسمه العراق، تمهيداً للقطيعة لكل ما يمت بصله إلى ما هو عربي، من أجل خلق واقع آخر، مختلف تماماً، كما خُلق واقع هجين ولامعقول في فلسطين.
كل مشروع يحتاج تحقيقه إلى جملة أشياء، أهمها، قوة مساندة ينبغي أن تكون مُهيمنة ومُسيطرة ومُتحكمة، وقادره على فرض كل شيء، مهما بدى هذا الشيء غير معقول، وقوى داخلية ذات نفوذ تتحكم في القرار الداخلي، ومسوغات وتبريرات واقعية ملموسة تؤدي إلى تسويغ وتبرير هذا المشروع ، وفي الحالة العراقية توفرت هذه الأشياء، فالتبريرات والمسوغات أكثر من الهم على القلب كما يقولون، لقد تم طبخها ليس على نار هادئة وإنما على حمم براكين مُتفجرة بلا إنقطاع، وعبر مسلسل تقتيل ودمار متواصل، عبثي هو بالمطلق لكنه ينضّج وعلى نحو متسارع الإبتعاد والإنفصال الكلي بين مكونات الشعب على أسس طائفية وعرقية، مع الإصرار على الإبتعاد عن كل ماهو سياسي، فالقوى والتكتلات والأحزاب لا تختلف سياسياً، وإنما تختلف طائفيا وعرقياً، لأن الإختلاف السياسي يحل سياسياً، أما الإختلاف الطائفي والعنصري فليس له سوى حل واحد، ألا وهو الإنفصال والقطيعة وفك الإرتباط.
أما فيما يتعلق بالقوى الداخلية المُتنفذه والمُهيمنة على القرار فكلها وبلا إستثناء أبعد ما تكون عن الحرص على العراق الموحد، فالأكراد لا يعتبروا أنفسهم جزء من العراق، وهم لا يتركون فرصة إلا وعبروا من خلالها بأشد أساليب التعبير إيضاحاً عن كونهم كيان آخر، ليس مختلفاً فقط، بل كياناً تختلف مصالحه كلياً مع العراق المستعمِر!!
أما ممثلوا الشيعة فقد عبروا في البدء عن رغبيتهم بالإستقلال في إقليم خاص بهم، أسوة بالكرد، بحجة أنهم يخشون عودة السنة للبطش بهم إذا وصلوا إلى الحكم، لكن هذا الموقف تغير بعد الإنتخابات الأولى حيث تبين أنهم هم الأغلبية وأن الحكم لن يغادرهم طالموا إعتمدوا على أصوات الناس، لذا اصبحوا شديدي الحرص على وحدة العراق الذي باتوا هم حكامه، في حين كان السنة قبل الانتخابات ضد التقسيم ومع وحدة العراق، لكنهم بعد أن تأكدوا أنهم سوف لن يكونوا على رأس السلطة بناءاً على مبدأ الانتخابات، فقد بدأوا بالحديث عن الإقليم الذي سيمنحهم حق قيادة أنفسهم بإنفسهم، وتناسوا العراق الذي إستعاضوا عنه بالمحافظة والعشيرة، إذن ما يهم هؤلاء جميعاً ليس العراق ووحدته، ولا حتى الطائفة ومصالحها، وإنما الكرسي، فبمقدار قربهم وبعدهم من هذا الكرسي يكون موقفهم من العراق و وحدته.
أما الشرط الأول الهام فهو القوة الخارجية المُهيمنة، وهي في حالة العراق أمريكا المحتلة، والتي تعيد الآن إحتلالها للعراق بالتدريج مُستغلة ظاهرة داعش فليس ثمة من لا يعرف موقفها الحقيقي من العراق الموحد، الذي أرداوا منذ البدء تقسيمه إلى ثلاث كيانات لكن الظروف لم تكن مناسبة لمثل هكذا حل، في ظل مقاومة الاحتلال ومشاريعه، التي عمت العراق من شماله إلى جنوبه، مما دفعها ( أمريكا) لإنضاج ظروف مناسبة، تجعل العراقيين أنفسهم يطالبون بالتقسيم ، وعلى رأس قائمة المطالبين بالتقسيم أولئك الذين رفعوا راية العراق الموحد ووقفوا بوجه التقسيم والإحتلال، فهل ثمة سخرية أمر وأدهى من هذه ؟!
No comments:
Post a Comment