On Tuesday, December 23, 2014 8:47 AM, yehia hussein <yehiahussin@yahoo.com> wrote:
تحياتى .. مرفق مقالى الأسبوعى (أين إقرار الذمة المالية للرئيس؟) الذى امتنعت (اليوم السابع) عن نشره يوم 22/12/2014
أين إقرارُ الذمّةِ الماليّةِ للرئيس ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
يوم الأربعاء 9 ديسمبر أقيم احتفالٌ مهيبٌ بمناسبة اليوم العالمى لمكافحة الفساد حضره السيد رئيس الوزراء وجوقةٌ من المسؤولين يتقدمهم السادة رؤساء الهيئات والجهات الرسمية المسؤولة عن مكافحة الفساد والتى انبثق عنها (اللجنة الوطنية التنسيقية الرئيسية لمكافحة الفساد) والتى يرأسها السيد رئيس الوزراء وتضم السادة وزير العدل ووزير التنمية الإدارية ورئيسى هيئة الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية وممثلين عن وزارة الداخلية ووزارة الخارجية والنيابة العامة والمخابرات العامة ووحدة مكافحة غسيل الأموال والجهاز المركزى للمحاسبات .. وانبثق عن هذه اللجنة الرئيسية لجنةٌ أخرى سُميّت (اللجنة الوطنية التنسيقية الفرعية لمكافحة الفساد) يرأسها السيد رئيس هيئة الرقابة الإدارية وتضم ممثلين عن وزارات الداخلية والخارجية والعدل وممثلين عن النيابة العامة والمخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات ووحدة مكافحة غسيل الأموال .. وحتى تاريخه لم تَرِد أى أنباءٍ عن توالد لجانٍ فرعيةٍ أخرى لمكافحة الفساد.
كان العنوان الأبرز لهذه الاحتفالية هو (إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014- 2018) .. وقد حاولتُ أن أضع يدى على ما يمكن تسميته بالاستراتيجية فيما أُعلن عنه فى هذه الاحتفالية فلم أجد شيئاً إلا كلاماً نظرياً طيباً عن أنواع الفساد وأسباب الفساد وما شابَه ذلك .. ثم تبارى ممثلو الجهات الرقابية فى سرْد إنجازاتهم الكميّة من حيث عدد القضايا التى ضبطوها .. وبقدر ما تُعبّر هذه الأرقامُ عن جهدٍ مشكورٍ ونوايا طيبةٍ بالفعل، إلا أننى أخشى أن يؤدى التسابق على كثرة القضايا إلى تزايد أعداد المظلومين والمُشهّر بهم ظُلماً، فى ظل ما تسرّب للأجهزة الرقابية نفسها من محسوبيةٍ أدّت إلى فشلٍ ونقصٍ فى الكفاءة، بل وبعض الفساد، مثلما جرَى على كل مؤسسات الدولة فى العشرين عاماً الأخيرة .. إن أوّل خطوات مكافحة الفساد وأصعبها أن تبدأ مؤسسات مكافحة الفساد فى مصر بإصلاح نفسها وتتطهر مما لحق بها.
عملياً تحتاج الدول والمؤسسات إلى أداتيْن رئيسيتين لمكافحة الفساد: القدوة والإجراءات .. وأحسب أن التطور الإيجابى الوحيد فى هذا السياق فى مصر، أن صار لدينا رئيسٌ نحسبه غيرَ فاسدٍ على المستوى الشخصى، وهو تطوّرٌ لو تعلمون عظيمٌ بعدما كان لدينا رئيسٌ لصٌ (بِحُكمٍ قضائىٍ) سطا فى قطرةٍ واحدةٍ مِن بحر فساده على 125 مليون جنيه من المال العام ثم سدّد منها 104 مليون جنيه للتصالح، ولم تُسائله أىٌ مِن الأجهزة الرقابية التى حضرت مؤتمر مكافحة الفساد مِن أين له هذه الملايين التى سدّدها (بافتراض أنه لم يصرف مليماً من راتبه الذى تقاضاه على مدى الثلاثين عاماً من حكمه) .. ثم يخرج علينا أبواقه قائلين (قد يكون لصاً لكنه ليس خائناً) وكأن قَدْرَ وقَدَرَ مصر أن تُفاضِلَ بين خائنٍ ولص .. يالتواضع ووضاعة ما يريدونه لمصر .. أما مصر التى نحلم بها فلا ترضى من حيث الطهارة بأقل من أحد العُمَرَيْن رئيساً (والحَدّ الأدنى جمال عبد الناصر).
فيما عدا التطور الذى أشرتُ إليه، فإن واقع مكافحة الفساد لم يتطور خلال السنوات الثلاث التى أعقبت الثورة، بل تدهور .. بقيت التشريعات التى قنّنت الفساد فى عصر مبارك كما هى .. ولعل كثيرين اندهشوا مثلاً من بقاء قانونٍ يُسقط عقوبة الرشوة بمُضىّ عشر سنواتٍ على وقوعها، وهو القانون الذى أفلَتَ به الرئيس المرتشى أخيراً .. لم تبقَ هذه القوانين الفاسدة فقط ولكن أُضيف إليها المزيد للأسف .. مثل قانون تحصين العقود الحكومية من الطعن عليها إلا من أحد طرفيها (إذا تاب وطَعَن فى نفسه!) ولا يُلوّث هذا القانون حاضرَنا ومستقبلنا فقط، ولكنه يسرى أيضاً بأثرٍ رجعى .. مما اعتُبر عفواً شاملاً عن كل مجرمى الخصخصة على سبيل المثال.
لكن مكافحة الفساد لا تتطلب تشريعاتٍ صارمةً فقط، وإنما تتطلب أيضاً إجراءاتٍ فعّالةً وحاسمةً وسريعة التنفيذ .. وعلى سبيل المثال، فإن قرار تحديد الحد الأقصى لدخل الموظف العام من المال العام باثنين وأربعين ألف جنيه، أغلق بضربةٍ واحدةٍ باباً ظل مفتوحاً لمدة عشرين عاماً على الأقل لشفط المال العام إلى جيوب كبار موظفى الدولة، الذين تفننوا فى اصطياد البدلات والمكافآت المليونية من عدة مصادر فى آنٍ واحدٍ.
على نفس المنوال، لماذا لا يَصدُرُ قرارٌ بنشر تشكيلات مجالس الإدارة والجمعيات العمومية للشركات العامة (وهى ليست سراً حربياً) على أحد المواقع الإلكترونية الحكومية، لكى تتحقق المراقبة الشعبية ويصبح فى مقدور المختصين اكتشاف أى تضاربٍ فى المصالح، وللتحقق مثلاً من صحة ما يُشاع من أن بعض أعضاء أمانة السياسات المُنحلّة قد تم تعيينهم فى المجالس الأخيرة؟.
فى نفس سياق الشفافية، لماذا لا يَصدُرُ قرارٌ بإلزام كل موظفى الإدارة العليا فى الدولة بنشر إقرارات ذِمَمِهم المالية على موقعٍ حكومىٍ متاحٍ للكافة، بحيث يستطيع أى مواطنٍ أن يطعن فى صحة أى إقرار إذا عَلِمَ أن بياناته كاذبة؟.
لكن هل يَحِقّ لنا أن نحلم بذلك قبل تطبيق الالتزام الدستورى الخاص بنشر إقرار الذمة المالية للمسؤول الأول فى الدولة (رئيس الجمهورية)؟ وهو الالتزام الذى أتَعَجّبُ حقيقةً من عدم تنفيذه حتى الآن.
فالمادة (145) من دستور جمهورية مصر العربية المُقّر فى 18 يناير 2014 بموافقة 98.1% من المُستفتين والذى أصبح مُلزماً لجميع المصريين، هى مادةٌ بالغة الروعة والاحترام .. تُشرّف اللجنةَ التى صاغتها والشعبَ الذى وافق عليها .. أدعو الجميع لإعادة قراءتها كاملةً .. لكن ما يُهمنا هنا ما جاء فى سطرها الثامن نصّاً: (يتعيّن على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمةٍ ماليةٍ عند توّلِيه المنصب، وعند تَرْكِه، وفى نهاية كل عام، ويُنشر الإقرار فى الجريدة الرسمية) .. الأمرُ واضحٌ ومُحدّدٌ .. وقد مضى أكثر من ستة شهور على تولّى الرئيس الحالى منصبه (8 يونيو 2014) ودَخَلْنا فى النصف الأخير من العام الرئاسى الأول، دون أن يتم نشر إقرار بداية الفترة الرئاسية (وهو نفسه إقرار بداية العام الأول) .. وهى مخالفةٌ دستوريةٌ غير مُبرّرةٍ بالمرة .. فمعلومٌ للكافة أن الرجل مٍن أسرةٍ ثريّةٍ مِن قبل توليّه المنصب الرئاسى .. وقد أقدَم الرجلُ (مشكوراً) على عدة خطواتٍ طيبةٍ أَلزَمَ بها نفسَه دون أن يُلزِمَه أحد .. فقد أعلن فى شهره الأول عن تبرعه لصندوق (تحيا مصر) بنصف راتبه الشهرى الذى جعله حداً أقصى، وهو ما يعنى عملياً أن عدداً كبيراً من كبار موظفى الدولة أصبح دخلُهم الشهرى أكبر من دخل رئيس الجمهورية .. ثم أعلن عن تبرعه بنصف ثروته بما فيها إرثه عن والده لنفس الصندوق، مُبادراً بذلك أيضاً دون أن يُلزمه أحد .. لكنه لم يُفصح عن قيمة هذه الثروة التى تبرّع بنصفها .. وهو ما فسرّه البعض بأنه يريد أن يكون تبرّعه خالصاً لوجه الله لا رياء فيه .. حسناً، هذا فيما يخُصُ الصدقةَ الشخصية التى يُفضَّلُ ألا تعرف شِمالُ المرء ما أنفقت يمينُه، أما إقرار الذمة المالية للرئيس فهو إلزامٌ دستورىٌ يجب أن تعرفه أَيْمُن (جمع يمين) وأَشْمُل (جمع شِمال) التسعين مليون مصرى.
أرجو ألا يخرج علينا أحدُ الدِبَبَة قائلاً إن نشر الذمة المالية للرئيس سيستغله الإخوان للتشهير بمفرداتها .. الحقيقةُ أن العكس هو الصحيح، أى أن عدم النشر هو الذى سيُتخذ مادةً للتشهير .. ثم إن مَنْ يُرد التشهير سيُشهّر فى كل حال .. أو يصرخ فى وجهنا أحدُهم بأن مصر فى حربٍ ضد الإرهاب، وأن هذا ليس وقت إثارة مثل هذه الموضوعات بينما جنودنا يُستشهدون كل يوم .. الحقيقةُ أن هذا هو وقتُه بالضبط .. فإن مصر لن تنتصر فى أى حربٍ على أى جبهةٍ إلا بمزيدٍ من الانضباط الديمقراطى والالتزام والمراقبة والمحاسبة .. والدماء الزكيّة التى تُراقُ لا تُبذَلُ إلا مِن أجل الحِفاظ على دولةٍ تُعلى مِن شأن هذه القِيَم .. ثم إننى أعود وأُكرر وأذكّر بأن الأمرَ واجبٌ دستورىٌ لا اختيار فيه ولا يجوز المجادلة والتبرير بشأنه .. وإلا عُدنا إلى أيامٍ كان الدستور فيها مُجرّد وُريقاتٍ لا قيمة لها، والحاكم لا يُسألُ عما يفعل .. أيامٍ بيعت فيها شركاتُ القطاع العام مثلاً فى وجود مادةٍ فى الدستور تمنع ذلك بتاتاً! (لا أعادها الله من أيام).
هو إلزامٌ دستورىٌ إجبارىٌ وليس اختيارياً .. ولا بد أن هناك مسؤولاً محدداً فى ديوان الرئاسة أو فى أجهزة الدولة المختلفة بمن فيهم حضور مؤتمر رئيس الوزراء، يدخل فى اختصاصه تذكير الرئيس باستحقاقاته الدستورية فى توقيتاتها ومتابعة تنفيذها، وإلا وَجَبَت محاسبته (محاسبة المسؤول إذا قصّر.. أو الرئيس إذا امتنع).
No comments:
Post a Comment