الرجل الذى لم يَبْلَع لِسانَه
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام- السبت 3 ديسمبر 2016)
(قدرت أقول كلمتى بالصوت العالى.. ورِزقى على اللى رازق الدودة فى بطن الحَجَر.. لأن الشِعر رَبَّانى وعلّمنى: لا أبلع لسانى، ولا أَجِّز على سنانى، ولا أدهن الكلام ألوان، ولا أقول للقرد يا قمر الزمان) .. هكذا لَخَّص أحمد فؤاد نجم حياته في الدنيا التى انتهت فى مثل هذا اليوم (3 ديسمبر) قبل ثلاثة أعوامٍ .. هذا الرجل عاش 84 عاماً لم يمسك فيها طبلة .. كان صادقاً فى هجائه وصادقاً فى مديحه لأنه لم يكن له مأرب إلا أن يُعبِّر عما يُحس به (وإيه يعنى يا أبو مريم شوية ضرب وشوية سجن بس كنت بأقول اللى عايز أقوله وأرتاح) .. فعلى سبيل المثال: كان صادقاً حين هجا عبد الناصر بعد النكسة .. وكان صادقاً حين اعتذر له بعد وفاته .. على العكس من شاعر العرب الأعظم المتنبى الذى لم يكن صادقاً عندما امتدح كافور الإخشيدى، إذ كان يبحث عن ولاية .. وإن كان صادقاً حينما هجاه لما بخل عليه بالمناصب .. أما نجم فلم يُرهبه سيفُ الدولة ولم يُغرِه ذَهَبُها .. ومِن جهتها اتخذت الدولةُ موقفاً عدائياً من نجم فى كل العصور .. ولم تمنحه أىٌ من مؤسساتها الرسمية أيّاً من جوائزها التى مَنَحَتها أحياناً لبعض التافهين ومحدودى الموهبة.
كان أحمد فؤاد نجم أحد المتفائلين الكبار بمصر وشبابها المتجدد .. وهو عاشقها المتيّم الذى دفع ضرائبَ عِشقه كاملةً.. سَجناً وفقراً وإفقاراً وحصاراً.. فما اهتز حُبُّه ولا ثقتُه فى محبوبته التى كانت عند حُسن ظنه بها.. وبادلته حُبّاً بحب .. ووقف دائماً فى مربع الشعب ناطقاً بلسانه ولم يَخُنْه أبداً. وهو القائل:
وفيــكى بيــــن البشــر ديــابه .... وفيــكى فـــوق البَـــشَر وحوش
وفيكى ناس مُغرَمين صَبَابَه .... لو خان زمانهم ما بيخونوش
وقد اختار نجم مكانه بوضوح بين المُغرمين صَبَابَه .. كان دائماً صوتَ مصر وسوطَها.. صوت مصر الواثق القوى الحر المُعَبِّر عن المُغرَمين صبابه .. وسوطها الذى تُلهبُ به ظهور الظالمين والوحوش والديابه وأقفيتهم.. وكانت حياتُه تراجيديا كاملةً وسبيكةً فريدةً من الوطنية والمقاومة والموهبة والصعلكة والسجن .. وكانت قصائده ولا زالت وقوداً للثورة على الظلم والخنوع والضعَة وباعثةً للأمل فى كل البلدان العربية .. لا زالت كلماتُه تأتينا ساخنةً وطازجةً وكأنها مكتوبةُ للتوّ .. مع أن أبا النجوم كتبها منذ عشرات السنين .. وهكذا أشعاره .. عابرةٌ للزمان وعابرةٌ للمكان.
هذا رجلٌ يمكن تلخيص حياته فى كلمتين: عاش حُرَّاً .. عاش حراً حتى وهو فى سجنه.. وبقى وسيبقى بإذن الله وإلى ما شاء الله بعد سَجَّانِيه وظالِمِيه وظالِمِينا.
شكّل الفاجومى مع الشيخ إمام عيسى واحداً من أشهر ثنائيات الفن المُقاوِم فى التاريخ المصرى والعربى .. حتى أننا لا نذكرهما إلا معاً .. كان اللحنُ المُعبِّرُ والصوتُ الصادقُ للشيخ إمام بمثابة الجناحين اللذين حلّقا بكلمات نجم إلى سماء الوجدان الشعبى .. وكان ظهور هذا الثنائى المعجزة فى لحظة النكسة الحالكة شبيهاً بمصر البهية الولاّدة التى تزداد خصباً كلما ازداد عُمرُها .. والقادرة دائماً على مفاجأة الدنيا بمولودٍ جديدٍ عندما يظن الجميع أنها وصلت إلى سن اليأس.. بهية التى تلد النورَ عندما يُطبق الظلام، والجمالَ عندما يَسود القُبح، وبسمةَ الأمل من بين عبوس الهزيمة.. بهية العجيبة المعجبانية التى فاجأت الجميع من عُمق وعُقم النكسة بهذا الوليد التوأم: نجم وإمام .. الذى يستحيل أن يلتئم إلا فى رَحِم بهية.
فى أواخر عهد مبارك انتشرت فى وسائل التواصل الاجتماعى قصائد منسوبة إلى نجم تهاجم مبارك وابنه بألفاظ بذيئة وتفتقد فيها جماليات شعر نجم .. سألت الفاجومى فأجابنى (بالطبع ليست قصائدى .. قصائدى المكتوبة كلها فيها شعر ولكن ليس فيها بذاءة .. ثم إننى لا أذكر أحداً بالاسم .. لكن واضح إنها من تأليف شباب خايفين يكتبوا أسماءهم فبيتحاموا فىَّ .. زى بعضه، خليهم يتحاموا فىَّ .. أنا مش حيجرالى أكتر من اللى جرالى) .. راجعتُ ديوانه فوجدتُ ما قاله صحيحاً .. فكل قصائده رغم حِدَّتِها إلا أنها تخلو من الأفاظ الخادشة .. كما أنه لم يذكر أحداً بالاسم مَدحاً أو قدحاً .. إلا مراتٍ أقل من أصابع اليد مثل: نيكسون وديستان وهوشى منه وجيفارا.
كان أحمد فؤاد نجم يُحسن الظنّ بربّه ويقول ما معناه (مالكومش دعوة باللى بينى وبين ربّى.. هو عارف إنى باحبّه.. وأنا عشمان إنه يدخلنى الجنة).. ونحن لن نتطفل على ما بينك وبين ربك يا عم أحمد.. ولكننا ندعوه سبحانه الرحمن الرحيم أن يكون عند ظنّك به ويُدخلك فسيح جنّاته رغم أنف المتنطعين والأجلاف غِلاظ القلوب .. جزاء ما دفعتَه من حريتك من أجل حُرّيتنا .. إنه سميعٌ مجيب الدعاء.
شكّل الفاجومى مع الشيخ إمام عيسى واحداً من أشهر ثنائيات الفن المُقاوِم فى التاريخ المصرى والعربى .. حتى أننا لا نذكرهما إلا معاً .. كان اللحنُ المُعبِّرُ والصوتُ الصادقُ للشيخ إمام بمثابة الجناحين اللذين حلّقا بكلمات نجم إلى سماء الوجدان الشعبى .. وكان ظهور هذا الثنائى المعجزة فى لحظة النكسة الحالكة شبيهاً بمصر البهية الولاّدة التى تزداد خصباً كلما ازداد عُمرُها .. والقادرة دائماً على مفاجأة الدنيا بمولودٍ جديدٍ عندما يظن الجميع أنها وصلت إلى سن اليأس.. بهية التى تلد النورَ عندما يُطبق الظلام، والجمالَ عندما يَسود القُبح، وبسمةَ الأمل من بين عبوس الهزيمة.. بهية العجيبة المعجبانية التى فاجأت الجميع من عُمق وعُقم النكسة بهذا الوليد التوأم: نجم وإمام .. الذى يستحيل أن يلتئم إلا فى رَحِم بهية.
فى أواخر عهد مبارك انتشرت فى وسائل التواصل الاجتماعى قصائد منسوبة إلى نجم تهاجم مبارك وابنه بألفاظ بذيئة وتفتقد فيها جماليات شعر نجم .. سألت الفاجومى فأجابنى (بالطبع ليست قصائدى .. قصائدى المكتوبة كلها فيها شعر ولكن ليس فيها بذاءة .. ثم إننى لا أذكر أحداً بالاسم .. لكن واضح إنها من تأليف شباب خايفين يكتبوا أسماءهم فبيتحاموا فىَّ .. زى بعضه، خليهم يتحاموا فىَّ .. أنا مش حيجرالى أكتر من اللى جرالى) .. راجعتُ ديوانه فوجدتُ ما قاله صحيحاً .. فكل قصائده رغم حِدَّتِها إلا أنها تخلو من الأفاظ الخادشة .. كما أنه لم يذكر أحداً بالاسم مَدحاً أو قدحاً .. إلا مراتٍ أقل من أصابع اليد مثل: نيكسون وديستان وهوشى منه وجيفارا.
كان أحمد فؤاد نجم يُحسن الظنّ بربّه ويقول ما معناه (مالكومش دعوة باللى بينى وبين ربّى.. هو عارف إنى باحبّه.. وأنا عشمان إنه يدخلنى الجنة).. ونحن لن نتطفل على ما بينك وبين ربك يا عم أحمد.. ولكننا ندعوه سبحانه الرحمن الرحيم أن يكون عند ظنّك به ويُدخلك فسيح جنّاته رغم أنف المتنطعين والأجلاف غِلاظ القلوب .. جزاء ما دفعتَه من حريتك من أجل حُرّيتنا .. إنه سميعٌ مجيب الدعاء.
No comments:
Post a Comment