عن الديكتاتور الأحمق والإدارة بالرفس
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
نُسِب للإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: (الرجالُ أربعة .. رجلٌ يدرى ويدرى أنه يدرى، فهو عالِمٌ فاتبعوه .. ورجلٌ يدرى ولا يدرى أنه لا يدرى، فهو ناسٍ فذَّكِروه .. ورجلٌ لا يدرى ويدرى أنه لا يدرى، فهو جاهلٌ فَعَّلِموه .. ورجلٌ لا يدرى ولا يدرى أنه لا يدرى، فهو أحمق فاجتنبوه) .. وهو ما يعنى ضمناً أن الأحمق أشد خطراً من الجاهل .. فالجاهل يعرف أنه جاهلٌ، لذلك يتقبل إسداء النُصح له ويمكن تعليمه .. أما الأحمق فيظن (رغم جهله) أنه أكثر علماً ممن حوله .. ينصحنا الإمام على بأن نجتنبه .. لكن ماذا إذا اجتنبناه ولم يجتنبنا .. وساقته الأقدار لكى يقود مؤسسةً أو شركةً أو دولة .. فالموظف لا يختار رئيسَه .. والعاملُ لا يختار مديرَه .. كما أن الشعوب فى الدول غير الديمقراطية لا شأن لها باختيار حُكَّامها .. وكم من ديكتاتورٍ جاهلٍ يُعَّوِضُ جهلَه بمستشارين أكفاء .. فيغفرُ إنجازُه عند البعض بطشَه وفسادَه .. لكن الطامة الكبرى أن تُبتَلى مؤسسةٌ أو دولةٌ بديكتاتورٍ أحمق .. رضى عن جهله ورضى عنه جهله كما قال طه حسين .. وتصل المأساة إلى ذروتها إذا تَلَّبَسَه اليقينُ بأنه أبو العُرِّيف وأن عِلمَه (الذى هو جهل) يختصه به الخالق .. هو معذورٌ عندها إذا رَفَسَ الدستور والقانون والمؤسسات والشعب .. إذ ما حاجته إلى الشعب ما دام يستقى علمه مباشرةً من خالق الشعب؟! .. والشعب معذورٌ إذا ألجمته تصرفات الديكتاتور الأحمق عن رد الفعل الفورى .. فوقف مشدوهاً غيرَ مُصَّدِقٍ ما ينهال عليه من إجراءاتٍ تتناقض مع أبسط قواعد المنطق .. مع أنه لا منطقَ يُرتجَى من حاكمٍ فردٍ لا يعبأ بالشعب لأنه يعتقد أنه يستمد الحكمة والإلهامَ من رب الشعب .. طبيب الأطباء وفيلسوف الفلاسفة .. سيدنا الخضر الذى لا يحيط أحدٌ بحكمته السماوية وليس لأحدٍ أن يناقشه حتى إذا قتل الغلام أو خرق السفينة أو باع أرض الوطن .. وهى أسوأ أنواع الاستبداد .. خلطة البطش والجنون التى تتكرر عبرَ التاريخ .. نيرون الذى أحرق روما ليضئ العالم .. والحاكم بأمر الله الذى حَرَّم الملوخية لحكمةٍ لا يعلمها إلا هو والشيف الشربينى .. وهذا الذى يقتطع من جسد الوطن ليصبح (أد) الدنيا.. أو يصلح أحوال الفقراء بسحق عظامهم وإطلاق الأسعار من عقالها .. الديكتاتورية وبالٌ فى كل الأحوال لكن أسوأ أنواع المستبدين هو الديكتاتور الأحمق.
كنتُ أسأل المتدربين فى محاضرات الإدارة: لو كان الأمرُ بيدك فأيهما تُفَّضِل أن يكون رئيسك .. الثعلب أم الحمار؟ .. كانوا يقولون الأسد .. كنت أقول إن الأسد خارج الإجابة .. الخيار بين اثنين فقط .. الثعلب أو الحمار .. بعض قصار النظر كانوا يفضلون المدير الحمار لاعتقادهم أنه سهل الانقياد وحياتهم معه ستكون أجمل والانضباطُ غير صارم (ولذيذُ الحياة ما كان فوضى) .. لكن النتيجةَ دائماً بعد المناقشات كانت تصب فى صالح الثعلب حتى ولو كان شريراً .. لأنه يحفز مرؤوسه على التفكير المستمر فى الخطوة القادمة مثل لاعب الشطرنج .. وهى خطوةٌ مهما كانت براعتها أو أذاها إلا أنها لا تخرج عن حدود المنطق .. ثم إن المدير الثعلب الديكتاتور قد يعصف بالمرؤوس المعاند ولكن ذكاءه سيدفعه للحفاظ على المؤسسة التى يرأسها.. أما المدير الحمار، فلا يستطيع أحدٌ أن يتوقع توقيت ولا مكان رفسته المقبلة .. وقد تصيب المؤسسةَ وتصيبه شخصياً .. إنها الإدارة بالرفس .. وهو نوعٌ جديدٌ من الإدارة غير ما عرفناه سابقاً، كالإدارة بالأهداف أو الإدارة بالنتائج … إلخ .. وقانا الله وإياكم شر الحصاوى.
الخميس 29 يونيو 2017.