مصر بين رجعية إسلامية من جهة وبين عسكر كمب ديفيد وكمالية جديدة من جهة اخرى/ د.مصطفى سالم
لم يكن محمد مرسي رئيسا مميزا، وليس الأخوان حركة يمكن الوثوق بها لإدارة حاضر ومستقبل مصر. ولا يمكن هزيمة هذا التيار الا من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية. لكن المشهد المصري يقول انه يسير بعيدا عن إنجاز ذلك.
وبالمقابل لم يكن 30 يونيو يستحق أن يطلق عليه ثورة، بل كان مجرد انقلاب خُدعت به الجماهير مرة أخرى.
إن رفض الخطاب الديني، لا يبرر إطلاقا استخدام العنف ضده، ولا يبرر تغييب التعامل معه كقوة وافقت على الاحتكام لصندوق الانتخابات، مع ان أي ديمقراطية لا تحقق عدالة اجتماعية ليست سوى مسرحية لا معنى لها.
القوى السياسية في مصر المناهضة للتيار الإسلامي والمؤيدة للانقلاب، لا تنطلق في مواقفها من فكرة بناء دولة مدنية ديمقراطية، بل هي تنطلق من كونها أشبه بالكمالية التي ظهرت في تركيا والتي ألغت نظام الخلافة الإسلامية في 3 آذار 1924 لتعلن في 24 نيسان من العام نفسه الجمهورية.
وهذا ما يتناسب مع ما ينطلق في الإعلام المصري الذي ظهر مهنيا كقزم يستخدم مفردات وأكاذيب عنصرية وتحريضيية ضد الفلسطينيين والسوريين وتشويه الطرف الآخر المعادي للانقلاب، بل ولتبرير العنف ضده بغض النظر عما يمكن ان يسقط من ضحايا .
المؤسسة العسكرية عندما ارتكبت مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة كانت تؤكد إن نفوذها ودورها لا يمكن أن تتخلى عنه، ولو اقتضى الأمر كل هذه الدماء.
التقاء هدف المؤسسة العسكرية التي تريد البقاء في السلطة والنفوذ مع القوى المناهضة للتيار الإسلامي تطلب أن يتخذا موقفا حازما ضد الإخوان والإسلام السياسي الذي لا يختلف بحجم فساده عن القوى المعارضة له.
لم يدرك أي طرف سوى المؤسسة العسكرية إن ترسيخ التجربة الديمقراطية في مصر سيكون على حساب نفوذ الجيش بحيث يكون دوره وميزانيته تحت إشراف الحكومة وبشكل شفاف.
والحال إن القوى المدنية رضت ببقاء نفوذ الجيش للتخلص من الإخوان لان كل هذه الحركات والتي لاشك إنها تحوي فصائل أكثر تقدمية من الإخوان، ليس لها رصيدا قويا في الشارع المصري ولا يمكن إن تصل إلى حجم الإخوان.
ويغيب عن المشهد إن المؤسسة العسكرية هي الحارس لاتفاقية كمب ديفيد مع إسرائيل، وقد وجدت إن محمد مرسي يسعى لتنمية في سيناء، أو هذا ما أحب أن يظهره .
وهذه التنمية أمر ممنوع تحقيقه منذ التوقيع على هذه الاتفاقية، لان إبقاء سيناء قليلة السكان ومتخلفة يضمن للجيش حماية لأمن إسرائيل والمحافظة على هذه الاتفاقية.
وحقيقة إن سيناء منطقة منقوصة السيادة تحتاج فيها مصر لموافقة إسرائيل على عدد ونوع القوات المتواجدة فيها، وعلى ما يمكن أن تُنشأ من مشاريع.
ما يلاحظ في مصر الآن، إن الذين يطلق عليهم الفلول وجدوا أنفسهم يتغاضى عنهم وتم القبول بهم حتى شركاء، وتم تحويل التيار الإسلامي إلى عدو هو سبب كل مآسي الشعب المصري.
في هذا القرن لا يمكن أن تتجاوز الحركة الإسلامية إطارها عملها القومي، أو الوطني حتى مع تطور وسائل الاتصال والإعلام، وهو ما يستدعي إن يدرك التيار الإسلامي إن قبوله بمجتمع مدني أفضل الحلول لبقاءه في المشهد.
إن التيار الإسلامي الذي انشغل في صراع مع قوى مدنية على حساب أي انجاز يُلبي حاجة المجتمع المصري لم يكن مؤهلا لخوض لعبة سياسية ضمن حكم يتوسط مؤسسة عسكرية فاسدة وفلول يتحكمون فعلا في اقتصاد البلاد، فضلا عن كون الحركة لم تمارس الديمقراطية في إقصاءها للقوى الأخرى التي تحركت ضدها بالاتفاق مع العسكر والفلول.
لكن هناك مسألة غالبا ما يتم إخفاءها وهي دور المخابرات الحربية المصرية في تحريك البلطجية تنفيذا لخارطة أمريكية استخدمت في عزل حسني مبارك، وتم من خلالها تبرير تغييب كل أفراد الأمن والشرطة من خلال مهاجمة مقراتها من جماعات مجهولة بما اضطر حسني مبارك للاستعانة بالجيش وهو ما كان يسعى إليه المخطط الأمريكي.
إذ إن نفوذ واشنطن على الجيش المصري وعلى قيادات برزت فيه بعد اتفاقية كمب ديفيد كبير لدرجة يمكن الوثوق بشكل قاطع بان تعيين السيسي وزيرا للدفاع، تم بناء على رغبة أمريكية وافق عليها محمد مرسي في محاولة ليقدم نفسه وجماعته، كقوة يمكن أن تخدم المشروع الأمريكي وتتعاون معه لدرجة الخضوع لطلباته.
ولا يتم الحديث لغاية الآن عن الذي قتل المتظاهرين في مصر أثناء الفترة التي كانت مصر تحت حكم المجلس العسكري إذ اظهر الجيش المصري حقيقته المرعبة التي تقول إن أي مساس بنفوذه ودوره في حكم مصر سيكون نتائجه الدم والعنف.
وفي حين يروي شهود إن مبارك أثناء احتجاجات 25 يناير رفض كل الحلول لاستخدام القوة ضد المتظاهرين لأنه خشى من رد الفعل الشعبي إن تلطخت يداه بالمزيد من دماء.
كانت واشنطن قد قررت التخلص من مبارك، وكانت تخشى ان تفرض الجماهير قيادة ثورية لذا بادرت فورا لتقديم الجيش كقوة لا تقتل الجماهير، بل تسعى لحفظ الأمن بدلا من الشرطة التي اختفت. وفي هذه الفترة كانت هناك جماعات عنيفة ومنهم البلطجية تدار فعلا من قبل المخابرات الحربية.
خدعت الجماهير المصرية بموقف الجيش وارتضت ان يكون هو من يدير الأمور بعد رحيل حسني مبارك الذي فُرِض عليه أثناء استقالته تسليم الحكم للمجلس العسكري وليس نائبه.
ويذكرنا هذا الحدث بسيناريو شبيه حيث سعى شاه إيران خلال الاحتجاجات التي أطاحت به للحصول على رصاص مطاطي حتى لا يسقط المتظاهرين قتلى ويزداد الحنق عليه. وقد طلب من الحكومة الأمريكية والبريطانية تزويده بهذا الرصاص وقد اعتذرا عن تزويده بحجة عدم توفره لديهم، لان الهدف كان إسقاطه وتحويل إيران لدولة دينية في اوضح علامة على ان الاسلام السياسي الشيعي صناعة امريكية .
الاحتجاجات المصرية ضد مبارك وضد مرسي لم ترتق لدرجة الثورة. لان ما من قيادة ثورية ولا يوجد فكرة ثورية. ولم يطرح اي ربط بين تحقيق العدالة الاجتماعية والعداء للامبريالية، بل بالعكس أظهرت مرحلة ما بعد عزل مرسي خضوعا واضحا لحكومة مابعد الانقلاب للقوى الامبريالية الغربية، و الرجعية الإقليمية التي هي دول اقل من حجم دور مصر.
ولكن مادامنا نتحدث عن حركة احتجاجات شعبية لم تستطع أن تتحول إلى ثورة، فان مركزة هذا النضال ليتحول إلى ثورة اجتماعية يتطلب قيادة ديمقراطية تنتمي فكرا وممارسة للطبقة الكادحة والمتوسطة باعتبارهما حالة واحدة متصالحة.
إن مشكلة الحركة الناصرية في مصر إنها لم تتجذر لتكون حركة ثورية شعبية، واكتفت تعيش على نضال عبد الناصر الذي أطلق بدون شك ثورية الحركة القومية العربية، لكنه بالتأكيد لم يستكمل المشروع الفكري لثورية الحركة وهو ما توقفت عنده الحركة الناصرية في مصر .
ودون تجاوز دور حزب البعث في دعم هذه الحركة بالطروحات الفكرية والممارسة لاحقا،
ودون تجاوز دور حزب البعث في دعم هذه الحركة بالطروحات الفكرية والممارسة لاحقا،
كان ما أنجزه المفكر الثوري د.عصمت سيف الدولة قد سد ثغرة فكرية في المشروع الثوري القومي، ولكن القوى السياسية الناصرية في مصر والوطن العربي لم تستوعب الجهد المبدع لهذا المفكر العظيم فلم يتم تحويله لممارسة نضالية.
عندما تكون القوى الموالية لواشنطن في قيادة حركة احتجاجية لا يمكن تسمية ما حدث سوى انه استغلال لنوايا الجماهير من اجل الامبريالية وهو ما حصل في مصر.
ولقد ثبت تاريخيا ان قيادة ذات رؤية قومية وافريقية هي وحدها الكفيلة بالنهوض بدور مصر كما فعل عبد الناصر الذي احترم وانسجم مع مكانة بلده لذا كان زعيما تجاوز مصر ليكون مؤثرا عربيا وإقليميا وعالميا.
No comments:
Post a Comment