المسلم والإسلام السياسي دونت ميكس يا دكتور مرسي
بقلم
دكتور محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
12 أغسطس 2013
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. المسلم، ناهيك عن المؤمن أو المحسن، هو من يعلم علم اليقين أن له ربا خلقه، يحبه ويرعاه. يعلم أن له إلها قدوسا جل في علاه، إلها معبودا بالعقيدة والشعائر والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. كل ذلك في ظل مكارم الأخلاق. ومن ثم يصبح المسلم مصباحا نورانيا هاديا داعيا إلى سبيل الله بالحكمة والمثل الحي. المسلم يُسلم لله، ويُؤمن بالله، ويُحسن لله، ومن هنا تتأصل طبيعة التدين في العَلاقة الخاصة بين الإنسان وربه.
وهنا أتساءل قبل الاسترسال في هذا المقال: هل يستعصِ على المسلم أن يكون كذلك سواءً عاش في مصر أو في أمريكا أو في روسيا أو حتى على هضبة التبت؟ إذا استعصى عليه ذلك، فليغادر "الإسلاميون السياسيون" إذن جميع دول العالم ويهاجروا إلى السودان أو أفغانستان أو الصومال، ويخرج التنظيم الإخواني الدولي من دول العالم غير الإسلامية فورا، ويستقر في تلك الدول التي اعتنقت الإسلام السياسي.
ما هي أغراض النظام السياسي في الإسلام؟ يقول عبد الحي الفرماوي أن أهداف "النظام السياسي" في الإسلام هي "إقامة الدين وإقامة العدل وإصلاح دنيا الناس، وقواعده هي الشورى والطاعة والعدل والحرية". هل يختلف عاقل على هذه القيم السامية؟
أما الإسلام السياسي، فهو مصطلح تطور عن مصطلح "الإسلام الأصولي" الذي انتشر وجلب اهتماما خاصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، والذي كان رد فعلٍ مباشرٍ لإلغاء كمال أتاتورك للخلافة العثمانية عام 1924م والتحول إلى العلمانية. ويبدو أن الإسلاميين السياسيين المعاصرين يميل معظمهم إلى رفض مصطلح "الإسلام السياسي" ويفضلون بدلا منه أيا من مصطلحات "الحكم بالشريعة" أو "الحاكمية الإلهية" أو "المشروع الإسلامي".
السلفيون في مصر، يرحبون بطبيعة الحال، بل ويدافعون عن مصطلحات "الإسلام السياسي، والحكم بالشريعة، والحاكمية الإلهية". هم وهابيو المنشأ، يهتمون بالتوحيد الخالص والتخلص من البدع بكافة أنواعها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتباع طرائق السلف الصالح في اعتمادهم على القرآن والسنة وإجماع العلماء.
المشكلة الكبرى في السلفية هي مرحلتهم الثالثة التي تسمى بالسلفية الجهادية، التي تتخذ سبيل العنف والجهاد المسلح أسلوبا أوحدَ لإقامة دولة إسلامية عالمية عن طريق محاربة النظم الكافرة غير الإسلامية في نظرهم في العالم أجمع. وهنا تتفق غايتهم النهائية مع غاية الإخوان "المسلمين" الذين يسعون أيضا إلى إنشاء دولة الخلافة العالمية وأستاذية العالم. هذا مع العلم بأن الإسلام دين غير إقصائي، دين ليس مثل "الفريك ما يحبش شريك"، وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأسوة الحسنة.
المشكلة الكبرى هي أن الإسلاميين السياسيين يفترضون أنهم يَعْلمون النظام الإسلامي المجتمعي لمجرد أنهم يرددون مصطلحات "الإسلام السياسي، والحاكمية لله والشرع". هم يظنون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ حسن البنا، والشيخ سيد قطب، والشيخ سيد احمد خان حتى الشيخ بن باز والشيخ ياسر برهامي كلهم شيوخ أولا ثم أنهم متفقون على النظام الإسلامي، وقد نسوا الاختلافات القائمة والاجتهادات المتباينة بين من هم أفقه منهم جميعا، وهم الأئمة الأربعة أبي حنيفة (699-767م)، ومالك (715- 796م)، والشافعي (766-820م)، وبن حنبل (780-855م). هل تصدقون أني صليت الظهر مرة خلف الشيخ برهامي في مسجد بسيدي بشر، وخرج هو بعد التسليم مباشرة دون ختم الصلاة أو صلاة السنة، وبعد أن فرغ المصلون من ذلك خرجوا فوجدوه يتحدث مع جماعة أمام المسجد، أي لم يكن على موعد طارئ أو ما شابه ذلك. هذا هو قطب "السلفية"، وأنا لا ألومه في ذلك، فقط أدى الفرض على أية حال.
هل ترون "الإسلاميين السياسيين" المحتالين وهم يطلقون الآن جبال الكذب والخيانة والعنف والإجرام والقتل والسحل والتعذيب والخداع وموالاة الأعداء والاستقواء بهم واستغلال الأطفال والنساء والجهلاء والمعوزين واستنفار عاطفة الدين فيهم ليخربوا ويقطعوا الطريق ويرهبوا المصريين دون حكمة أو تقوى أو صبر؟ هذا في الوقت الذي يصبر عليهم أولو الأمر في الحكومة الآن، ويدعونهم بالحسنى للمشاركة السياسية وتقبل حقوق المواطنة وواجباتها. لو كان الإسلام رجلا لتبرأ منهم إلى يوم الدين.
الخلاصة: أنا لن أخاطب الإخوان، فهم من الآن في ذاكرة التاريخ، ولكني أخاطب السلفيين ممثلين في حزب النور الآن وأقول:
1. يا سلفيو حزب النور، هل تتفقون مع السلفيين الجهاديين الذين يعيثون في مصر، بل وفي العالم كله، فسادا الآن؟ إذا لم تتفقوا معهم، إعلنوا ذلك صراحةً وبكل وضوح واستنكار، ثم اعلنوا تبرأكم منهم.
2. أنتم لا تمتلكون رؤية سياسية لسياسة الدولة، ليس قصورا منكم، وإنما لأن تنمية الدولة وتطويرها ليس لهما نظاما جاهزا يصنع في أمريكا أو ماليزيا أو الصين، وإنما يفصل بالضرورة حسب ظروف كل مجتمع اعتمادا على قيم أساسية، تترجم إلى معايير وتشريعات وقوانين، تنظم بدورها وتحكم تنظيما اجتماعيا يمثل شبكة العمل الجمعي للسكان، ذلك التنظيم الذي يستخدم في النهاية موارد طبيعية ومادية (تقنية) وبشرية تشمل من ضمنها القدرة الإدارية التي تمتلكها تلك الموارد البشرية.
3. أيها السلفيون، أنتم ركبتم ركوبا مجانيا قاطرة الإخوان "المسلمين" التي ركبت مجانيا هي من قبل ثورة 25 يناير المجيدة، ثم أخذتكم وأخذت شعب مصر كله إلى خراب، كان لابد لثورة 30 يونيو أن تقوم للخلاص منه. أنتم عاونتم الإخوان، ولا زلتم تدافعون عنهم، أو عن الآثار المتبقية التي شاركتم معهم في صنعها. إذن، لا بد أن تعترفوا بواقع لن ينتكس، وهو قيام ثورة على ما صنع الإخوان بمشاركتكم، فلابد إذن أن تتقبلوا قواعد اللعبة الثورية الجديدة، وهي خارطة الطريق التي وضعتها القوى الشعبية المصرية برئاسة رئيس الجمهورية الحالي ومشاركتكم.
4. أظهر الربيع العربي هشاشة ما يسمى بالـ "إسلام السياسي"، ومدى إساءة هذا الشيء من خلال مرتزقته ومخبوليه إلى الإسلام في العالم كله. دوركم الآن يجب أن يركز على عنصرين أساسيين، ألا وهما القيم الأساسية للتنمية وبناء الدول من ناحية والمعايير والقوانين والتشريعات التي تترجم تلك القيم إلى منظمات للعمل الوطني الجمعي. كاتب هذا المقال قاد فريقا بحثيا بتمويل من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا لمشروع تمخض عن حصر لتلك القيم الأساسية وظهر في مجلد بعنوان "القيم الشخصية والمجتمعية التنموية الريفية"، واشترك في الفريق عالم أزهري مرموق هو المرحوم الشيخ حسن محمد شريف إمام وخطيب مسجد سيدي جابر الأسبق. ليكن هذا شغلكم السياسي، وليكن حزبكم مسئولا عن مناهضة الفساد وإعلاء القيم الأخلاقية ومكارم الأخلاق في السياسة، وتكون رسالتكم بذلك تليق بالانتماء والغيرة الإسلامية بدلا من شغل المناصب السياسية وأنتم لا زلتم في مرحلة النشأة السياسية شأنكم شأن فريق بينين أو بوركينا فاسو منذ عشر سنين في عالم الكرة. لا تعطلوا مسيرة مصر وبنائها، ولا تساهموا في تفتيتها إرضاءً لأمريكا وإسرائيل والمرتزقة من الدول "الإسلامية"، وخاصة في قضية الدستور الحالي المعطل وقضية الهوية المفتعلة. مصر مسلمة، وهي منارة الإسلام إلى الأبد إن شاء الله. الشعب قد وعى وأدرك والحمد لله الفرق بين الدعاة والمدعين، وأدرك الفرق بين المتدينين والمتاجرين بالدين. ارجعوا إلى نقائكم، وتبحروا في الدين، بعد تعلم قواعد النحو واللغة العربية.
Prof. Mohamed Nabil Gamie
Department of Rural Development, College of Agriculture,
Alexandria University, Al-Shatby, Alexandria, Egypt
mngamie@yahoo.com
01227435754
No comments:
Post a Comment