Saturday, 5 July 2014

{الفكر القومي العربي} article

إعلان الخلافة نهاية المشروع الجهادي
صباح علي الشاهر
 
 
من أسباب قوّة الحركات الجهادية الإسلامية تلك المرونة الفائقة في التحرك والإنتقال، ليس من منطقة إلى أخرى، ولا من بلد إلى آخر، وإنما من قارة إلى أخرى، ومن تمركز في أحياء سكنية، إلى تمركز في الجبال والوهاد، والصحارى، وإينما حلت هذه الحركات كانت تجد الحواضن المناسبة التي من دون توفرها ما كان لها أن تستمر، وهذه حقيقة لا ينبغي القفز عليها، فالحواضن تعني الإعاشة، والأيواء، والحواضن هي العيون التي تعوّض عن أرقى دراجات الإستخبارات، وهي الغطاء اللوجستي اللازم والضروري، والمتفوق دائما لأنه في الميدان الحي المتحرّك، بالإضافة إلى توفير الحماية والإختباء  وقت الضيق، وعلى الرغم من الضربات القاسية والموجعة التي كانت توجه لهذه الحركات العنفية المسماة جهادية، فإنها لم تكن ضربات قاضية، ولن تكون، إذ سرعان ما تستجمع هذه الحركات قواها في مكان آخر، غالباً غير متوقع، ومن ثم تعاود عملها الذي كان يتسم دائماً باشد أنواع العنف قسوة وهمجيّة، قصد الترهيب، لإضعاف معنويات الخصم، ولإجبار الآخرين على توفير الدعم، أو التعاون بالدرجات التي يقررها التنظيم .
كان التنظيم شبحي، والأشخاص شبحيون، وعلى كثرة (الفيدوهات) التي كانت تنشر عن نشاطهم، إلا إنهم ماكانوا يكشفون عن وجوهههم، إلا ما ندر، وبالأخص بالنسبة للأجانب، الشيشانيين، أو الذين أتوا من بلاد بعيدة، فهؤلاء لا بأس من كشف وجوههم، إذ ليس من مهامهم التنقل داخل المدن والقصبات إلا إذا ذهبوا لمهمة (إستشهادية) إنتحارية.  لقد إمتاز عناصر هذا التنظيم بما إمتازت به العصابات، وهذا ما سهل لهم التنقل بين العدو، وتبادل المواقع، وربما الأدوار، فقد يكون الداعشي قاطع رؤوس بين أصحابه، ومنادي بالحرية والديمقراطية في ساحات التظاهر، إذ من ذا الذي يميز الداعشي عمن سواه، خصوصاً إذا كان من أبناء البلد، وإذا لم يكن مرتدياً الزي المعروف، وحتى لو كان ملتحياً، كث اللحية،  فيمكن تشذيب اللحية وتنظيمها، بحيث تبدو مطلقة حسب المودة الشائعة هذه الأيام، وبسبب هذا فإنه لم يكن مستغرباً أن تختلف الناس في شخصية أبو بكر البغدادي، قائد دولة العراق والشام الإسلامية، بحيث تنشر المخابرات الأمريكية صورة له تختلف تماماً عن الصورة التي نشرتها السلطات الأمنية العراقية، علماً أن هذا الشخص أعتقل لدى الأمريكان، ثم أطلق سراحه فيما بعد، ومن المؤكد أن الأمريكان يعرفون كل شيء عنه، ويحتفظون له بملف كامل كعادتهم، يتضمن كل شيء يخصه ويحدد شخصيته، حتى فصيلة الدم، هل التشويش هنا مطلوب ولأغراض تعلمها أمريكا قبل غيرها؟ كل شيء جائز، ويزداد هذا الشك مع إفتراض أن الرجل والحركة صناعة أمريكية وظيفية، وهذا ما بدت خيوطه تتوضح الآن.
هذا الغموض وهذه الشبحية كانت أيضاً من أسباب قوّة هذا التنظيم، إذا منحته ومنحت عناصره حرية الحركة، في منطقة سادتها الفوضى، وضعفت فيها الدولة، وأنقسم ناسها إلى طوائف متناحرة .
الأمور تغيّرت الآن بعد إعلان الدولة الإسلامية، وتعيين إبراهيم ( أبو بكر البغدادي ) خليفة للمسلمين، ليس المسلمين في البقعة الجغرافية المحددة التي سيطرت عليها داعش، وإنما المسلمين قاطبة، لذا فإن أول ما عمله الخليفة المنصب من شخص لا صفة له، لا معنوية ولا إعتبارية، إن دعا المسلمين كافة للهجرة إلى دولة المسلمين، مستلهماً الهجرة الثانية من مكة إلى المدينة، وليس الأولى من مكة إلى الحبشة النصرانية، في مقاربة سطحية مبتسرة، فتلك الهجرة كانت إلى الله ورسوله، ( من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى إمرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إلية) صدق رسول الله،  وإذ لم يكن أبو بكر البغدادي رسولاً، ولا يمكنه أن يدعي هذا، ولا مكلفاً من الله، عله فيما بعد يعتبر نفسه ظل الله في الأرض، عش رجباً ترى عجباً! ولم تكن الموصل مدينة يثرب حيث يوجد الرسول الأعظم طالباً المدد لنشر الإسلام، فهل ستكون الهجرة التي يدعو إليها البغدادي هجرة لجهاد النكاح؟!
أول دعوة للخليفة المُنصب من شبح هي دعوة المسلمين إلى الهجرة لدولته الإفتراضية، وفي هذا وقع الخليفة الذي يريد منا جميعاً أن نبايعة بحد السيف، في عدّة أمور أصغرها لا قدرة له على مواجهته، فهو بهذا أقر أن كل الدول الموسومة بالإسلامية ليست إسلامية، ليس هذا فقط ، وإنما هي دار كفر ينبغي الهجرة منها إلى دار الإيمان، وهذا يجعله عملياً غير معترف وغير مقر ليس بكون هذه دول وأمم وشعوب معترف بها، بل أراض ينبغي أن تنضم إليه طواعية أو كرهاً، فهل بمقدور (الخليفة ) ترجمة هذه الدعوة إلى واقع حال، وهل بمقدوره فتح هذه الدول بإجمعها ، مثلما فعل الرسول الأعظم عندما فتح مكة ، وهي داره ومدينته ومدينة آبائه وأجداده؟
ومع إفتراض أن بعض المهووسين سيتوجهون إلى دولة البغدادي مهاجرين من أصقاع العالم ، فهل الأرض التي نصب نفسه خليفة فيها، أرض خالية من البشر، أليس ما ينويه البغدادي هو عمليّة مدانة عالمياً، لأنها تعني فيما تعنيه تغيير التركيبة السكانية للبلد، وهل سيقف العالم أمام إجراء كهذا مكتوف اليدين، هل يستلهم البغدادي طريقة الصهاينة في إغتصاب الأرض وجلب بشر مختلفين ليسكنوا مكان السكان الإصليين، او يجعلونهم أقليّة في بلدهم؟ إذا كان الأمر هكذا فهل الذين دعموا الصهاينة هم أنفسهم داعميه؟
هل يفهم البغدادي حقائق وقوانين العالم الذي يعيش فيه، أم أنه يجهل هذا تماماً؟
ثم نقطة أخرى هامة، يطلب البغدادي من جميع المسلمين مبايعته، وإلا وقع عليهم حد الرّدة، والذي عقابه قطع الرؤوس وفق شرع الله كما يفهمه هذا المسلم المُسلفن.
هل لا يعرف هذا الواهم المتوهم أن المسلمين، ومنذ ما بعد النبوة كانوا ومازالوا رؤوساً، قادة مذاهب وفرق وطرق، واليوم أيضاً يعجز المرء عن عد الرؤوس القيادية في العالم الإسلامي، من المرشد العام، إلى المفتي والمفتين، إلى المرجع والمراجع، إلى الفقية والفقهاء، إلى ولي الفقيه، إلى القطب والأقطاب ، إلى الولي، والأولياء، إلى زعيم الطريقة والزعماء، وشيوخ العقل ، وقاده روحانيين لا حصر لهم ولا عد ، وهم يتكاثرون ليس بالشهر واليوم ، وإنما بالساعة ، فهل يتصور هذا أن هؤلاء يمكن لهم أن يبايعوا من هو بالنسبة لهم صعلوكاً .
لقد حشر البغدادي، أو الخليفة إبراهيم نفسه في بقعة محددة، وبالتالي أضاع أهم مميزات حركته ، إذ أصبح هدفاً ليس فقط لمن يحيط به ويعادية ، وإنما لمن إستفزهم وإراد إذلالهم ، وسترينا الأيام ردة فعلهم.
كان يمكن للمشروع العنفي المسمى ( جهادي ) أن يستمر بإداء وظيفته، لكن إعلان الخلافة أنهى المشروع، ولربما باتت الوظيفة في الرمق الأخير. ستكون المنطقة بعد التفاهمات ليس بلا دولة (الخلافة) ، وإنما بلا داعش وماعش والقاعدة .   
 

No comments:

Post a Comment