Friday, 18 July 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: بلاغٌ إلى من يهمه الأمر



بلاغٌ إلى من يُهمّه الأمر
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 19/7/2014)
الآتى بلاغٌ إلى من يهمه الأمر .. فإذا كان الأمر يُهم السيد الرئيس (ويجبُ أن يُهمه) فهو بلاغٌ إليه .. وإذا كان يُهم الشعب صاحب هذا المال المسفوح فهو بلاغٌ إليه .. وقبل ذلك وبعده هو شكوى إلى الله الذى سَبَق عِلمُه بلاغى، ودعاءٌ إليه أن يحرس مصر بعينه التى لا تنام ويقتص من ناهبيها.
فبالتوازى مع هجمة العُكارة المتبقية من أمانة السياسات على خصومها فى كافة المؤسسات،انطلقت فجأة خلال الأسبوعين الماضيين حملةٌ محمومةٌ على كل من قاوموا فساد الخصخصة لا سيما فضيحة عمر أفندى متهمين إياهم بالإساءة لمناخ الاستثمار والإضرار بالمصالح العليا للوطن (وأتشرف أن أكون المتهم الأول) .. وقد امتلأت الحملة بالأكاذيب اعتماداً على ضعف ذاكرة الكثيرين ..وإذا كانت البجاحةُ لم تُدهشنى إلا أن ما تعجبتُ له هو تذكيرنا بموضوع عمر أفندى بالذات، وهو العلامة الأشهر على فساد برنامج الخصخصة، وسوءة أمانة السياسات التى بُذلت محاولاتٌ محمومةٌ لسترها ونسيانها والتستر على مجرميها .. اللهم إلا إذا كان وراء الحملة ما هو أخطر .. عودة الخصخصة ..
1 – فى نهاية عام 2005 كان المواطن صاحب البلاغ رئيساً لإحدى شركات التجارة الكبرى، ومُرشحاً لمناصب أعلى، عندما تم تكليفه بعضوية لجنة تقييم شركة عمر أفندى تمهيداً لبيعها.
2 – شَهدَ المواطن بنفسه مهزلة التقييم المالى للشركة بدءاً من التوجيهات بتخفيض القيمة، فأصبح التقييم الرسمى نحو 1300 مليون جنيه فقط (بينما القيمة الحقيقية أكثر من ثلاثة مليارات) .. ثم تخفيض هذا التقييم الرسمى ليكون 450 مليون جنيه فقط ليتوافق مع عرض المشترى المجهول الوحيد لشراء الشركة بخمسمائة مليون جنيه فقط.

3 - كانت هذه هى أول (وآخر) صفقةٍ فى تاريخ الخصخصة يتم التحذير من فسادها قبل أن تتم .. وكان يمكن للسادة المجرمين بعد ما افتضح الأمر أن يعيدوا الطَرح ليتقدم آخرون مع هذا المشترى فى مزادٍ إبراءً لذمة أمانة السياسات (ولو تمثيلاً) لا سيما أنه لم يكن هناك تعاقد أو التزام قد تم تجاه هذا المشترى الوحيد المجهول .. لكنهم أصروا على البيع لهذا المشترى بالذات، وساندتهم حملةٌ إعلامية من صحفيى أمانة السياسات .. إذن فهذا المشترى هو اختيار هؤلاء الشخصى .. أليس من العدل أن يُحاسَب هؤلاء على التوابع الكارثية لاختيارهم؟.

4 –  بعد البيع بثلاث سنوات اكتُشف تسليم المشترى أصولاً كاملةً بأكثر من مائة مليون جنيه دون وجه حق (فوق البيعة) لم تكن مدرجة فى كراسة الشروط وغير محتسبة فى تقييم سعر بيع الشركة بالإضافة إلى فروعٍ كاملةٍ تم تسليمها على أنها مؤجرة  بينما هى تمليك (مصيف بلطيم- عقاران بشارع سعد زغلول بالإسكندرية- فروع الشركة فى العجمى وأسوان ومنوف وطما وساقلتة وقنا) .. ولم يُحاسَب أحدٌ عن هذه المهزلة حتى الآن (!).

5 - بعد الثورة لم يفعل العاملون المتحضرون فى شركة عمر أفندى إلا استخدام حقهم فى اللجوء للقضاء .. وأمام القضاء الجليل لمجلس الدولة أفرجت الأجهزة الرقابية عن تقاريرها التى حجبتها أيام مبارك وتكشفّتْ فضائحُ تفوق ما تضمّنه بلاغى .. فحَكَم القضاء الجليل ببطلان العقد لأنه باطلٌ فعلاً وفاسدٌ فعلاً، وتم تأييد الحكم من المحكمة الإدارية العليا .. فهل المطلوب من القضاء أن يحكم بغير الحق؟.

6 -  ووجد القضاء الإدارى بمجلس الدولة أن الصفقة بها شبهات جنائية واضحة لكنها لا تدخل فى اختصاصه، فتقدم بحيثيات حكمه كبلاغٍ قضائىٍ إلى السيد النائب العام الأسبق ليحقق فى الشق الجنائى منذ أكثر من ثلاث سنوات .. فماذا تم؟.

7 - بيعت عمر أفندى سنة 2006 وكانت رابحةً رغم قلة أرباحها،  وعادت فى 2011 بحكمين للقضاء الإدارى والمحكمة الإدارية العليا، مُحملّةً بديونٍ والتزاماتٍ تقترب من المليار جنيه تسبب فيها المشترى (الطيب) ومن أصروا على بيعها لهذا الشخص بالذات . فهل حوسب أحدٌ ممن ارتكبوا هذه الجريمة؟ لم يُحاسَب أحدٌ ..  هل تعرفون لماذا؟ لأن أمانة السياسات التى باعت عمر أفندى وغيره لم تغادرنا حتى الآن ولا زالت تسيطر على مراكز القرار الاقتصادى فى مصر بعد ثورتين تاريخيتين .. نفس السياسات وأحياناً نفس الأشخاص .. فقد تعاقب على قطاع الأعمال العام منذ أن سحبه الدكتور محمود محيى الدين ليبيعه 13 وزيراً ومفوضاً .. منهم الطيب والشرس والقبيح .. لكنهم كلهم باستثناءاتٍ قليلةٍ يُكنّون عداءً مقيتاً وكراهيةً شديدةً للقطاع العام .. وهو ما يُفسر نكوصهم عن مطالبة المشترى بحقوق الشركة، فضلاً عن منطقية ألا يحاسبوا أنفسهم.

8 - هل تعرفون من هو رئيس شركة عمر أفندى الحالى؟ هو نفس رئيسها الذى شارك فى بيعها منذ ثمانى سنوات (!).

9 – إن خصخصة شركة عمر أفندى جريمةٌ كاملةٌ مُثبتةٌ بأحكامٍ قضائيةٍ  وليست تخمينات أو إشاعات أو وجهات نظر .. وهى دليل الإدانة الدامغ لعصرٍ كاملٍ من الفساد .. لم يُحاسَب عليها ولا على غيرها من جرائم الخصخصة أحدٌ حتى الآن ممن ارتكبوها .. تلك الجرائم التى نُهِب فيها من أموالنا أكثر من 200 مليار جنيه بالأسعار القديمة، فى بلدٍ يُلامس نصفُ سكانه خط الفقر ويتهلل لتبرع البعض (مشكورين) بخمسة مليارات جنيه .. لم يُحاسَب أحدٌ بل ضغطت بقايا أمانة السياسات حتى صدر قانون تحصين العقود ليغلق أى احتمالٍ للمحاسبة عما مضى أو ما هو آت (!). وبعد أن أمّنوا أنفسهم من العقاب (أو هكذا يظنون) استداروا ليهاجمونا من خلال صُحفهم وفضائياتهم لدرجة المطالبة بمحاكمتنا .. أعرف طبعاً أن هذه الهجمة الجديدة الشرسة تتجاوز شخصى الضعيف وتهدف إلى وأد ما بدا من نيّة رئيس الدولة لإعادة الروح للقطاع العام كأداةٍ لكبح جماح المحتكرين .. فلينهض كل إنسانٍ بمسئوليته تجاه وطنه .. أما نحن فقد اعتدنا على القتال ونعرف أن قيمة أى موقفٍ أن تدفع ثمنه .. وأن لكل شئٍ ثمناً .. للنظافة ثمنٌ وللفساد ثمنٌ .. للحلال ثمنٌ ندفعه من دنيانا وللحرام ثمنٌ ندفعه من آخرتنا .. ولا شئ يخيفنا (أليس الله بكافٍ عبدَه) .. ويا أهلاً بالمعارك .. ولكن ما يُحزننى بعد ثورتين أن نستعيد نفس المعارك القديمة بدلاً من أن نتفرغ للبناء.

 

 

No comments:

Post a Comment