Friday, 14 November 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين يكتب عن: سعيد الأرتيست

 
سعيد الأرتيست
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 15/11/2014)
 
هل يمكن أن تستغنى فرقةٌ موسيقيةٌ عن عازف الإيقاع (الطبّال)؟ الإجابة لا .. السؤال الثانى: ما هو العدد المناسب أو الطبيعى للطبّالين فى الفرقة الموسيقية؟ الإجابة وفقاً لعدد الفرقة نفسها لكنه لن يزيد بأى حالٍ عن ثلاثة .. السؤال الثالث: هل يمكن أن تكون الفرقة الموسيقية كلها من الطبّالين؟ الإجابة لا يمكن فنيّاً ولم نسمع عن مُطربٍ غنّى بمصاحبة فرقةٍ كهذه، كلُّها من الطبّالين ولا مكان فيها لعودٍ أو كمان .. جَالَت بذهنى هذه الأفكار وأنا أستمتع مع جمهور مهرجان الموسيقى العربية بفقرة الفنان سعيد الأرتيست على هامش حفل الفنان المثقف الرائع على الحجار فى الأسبوع الماضى .. سعيد الأرتيست لمن لا يعرف هو الفنان السكندرى المُبدع المتقن لمهنته وأشهر عازف إيقاعٍ فى مصر والمنطقة .. الذى تحدى القاعدة فكوّن فرقةً مكوّنةً من عشرة طبّالين صاروا الآن مائة عازفٍ (!) وطوّر الآلة نفسها وطوّر الأداء فصارت له (الصولوهات) الخاصة به والتى ارتبط بها الجمهور بشكلٍ كبيرٍ وصار يطلبها منه فى الحفلات .. وأنشأ مدرسةً لتعليم فن الإيقاع يرتادها المتدربون المصريون والأجانب.
لكن الفنان سعيد الأرتيست يظل هو الاستثناء الذى يؤكد القاعدة .. فقرةٌ فى حفل وليس الحفل كله.
ومن أشكال عبقرية هذا الشعب الساخر أنه كثيراً ما يعطى للاسم الواحد معنيين .. أحدهما حقيقىٌ محترم والآخر مجازىُ غير ذلك .. فهو عندما يذكر كلمة طبّال كمهنة فإنه يقصد بها ذلك الفنان المحبوب الذى لا تخلو منه فرقةٌ موسيقية ويتميز مصرياً بالجمع بين الفن والبهجة وخفة الدم (معظم عازفى الإيقاع فى مصر مبتسمون .. إيقاعهم مبتسمٌ ووجوههم مبتسمة) .. أما إذا أطلق المصريون هذا الوصف على شخصٍ خارج نطاق الفن فإن الحب يتحول إلى احتقارٍ لأنهم يقولونها كاسم دلعٍ للمنافق.
أقول قوْلى هذا، ليس لأننا نلاحظ زيادة نسبة الطبّالين عن الحدّ المُحتَمَل، ولكن لتدنى مستواهم وسوء الصَنْعة ورداءة الطبول  .. قبل رحيل مبارك بسنواتٍ قليلةٍ، تمت إزاحة بعض القيادات الصحفية المدموغة بالفساد والممقوتة شعبياً ولكن كان بها مَسْحةٌ من المهنية، واستُبدلوا بآخرين لهم نفس الصفات السيئة ولكن بلا حِرَفيّة ولا مِهنية .. يومها قال الصديق أحمد المسلمانى عبارةً عبقريةً لا أنساها (حتى النفاق تدهور حالُه فى مصر ضمن ما نشهده من تدهورٍ عامٍ فى كافة المجالات) مُترحماً على المنافقين الكبار الذين افتقدناهم .. حتى النفاق له أصول .. أخشى أن نترحم على هؤلاء المتدهورين بعد ظهور الجيل الجديد من أرامل مبارك الذين يطفحون علينا يومياً من مواسير المجارى الفضائية .. كُنّا نعيب على السابقين هَيافتهم لكن اللاحقين أضافوا إلى الهيافة بذاءةً وبجاحة .. وهم نذير شؤمٍ على من يُطبّلون له.
فى بداية حكم الدكتور محمد مرسى، فاجَأَنا أحد الدعائم الإعلامية لحزب مبارك واسمه حسن، بأن اسمه الكامل هو حسن البنّا ولكنه كان يُخفيه خوفاً من بطش النظام المباركى (!) .. نفس الرجل لم يجد حرجاً فى خلع كلمة البنّا مع خلع مرسى، وهو الآن يتقدم الصفوف فى تأييد النظام الجديد وتلقيننا أصول الوطنية .. يا لتدنى صنعة التطبيل .. كانت المشكلة قديماً صعوبة التعرف على الطبّالين لإتقانهم الصنعة .. إذ أن من المنافقين من لا يُدرَكُ خداعُهم بسهولةٍ لأنهم (يكذبون بصدقٍ) كما قال أندريه جيد .. أو كما يقول مصطفى صادق الرافعى (إن شرّ النفاق ما داخَلَته أسبابُ الفضيلة، وشرّ المنافقين قومٌ لم يستطيعوا أن يكونوا فُضلاء بالحق، فصاروا فُضَلاء بشئٍ جعلوه يشبه الحق) .. بعض الطبّالين اليوم لم يَعُد يُجهد نفسَه حتى فى محاولة ستْر عوُرته ..
علينا طبعاً أن نُحارب النفاق ما استطعنا ونحاصر المنافقين ونفضحهم ونحث فى وجوههم التراب (إذا عرفناهم) .. ولكن من الواقعية أن نُقرّ بأن النفاق مكوّنٌ أساسىٌ من مكونات الحياة الدنيا، فما دُمنا فيها على الأرض سيظل هناك نفاقٌ ومنافقون .. فقط فى السماء لا نفاق .. فالمُلك يومئذٍ لله الذى لا ينفع معه (ولا يجوز) نفاقٌ ولا كذب .. أما فى الأرض فسيظلون موجودين ولكن كأحد عناصر التوازن البيئى مثل صراصير البالوعات رغم اشمئزازنا منها .. إذن فالمشكلة ليست فى أن النفاق موجودٌ .. إذ سيظل موجوداً .. المشكلة أن يُوجد بوفرةٍ .. ورداءة.
من الطبيعى أن نُصفّق للاعبٍ ماهرٍ يُجيد الرقص على الحبل .. أما إذا امتلأت شوارع المدينة بالراقصين على الحبال فإن المدينة تتحول إلى سيرك.
 
 

No comments:

Post a Comment