هو ضحك كالبكاء ياعراق!
صباح علي الشاهر
هو ضحك كالبكاء، ليتني لم أضحك، لكنهم صدقوا عندما قالوا " شر البليّة ما يُضحك"!
ما أكثر البلايا والخطايا والرزايا في زمن إنقلاب المفاهيم، ثم يريدون منك أن لا تضحك بنحيب متواصل، يفسر القلوب التي تحجرت!! ..
"العراق لقيط!!" قالها بالفم المليان، وكتبها بالبنان، هو محسوب على هذا الوطن المُسمى عراق، يتمتع بخيراته، ويتقاضى أكثر من راتب، من أكثر من مصدر، حكومي مركزي، وإقليمي فدرالي، وتُفتح بوجهه وسائل الإعلام العراقية، حكومية وكتلوية، وفردية، موالية لا ندري لمن، ومعارضة لا ندري لمن! في حين يستبعد الوطنيون منها، هو يتمتع بكل شيء في الوطن الذي يعده لقيطاً، والوطنيون الذين يضعون الوطن في حدقات العيون، والذين قدموا من أجله زهرة شبابهم، والذين عانوا السجون والعذاب والتشريد، محرومون من الوطن، يتعذر عليهم حتى الحصول على حقوقهم التقاعدية، تذكرت صديقي ورفيقي الذي قال لي: هل تصدق أنني عندما أردت التقديم على إثبات أني سجين سياسي تفاجأت بأن الذي سيقرر إن كنت سجيناً سياسياً أم لا هو عين الشخص الذي كان يعذبني في أقبية الأمن العامة!
أتعرف ماذا قال لي: قال أريد شاهدين ممن كانوا معك في السجن؟
صديقي ورفيقي ترك متابعة معاملته، وعاد على الفور إلى المنفى.
إلى أنظار وزير التربية المحترم
ومواطن آخر عمل مربياً لسنوات مديدة وتخرجت على يديه نخب أصبح لها شنة ورنة الآن ، لم يستطع الحصول على تقاعده، بسبب عدم قدرته على الحصول على كتاب المباشرة الصادر قبل أكثر من نصف قرن، علماً أن كافة الوثائق أحرقت وقت أحرقت وزارة التربية على أيدي الأوباش، وأول مدرسة باشر فيها تصادف أنها الآن تحت رحمة داعش في أحدى أقضية الموصل، عندما سأل الموظف المسؤول، وهو على فكرة بوظيفة مدير عام من صلاحياته حل هذا الإشكال الذي هو عاماً ولا يخص شخصاً بعينه، إي أنه حاله عامه المسؤول عن حلها قانوناً الدولة، قال المدير العام حفظه االله ورعاه وكثّر أمثاله: هذه مشكلتك وليست مشكلتنا.
السيد المدير لم يكن منصفاً عندما تنصل من المسؤولية، فالمشكله مشكلته أيضاً، لأن التي أحرقت إنما هي وزارة التربية، وفيها وثائق عشرات آلاف المدرسين والمعلمين والموظفين المسؤولة عنهم وزارة التربية، ومن جهة أخرى فإن السيد المدير غير قادر على إرسال كتاب إلى مديرية تربية الموصل التي أصبحت تحت سيطرة داعش، فكيف يتنصل جنابه حفظه الله ورعاه، وأدام عزه وفضله على من أحبه ووالاه من المسؤولية، ويلقيها على عاتق المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة !
للعلم فإن معاملة هذا المواطن كاملة إلا من كتاب المباشرة، وفي إضبارته بلاوي من السجون والتعذيب والمطاردة، وهذا المواطن أيضاً ترك متابعة معاملته وغادر بلده الذي لم يعطه أبسط حقوقه.
ومواطن آخر يلامس الثمانين من العمر، يريدون منه (شاهدان) لا يقل عمرهما عن عمره، علماً بأن كل الذين يعرفهم شاءت إرادة القدير أن يفارقوا الحياة قبله، وهو لم يعد حتى يتذكر إسماءهم!
هل تجري هذه الأمور وأشباهها عبثاً، أو محض صدفة، أو نتيجة تقديرات موظف لا يستحق المكان الذي هو فيه، أم أن ثمة أمور أخرى غير معروفة، تستهدف أمور أخرى تبدو للوهلة الأولى غير معروفة ؟
سؤال مطروح أمام الذين تصك أصواتهم مسامعنا آناء الليل وأطراف النهار وهم يتسابقون لحشر وجوههم التي أضحت مملة على شاشات التلفزيونات، التي اضحوا نجومها المفروضين على المشاهد المستلب، وهو يستمع إلى الأحاديث المكررة، والكلام المعاد الذي لم يعد له لا لون ولا طعم ولا رائحة.
ألا ترون ياسادة أن أمثال هذه الأمور مما يستحق أن تتحدثوا عنه، ولا نقول تعالجونه، لأنه على ما يبدو ليست مهمتكم المعالجة، وإنما التحدث، والتحدث فقط!
****.
هل سيشيعون مفردة العراق اللقيط، بدلاً من إسرائيل اللقيطة؟!
لا شيء مُستبعد، ولا شيء غير متوقع، إذا أصبح العراق من دون ناسه الغيارى عليه، والمتفانين في حبه، فإنه سوف لن يصبح لقيطاً فقط بل عدماً، وثمة إرادة خفية أن لا يكون العراق لأهله، أو في الأقل ليس الأخيار والغيارى من أهله، بل أولئك الذين يجعلونه حقل منافع ومكاسب، وميدانا مفتوحا على رحابه لمقامرة المقامرين، سنة وشيعه، عرب وكرد وتركمان وباقي الأقليات، ومن جنسيات أخرى أصبحت هي الناطق والمتحدث باسم العراق والعراقيين من دونما حياء.
العراق نتاج سايكس بيكو، مخلوق من عدم، وكردستان وشرق الأردن، وقطر، والإمارات، وجيبوتي، موغلات في القدم !
العراق الذي يمتد في أحشاء الزمن الغابر، وجوداً وعطاءاً، لقيط ، ومدن الملح عريقة!
لنحرق كتب التأريخ كلها، ونرمي كل الحكايات في البحر، لنطحن الرقم الطينية، ونساوي الزقورات بالأرض، ونسود صفحات العباقرة الذين خلدوا العراق عبر أكثر من سبعة آلاف عام، لقد خدعونا، خدعنا التأريخ، وخدعتنا الجغرافية، وخدعتنا خرائب أوروك و أور، ولكش، وبابل، ونفر، ونينوى، وتل حرمل، ووو ..
لقد كنا، مثلما كان آباؤنا وأجددانا، مخدوعين، لقد حسبنا أننا نعيش في وطن شرعي و متأصل، فإذا بنا نصحوا على أن هذا المسمى عراق ليس سوى لقيط ، وبالمفهوم العراقي ( نغل)!
No comments:
Post a Comment