Wednesday 5 August 2015

{الفكر القومي العربي} article

يقاتل من أجلنا ونتظاهر من أجله
صباح علي الشاهر
 
 
البعض يريد تعويم المظاهرات بشعارات عائمة هي بالأساس، غير ممكنة التحقيق موضوعياً، كإسقاط السلطة مثلاً ووضع سلطة بديلة يختارها المتظاهرون، تقوم هذه السلطة بإلغاء الدستور، والمحاصصة الطائفية، وتنهي الفساد، وتعيد للدولة هيبتها، وما إلى غير هذا من شعارات براقة، تلامس العواطف، وهي بلا شك الهدف النهائي لكل محتج وطني تهمه مصلحة العراق،  لكنها شعارات راهنياً لا تتسم بالحصافة، وغير واقعية، ينبغي أن تسبقها خطوات تمهد الطريق للشعب أن يقول كلمته .
ثمة أشياء واقعية، ممكنة وملموسة، مثل تعديل السلطة أو تغييرها حتى، وتعديل الدستور، لا إسقاطه، هذا التعديل الذي بالضرورة يؤدي إلى الإتيان بدستور يمثل العراق حقيقة، ويعبر عن الشعب العراقي تعبيراً صادقاً، ومثل هذا الدستور سينهي التقاسم الطائفي ، وتحكم الأسر المتنفذة بمقدرات البلد، عربية أم كردية، سنية أم شيعية، والأتيان بحكومة مسنودة إلى قوة الجماهير تحاسب الفاسدين والسراق، وتعيد للبلد أمواله المنهوبة .
مما يندرج في خانة المغالطات الزعم بأن الإسلاميين وحدهم هم الفاسدون، وكأن الذين أسهموا في السلطة من غير الإسلاميين ومنذ 2003 كانوا مثالاً للنزاهة والتعفف، في حين أن الوقائع تشير إلى عكس هذا تماماً، فمثلما الإرهاب لا دين له، فالفساد أيضاً لا دين له، وإن كان للمتأسلمين القدح المعلى في هذا الجانب، لكن أغلب هؤلاء تأسلم فيما بعد، مثلما تبعث أو تمركس فيما مضى .
أكثر العناصر فساداً هي العناصر التي إرتبطت بالمحتل، وإعتمدت عليه، ولا أهمية للأصوات العالية التي لن يكون بمقدورها حجب هذه الحقيقة ، لقد خلف الاحتلال بيئة تولد الفساد ، ينبغي تفكيك هذه البيئة ، ومن هنا ستكون البداية الحقيقية للتغيير.
خرج الناس تحت شعار ( الحشد الشعبي يقاتل من أجل أطفالنا، ونحن نتظاهر من أجل أطفالهم ) ، ينبغي عدم نسيان هذا ..
 ماذا يريد أطفالهم، وأطفال العراق جميعاً ؟ 
المتظاهرون في شوارع المدن العراقية يعرفون. خرجوا للشوارع مطالبين بما هو ملموس وواضح ومحدد، أما المترفون الذين يتمشدقون بالجمل الرنانة فقد وجدوها فرصة ليتحدثوا كثيراً، ويضعوا برامج لا تعني أحداً سواهم .. شمس تموز وآب اللاهبه، وتوابيت الضحايا التي لا تنقطع كل ساعة ، تجعلهم يعرفون مايريدون، وما يريدونه كان منذ البداية واضحاً لكل لذي بصيرة، إن النضال مترابط ، هو هناك في جبهات القتال، وهنا في شوارع المدن العراقية، من أجل هدف نبيل هو الأرأس بلا شك، ألا وهو أن ينتصر الحشد والقوى الأمنية على الإرهاب وداعش، بالترابط مع الإنتصار على الفساد، ينبغي أن يحسم الشارع الأمر مع الفساد والمفسدين، فهذا الحسم مقدمة للإنتصار على داعش، ومع إستشراء الفساد ، يصبح الإنتصار على الإرهاب حلماً طوباوياً، ولا يمكن ولا يجوز في مطلق الأحوال أن يسفك دم الشباب في ساحات الوغى، من أجل أن يزداد المتخم تخمة، ويتمتع المرتشي والفاسد والسارق بخيرات العراق بلا حدود.  
الناس بإختصار يريدون العمل والكهرباء والماء الصافي، والأمان، ومن تجربتهم أن هذا لن يتحقق ما لم يتم وضع حد نهائي للفساد، والخلل القاتل في منظومة الحكم، الذي أوجد المحاصصة الطائفية والعرقية، التي إستبعدت بدورها كل الكفاءات الوطنية، ووضعت العاجزين  والفاشلين في المواقع التي لا يستحقونها، و ليسوا أهلاً لها .
لقد تمت سرقة الناس باسم الدين، وبأسم القومية، فعرب العراق الشيعة سرقوا باسم المذهب ، وعرب العراق السنة سرقوا باسم المذهب أيضاً ، أما الكرد فباسم القومية الكردية أخذت كردستان كلها لبضعة عوائل متنفذة ، لذا فإن هوسة ( باسم الدين باكونه الحرامية ) هي رد فعل على أولئك الذين صادروا المذهب والقومية، والدين،  وبالتالي صادروا رأ ي الشعب، وقد جاءت مظاهرات السليمانية لتؤكد أن الناس في كردستان العراق قد عرفوا اللعبة، وماعاد بإمكان مُتاجر إستغلالهم بعد الآن، ولا أشك أن ما حدث في السليمانية سيحدث مثله في حلبجة وأربيل، وكل مدن كردستان، شأنها في ذلك شأن أخواتها في مدن العراق كافة .
أغرب ما يطرح الآن هو محاولة البعض عدم إشراك أبناء الحشد في التظاهرات، وكأني بهؤلاء يقولون لأبطال الحشد، مسموح لدمائكم أن تسيل في كل الجبهات دفاعاً عن العراق، ولكن غير مسموح لكم أو لممثليكم المشاركة في التظاهرات ورفع صوتكم ضد الفساد والمفسدين، لأن هذا العمل من إختصاصنا، ولا شأن لكم به !!
هذا البعض يعطي لنفسه حجماً أكبر مما هو في الواقع، فبدون الحشد وأنصاره، وهم بالملايين لايمكن للشارع أن يخيف أحداً، وسوف لن ترتعب فرائص الفاسدين من بضعة آلاف يرقصون ويهزجون في الشارع.. الملايين في الشوارع وحدها هي التي تخيف الفاسدين، والملايين المسنودة بقوة مهابة ستجعل الذين يتصورون أنفسهم اسوداً مجرد أرانب ليس إلا .
الشوارع والساحات لكل رافض للطائفية والتقاسم الطائفي، لكل رافض للفساد، لكل من هو مع العراق الواحد، هو ليس للأفندية فقط ، ولا للمعممين فقط، هو ليس للسنة فقط ، ولا للشيعة فقط، لا للكرد فقط ، ولا للتركمان فقط، لا للمسلمين فقط ، وإنما للمسيحين والإيزيدين والصابئة ، وللمتدينين و غير المتدينين، وباختصار هو لكل العراقيين الذين تعز عليهم كرامة العراق، وكرامة أبناء وبنات العراق .  
 
 

No comments:

Post a Comment