Sunday 30 October 2016

{الفكر القومي العربي} article

عن الحيادية الإعلامية وإستعمال المصطلح ، المليشيات والحشد نموذجاً.
 
صباح علي الشاهر
 
المتابع لبعض وسائل الإعلام ذات الصبغة المحددة أنها تكثر من إستعمال مصطلح ( المليشيات) حيثما يتم التطرق لجهات تختلف معها أو تعاديها، فمن مليشيات حزب الله، إلى المليشيات الصفوية، ومليشيات الحشد الشعبي، والمليشيات الشيعية، ومليشيات الحوثي وعبد الله صالح، وهي تسمي لملوم داعش بالدولة، ومرتزقة اليمن بالمقاومة الشعبية، أما المعارضة السورية المسلحة بما فيها بعض الفصائل الإرهابية، فتسميهم الثوار !، لا يمكن الزعم بأن هؤلاء لايفرقون بين مفردة ميليشيا ومفردة عصابة أو مافيا ، لكنهم يهدفون إلى إيصال مفهوم العصابة والمافيا إلى إذهان المتلقي عند الحديث عن الخصوم، والغريب أن وسائل الإعلام هذه تدعي الحيادية، وهي لا علاقة لها بالحيادية بدءاً من إستعمالها للمصطلح.
مصطلح المليشيا، أو ميليتسيا كما في اللغات السلافية، يعني تشكيل مسلح غير نظامي، بمعنى أن الدولة لا تشكله، وغالباً يتشكل على الضد منها ، خصوصاً إذا كان ذا مهام ثورية ضد إستبداد السلطات القمعية، أو العميلة، أو الإستعمارية، كما هو الشأن في نضال الشعوب من أجل التحرر الوطني، كنماذج جنوب شرق آسيا أو الجزائر، أو دول أوربا الشرقية أثناء الإحتلال النازي، وغالباً ما يصار بعد إنجاز مهمة التحرير أو الخلاص من السلطات الإستبدادية إلى جعل هذه القوى المسلحة هي القوى العسكرية والأمنية والشرطية في البلد، وهذا ما حدث في الصين حيث أصبح أبطال وثوار المسيرة الكبرى قوام جيشها وقواتها المسلحة، وهي ما زالت لحد الآن تستعمل لفظ (الشعبي) إلحاقاً بجيشها وقواتها الأخرى، وهو عين ما حدث في الجزائر حيث تحولت فصائل جبهة التحرير الوطني الجزائري إلى جيش الجزائر الحرة، وفي كردستان العراق الحالية تحولت البيشمركة وهي مليشيا مسلحة لأحزاب كردية، وتحديداً الحزب الوطني الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني إلى قوات رسمية في كردستان، علماً أن بلغاريا ما زالت ولحد الآن تسمي شرطتها ميليتسيا .
وتنتهج المليشيا غالباً نهج حرب العصابات بسبب عدم تكافؤ الأمكانات بينها وبين السلطات القمعية أو الإستعمارية المحتلة، لكنها في نهاية المطاف تطور نفسها وتحقق هدفها على الأغلب، بسبب الميزة الأساسية التي تتمتع بها ألا وهي البعد العقائدي، الذي قد يكون دينياً أو فكرياً أو وطنياً أو قومياً، أو حتى حزبياً .
وأحياناً تتشكل مثل هذه التشكيلات لمواجهة ظروف طارئة، تكون القوات النظامية غير قادرة لوحدها على مواجهتها، مثل تشكيلات المقاومة الوطنية إبان الإعتداء الثلاثي على مصر عام 1956، والمقاومة الشعبية في العراق بعد ثورة تموز 1985، والحرس القومي بعد إنقلاب 1963 في العراق، أو الجيش الشعبي أثناء نظام البعث، ومثل هذه التشكيلات تكون مدعومة من السلطات وبقرار منها، لذا تعد تشكيلات- وإن كانت مؤقته- إلا أنها قانونية ورسمية، والحشد الشعبي في العراق هو من هذا الصنف .
ووسائل الإعلام هذه تتبلور حياديتها الفاقعة، ليس فقط في إستعمالها لمصطلح ( مليشيا) وإنما لكل المصطلحات تقريباً، فهي سابقاً تسمي الجيش العراقي جيش صدام، وحالياً الجيش الصفوي، وتسمي الجيش السوري جيش بشار، وكانت تسمي الجيش الليبي جيش القذافي، ومن المحتمل أنها ستسمي قريباً الجيش المصري بجيش السيسي. وهي تسمي  الحكومة العراقية بالنظام الطائفي في بغداد، وحكومة إيران بنظام الملالي، أما البحرين فحكومة البحرين وجيش البحرين، وأما قطر فحكومة قطر والجيش القطري، وهكذا ..
نحن لا نجادل في كون ثمة حكومة وجيش في البحرين، وثمة حكومة وجيش في قطر، لكننا نقول وبنفس القدر أن ثمة حكومة في إيران، وثمة جيش في إيران، وثمة حكومة في العراق، وثمة جيش في العراق، وثمة دولة إسمها سوريا، وجيش إسمه - وياللمفارقة -الجيش العربي السوري، وهو الجيش الوحيد الذي لم يتخل بعد عن صفة العروبة.
المرء لا يغير الوقائع والحقائق على هواه، فعندما يسمي مذيع فطحل ( المعلم ) بوزير خارجية بشار، لن يكون بشار في هذه الحالة لا حكومة ولا وطن، بل هو رئيس شأنه شأن كل الرؤساء ، يمكنك أن تقول عنه ما تشاء ، وهو ككل الرؤساء له ما له وعليه ما عليه . وعندما يسمي نفس المذيع وزير خارجية العراق بوزير خارجية الحكومة الصفوية، فعبثاً البحث عن حكومة صفوية لا في بغداد فحسب ، وإنما في أي مكان في هذا العالم ، لأن الصفوية كما العثمانية إمبراطوريتان متخلفتان بادتا، وأمامنا الآن حكومة في أنقرة رئيس وزرائها مُسمى من قبل رئيس الجمهورية التركية المنتخب من الشعب وإسمه أردوغان، وحكومة عراقية تمثل كل طوائف الشعب العراقي إنتخبها برلمان منتخب من الشعب أيضاً . أما كون رئيس الوزراء في العراق شيعي، فطالما يتم الإحتكام إلى الانتخابات فرئيس الوزراء سيكون حتماً شيعياً، أو غير معاد للشيعة، أما إذا أردتم غير هذا فعليكم بتغيير الشعب العراقي أو تحويله، وحيث أن هذا غير متاح، لأنه غير ممكن، فما عليكم إلا البحث عن طرق أخرى.
 

No comments:

Post a Comment