Friday, 21 October 2016

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين عبد الهادى: تفاؤلٌ يثير التشاؤم

تفاؤلٌ يثير التشاؤم
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام- السبت 22 أكتوبر 2016)

اعتادت القناة الخاصة أن تفصل بين فقراتها بسطرٍ أو سطرين من الأقوال المأثورة عن كبار الزعماء والأدباء والفلاسفة: مانديلا، تولستوى، أحمد شوقى، مصطفى كامل، غاندى .. إلخ .. فوجئ المشاهدون مؤخراً بالقناة تضيف إلى هؤلاء الرموز والأعلام مقالاً كاملاً للمهندس/ أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى (المُنحل) تحت عنوان (دعوةٌ للتفاؤل) .. القناة حُرَّةٌ طبعاً فى اختيار رموزها بمبدأ أن مَن حَكَم فى ماله فما ظَلَم .. كما أن التفاؤل مطلوبٌ دائماً .. المقال في مجمله صُندوقىٌّ أكثر من صندوق النقد، فمن وجهة نظره لا مشكلة فى أن نقترض حتى 30 مليار دولار أخرى فذلك أفضل من المساعدات، كما أن تجاوز الدين العام 100% من الناتج المحلى لا مشكلة فيه طالما أن 80% منها ديون داخلية لأن الدائن مصري (!) .. ثم إن وضعنا من هذه الناحية أفضل من الولايات المتحدة، إذ أن محطات الكهرباء ومحطات المياه ومحطات القطارات والقطارات نفسها والمطارات وشبكات الاتصالات وكل قطاع البترول مملوكة للحكومة المصرية (وبامتداد الخط على استقامته يمكن أن تضيف كل الأصول المملوكة للدولة كالمدارس والمستشفيات الحكومية والآثار وقناة السويس) بينما هي في أمريكا ليست مملوكة للحكومة، وأردف أن هذه ليست دعوةً للخصخصة (ربنا يستر) .. أما تعويم العملة فقد أسماه (تصحيح سعر الصرف) وقد حدد عائده بدقةٍ شديدة، فقال إنه سيؤدى إلى زيادة الصادرات بمقدار 2 مليار دولار وانخفاض الواردات بمقدار 6 مليار دولار، أي أن الأثر الإيجابى المُجَمَّع لن يقل عن 8 مليار دولار بقرار تفاؤلى واحد (!) .. وشملت دعوته التفاؤلية غير ذلك من السياسات الاقتصادية محل الاختلاف، بانياً رؤيته على أرقامٍ يتوه في قراءتها غير المتخصص .. وقد تصدى كثيرون لتفنيد الأرقام الواردة في المقال أو تأييدها .. وهى فى النهاية وجهة نظرٍ غير رسمية من حق صاحبها طالما أن الكلام ليس عليه جمرك .. ولسنا هنا فى معرض تحليلها.
ولكن مقال السيد عز التفاؤلى استدعى من الذاكرة تقريراً تفاؤلياً رسمياً ترتب عليه خسائرُ بمئات الملايين التي لم (ولن) يُحاسَب عليها أحد .. فقبل عشر سنوات خلصت اللجنة التي كان يرأسها سيادته في مجلس الشعب إلى التوصية ببيع 90% من أسهم شركة عمر أفندى وفقاً لعرض المشترى الوحيد مستندةً إلى توقعاتٍ وتحليلاتٍ وهمية تقول إنه بالإضافة إلى خفض الدين العام بقيمة بيع الشركة، فإن الإدارة الخاصة للشركة بعد بيعها ستحقق أرباحاً خياليةً تفوق أرباح الشركة تحت إدارة الدولة لدرجة أن عائد الدولة من ال 10% التى ستظل تملكها سيفوق عائدها من ملكية الشركة بالكامل، فضلاً عما ستجنيه الدولة من ضرائب على هذا الأرباح الخرافية. وقد حدد التقرير الآثار المالية المترتبة على البيع بمبلغ 122 مليون جنيه سنوياً (أرأيتم الدقة؟) ما بين عائدٍ على حصيلة البيع وضرائب على الدخل وعلى المبيعات، بالإضافة إلى آثارٍ اقتصادية إيجابية تُقدر ب125 مليون جنيه سنوياً، أى أن العائد السنوى للدولة من بيع عمر أفندى 247 مليون جنيه! .. هذا بخلاف المكاسب العمالية التى تتمثل فى تحسين أوضاع الموارد البشرية الموجودة والاهتمام بتدريبها، مع إمكانية خلق فرص عمل جديدة (هكذا جاء نصاً!) .. واستكمالاً لتبادل الأدوار في المسرحية، قام وزير الاستثمار ببيع الشركة مرتكناً إلى هذا التقرير بمبلغٍ 590 مليون جنيه فقط، أى أقل من التقييم الرسمى بسبعمائة مليون جنيه، والذى هو بدوره أقل من التقييم الحقيقى بحوالى بمليارى جنيه .. فما الذى حدث على أرض الواقع بعد ذلك؟ .. بالنسبة لتحسين أوضاع العمالة وخلق فرص جديدة، تم تسريح نصف العمالة فى العام الأول وانضموا إلى طوابير البطالة (!).. وبدلاً من حصول الدولة على ما يقترب من الربع مليار جنيه سنوياً نتيجة احتفاظها بعُشر الأسهم كما قيل فى التقرير التفاؤلى، فإن المالك الجديد رهَن 16 فرعاً تُشَكِّل خُمس الفروع مقابل 462 مليون جنيه (أى حوالى 80% من ثمن الصفقة بالكامل) وبدلاً من حصول الدولة على عُشر الأرباح الخيالية، أعلن المشترى أن ميزانيته خاسرة بمبلغ 613 مليون جنيه ولجأ إلى التحكيم طالباً من الشركة القابضة مشاركته فى عُشر الخسائر وعُشر فوائد القروض التى اقترضها دون الرجوع للدولة (إذ أن له القرار بالأغلبية المطلقة 90%) وعُشر تكاليف التطوير وعُشر الغرامات التى حُكِم عليه بها فى المحاكم الأجنبية وعُشر أى تكاليف أخرى وهو ما يقترب من 150 مليون جنيه .. وتحولت شركة عمر أفندى من شركةٍ رابحةٍ إلى شبه شركة لم تقم لها قائمةٌ حتى الآن .. لكن الأهم أن أحداً لم يُحاسِب من كتب التقرير التفاؤلى، ولا من نَفَّذ هذه الكارثة بناءً على التقرير التفاؤلى، ولن يُحاسَبَ أحدٌ بعد أن تم تحصين كل المسؤولين عن صفقات الخصخصة بقانون تحصين العقود .. أليس مِن حقهم إذن أن يتفاءلوا؟!.



No comments:

Post a Comment