هل ينتهي الدرس ,,,, مأساة سد النهضة
=======================
في نوفمبر عام 1967 صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 بخصوص أزمة الشرق الأوسط متضمنا عبارة حيرت العالم إلى اليوم وهي " انسحاب اسرائيل من أراض أحتلت في النزاع " وثار الجدل حول تفسير عبارة أراض احتلت واختلافها عن عبارة " الأراضي المحتلة "
وقياسا على ذلك ومع الفارق لي صديق مهندس صاحب شركة مقاولات من بين أنشطتها أعمال إنشائية وصيانة في كمبوند مرتفعات القطامية وذات يوم كان عليه التوجه لإحدى الفيلات لمعاينة مشاكل في حمام سباحة الفيلا وهناك التقي بساكن الفيلا اسباني الجنسية ومن خلال عملية التعارف علم أنه مدير الشركة الاسبانية التي كانت متعاقدة مع الحكومة المصرية لأعمال النظافة في نطاق القاهرة الكبرى ، وعندها علت ضحكة من صديقي فسأله الاسباني عن سبب الضحك فقال له مستغربا : نظافة ؟ هي فين النظافة دي ؟ وأدرك الاسباني ما يقصده صديقي فقال له أنتم في مصر عندكم ثلاث مشكلات الفساد والفهلوة والفصال وليس لديكم اهتمام بالتفاصيل والأصول العلمية للتفاوض وحرفية صياغة العقود ، كنا نتفاوض معهم على مواصفات نظافة وهم أرادوا أن يرهقونا فأصروا على أن تقوم شركتنا برفع القمامة مرتين في اليوم وأردنا أن نبين لهم أن عملية النظافة أوسع مدى وأشمل من مجرد رفع القمامة مرتين في اليوم وكانت النتيجة ما تراه فنحن لسنا مسئولين عن القمامة وتشوه وجه العاصمة بعد رفع القمامة أما لو كنا متعاقدين على مواصفات النظافة وعمليات التنظيف لكان الوضع مختلفا
الخلاصة أننا لا نتعلم من أخطائنا ولا يزال من يحكموننا يسخرون من دراسات الجدوى ويتصورون أنهم ملهمون ولا يلجأون أبدا إلى الخبراء واعتقد أن آخر مرة لجأت فيها مصر إلى الخبراء كانت في مفاوضات طابا الذي كان النصر فيها مؤزرا
وفي ملف سد النهضة تتكرر المأساة واعتقد أنها تكاد تكون أصعب أزمة تمر بها مصر عبر تاريخها كله فمن معتاد القول أن نهر النيل هو واهب الحياة للمصريين ولا يعوضه شئ آخر وقد حرص كل من جلس على عرش مصر أن يؤمن لها شريان الحياة
ومن سخريات القدر أن هناك 13 اتفاقية موقعة بخصوص نهر النيل من بينها 8 اتفاقيات بتوقيع الدول الاستعمارية ومنها انجلترا وفرنسا وايطاليا وبلجيكا ، وكلها فيما عدا اتفاق اعلان المبادئ الموقع في مارس 2015 كانت تنص صراحة على ضمان حصة مصر من مياه النيل باعتبارها دولة المصب ، وتحظر على دول المجرى إقامة أية منشآت أو سدود على المجرى أو المنابع دون موافقة دولتي المصب مصر والسودان
ولهذا فإن بيان وزارة الخارجية الاثيوبية الصادر يوم أمس أعلن صراحة أن اتفاق المبادئ الموقع في مارس 2015 هو الاتفاقية الوحيدة السارية وأنه بموجبه تلغى كافة الاتفاقيات السابقة
لماذا ؟
تعالوا نلقي نظرة على بعض ما جاء في تلك الاتفاقيات
اتفاقية اديس ابابا 1902 وقد وقعتها بريطانيا نيابة عن مصر والسودان مع امبراطور اثيوبيا منليك الثاني وقد نصت المادة الثالثة فيها على " إن الامبراطور منليك الثاني يتعهد بألا يبني أو يسمح ببناء أية أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية – بصفتها المنتدبة على حكم مصر - والحكومة السودانية مقدما "
ثم توالت الاتفاقيات وكلها تحمل ذات المعنى ، وفي عام 1991 وقع إطار تعاون بين كل من حسني مبارك ومليس زيناوي وتضمن النص على عدم قيام أي من الدولتين بعمل أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضررا بمصالح الدولة الأخرى
وفي ظل هذا الاتفاقيات والتفاهمات كان صعبا على اثيوبيا الحصول على التمويل اللازم لبناء سد النهضة من خلال المنظمات الدولية ، وكان لمصر الحق في اللجوء لمحكمة العدل الدولية مباشرة بدعوى مخالفة اثيوبيا للاتفاقيات الدولية والثنائية الموقعة بخصوص نهر النيل ، كما كان لها الحق في اللجوء للقوة بدواعي مخالفة اثيوبيا للاتفاقيات الملزمة وتعريض الأمن القومي المصري للخطر الداهم
ولكن ......
جاءت الطامة الكبرى بتوقيع مصر والسودان واثيوبيا اعلان المبادئ في مارس 2015 والذي جاءت كل صياغته تعبيرا عن الفهلوة والسطحية وأيضا عن الأوزان النسبية لقوى الدول الموقعة ، كما جاء الاعلان عنه مسفا وفجا وأشبه بأراجوزات الموالد حين ردد رئيس الوزراء الأثيوبي القسم خلف السيسي بأنه " مش حا يعمل حاجة وحشة للمصريين " في حين جاءت الصياغة كارثية ولنقرأ بعضا منها بتمعن
البند الثالث وعنوانه " مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن " ونصه " سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق ، وعلى الرغم من ذلك ففي حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها في غياب اتفاق حول هذا الفعل اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر ، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسبا "
هل هناك استسلام وتنازل وتخاذل أكثر من ذلك ، مضمون هذا البند هو أنه على الدولة المتسببة في الضرر أن تنظر بعين الاحسان للدولة المتضررة وعليها أن تناقش مسألة التعويض لو أن التعويض كان مناسبا ، دون أي إلزام أو توضيح للأضرار المحتملة ، ولا ننسى أننا نتحدث عن شريان حياة ولا نتحدث عن مباراة في كرة القدم
البند العاشر وعنوانه " مبدأ التسوية السلمية للمنازعات " ونصه " تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا ، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول "
وهناك تكمن الكارثة أنه في حالة لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة والكارثة تكمن في كلمة مجتمعين وهو الأمر الذي لن يتحقق حتما فالدولة التي ترفض تسوية النزاع بالتوافق سوف ترفض طلب التوفيق أو الوساطة وهنا لن يتحقق شرط الإجماع الذي تحمله كلمة مجتمعين
ولم يرد في الاعلان أية إشارة لقواعد ملأ خزان السد من حيث الحجم والمدة وهي مشكلة مصر الأساسية
لقد دخلت مصر مفاوضات هذا الاعلان وهي مهزومة فأثيوبيا كانت مصرة على اتمام سد النهضة وفقا لرؤيتها والسودان كانت في حالة تربص للايقاع بمصر بعد سنوات من الفتور في العلاقات بسبب اتهام السودان بأنه كان وراء محاولة اغتيال حسني مبارك في اديس ابابا ، وردت مصر على ذلك باحتضان حركة تحرير جنوب السودان وكانت داعمة لانفصال الجنوب ، وفي ظل مطالبة السودان بحقوق تراها مشروعة في مثلث حلايب وشلاتين وكلها عوامل كانت ترجح تأجيل هذا الاعلان
لقد كانت انجلترا المحتلة في دفاعها عن حقوق مصر في مياه نهر النيل اكثر حنوا على الشعب المصري ممن رفعوا شعار " الشعب المصري لم يجد من يحنوا عليه " الذين فرطوا في حقوق مصر التاريخية في مياه النيل
Monday, 7 October 2019
{الفكر القومي العربي} مأساة سد النهضة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment