الحرية في الإسلام
أ. د. عبد الستار قاسم
يتناول هذا الفصل موضوعا هاما من مواضيع العصر وهو الحرية. هناك من أصحاب الفلسفات المختلفة بخاصة الديمقراطية من يهاجمون الإسلام قائلين بأنه لا يفسح مجالا للحريات وأنه دين قمعي يسوق الناس بالسيف والعصا. وقد عزز هذا القول الغربي التصرفات الظالمة التي يمارسها الطغاة في الوطن العربي والعالم الإسلامي. هل الإسلام يعيق قيام مجتمع حر؟ وهل يسلب الناس قدرتهم على التمييز والمبادرة؟ من حيث أن الفلسفات التي تتحدى الإسلام قوية ومنتشرة على الساحة العالمية، فإنه من المهم الإجابة عن التساؤل بطريقة علمية رصينة وقوية. لا نستطيع أن نجيب العالم بأن تلك الفلسفات تقيم أنظمة كفر، وإنما علينا أن نقول للعالم كيف أن نظام الإسلام يقيم حرية أرقى من تلك التي تقيمها الأنظمة الأخرى وعلى رأسها النظام الديمقراطي. وعلينا أن نتوجه نحو الآخرين بعقل علمي وليس بلهجة وجدانية تعبر فقط عن قناعاتنا كمسلمين ذلك لأننا نريد أن نكون مقنعين وليس مجرد متمسكين بما نقول.
قبل الاسترسال أنوه بأنني أتحدث عن الإسلام وليس عن المسلمين قناعة مني بأن بعض ممارسات المسلمين ليست إسلامية.
تغزو الفكرة الديمقراطية في الوقت الحاضر العالم وتجد لها مساحات واسعة في النشاطات الإعلامية والثقافية سواء على مستوى الندوات أو المحاضرات أو اللقاءات المرئية أو صفحات الجرائد. ولا شك أن للفكرة بريقا قويا خاصة بالنسبة للشعوب التي تعاني من القهر والاستبداد. وقد حولها هذا البريق من بعد فكري وإطار نظري لترتيب المجتمع السياسي إلى ممارسات عملية تتعلق بحريات أساسية ومنها حرية التعبير والتنقل والتنظيم. والناس عامة لا يكترثون في البحث عن الأسس الفلسفية التي تنطلق منها الديمقراطية بقدر ما يهتمون ببعض المظاهر والممارسات السياسية التي يرتاحون لها ويثنون عليها ويودون أن تكون جزءاً من واقعهم علّهم ينعمون ببعض الخير الذي تنعم به الشعوب التي أقامت نظماً سياسية ديمقراطية.
ساد هذا الانطباع الجماهيري العام عن الديمقراطية في العالم الإسلامي والوطن العربي حتى بات المفهوم الشعبي لها مرادفاً للحرية، ولا يقوم في أذهان الناس بأن الحرية قد تكون أكثر شمولاً أو أقل اتساعاً من الديمقراطية، وأن لكل مفهوماً خاصاً ربما يتقاطع مع الآخر ولكن لا يتطابق بالضرورة معه. وربما هذا ما قاد بعض المفكرين أو الكتاب المسلمين إلى القول بأن الإسلام ديمقراطي وأن القيم الديمقراطية قيم إسلامية يجب الدفاع عنها. وبدل أن يركزوا على البحث في مجال الحريات في الإسلام انطلقوا يحدثون عن الحداثة الإسلامية بثوب ديمقراطي، بينما انبرى آخرون للهجوم على الديمقراطية على اعتبار أنها نظام كفر وعرّفوا الحرية بالإيمان الذي يتقيد بالكثير من الأوامر والنواهي إلى درجة لم يعد المرء يفرّق معها بين الحرية والقفص.
افتراضات أساسية
قبل تناول فكرة الحرية في الإسلام، من المهم الانتباه إلى بعض الافتراضات الأساسية لتي تنطلق منه النظم بخاصة الديمقراطية والإسلام في تنظيم المجتمعات وترتيب منهجها الحياتي. إنه من الصعب فهم أي نظام ما لم نعد إلى جذوره التي ينطلق منها إلى أعلى. الديمقراطية لها افتراضاتها الأساسية وكذلك الإسلام، ولا نستطيع الوقوف عند معنى الحرية في كليهما ما لم نقف عند هذه الأسس.
الفردية والجماعية
تنطلق الديمقراطية كنظام سياسي من مبدأين رئيسين هما الفردية والتحررية. كنظام منبثق أصلاً من حصيلة التجربة السياسية الغربية، استندت الديمقراطية على مجمل التفاعلات الفلسفية التي زخرت بها التجربة الغربية على مدى سنين، وعلى العلاقة الجدلية الديناميكية بين هذه التفاعلات وحركة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الغربي. تميزت هذه التفاعلات بقطبية ثنائية شهدت مشادة ما بين الفردية والجماعية، والتي حسمت في هذه المرحلة التاريخية لصالح الفردية.
باختصار كبير تقول الفردية أن الفرد هو أساس المجتمع وليس العكس، وهو سابق على المجتمع عملياً من ناحية الولادة ونظرياً من ناحية الاستقلالية كشخص غير تابع لتصورات أو أفكار مسبقة. السلوك الاجتماعي عبارة عن سلوك فردي ويمكن تفسيره بناء على دوافع واستعدادات الأفراد وميولهم. كل وضع اجتماعي أو حدث عبارة عن نتيجة لتشكيل محدد من قبل الأشخاص وليس بمبادرات جماعية تعكس مصلحة عامة.
إبداعات المجتمع هي في الأساس إبداعات الأفراد، وكل عقبة أمام تقدم الفرد هي بالتأكيد عقبة أمام المجتمع ككل. صالح المجتمع يتحقق من خلال تحقيق كل فرد لمصلحته ولما يعتقد أنه صالحه. وعليه فإن مؤسسات المجتمع تقوم على افتراضات فردية. إنها تفترض أن الفرد يستجيب للثواب والعقاب سواء كانا نفسيين أو ماديين، ولذا فإن الأفراد يسلكون حسب القواعد المتبعة لأن موافقتهم تؤدي إلى المكافأة وعدم الالتزام يؤدي إلى العقاب.
ينتمي الفرد إلى عدد من التجمعات والجمعيات والمؤسسات، وبذلك يكون له عدد من الولاءات تبعاً للأهداف المختلفة التي تعمل على تحقيقها. وهو بالتالي يتصرف بطرق مختلفة وحسب الدور المتوقع منه، وسلوكه يتغير تبعاً لتغير القواعد. وهذا هو السلوك الاجتماعي للفرد. إنه يتغير مع تغير المعايير والنظم والضوابط والظروف. ولهذا فإنه ليس من المستبعد أن يتصادم الفرد مع نفسه لأن مصالح المجتمعات والمؤسسات قد تتضارب. وفي هذا ما يدفع الفرد للعمل على إيجاد نقطة التوازن من خلال تكيفه مع مختلف الأوضاع والتجمعات.
أما التحررية فتفترض انطلاق الفرد عندما يخرج من دائرة العام إلى الموقع الخاص. في موقعه العام يتقيد الفرد بسلوكيات أو قواعد يضعها هذا الموقع لأنه هو الذي اختار أن يكون ضمن الموقع ولم يجبر على ذلك، أما في الموقع الخاص فهو الذي يقرر بماذا يتقيد وبماذا لا يتقيد. القيم التي تحكمه في موقعه الخاص قيم ذاتية بحتة يضعها هو لنفسه وبالطريقة التي يراها مناسبة في نسج علاقات خاصة وفي توجهه نحو اختيار الموقع العام. إذا رأى أن الإباحية مثلاً هي القيمة العليا المحمودة فلا كوابح على ترتيب شؤونه الخاصة بهذا الاتجاه ولا كوابح أمامه للعمل في مؤسسة أو الانتماء لجماعة تتخذ الإباحية قيمتها العليا.
وإذا رأى أن الحياة لا تسمو إلا بمقيدات أخلاقية ذات بعد عام فله أن يرتب أموره حسبها. ومثلما يتمكن الفرد من صياغة شؤونه بصورة ديناميكية دون الافتراض بثبات الأرضية الأخلاقية التي ينطلق منها، تستطيع المؤسسة أن تفعل ذلك أيضاً، إنما دون الإخلال بالقانون المعمول به والمصادق عليه ضمن أطر سياسية تقوم على الفردية التي تفترضها الديمقراطية. يحدد القانون مسألة الحلال والحرام، أما ما يقع خارجه فهو من حرية الفرد.
على مستوى الجماعية، يسود في الأوساط الفلسفية تعبير العضوية كمصطلح يدلل على أن الجماعية ليست مجرد نسيج قانوني وسياسي، وإنما عبارة عن كل حي تتشابك فيه الحيوات والنشاطات ويشكل قاعدة التقدم وإطاره. يفترض العضويون أن الدولة أو المجتمع عبارة عن كائن حي متكامل ولا يختلف جوهرياً عن أي كائن حي آخر. الدولة أو المجتمع عبارة عن كائن حي ومميز، وأن أجزاء هذا الكائن (الأفراد والمؤسسات) تعتمد على بعضها بعضاً اعتماداً متبادلاً، وأن هذه الأجزاء لا قيمة لها ولا معنى بدون الكل، ولا يكون لها هدف إلا من خلال الكل. وعليه فإن كل جزء منها يعمل على القيام بوظيفته أو واجبه خير قيام، تماماً كالجسد الإنساني الذي يتكون من أجزاء تعتمد على بعضها في تحقيق المعنى والهدف والقيام بالوظيفة. وحتى يتم تحقيق دولة كهذه لا بد من منهاج تربوي ينشئ الفرد على ما ينسجم مع القانون الطبيعي العضوي.
يختلف الإسلام في افتراضه الأساسي عن النظم الفردية والجماعية بحيث أنه يجمع بين الفردية والجماعية، الأمر الذي يعتبر غريباً على تاريخ الفلسفة السياسية. من ناحية الجماعية، واضح من القرآن الكريم أن الله خلقنا أزواجاً كحالة طبيعية ولم يخلق الناس فرادى. تقول الآية: "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى". (النجم، 45) لم يخلق الله سبحانه فرداً ذكراً وفرداً أنثى وإنما زوجين: زوج ذكر وزوج أنثى. وتنص آية أخرى: "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" (الذاريات، 49) حتى أن خلق الزوجين كان من ذات النفس وذلك حسب الآية: "سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون". (يس، 36) وآية أخرى تؤكد الخلق من نفس واحدة وجَعٌل (الخلق ليس ابتداء) الزوجية: "خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج...." (الزمر، 14).
الزوج ليس فرد وإنما مكملاً لآخر، وبذلك يكون غير مهيأ لأن يبقى منفرداً، وليس بإمكانه أن يفعل ذلك حسب خلقه الذي هو طبيعته. من الممكن أن يعيش المرء وحيداً تحت سقف معين لكن هذا لا يفقده أهليته الطبيعية، وإذا حاول أن يكون فرداً فإنه يحاول أن ينفي أهليته الطبيعية إلا إذا كان معبراً عن وضع يصدف أن يكون فيه وليس عن حالة ذهنية أو نفسية.
لا يقف الأمر عند الأزواج، بل يتعداه إلى جعل الناس شعوباً وقبائل. جعل الله (أي خلقهم بمعنى أضاف خلقاً على خلق) الناس شعوباً وقبائل وذلك حسب الآية: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".(الحجرات، 13) في هذه الآية ما يقطع بصورة باتة أن الإنسان لا يمكن أن يكون فرداً لأنه بالخلق عبارة عن زوج وبالجعل عبارة عن عضو في قبيلة أو شعب. وفي هذا ما يبين موقف الإسلام من طروحات تكوّن المجتمعات والتي اعتمدت لدى أغلب الفلاسفة على مبدأ الحاجة أو الضرورة ودور ذلك ضمن بعد آلي وليس سببي.
من المفروض أن ينتبه المؤلفون إلى دقة التعبير في القرآن الكريم وأن يتجنبوا الخلط بين الألفاظ والمعاني. قرأت لعدد لا بأس به من المؤلفين ووجدت من بينهم من يقول أن الإسلام جماعي ومنهم من يقول أن الإسلام فردي وذلك حسب تفسيرات من الصعب الأخذ بها. تارة يرى المؤلف أن الإسلام فيه شبه من الاشتراكية لأنه جماعي، وتارة أخرى يظهر مؤلف ليقول أن الإسلام ديمقراطي لأنه فردي.
الإسلام ليس جماعياً فقط والدليل على ذلك أن المسؤولية تقع على الشخص الواحد سواء في الدنيا أو الآخرة ويتلقى ثواباً وعقاباً عما قام به من أفعال. الآيات حول هذا الأمر كثيرة أذكر منها: "كل نفس بما كسبت رهينة". (المدثر، 38) و "لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى". (النجم، 38ـ41) وما دام الحساب يقوم على أساس شخصي فإن ممارسة الشخصية في الحياة الدنيا تبقى حاسمة وذلك لأن الحساب الشخصي يفترض أن الشخص مسؤول عن عمله. فإذا ذاب الشخص في جماعة أو أجبر على ذلك فإنه يتحرر من مسؤوليته الذاتية ويصبح أعضاء الجماعة أو الذين أجبروه على الذوبان موضوع الحساب. وبما أن الله يحاسب كل نفس على عملها باعتبارها مسؤولة عن كل ما تقوم به فإنه لا يعقل أن يذيب الإسلام الإنسان الواحد في جماعة أو أن يجبره على ذلك. قال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً". (الإسراء، 13-14).
أي أن الإنسان فردي وجماعي في آن واحد، وفي هذا ينفرد الإسلام عن غيره من النظم العالمية. لكن هل من الممكن الجمع بين هذين النقيضين أو، إن شئت، الضدين؟ يجمع الإسلام بينهما على اعتبار أن العمل ضمن الجماعة عبارة عن فضيلة تعود بالنفع على الذات، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، ومن المحتمل في الدارين. العمل للصالح العام مثل الإنفاق أو المساهمة العلمية أو الجهاد عبارة عن عبادة تعود على صاحبها بالثواب، وهو يحاسب على عدم القيام به. إنه واجب أوجبه الله على الإنسان من حيث أنه عضو في جماعة، وهو حق للإنسان لأنه يرى نفسه من خلاله كعضو مشارك وفاعل ويجزى عليه الجزاء الأوفى. والعمل للصالح الفردي واجب وحق أيضاً لأن على المرء أن يعمل ويعتمد على نفسه وله أيضاً أن يكون منتجاً حتى يكون لحياته معنى ومضمون، وهو أيضاً عمل من أعمال العبادة ويثاب عليه. فعندما يقوم المرء بعمل لصالحه الذاتي تبقى عينه على الصالح العام فلا يلحق به ضرراً، بل يعززه، وعندما يقوم بعمل عام تبقى عينه على الصالح الخاص فلا يلحق به ضررا،ً بل يعززة.
الفردي يكمل الجماعي فلا يطغى أحدهما على الآخر، وفي كل منهما خدمة للشخص بعينه وللمجتمع أو للأمة كل. يقع التكامل المتبادل هذا ضمن إطار عبادة هدفها تطبيق شريعة تعتمد نظاماً أخلاقياً متكاملاً سواء كان على مستوى العقيدة أو الحق والباطل أو الحلال والحرام. وهذا بالتحديد ما يميز المنطلق الأساسي الإسلامي عن المنطلق الديمقراطي أو الشيوعي أو الرأسمالي. إنه نظام يزاوج بين الشخص والجماعة ولا يضعهما نقيضين وإنما يعملان معاً ليس ضمن تعايش وإنما ضمن تكامل يحافظ على شخصية الإنسان فلا يذيبه في الجماعة ولا يغذي المصلحة الخاصة على العامة. إنها وحدة الأضداد التي تنسجم تماما مع التكامل الكوني سواء كان في إطار النواميس الجسمانية (البشرية) أو الإنسانية. إنه يحرص على الشخص ويحترم خصوصيته وطموحاته في التقدم والإنجاز وعلى الجماعة فلا يطغى عليها الفرد ويسخرها لصالحه. إنه منطلق يميز الشخص عن الجماعة ولا يفصله عنها، أما المنطلق الديموقراطي فيميز الفرد ويفصله والمنطلق الشيوعي لا يميز الشخص ولا يفصله.
حرية الاختيار
بتكامل الفردي والجماعي يتكامل السلوكي والخلقي، التشريعي والكوني، الذاتي والموضوعي. بما أن الإنسان جماعي بالخلق وبما أن التشريع يُلزم المرء بألا يفرط في هذا أو ذاك وأن يكون وسطاً بحيث لا يفقد التوازن بين الذاتي والموضوعي، فإن الإسلام يؤسس لسلوك لا يتناقض مع الخلق بل ينسجم معه. وهذا من الناحية الفلسفية في غاية الإحكام لأن الذي خلق الكون ضمن نواميس وقواعد محددة لا يمكن أن يشرع سلوكياً بصورة متناقضة مع ما هو كوني. علماً أن الذات الإلهية ليست خاضعة لعقلانية أو منطقية، وتبقى المسألة ضمن قدرتنا النسبية على منطقة الأمور واستيعابها عقلياً.
يقودنا هذا إلى إشكالية حرية الاختيار والتي يقول الغربيون أن الديمقراطية وحدها هي التي تكفل هذه الحرية وتدافع عنها. أما الإسلام حسب عدد من مؤلفيهم لا يكفل هذه الحرية ويصر على تسيير الإنسان حسب قواعد جامدة تسلبه حريته وقدرته على الإبداع والمشاركة في أعمال المجتمع. يعزز بعض الإسلاميين الذين يتعاملون مع الإسلام على أنه شيء من الماضي هذه النظرة ويقولون أن الإسلام قد وضع حلولاً لكل المشاكل وما يطرأ من أمور وأن المسلم لا يحتاج إلى إبداع وإنما إلى معرفة التفاصيل الشرعية، وإذا كان له أن يُعمل عقله فإن له ذلك ولكن بحدود القواعد الشرعية وتفصيلها وعدم الانطلاق نحو إبداعات أو اجتهادات قد تخطّئ الماضي. ويعزز بعض المجددين الإسلاميين هذه النظرة أيضاً بجنوحهم نحو تمجيد الديمقراطية على اعتبار أن الإسلام لا يتناقض معها ويجعلونها بقصد أو غير قصد المرجعية التي يمكن قياس التعاليم والسلوكيات الإسلامية حسبها، ومن هؤلاء كتاب كبار معروفون.
حرية الاختيار في الإسلام خَلٌقية أما في الديمقراطية فتاريخية اجتماعية، والفرق بين الحريتين كبير جداً ولا يمكن جسره. إنهما ذاتا منطلقين مختلفين تماماً على الرغم من تشابه أو تطابق بعض انعكاساتهما العملية. حرية الاختيار في الإسلام خلقية لأن القدرة على التمييز خلقية، إنها مترتبة على قدرة فطر الله الإنسان عليها. قال تعالى: "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها". (الشمس، 7-10) وقال: "وهديناه النجدين". (البلد، 8). الإنسان عاقل ويفكر ويستطيع أن يقرر عن نفسه ولنفسه ويميز الأشياء طيبها وخبيثها وخيرها وشرها. تأكيداً على عقلانيته طلب منه الله سبحانه في القرآن الكريم مراراً وتكراراً أن يتفكر ويتعقل بآيات الله ليدرك المعجزة الإلهية وليفقه وتتطور لديه الحكمة. فمثلاً خاطبه الله بالقول: "فلينظر الإنسان مم خلق". (الطارق، 5) وخاطبه أيضاً: "فلينظر الإنسان إلى طعامه". (عبس، 24) إنه خطاب موجه إلى عاقل من أجل استخلاص العبر والحكم والارتقاء بالمعارف والعلوم من خلال اكتشاف أسرار الكون ونواميسه الإلهية. فلا يكتفي الإنسان بالقول، مثلاً، أن الإنسان خُلق من طين بل عليه أن يبحث في هذه المسألة ليصل إلى نتائج، ولا يكفي أن ينظر إلى أصناف الطعام ويتعجب بل عليه أن ينظر في مكوناتها وأسرارها. إنه قادر على فعل ذلك لأنه خُلق وفيه القوة التي تؤهله للقيام بذلك. والإنسان يتذكر ما يعمل مما يعزز عقلانيتة. قال تعالى:"يوم يتذكر الإنسان ما سعى". (النازعات، 35) وهو لا يتوقف عند التذكر، بل هو قادر على وزن أعماله وإصدار حكم حولها. إنه يعرف ما يقوم به من عمل ومدى جنوحه عن الطريق الحق، فتقول الآية: "بل الإنسان على نفسه بصيرة". (القيامة، 10) إنه قادر على محاكمة نفسه ومحاسبتها على الأقل من الناحية المعرفية.
القدرة التمييزية خلقية وحرية الاختيار مترتبة عليها وإلا انتفت حكمة التمييز وانتفت معها صلاحية بعض التشريعات الإسلامية مثل حرية الاختيار بين الإيمان والكفر وانتفت معها أيضاً مسؤولية الإنسان عما يقوم به من أفعال وأعمال. الحرية الخلقية تعني أن الإنسان لم يختر أن يكون حراً وإنما قدّر الله له أن يكون حراً، ولم يخترع فكرة الاختيار وإنما ولد وهي جزء لا يتجزأ من تركيبه الذهنية. إنها قدر إلهي كما أن كل نواميس الكون قدر إلهي لا رادّ لها ولا يملك الإنسان طاقة أو قدرة على إلغائها أو تخفيفها أو تجنبها. إنها ناموس كوني ثابت لا يملك الإنسان إلا دراسته ومحاولة اكتشاف أسراره وتبعاته والعوامل التي تؤدي إلى رقي الإفادة منه وصقل الطاقات الإنسانية نحو مزيد من الاكتشاف والابتكار والمعرفة. أما محاولة القفز عن هذا القدر أو الحقيقة الخلقية أو إلغائه لا تقود فقط إلى إلحاق أضرار بالإنسان والمجتمع وإنما تشكل اعتداء على ما قدّر الله.
تعزز هذا الخلق بتشريعات واضحة حيث تقول الآية: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". (الكهف، 29) وتقول أخرى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى...." (البقرة، 256) بمعنى أن سلب حرية الاختيار من الناحية التشريعية عبارة عن اعتداء على حدود من شأنها تنظيم العلاقات بين الناس.
إذا تمت ترجمة الخلقية في حرية الاختيار إلى فكر سياسي نجد أن فهمنا لها يمنعنا من ممارسة كبت الحريات لأن ذلك عبارة عن تعرض لمسألة خلقية لها علاقة بالإرادة الإلهية وفي هذا عبثية. إنه من السذاجة والغباء أن يقف امرؤ في وجه قدر إلهي أو إرادة إلهية لأنه لن يقدر على مقاومة أو تغيير وهو بذلك كمن يحاول طي الشمس لتظهر علينا من الغرب أو الجنوب. أما إذا حاول أحد القيام بذلك، وقد تمت المحاولات تاريخياً في كل مكان، فإنه يصنع أجواء غير صحية تتميز بالكبت والقهر والظلم والشعور بالضعة والهوان والكراهية والتآمر وعدم الاستقرار، الخ. لم تنجح أبداً محاولات حرمان الناس من حريتهم في الاختيار في الاستمرار وولدت ردود فعل متعددة الأنواع وانتهت إلى التغيير.
إسلامياً، السبب واضح وهو أن الاعتداء على حرية الاختيار عبارة عن اعتداء على شيء طبيعي مبني خلقاً في الإنسان مما يولد تناقضاً ما بين الطبيعي والاجتماعي. وبما أن الطبيعي متأصل فإن الإنسان، رضي أم لم يرض، سيثور حتماً ضد ما يناقض طبيعته مهما طال الزمن. قد يطول عمر الممارسة الاجتماعية والتي هي في هذه الحالة الاستبداد والطغيان لكنها لن تعمر أبداً وتبقى تناقضاتها مع الطبيعي مصدر مشاكل وهموم وآلام. فمهما استعمل الحاكم أو المسؤول من قوة للوقوف في وجه ما فُطر الإنسان عليه فإن حكمه لن يدوم. أي أن عوامل الدفع باتجاه التمشي مع ما هو طبيعي فاعلة وقوية ولا تختفي أو تموت.
في هذا محور هام من محاور الاختلافات بين الإسلام والديمقراطية. تفسر الديمقراطية تطورها على أنه نتاج تفاعلات تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية ديناميكية وحيوية ومتشابكة التشعبات، وأنها مرتبطة بتطور الفكر الإنساني الذي أدرك عبر العصور أن نظام المصالحة والتسامح أفضل بدرجات من أنظمة الأيديولوجيا والفرد الواحد وسيادة الرأي الواحد على الآراء الأخرى. وبناء على هذا التفسير الذي يأخذ الأبعاد التاريخية والوعي الإنساني كركائز أساسية في تفسير الظاهرة السياسية تبني الديمقراطية مؤسساتها وتضع دساتيرها وقوانينها وتعليماتها. أما الإسلام، إذا أراد المتمسكون به النجاح، لابد أن يبنوا مؤسساتهم بطريقة مختلفة لأن منطلقاتهم الفلسفية مختلفة. فما يصلح من ضوابط وتعليمات لقاعدة تقوم على بعد اجتماعي لا يصلح لقاعدة تقوم على أبعاد أخرى.
لكن الإسلام لم يتجاهل الوعي الإنساني فزاوجه مع المسألة الخلقية وذلك من خلال التشريع. لقد ترك التشريع للإنسان حرية الاختيار بين الإيمان والكفر، التوحيد والشرك، الهداية والغواية، وحمله مسؤولية هذا الاختيار. وضع الإسلام تعليمات وضوابط ومحفزات ومثبطات تعني بمختلف أوضاع السلوك الإنساني، وشجع الإنسان على توخي الحذر والتفكير بمختلف البينات والأحكام ليكون قادراً على تكوين رأي يحكم سلوكه الذي قد يقوده إلى فوز في الدنيا والآخرة أو فوز في الدنيا وخسران في الآخرة أو خسران في الدنيا والآخرة. أي أن المشرع الإسلامي عمل على تحفيز المسلم نحو مراكمة الوعي الذي يقود التوجهات ويبرر التصرفات. وهذا واضح مثلاً في سورة النبأ التي ورد فيها:"وبنينا فوقكم سبعاً شدادا، وجعلنا سراجاً وهاجاً، وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا، لنخرج به حباً ونباتا". (النبأ، 12-15) وفي سور الانفطار والتكوير وعبس وغيرها. وهناك آيات كثيرة تتحدث عن ميزات الإيمان ومساوئ الكفر والعصيان.
يزاوج الإسلام بين الخلق والتشريع، بين الموضوعي الذي هو إرادة الله وبين الوعي الإنساني الذي من المفروض أن يتراكم حتى يدرك الموضوعي، ويدعم الخلق والتشريع، أما الديمقراطية فلا تفعل ذلك وتتجاهل القضية الخلقية. والفرق هنا واضح في عمق الطرح وهو أن الإسلام لا يخضع قضية حرية الاختيار لأحوال اجتماعية وظروف متغيرة، لكنه لا يترك الإنسان كالدابة يساق دون علم ومعرفة فيخاطبه عقلياً ليكون على وعي بكيفية ترتيب حياته على مختلف الصعد. فقد تتغير حدة الوعي وتتبدل مع الزمن وتبعاً للظروف لكن حرية الاختيار تبقى قائمة حتى في ظل أقسى أوقات التخلف الإنساني. أما الديمقراطية فلا تضع معيار طبيعياً لحرية الإنسان في الاختيار وتترك المسألة ضمن سياق تاريخي ـ اجتماعي معرّض للتبدل والتغيير. فأي النظامين يعطي هذه الحرية الضمان الأوفى؟ وأيهما تبعاً لذلك يمكن أن يتسع صدره لحريات أوسع؟
مزاوجة الإسلام للخلق والتشريع من أجل ترسيخ الموضوعي والذاتي منطقية وعقلانية في آن واحد. الله هو خالق هذا الكون وهو الذي أتقن خلق كل شيء تبعاً لنواميس دقيقة تكمل بعضها بحيث أنها تشكل كلاً متكاملاً بنواحيه المادية والمعنوية. إنه كون لا تتناقض مكوناته وإنما تنسجم مع بعضها البعض فتشكل منظومة لا تنفصل أجزاؤها على الرغم من تميزها. الإنسان جزء من هذا الكون ولا بد أن النواميس التي تحكم وجوده الجسدي والمعنوي منسجمة مع مختلف النواميس الكونية ولا تتناقض معها. أي أن الإنسان في نشاطاته المختلفة المادية والذهنية والنفسية يبقى ضمن الإطار الكوني العام الذي أبدع الله صنعه. ولهذا لا يمكن أن يأتي التشريع مناقضاً للنواميس التي خلقها الله سبحانه، ولا بد أن يصب ضمن القاعدة الأمثل التي تضع الإنسان في عجلة الانسجام الكوني.
يوصف هنا التشريع بالذاتي لأن تطبيقه منوط بالإنسان وليس لأنه يحتمل التبديل والتغيير. إنه ذاتي لأن اجتهاد الإنسان يُعمل عليه ولأن للإنسان أن يختار بين تطبيقه والتخلي عنه. من خلال التشريع، يقول الله سبحانه للإنسان بأن هذا هو التشريع الإلهي الذي ينسجم مع النواميس الكونية وله أن يطبقه إن شاء مع العلم أن لاختياره عاقبة. فإن اتبع الإنسان التشريع يكون قد انسجم مع نفسه ومع العالم خارج ذاته لأن التشريع يعكس التناغم الذي يجب أن يتوفر بين الطاقات الداخلية للإنسان ذاتها وبينها وبين العالم خارجها، وبه يتحقق تلاؤم وانسجام طبيعيين. أي أن الإنسان يتصرف طبيعياً عند التزامه بالتشريع وهذه هي حريته، ويخرج عن الطبيعة التي فُطر عليها إذا خالف التشريع ويكون بذلك قد قيد نفسه ووقف ضد حريته.
لكن تبقى هناك مشكلة وهي متعلقة بتفسير التشريع. التشريع مطلق نصا لأنه من الله سبحانه والإنسان نسبي، ولا يمكن للنسبي أن يدرك المطلق. وأرجو ألا يتسرع أحد ويقول أن هذه جملة خاطئة ويرد بأن النسبي يدرك المطلق. من الناحية الفيزيائية ومن ناحية الإيمان لا يمكن أن يتم هذا. فيزيائياً، النسبي ينتمي إلى عالم مختلف الأبعاد عن المطلق، وإيمانياً ينتقص هذا من صاحب الحكمة المطلقة والتعظيم والرحمانية وهو الله سبحانه. في أحسن الحالات، يصر النسبي على تطوير معارفه بحيث يقترب رويداً رويداً من إدراك المطلق، الإدراك الذي لن يكتمل ضمن البعد الإنساني إلا يوم الدين. ولهذا أكثر القرآن الكريم من أوامر التدبر والتفكر والنظر والتعقل ولم يأمر الإنسان بالتوقف عن البحث والتنقيب وكأن الحقيقة بكل تفاصيلها قد أصبحت جاهزة بين يديه. مهما اتسعت معارف الإنسان ومداركه ومهما تعددت وسائله يبقى أمامه الكثير الذي لا ينتهي. قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". في إشارة واضحة إلى أن الذين يعزفون عن تدبر القرآن (أي دراسته والتمعن فيه) إنما هم كالأنعام لا يفقهون.
الإسلام ثنائي في توحيده وهو يختلف في هذا عن كل الفلسفات التي أعرفها. يوحد الإسلام بين الطبيعي والاجتماعي، المطلق والنسبي، الخلقي والتشريعي، الفردي والجماعي، الداخلي والخارجي، الموضوعي والذاتي. ولا يمكن لدين أن يكون ديناً بدون هذا التوحيد لأن الخالق لا يزرع متناقضات لا يمكنها تحقيق الانسجام.
الحرية
بات من السهل تعريف الحرية في الإسلام استناداً إلى ما ورد من افتراضات أساسية خلقية وتشريعية: وضمن الآية التي تقول "يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض" يكون الإنسان حراً في وحدته مع الكون خارج ذاته. أي أن الحرية عبارة عن وحدة الذاتي والموضوعي. إنها الحرية التي تحقق الانسجام: انسجام السلوك الإنساني مع خلق الإنسان الموضوعي، وانسجام الإنسان الذاتي مع العالم الموضوعي خارج الذات الإنسانية. وعندما يحقق الإنسان وحدة داخلية ووحدة مع العالم الخارجي فإنه يتحرر من التناقض ويصبح كامل الحرية. هذا من الناحية النظرية، أما عملياً يتقدم الإنسان تدريجياً نحو تحقيق الحرية وذلك تبعاً لتراكم حصيلته المعرفية والعلمية، والتي تشكل معياراً أساسياً لارتقاء وعيه بما يجب أن يكون عليه الكمال. لن يحقق الإنسان الكمال وبالتالي لن يحقق حرية مطلقة، لكنه إذا اتخذ من الإسلام دين علم وعمل يتخذ من المنهج الاستقرائي وسيلة نحو فهم واقعه وتطويره فإنه يستمر في الارتقاء نحو درجة الكمال.
إذا قورنت هذه الحرية وما تستند عليه من افتراضات مع الافتراضات التي تستند عليها الديمقراطية يمكن الاستنتاج أن الحرية في الإسلام أكثر رسوخاً وتجذراً منها في الديمقراطية وبالتالي يعطي الإسلام في الواقع العملي مساحات من الحرية اكثر اتساعاً من المساحات التي تعطيها الديمقراطية. وهذا ما يتم تفسيره في هذا الجزء.
لكن قبل الولوج في التفسير أشير إلى أن كلمة حرية لم ترد في القرآن الكريم وإنما أتت كلمة "محرراً" عندما نذرت امرأة عمران ما في رحمها لله "...رب إني نذرت لك ما في بطني محررا...." لا توجد هناك مشكلة في عدم طرح فكرة الحرية مباشرة لأن الإسلام جاء لتحرير الإنسان من كل المقيدات الدنيوية غير الطبيعية وليبقى ضمن قواعد التوافق مع الكون، وهي التي يمكن أن نطلق عليها عبادة الله وحده. وهذا ربما ما عناه عمر بن الخطاب عندما قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا." لقد ولد الإنسان حرا بالخلق ولا يجوز الاعتداء على خلق الله. فبدل أن يكون الإنسان عبدا لشخص أو لشهوة أو لقبيلة أو لحاجة جاء الإسلام ليعتقه من كل هذا وليتمكن من خلال إيمانه من فك القيود والبقاء ضمن القاعدة الطبيعية التي قال فيها سبحانه: "وما خلقت الجن والإنسان إلا ليعبدون".
لم أجد في الأدبيات الإسلامية تركيزاً على هذه المسألة، ووجدت بعض المتناقضات. فمثلاً يقول أحدهم أن الإسلام لا يعطي حرية استناداً على القول : "الدين عند الله الإسلام،" ويقول آخر أن الإسلام يعطي مجالاً واسعاً للحريات استناداً على الآية: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". أو بناء على الآية "وأمرهم شورى بينهم." هذا أخذ بجزء وذاك أخذ بجزء آخر فظهر التناقض بينهما.
في هذا ما يعكس أزمة في الفكر الإسلامي حيث أن العديد من الكتاب المسلمين يأخذون بجزئيات دون شمولية الطرح القرآني وأن عدداً منهم يركز على الفقه دون الفكر، أو على قضايا الحلال والحرام دون قضايا الحق والباطل.
ربما يجد بعض القراء المسلمين أن الطرح النظري حول الافتراضات الأساسية جميل وجيد وربما يفرحون بأن الإسلام يتفوق فلسفياً في طروحاته على طروحات الديمقراطية، لكن هل يقبلون الانعكاسات العملية لهذه الطروحات؟ هناك مشكلة حقيقية في هذا الأمر من حيث الطرح النظري الجميل والممارسة الفعلية غير المتناسبة معه. فمثلاً يقول مسلم أن الإسلام أكرم المرأة وانتزع لها حقوقها ولهذا جعلها داخل جدران البيت للمحافظة على شرفها. الجزء الأول من الجملة جميل جداً والجزء الثاني متناقض مع الأول. ومن الأمثلة الصارخة ذلك الشريط الذي يقول إمامه إن المرأة قد أنصفها الإسلام فكانت إحداهن ملتزمة تماماً بحيث أنها لم تخرج من منزلها إلا مرتين: مرة إلى بيت الزوجية وأخرى إلى القبر.
قبل التحدث عن الانعكاسات العملية أذكر القارئ بأن الضمان الوحيد لاستمرار حكم الإسلام هو إقامة العدل. إذا غاب العدل غاب حكم المسلمين مهما استعملوا من أساليب القوة لقمع المناوئين، وإذا أقاموا العدل استمر حكم الإسلام مهما كان هامش الحريات واسعا ومهما عظمت اعتداءات الآخرين.
فيما يلي مناقشة مختصرة لبعض العناصر المهمة في التطبيقات العملية:
أولاً: حرية التعبير
لا يوجد في القرآن الكريم أو السنة النبوية ما يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى ما يمكن أن يقيد حرية التعبير سواء شفاهة أو كتابة أو إيماء. على العكس، هناك آيات وإشارات كثيرة تطلب من الإنسان أن يعبر عن رأيه ويجادل ويناقش حول أي موضوع يريد، كما أن السيرة النبوية لم تشر إلى أي منع إبداء رأي. لا توجد في القرآن أو السنة مقيدات أو شروط أو عوائق حول الإفصاح عن الرأي وطرحه للتداول وأمام المداولين. لا ينطبق هذا على الإنسان فقط، بل أن المسألة تمتد لتشمل إبليس. فمثلاً أنظر الآيات التالية: "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين. قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم. قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين". (ص، 75-83) وانظر الحوار في الآيات: "قال أنظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين. قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين". (الأعراف، 14-17).
إذا كان الله قد أنظر إبليس وأعطاه الوقت ما دامت الحياة الدنيا قائمة ليفعل ما يرى مناسباً بما في ذلك إغواء الناس الذين من المفروض أن يطيعوا الله ويتبعوا وصاياه، فهل من الممكن أن تكون هناك تقييدات على حرية الإنسان في التعبير؟ المجال أمام الإنسان مفتوح تماماً بما في ذلك محاولة الإتيان بآيات أو سورة من لدنه في تحد للقرآن. تنص الآية: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين". (البقرة، 23) وتؤكد آية أخرى: "أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين". (يونس، 38) أي أن الإنسان يملك حرية، بل هو مدعو أن يحاول تأليف سورة وأن يحشد من يستطيع ويرى مناسباً لإنجاز هذا التأليف. المجال مفتوح تماماً للتعبير دون أدنى نوع من الكبت أو القهر. والمسالة لا تقف عند هذا الحد وإنما لدى الإنسان الفرصة للدفاع عن آلهة يؤمن بها ويحاجج لإقناع الآخرين بها.
لم يطلب الله من المسلمين أن يكبتوا غير المسلمين أو أن يحولوا بينهم وبين التعبير عن أفكارهم وآرائهم، لكنه طلب منهم أن يحاجوا غير المسلمين وأن يقدموا البراهين والأدلة على صحة ما يقولون. أي أن المسؤولية تقع على المسلمين في إقناع غير المسلمين بالبرهان والحجة، ولا يجوز للمسلمين أن يستبدلوا الوصية هذه بكبت الآخرين وصدهم عن التعبير عنها. قال تعالى: "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا". (النساء، 174) وقال أيضاً: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". (النحل، 125) وقال: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". (آل عمران، 64).
حسب هذه الآيات، كبت رأي الآخرين عبارة عن إثم لا يجوز للمسلم أن يمارسه. إنه كذلك لأن الكبت يعطل القوى والطاقات الإنسانية التي أودعها الله في عباده والتي تبرر تحمل مسؤولية الإنسان على ما يقول ويفعل. فإذا تم كبت الناس فإنه يتم حرمانهم من الاستماع لمختلف الحجج ووجهات النظر ويحرمون من فرصة اختبار قوة آرائهم ومدى قربها أو بعدها عن الحقيقة. وإذا فقد الإنسان فرصة التعبير فإنه يلجأ إلى العمل سراً وتحت الأرض لصنع جو يستطيع معه أن يمارس طاقاته الإنسانية مما يعرض المسلمين وغير المسلمين إلى حالة عدم استقرار ونزاعات قد تكون دموية.
على كل حال، هذه مسألة من المفروض أنها محسومة ضمنا في الخلق من حيث أن الله خلق الناس وحرية الاختيار مبنية فيهم، والاختيار عبارة عن تعبير قد يكون كلاميا أو يدويا أو آليا أو إيماء، الخ.
ثانياً: حرية الاعتقاد
لا يوجد دليل واحد في القرآن الكريم يجبر الناس على اتباع دين معين أو يرغمهم على تطبيق شريعة بعينها. من الناحية المنطقية، لو كان الاعتقاد جبرياً لانتفى الحساب والعقاب ولما كان هناك مؤمنون وغير مؤمنين بالاختيار. لكن الله لم يرد جعل الناس كلهم أمة واحدة وترك كل شخص يقرر من أي أم يكون وذلك حسب قوله: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". (المائدة، 48). وحسب قوله: "ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا". (الأنعام، 107) وحسب القول: "فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ...." (الشورى، 48).
هذه الآيات وغيرها تؤكد حرية الإنسان في اختيار العقيدة التي تروق له دون ملاحقة أو مضايقة أو اضطهاد. على المسلمين، أسوة بالأمر الموجه إلى الرسول الكريم، أن يبلغوا الدعوة ويشرحوا معتقدهم دون ذيول قمعية.
ثالثاً: حرية تكوين الرأي
لا يتمتع الإنسان في الإسلام بحرية التعبير عن الرأي فقط وإنما بحقه في تكوين الرأي من خلال إمكانية الوصول إلى مختلف المعلومات من مختلف المصادر. للإنسان الحق في الإطلاع والتعرف على مختلف الآراء ووجهات النظر ومختلف الحقائق التي يمكن أن تتوفر حول مختلف القضايا. فحول ما ورد في القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". (البقرة، 174) ويقول: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". (البقرة، 174) ويقول: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" (البقرة، 159).
بناء على هذا فإنه يمكن الاستنتاج بأنه لا يجوز حجب الحقيقة عن الناس وأن الحقائق يجب أن تكون في متناول الجميع. فالمسلم مثلاً لا يستطيع أن يكوّن رأياً صائباً إذا لم تتوفر لديه مختلف المعلومات، ويبقى الرأي المستند على حقائق معينة دون أخرى أو على معلومات غير وافية رأياً ضعيفاً من السهل أن ينهار أو أن يقود صاحبه إلى الفشل. بمعنى أن على المجتمع المسلم أن يعمل أولاً على إظهار القرآن تماماً دون تحايل ودون التركيز على آيات دون أخرى وثانياً على توفير الفرص للإطلاع على الحقائق من مختلف الجهات والآراء. لا يملك أحد من المسلمين حق إخفاء آية لصالح آية أخرى، ولا يملك أحد حقاً في إخفاء حقيقة لصالح أخرى.
ماذا يعني هذا على المستوى النشر والصحافة؟ إنه يعني أنه لا يجوز أن تعكس دار النشر أو الصحيفة أو المجلة وجهة نظر واحدة فقط، بل يجب أن تفتح صفحاتها ونشاطاتها أمام الجميع. من الممكن أن تكون هناك صحافة حزبية أو دار نشر حزبية لكنه ليس من الإسلامي أن تمنع نشر الآراء المخالفة أو المغايرة. إنها لحزب معين من ناحية الملكية لكنها لا تملك الحق بحجب المعلومات عن الناس. وهذا المبدأ ينطبق على بائع الجرائد والمجلات وعلى مروج الكتب إذ يجب عليه أن يحمل أو يعرض كل مصادر المعرفة الصادرة أمام الجمهور الذي له الحق في الاختيار. وبما أن الأمر كذلك فإنه من المحتمل أن تختفي الصحافة الحزبية في ظل نظام إسلامي لأنها لا معنى لها من الناحية العملية. بما أنه من المحظور على الصحيفة مهما كان لونها أن تحجب الحقيقة أو أن تمنع الآراء الأخرى من الظهور على صفحاتها فإن القيمة العملية للصحافة الحزبية المتحيزة والمروجة لفكرة دون أخرى تتقلص إلى درجة دنيا. وهذا ينطبق على كل وسائل الإعلام.
في هذا فرق شاسع وكبير جدا بين الإسلام والديمقراطية. تقر الديمقراطية الصحافة الحزبية المتميزة، وتقر التحيز في وسائل الإعلام المختلفة. وفوق هذا لا يمكن أن يقر الإسلام سيطرة فئة معينة مثل فئة الأثرياء على وسائل الإعلام بينما يسيطر الأثرياء في الدول الديمقراطية عليها ويمارسون الاستبداد الثقافي والتربوي والتسويقي من خلالها. أما إن وجدت وسائل إعلامية تقول أنها إسلامية تمارس إعلام الزاوية الإعلامية الأحادية فإن على القائمين عليها مراجعة قيمهم الإسلامية.
من هنا يمكن الاستنتاج أيضاً بأن الإرهاب الفكري حرام في الإسلام. لا يجوز أن يُمنع إنسان من التعبير عن رأيه، أو من أن يكوّن رأياً خاصاً به، أو أن يُحرم من الوصول إلى مصادر المعلومات والإطلاع على ما يتوفر وما يمكن أن يتم توفيره من مصادر. ولهذا لا يجوز أن يتعرض صاحب الرأي المخالف للقمع سواء من ناحية التشويه الاجتماعي أو الإيذاء الجسدي أو الطرد من الوظيفة أو أي أسلوب آخر. جاء الإسلام لتحرير الناس وليس لاستعبادهم، ولتبيان الحق في مواجهة الباطل وليس لإهدار فرص المواجهة بين الحق والباطل. كما أنه لا وصاية في الإسلام ولا يوجد تفويض إلهي يمنح أحداً الحق بإرهاب الناس واستعمال أدوات القمع ضدهم.
رابعاً: حرية التنظيم
ينقسم التنظيم إلى قسمين رئيسين فيما يتعلق بالأعمال العامة التي تهم الجمهور أو أي قطاع منه: تنظيم يهدف إلى تحقيق أهداف أو مصالح محدودة دون السيطرة على الأمة وإدارة شؤونها وهذا ما يسمى بمجموعة الضغط أو مجموعة المصالح المحددة، وتنظيم يسعى إلى إدارة الشؤون السياسية والعامة أو إلى إدارة الأمة.
ما يحكم مسألة التنظيم هو غاية المسلم ألا وهي إقامة الأمة الإسلامية التي يستطيع من خلالها تطبيق أمور دينه والارتقاء إيمانياً ومادياً. من خلال الأمة تتحقق فرص العمل الجماعي الذي يقود إلى التقدم والعطاء والبناء وإلى تقديم النموذج الاجتماعي والإنساني للعالم غير المسلم. إسلام المسلم لا يكتمل بدون الأمة الإسلامية لأنها تحمي المعتقد والممارسة من خلال النموذج التطبيقي الذي تقيمه. ولهذا فإن الحفاظ على الأمة يقع على رأس أولويات المسلم. وهذا الحفاظ يتأتى بأسباب داخلية وأخرى خارجية. من الناحية الداخلية، على المسلمين أن يبتعدوا عن الفساد الإداري وقمع الآراء والاحتكار الاقتصادي واضطهاد غير المسلمين وعن كل الأمور التي يمكن أن تقوض دعائم التماسك الداخلي. أي عليهم إقامة العدل. ومن الناحية الخارجية، على المسلم أن يدافع ضد كل القوى التي تسعى إلى هدم الأمة الإسلامية واستبدالها بأمة أخرى.
الدفاع عن الأمة أو النظام السياسي ليس سمة إسلامية فحسب، وإنما هذا هو حال كل الأنظمة. لا يوجد نظام لا يضع آلية للدفاع عن نفسه بما في ذلك النظام الديمقراطي. لا يقبل النظام الديمقراطي عملية الإلغاء أو الإزاحة حتى لو كان ذلك من خلال الانتخابات. وهناك أمثلة عدة حول اعتداء الديمقراطيين على نتائج الانتخابات الديمقراطية لأنهم خشوا إلغاء النظام الذي يؤمنون به. هذا لا يعني أنه يجوز للمسلمين الاعتداء على نتائج الانتخابات وتزويرها أو إلغائها، وإنما يبقى على المسلمين المحافظة على كيانهم بالطريقة الإنجازية المقنعة وليس بالطريقة الإسقاطية تعتدي على حريات الآخرين.
وعليه فإنه من المسموح به أن تقوم تنظيمات لا تسعى إلى تقويض الأمة وذلك لتحقيق مصالح محددة للأمة أو لأي فئة تعيش ضمن الأمة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة شريطة ألا يكون هدفها متناقضاً مع أخلاقيات الأمة. فمثلاً من حق المسيحيين أن ينظموا شؤونهم الدينية لكنه ليس من حق شركات أن تنظم أوضاعها بهدف احتكار سلعة أو خدمة معينة. لكنه ليس من المسموح أن تنشأ أحزاب يكون هدفها العدوان على الأمة الإسلامية واستبدالها بأمة أخرى بالقوة. في هذه الأحزاب ما يلغي غاية المسلم ويعمل على هدم الحياة الإسلامية التي من المفروض أن يقيمها. بمعنى أن السماح لأحزاب معادية للأمة بالعمل بهدف إلغاء النظام عبارة عن عمل غير إسلامي. بمعنى أن التنظيم غير الإسلامي ليس ممنوعا من الناحية المتساوقة مع خلق الإنسان شريطة ألا يكون عدوانيا مثلما أن المسلمين ليسوا معتدين. هذا واضح في إذن الله سبحانه لإبليس حشد كل الإمكانيات للنفاذ إلى العباد. صمام الأمان للمسلمين ليس منع الآخرين لأن في ذلك دفعهم نحو التنظيم السري وإنما في تطبيق شرع الله الذي يقيم العدل ويحرر الآخرين من المساندين والمؤيدين.
وهنا يجدر التمييز بين التنظيم داخل أمة تعمل بنظام الإسلام وأمة تقودها حكومة إسلامية لكنها لا تعمل بنظام الإسلام. إذ من الممكن أن يفرز النظام الديمقراطي حكومة إسلامية من خلال صندوق الانتخابات. في هذه الحالة، على المسلمين أن يحترموا النظام الذي أوصلتهم آلياته إلى الحكم ذلك لأنهم حكومة إسلامية ضمن أمة ديمقراطية. فعندما قرر المسلمون خوض الانتخابات فعلوا ذلك بناء على معرفة مسبقة بأن النظام الذي ينشطون من خلاله ليس نظاماً إسلامياً، وأنهم فعلوا ذلك بناء على اتفاق ضمني أو صريح مع الأحزاب الأخرى ومع الناس داخل النظام أن قواعد النظام يجب أن تحترم. أي أن قبول المسلمين لمنطلقات النظام الديمقراطي عبارة عن عهد يجب أن يتقيدوا به، ليس فقط من قبيل الاحترام المتبادل بين مختلف الأطراف ولكن لأن الإسلام يصر على احترام العهود والمواثيق. فمثلاً يقول سبحانه وتعالى: "إن الذين آمنوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير" (الأنفال، 72) وتنص آية: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا." (الإسراء، 34) وهناك آيات كثيرة تؤكد على احترام العهود والمواثيق. وبإمكان المسلمين أن يحولوا النظام الديمقراطي إلى إسلامي بحسن أدائهم والعودة إلى القرآن الكريم ليستوعبوا أن الإسلام دين انطلاق وليس دين كهنوت قهري.
No comments:
Post a Comment