Friday, 9 January 2015

{الفكر القومي العربي} مدرسة التجديد الإسلامي: العودة إلى القرآن الكريم





العودة إلى القرآن الكريم توحد المسلمين

عبد الستار قاسم

أستاذ في الفكر السياسي الإسلامي

22/شباط/2013

ملاحظة أولية: هناك من سيهرب من نقاش الموضوع، وسيكيل الاتهامات فورا، وسيقول بداية إن الكاتب ينكر السنة. هذا كاذب أشر، وهروبه الدائم من وضع الأمور للنقاش على الطاولة سبب للمسلمين الكثير من الشقاق والتخلف والنزيف الأخلاقي.

 

يعيش المسلمون مشكلة تارخية حقيقية وكبيرة تتعمق مع الأيام وتتشعب وهي مشكلة التمزق والتفتت وذلك بكثرة الجماعات الإسلامية والفئات والأحزاب، وتصاعد المنابزات فيما بينها، وبينها وبين فئات وأحزاب غير إسلامية. هناك خطر حقيقي يحيط بالمسلمين وقد يؤدي إلى اقتتال دموي في أصقاع إسلامية عديدة تكون نتائجه وبالا ودمارا يصيب جميع المجتمعات الإسلامية. طبعا هناك دم إسلامي ينزف الآن بأيد إسلامية بالأخص في باكستان والعراق وسوريا ووفق مبررات دينية ما أنزل الله بها من سلطان.

وما يجري الآن من تفجيرات وقتل بالجملة واقتتال يسيء بصورة كبيرة وخطيرة للإسلام والمسلمين، ومن شأنه أن يمزق صفوف المسلمين، ويحبط ملايين المسلمين وإدارة ظهورهم للأمة بحثا عن الأمن والطمأنينة والاحترام لدى أمم أخرى. هناك إجرام كبير يتم تنفيذه باسم الإسلام، وهناك فتاوى مرعبة يتم إصدارها بدون علم أو معرفة، ومن شأنها أن تبث التخلف والكراهية والبغضاء والأحقاد، وتنتهي بتفسيخ المجتمعات وتناحر أبنائها.

لقد أثر المنحى التمزيقي والدموي والتخلفي الذي تقوم به بعض الفئات الإسلامية على صورة الإسلام لدى أمم كثيرة، وكرس نظرة نمطية غير جيدة تبلورت تاريخيا ضد المسلمين. ما يقوم به مسلمون يتناقض تماما مع الدعوة الإسلامية سواء كانت أعمالهم دموية أو جاهلية وظلامية، ويقدم صورة بشعة عن الإسلام تصد الناس عن الالتحاق بالفكرة الإسلامية. هناك مسلمون على وعي تام برسالة الإسلام، ويحاولون إعطاء صورة جيدة عن الإسلام، لكن جهودهم تضيع أمام فتاوى التخلف المتناقضة مع الإسلام، وأمام القتل الجماعي الذي يصيب المساجد والأسواق والمدارس وأماكن التجمع. وكذلك الانشغال بقضايا اجتماعية وسلوكية لا تتناسب مع الفكرة الإسلامية واحترام الإنسان.

المشكلة أن المسلمين بصورة كبيرة وليس بصورة مطلقة قد ابتعدوا عن القرآن الكريم وما يتوافق معه مما ورد في كتب حول السنة النبوية وأخذوا يتمسكون بأقوال تحوم حولها الشكوك وتتناقض مع القرآن الكريم والأخلاق النبوية، وأخذوا يسيرون بطريق لا يحقق الرقي والسمو والتقدم والمساهمة في الحضارة الإنسانية، وأفقدوا أنفسهم روح المبادرة والإقبال على العلم والاكتشاف والاختراع. وفيما يلي ما قد يسلط ضوءا على المشكلة بهدف معالجتها:

ملاحظة ثانية: الرسول عليه الصلاة والسلام أسوة، وأعماله وأقواله تؤكد هذه الأسوة. دأب المسلمون على استعمال كلمة سنة، ومن المفروض أن الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة للمسلمين، لكن هناك عوامل متعلقة بالمنهجية العلمية وبالأهواء الشخصية والحزبية والفئوية تجلعنا ندعو إلى التأكد مما روي على لسان رسول الله قولا أو عملا، ورده إلى القرآن الكريم لفحص التوافق حتى لا نقع بالخطيئة.

مشكلة في رواية الحديث  

قال عليه الصلاة والسلام: "... وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله...". (صحيح مسلم، وشبيه به في أبو داود ومسند أحمد) هناك من  لا يتمسك بهذا القول، فيذهب إلى ما رواه مالك وهو: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه". (مالك) ومنهم من يفضل النص التالي: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي." (الترمذي في نصين وسندين مختلفين، ومسند أحمد) ورد حديث من هذا القبيل في حجة الوداع، ومن المفروض أنه حديث متواتر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ألقى الخطبة عند الكعبة أمام جمهور المسلمين. وبالرغم من ذلك نجد سبع صيغ لهذا القول، ومنها ما يناسب مواقف فرق إسلامية، الأمر الذي يدعونا إلى الحذر في استعمال بعض ما يقال إنها أحاديث في تحديد التشريع الإسلامي. الموضوع الذي تتناوله الصيغ أعلاه مهم جدا وخطير لما له علاقة في أصول وأسس التشريع في الإسلام. تركز الصيغة الأولى على القرآن الكريم كأساس للتشريع والفكر والهداية دون أن تلغي احتمال بحث المسلمين عن مصادر أخرى؛ أما الصيغة الثانية فتضع السنة جنبا إلى جنب القرآن كمصدر للتشريع والفكر والهداية؛ أما الثالثة فتشرك مع القرآن أهل البيت. والصيغ السبع تختلف فيما بينها في النصوص، فلا يدري القارئ عن الصيغة الدقيقة التي وردت على لسان النبي عليه الصلاة والسلام. فماذا يختار المسلم، وكيف يدرأ الفتنة التي تتغذى على تضارب الروايات؟

إتمام الدين الإسلامي

قال سبحانه وتعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا." وهذا قول ينسجم مع الصيغة الأولى للحديث الوارد أعلاه والتي تقر بأن القرآن هو أساس الهداية وعدم الوقوع بالضلال. أما عليه الصلاة والسلام فقال: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه، ومن كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". يعترف الفقهاء بهذا الحديث لكنهم يقولون إن الرسول عليه السلام قاله لأنه خشي اختلاط السنة بالقرآن فيلتبس الأمر على المسلمين. إذا كانون يعنون بالاختلاط اختلاطا نصيا فهذا غير ممكن لأن الله سبحانه قد تعهد بحفظ الذكر بقوله: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"؛ وإذا كانوا يعنون اعتماد المسلمين على الروايات دون القرآن فهذا صحيح لما فيه من احتمال التأليف على لسان رسول الله وتحول المسلمين بعد ذلك إلى كتب أخرى غير القرآن الكريم. وهذا ما نراه على مدى قرون، إذ تحول المسلمون إلى درجة كبيرة عن القرآن الكريم ليعتمدوا بصورة كبيرة ومكثفة على ما يقولون إنه أحاديث نبوية.

من دراستي لكتب الحديث، أرى قناعة بصحة الكثير من الأحاديث بخاصة تلك المتعلقة بمكارم الأخلاق وطريقة أداء الشعائر، لكن يبدو أن كثيرا من الأحاديث تتناقض مع القرآن الكريم، ولا يعقل صدورها عن النبي عليه الصلاة والسلام. فمثلا لا يمكن أن يكون النبي قد قال "لا خير في أمة كثر قراؤها"، أو "المرأة مخلوقة من ضلع أعوج"، في حين أن "إقرأ" هي الآية الأولى في القرآن؛ وأن الله قد قال: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها". ولا يمكن أنه ربط صيام عاشوراء بتاريخ مأخوذ من اليهود في حين أن القرآن الكريم واضح تماما في تقريعهم، والمسلمون واضحون في اعتبار الكتاب الذي بين أيدي اليهود محرفا ولا ثقة به.

قمت أثناء وجودي في سجن السلطة الفلسطينية بعدّ آيات التشريع في القرآن الكريم فوجدت أنها تقارب 400 تشريع بين أمر ونهي بما فيها التشريعات المكررة مثل الأمر بإقامة الصلاة، لكنني أجد الآن أكثر من 400 تشريع غير قرآني حول ظهور المرأة ولباسها. وجدت آية واحدة عن الوضوء، لكنني أجد كتبا الآن حول الوضوء، والمتتبع للتعليمات الوضوئية لن يجد ثقة بأن صلاته صحيحة. لم أجد آية واحدة في القرآن الكريم حول عذاب القبر؛ ولم أجد آية واحدة حول ظهور المهدى لكن الكتب حول عودته من أكثر الكتب رواجا.

تأتي أغلب آيات التشريع في القرآن الكريم بصيغة عريضة تترك للمسلمين حرية الاجتهاد عبر الزمان والمكان. هناك آيات قطعية النص والدلالة، لكن أغلب الآيات تفتح مجالا أمام المسلمين للتفكير والتدبير فلا يُشل تفكيرهم، ولا تُعطل عقولهم. فمثلا أمر الله سبحانه وتعالى بالشورى، لكنه لم يحدد كيف تكون الشورى: هل تتم عبر مجلس يشكله الحاكم، أم مجلس منتخب؟ هل قرارات مجلس الشورى إن وجد ملزمة أم غير ملزمة؟ الخ. فقهاء المسلمين أسهبوا بالتفصيل الفقهي حتى وضعوا الدين في مستوى عال من التعقيد.

التأليف على لسان رسول الله

 المتتبع للفضائيات والدروس الدينية ولحكايات الجن والعفاريت وتفسير الأحلام وأسرار الأنوثة والنساء يسمع الكثير من الأقوال المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والتي لا تضيف دفعة تقدمية للمسلم، وتبعده عن عبادة الله لصالح غيبيات تخرج عن روح الفكرة الإسلامية. من أين تأتي كل هذه التفصيلات والفتاوى والتشريعات التي تترد على أسماعنا بخاصة على شاشات التلفاز وعبر الأثير؟ جزء كبير منها لا يستند إلى أساس فقهي وإنما إلى أهواء ذاتية وعُقد نفسية، وجزء كبير آخر يأتي من خلال التأليف على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا أمر واضح تماما في أعداد الحديث الكبيرة التي يتناولها العديد ممن يسمون أنفسهم فقهاء. هناك أعداد هائلة من الأحاديث بحيث أنها تطغى على القرآن الكريم، وتدفع المسلم للتساؤل حول آية إتمام الدين الإسلامي الواردة في القرآن الكريم. كيف يقول لنا الله سبحانه إنه أتم لنا الدين وأتم علينا نعمته في حين أن هناك قضايا كثيرة جدا حسب ما نرى على أرض الواقع لم يعلمنا بها؟ هل هناك نص في القرآن الكريم حول وجود مفوضين إلهيين أو وكلاء يتمون للمسلمين دينهم؟

من خلال دراساتي، وجدت تأليفا كثيرا على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام بخاصة في أمور تتعلق بالتعقيد الفقهي والأمور الغيبية مثل عذاب القبر وتضاريس الجنة والنار، ويتركز التأليف في موضوعين:

أ‌-       أمر تغليب فرقة إسلامية على أخرى، وواضح أن أصحاب الفرق قد ألفوا بعض الأقوال تمجيدا لبعض قادتهم وأفكارهم ورموزهم ليثبتوا أن فرقتهم هي الفرقة المقبولة عند الله سبحانه، وأنها هي الذاهبة إلى الجنة. وقد شاع بهذا الصدد قول ينص على أن أمة الإسلام ستنقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة لا يذهب منها إلى الجنة إلا فرقة واحدة. وتتضح رائحة الفرق في الصيغ المشار إليها أعلاه حول الهداية والضلال. وفي هذا التأليف ما مأسس الخلافات التاريخية بين المسلمين وأضفى القدسية عليها لتبقى ماثلة على مدى الزمن وتثير الصراعات.

ب‌-   أمر شل الفكر الإسلامي من خلال تعقيد الفقه الإسلامي حتى يبقى المسلم مهووسا بأمور غيبية ومرعوبا من التفكير فيبقى السادة وأصحاب السلطان على كراسي الإمارة. يجد من يذهب إلى المكتبة الإسلامية آلاف الكتب في الفقه الإسلامي، وقلة قليلة من الكتب الفكرية، وسيجد أن أمة المسلمين أضعف أمة في تقديم التحليل الفكري على الرغم من أن الله سبحانه قد كرر الأمر بالتفكر والتعقل، وسيجد أيضا أن أمة المسلمين ثاني أكثر أمة عملت على تعقيد دينها بعد اليهود. الدين الإسلامي ميسر جدا، ويحفز المسلم على النشاط والعطاء والبناء، لكن فقه المسلمين الآن يحول المسلم إلى مهووس في الطهارة، ومرعوب من عذاب القبر وأهوال يوم القيامة، وإلى عاهة فكرية وعلمية وحضارية يتلقى التقدم والإبداع من الموصوفين بأهل الكفر، ويعتمد عليهم في أمنه ومأكله.

بين التدين والإيمان

واضح من أغلب النشاطات التي يقوم بها أغلب المسيطرين على التدريس الديني أن التدين هو الموضوع وليس الإيمان مما يحول الدين الإسلامي إلى طقوس خالية إلى حد كبير من العمل الذي يجب أن يترافق مع الإيمان. وما يؤكد ذلك هو أن أمة المسلمين لم تنهض بعد في مجالات الإنتاج والتقدم العلمي والتطور التقني والرقي الأخلاقي والمهنية الإدارية. الطقوس تختلف عن الشعائر التي تذكر المرء بتعاليم الله سبحانه فتحفزه على العمل والعلم والجهاد، وإنما هي درب من دروب الرهبنة التي تؤدي إلى الخنوع والاستسلام وفقدان الصلة التفاعلية مع الأرض، بينما الإيمان مقرون بالعمل دائما، والجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات. وقد وجدت أن عددا كبيرا من الفقهاء يعززون الأمور التالية في محاضراتهم وندواتهم وخطبهم، وطبعا ما أقوله أدناه لا ينطبق على كل الفقهاء، لكنه يصف التيار الفقهي العام المسيطر:

1-    تحويل الدين الإسلامي إلى كم فقهي زاخر بالأوامر والنواهي على حساب الفكر والعقل بحيث يتحول المسلم إلى مجرد عبد خال من الشخصية والتفكير التحليلي والإبداعي والنقدي، ويقوم تدينه على الخوف من المجهول وليس على الإيمان بالله المقترن بالعمل الصالح.

2-    تحويل الدين الإسلامي إلى دين كهنوت استسلامي بدل أن يكون دينا عمليا يقوم على الاطمئنان والثقة بالله سبجانه وتعالى، ولتبقى الشعائر والأدعية والطقوس وزيارات الأماكن المقدسة والأضرحة والأولوياء الشغل الشاغل للمسلمين. وهذا اتجاه واضح في التركيز على الغيبيات وأحاديث القبر والجنة والنار، ومحاضرات الطهارة والتوسع في التحريم.

3-    الصعود إلى مرتبة المفوضين الإلهيين الذين يستطيعون إدخال الجنة والنار بقرارات سريعة، بحيث يشعر شخص مثلي أن فكرة التوحيد لم تعد قائمة من كثرة الآلهة الدنيويين الذين ينوبون عن الذات الإلهية في تصنيف الناس والحكم على أعمالهم وأقوالهم وإرسالهم إلى الجنة أو النار.

4-    الهروب من العمل والعلم والجهاد لصالح التنطع الديني والتلاعب بعقول الناس وإلهائهم بحكايات وقصص وأساطير لا يمكن أن تخضع لأي معايير علمية او جدل منطقي. ولهذا يحاول أغلب الفقهاء الابتعاد عن فرائض العلم والعمل والجهاد والتي لا تقوم أمة ولا تنهض إلا بها، ويركزون بدرجة عالية على جمع حسنات طقوسية للوصول إلى الجنة.

5-    تكريس الاستعباد وهيمنة الحاكم الظالم تحت شعار الفتنة أشد من القتل. هذا علما أن الفتنة التي يقوم بها الحاكم أشد من القتل لأن الفتنة لن تؤدي إلا إلى صراع دموي بين الناس، والتخلص من الحاكم الظالم سريعا يصون دماء المسلمين. العديد من الفقهاء يلوون ذراع الدين إرضا لحكام لا يعرفون الله، ولا يقيمون دينه الذي ارتضى للناس. الإسلام دين حرية وبناء وحركة وعطاء وتعاون وتفاعل، والعديد من فقهائنا يفضلون الذل والخنوع بتعليمات دينية مخالفة للفكر والفقه الإسلاميين.

6-    العمل المستمر على وأد النساء بتجريدهن من إنسانيتهن وتحويلهن إلى مجرد أدوات بشعارات إسلامية. شهدت الجاهلية وأدا للطفلات، لكن الوأد الآن يشمل الإناث جميعا بسبب فيضان التشريعات حول ظهور المرأة ومشاركتها في الحياة العامة وتعليمها ولباسها، الخ. لقد وصل الفقه إلى درجة تحريم سير المرأة المخفية لوجهها مع ابنها الوسيم في الشارع حتى لا يتخيل أحد جمالها من خلاله.

هجران القرآن الكريم

 

الاعتماد على القرآن الكريم وما يتوافق مما روي حول السنة النبوية لا يلبي نزوات وأهواء ورغبات العديد من الناس، ولا بد من الهروب إلى ما يمكن أن يصبح مقدسا فيتحقق التخلف والتمزق والضعف لحساب سلطات دينية خاوية لا تنجي الحريص عليها لا في الدنيا ولا في الآخرة. وقد ورد في القرآن الكريم: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا." لا ادعاء بأن القرآن الكريم مهجور تماما، لكن الافتراض بأنه لا يشكل لدى الكثيرين ممن يدعون الفقه القاعدة الفكرية والفقهية المطلقة صحيح إلى حد كبير.

وقد أدى هجران القرآن الكريم إلى نتائج مخيفة على رأسها:

1-    ضعف القدرة على مخاطبة الأمم بالحجة والدليل ولغة الحسنى والتودد، الأمر الذي فاقم من عداء دول وشعوب للإسلام والتأثير سلبا على التعريف بأخلاق الإسلام.

2-    التأثير سلبا على التماسك الاجتماعي، وتحوصل أغلب الداعين إلى الإسلام في أحزاب إسلامية متنافسة ومغلقة وغير قادرة على التعامل مع المجتمع الأوسع.

3-    تفاقم الهوة بين المذاهب الإسلامية بخاصة بين أهل الشيعة والسنة، وقادت عملية تحريض مذهبي أدى إلى قتل الناس جماعة وتهديم مساجد وبعث أحقاد وبغضاء تتأصل في نفوس الأجيال.

العودة إلى القرآن الكريم

العودة إلى القرآن الكريم تشكل الحل الأمثل والوحيد لتحقيق وحدة المسلمين والاندفاع بهم نحو الإبداع والتطور. واجب المسلمين أن يعودوا إلى القرآن الكريم وما يتوافق معه مما روي عن السنة إذا كانت لديهم جدية للعمل والبناء والتطوير العلمي والتخلص من المذلة والهوان والفتن. لقد ناشد لوثر المسيحيين في بداية القرن الخامس عشر العودة إلى الإنجيل، لكنهم رفضوا فتفتتوا، وعلى الحريصين على الإسلام أن يتوقعوا ثورة على الفكرة الإسلامية إذا استمر العديد من الفقهاء في هذا النهج الذي يتعدى على القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن يتوقعوا اقتتالا داخليا دمويا يهلك الحرث والنسل.

المسلمون بحاجة ماسة إلى مفكرين إسلاميين وليس إلى فقهاء. لدينا أعداد هائلة من الفقهاء، وكل من التحى نصّب نفسه فقيها، لكن يوجد لدينا عدد قليل من المفكرين والعلماء الذين ينشغلون بمسائل الحق والباطل والكليات العلمية الكونية والأرضية، ويخرجون الأمة من حالة الضعف والهوان والتخلف العلمي والأخلاقي، وينهضون بها بالعمل والمثابرة والصبر والإصرار على تحقيق الإنجازات. في القرآن الكريم آيتان حول لباس المرأة، لكن هناك مئات الآيات حول التفكر والتدبر والتعقل والنظر والعلم والعلماء، والمسلمون منشغلون بفساتين النساء وتنانيرهن وليس ببناء جامعات تخرج علماء يبنون الأمة.

نصوص القرآن ثابتة، ولن تنشب خلافات بين المسلمين في هذا الشأن، لكن من الممكن أن تظهر اجتهادات علمية ومنطقية وقياسية في تفسير الآيات الخلقية والتشريعية، وتلك المتعلقة بقواعد الإيمان وأسس التمييز بين الحق والباطل، وأصول الحلال والحرام. هذه الاجتهادات لا تشكل قواعد لتفريق المسلمين وتفسيخهم إلى فرق ذلك لأنها لا تنطوي على نزعات وأهواء، وإنما تستند إلى منطلقات علمية في فهم قضايا فكرية متعلقة بالحق والباطل، وإلى ظروف زمانية ومكانية في قضايا الحلال والحرام، وهي اجتهادات قابلة للتغيير وفقا لتوسع الحدود المعرفية العلمية للإنسان، وتغير أحوال الزمان والمكان. ولهذا يبقى القرآن الكريم العنوان الأول والمرجعية الأساسية لتحقيق وحدة المسلمين، إنما دون إغفال السنة النبوية التي تتوافق مع القرآن الكريم. وكلما ابتعد المسلمون عن القرآن الكريم وما اتفق معه مما روي من السنة، اتسعت خلافاتهم وتدهورت أحوالهم، وانغمسوا في ترهات الفتنة مبتعدين عن العلم والإنجاز.

القرآن ليس للتلاوة فقط، وإنما للقراءة، أي للاستقراء واستخلاص الدروس والعبر والوصايا باستمرار. وقد قال سبحانه وتعالى: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها". القرآن للتدبر إلى يوم الدين، والتدبر يعني التقصي والتدقيق والتفحص على المستويين الفردي والجماعي لكي يستمر المسلم في تطوير فهمه للقرآن الكريم والصعود بمعارفه القرآنية التي تدفعه إلى الارتقاء وليكون قدوة أخلاقية وعلمية وإنسانية وعملية. ولا بد للمسلم أن يركز على دراسة الفكر الإسلامي الذي يختص بدراسة آيات الله (القوانين الكونية والنواميس التي ينتظم الكون بها) ويفتح أمامه الآفاق بدل الاستمرار في تعقيد الفقه الإسلامي.

والأمر بسيط، لا يمكن أن يجد مسلم تبريرا في القرآن الكريم لاستباحة الدماء والسير في طريق الفتنة، أو استمراء طريق التخلف والتواكل والهزائم، أو لتقبل الحاكم الظالم أو حرمان المرأة من المضي في بناء الأمة.

 

No comments:

Post a Comment