Friday, 18 September 2015

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: بيت الأمة لا بيت الطاعة

 
بَيْتُ الأُمّةِ لا بيتُ الطاعة
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 19/9/2015)
ضاقَ صدرُ السادات بتسعة عشر نائباً فقط من ذوى الصوت المُختلِف، فحّل البرلمان وأجرى انتخاباتٍ مزورة أسقطهم فيها جميعاً فكانت بداية النهاية.
أما مبارك فقد قَّدّم نموذجين فى التزوير .. النموذج الأول أفرز ما سُمِىّ شعبياً ببرلمان الشاذلى حيث يُسمَحُ بنجاح عددٍ من المعارضين لايمثلون أغلبيةً تصويتيةً لكنهم كانوا بمثابة متنفسٍ لبخار الغضب يؤجل الانفجار إلى حين .. النموذج الثانى اعتمد نظرية (لماذا أُزَوّر معظم الدوائر ما دُمتُ أستطيع تزويرها كلها) وقد أفرز برلمان 2010 الذى سُمِّىَ شعبياً برلمان عز ولم يكن فيه إلا معارضٌ واحدٌ، فانفجر مرجل الغضب بعد ذلك بشهرين فى يناير 2011 .
المُدهشُ والمُفجِعُ أن يكون بيننا الآن من يدفع فى اتجاه استنساخ برلمان 2010، يؤكد ذلك ما حدث مع (صحوة مصر) .. منذ حوالى عامٍ تواصل حوالى سبعين من المهمومين الحقيقيين بمصر لاستطلاع الرأى فيما ينبغى عمله بشأن مجلس النواب القادم .. (أسماء تجد فيها بهاء طاهر وجلال أمين وعبد الجليل مصطفى وسكينة فؤاد ومجدى يعقوب وسيد حجاب ونور الشريف على سبيل المثال لا الحصر) لا أحدَ منهم كان راغباً فى الترشح، وإنما كان هَمُّهُم المشترك هو وضع آلياتٍ تضمن ترشيح عددٍ من النماذج الإنسانية لمجلس النواب على أساس الكفاءة والجدارة والتنوّع، وليس على أساس المُحاصصة الحزبية، وتتكون منهم (نواةٌ قِيَمِيَة) تقدم نموذجاً قابلاً للتكرار والتوسع فى البرلمانات المقبلة وتمحو بالتدريج الصورة النمطية المبتذلة لمعظم نواب البرلمانات السابقة .. ولتحقيق ذلك وُضِعت معايير صارمة وتم تشكيل لجنة محايدة تختار المرشحين بناءً على هذه المعايير ولا يَحق لأعضائها الترشح .. وسُمِىَ هذا الكيانُ (صحوة مصر).
لم تطمح (صحوة مصر) لتكوين أغلبية أو تشكيل حكومة وتركت التنافس على المقاعد الفردية بالكامل لمن يريد .. بل لم تَسْعَ لتكوين تكتلٍ مُعارضٍ وإنما مجرد نواة صغيرة من أشخاص محترمين لديهم القدرة على أداء الدور الرقابى والتشريعى للنائب .. ومع ذلك يبدو أن فى (الأجهزة) من يُفضل مجلساً مُطيعاً خالياً من أي صوتٍ مختلف .. بدأت ضغوط (الأجهزة) على المنضمين لقوائم صحوة مصر بالترهيب مع البعض والترغيب مع آخرين للانضمام إلى قائمةٍ بذاتها قيل إنها تمثل (الدولة) وأنها تموت (في حُبُ مصر) وكأنما الآخرين يكرهونها (!) .. ضغوط حقيقية وليست إشاعاتٍ، وإذا كانت دواعى عدم البَوْح بأسماء من رضخوا لهذه الضغوط مفهومةً، فإن رجلاً بقامة اللواء أ.ح/ نجيب عبد السلام قائد الحرس الجمهورى الأسبق (ومن مؤيدى رئيس الجمهورية) أزال الحَرَجَ بتصريحه للمصرى اليوم بأنه تعرض لهذه الضغوط التي تمثلت فى رسائل شفهية واتصالاتٍ تليفونيةٍ لإجباره على ترك صحوة مصر، وقد مرّ أسبوعٌ على هذا التصريح ولم يَنْفِهِ أحدٌ أو تهتز له دولة .. في الوقت نفسه كان مشهد التناحُر للانضمام إلى قائمة (الدولة) صورةً طبق الأصل من مشهد المتدافعين للترشيح تحت لافتة الحزب الوطنى (بنفس الأشخاص تقريباً) وقتَ أن كان ترشيحُ الحزب المنحل لشخصٍ ما يضمنُ له النجاح حتى بدون انتخابات.
وبالتوازى مع ضغوط (الأجهزة)، صدرت قوانين خاصة بالانتخابات البرلمانية كان باكورتها ما سُمِّىَ باللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، فإذا بها لجنةً شبه إدارية ليس لها سلطان على مؤسسات الدولة، قراراتها غير محصنةٍ ويستطيع أى شخصٍ مجهولٍ (أو مدفوعٍ) أن يطعن فيها بما يجعل قيام البرلمان واستمراره رهناً بإرادة من يُحرّك هذا الطاعن المجهول .. تفننت اللجنة فى إرباك الناخبين والمرشحين بعددٍ من القرارات غير المنطقية وتدخلت الحكومة بمزيدٍ من القرارات المُربِكة، وعزا البعضُ ذلك فى البداية إلى الفشل والتخبط الإدارى ثم شيئاً فشيئاً أصبح لدى الكثيرين يقينٌ بأن الأمر مقصودٌ لذاته .. وكأنما فُصِّلت هذه القرارات لتعجيز القائمة التى تعتمد على ثِقَلِ السُمعة لا على امتلاء الجيب .. إلى أن أصبح انسحابُ صحوة مصر إجبارياً .. الآن (ستتنافس) على مقاعد القوائم خمسةُ تحالفاتٍ، كُلُها يدّعى أنه ظهيرٌ للدولة .. جورج الخامس ينافس جورج الخامس .. وقد احتفل (الظهيرُ) الأكبر بنجاح إحدى قوائمه بالتزكية قبل الانتخابات بشهرٍ كاملٍ (!)، فإذا بظهيرٍ آخر يتهمه بسرقة ملفاته (!) .. أسفى على دولةٍ يكون هؤلاء ظهراءَها.
إن تعريف البرلمان الذى تتقدم به الأمم وتستحقه مصر هو أنه بيتُ الأُمّة الذى يتسع لكل الآراء .. أَمّا بيتُ الطاعة فلا يَصلُح إلا للنواشز من النساء وقد اختفى من واقعنا منذ عدة عقود .. فيا من لم تتعلموا شيئاً من دروس الماضى القريب .. هنيئاً لكم برلمان 2010 وإن كُنا نُشفق عليكم وعلى مصر من تَيِعاته.



No comments:

Post a Comment