Saturday 19 September 2015

{الفكر القومي العربي} روسصيا تحشر أمريكا في سوريا

روسيا تحشر أمريكا في سوريا

عبد الستار قاسم

خاص بالعربي الجديد

تردد الأمريكيون منذ البدء في اتخاذ موقف واضح من الأزمة في سوريا على الرغم من مناشدات أطراف من المعارضة السورية وضغوط من بعض الدول العربية بخاصة الخليجية للتدخل وتقديم الدعم للمعارضة. أمريكا ترددت، لكنها قدمت معونات مالية واستخبارية، وفتحت المجال أمام كواكبها في المنطقة العربية الإسلامية للتدخل بمختلف الوسائل إلا من الزحف العسكري البري. وقعت أمريكا في حيرة كبيرة من أمرها، فهي لا تريد بقاء بشار الأسد ولكنها لا تريد الإخوان المسلمين أو أي تنظيم إسلامي آخر بديلا له. هي لا تطمئن للحركات الإسلامية بتاتا، لكنها كانت عبر السنوات مطمئنة لموقف النظام السورس من الصهاينة وإنما دون أن تثق به. النظام لم يحارب إسرائيل لكنه دعم حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وساهم بذلك في إفشال أربع حروب إسرائيلية على غزة وجنوب لبنان. كما أن أمريكا لم تكن راضية عن موقف النظام في القمم العربية والجامعة العربية، وكانت تود لو يغيب.

بما أن أمريكا ليست معنية بتسليم سوريا لفئات إسلامية، فإن السياسة الأمريكية تجاه سوريا كانت تغذية الحرب لكي تُدمر سوريا فلا يكون بمقدورها الوقوف على أقدامها لعقود قادمة. وهذا ما حصل بالضبط. الحرب مستعرة في سوريا والناس يقتلون والبيوت تهدم، ولا أحد يستطيع حسم الحرب. واضح أن دولا عربية وغربية ترنمت على مشاهد الدمار في سوريا وانتعشت على مأساة الشعب السوري.

كان للمعارضة وما زال بكايات يقدمون مختلف أنواع الدعم، لكن النظام لم يكن بلا أصدقاء يغذنوه بالمال والسلاح. لم يكن بمقدور إيران أن تقف صامتة إزاء الأزمة لأن انهيار النظام السوري سيتركها بلا حلفاء في المنطقة إلا من حزب الله. وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي هي بأمس الحاجة لحلفاء في المنطقة، ولا يوجد بديل للنظام السوري أو رديف. حصلت الأطراف السورية المتحاربة على مختلف أنواع الدعم المالي والعسكري ولكن دون الوصول إلى مستوى من القوة بحيث يتمكن طرف من حسم الحرب والقضاء على الخصم. وهذه معادلة ألحقت بالشعب السوري كل أنواع العذاب والأحزان والآلام. لكن لا يبدو أن الشعب السوري جزء من تفكير الأطراف المتصارعة ومن يدعمها. نلمس في وسائل الإعلام الكثير من التباكي وذرف الدموع على الشعب السوري، هذا كذب ولا يعبر عن الحقيقة.

مع الأيام، ثبت أن الجيش السوري غير قادر على تحقيق إنجازات عسكرية تنهي الحرب، واتضح أن الجيش يعاني من مشكلتين أساسيتين لا يمكن لجيش نظامي أن ينتصر بدونهما وهما سرعة الحركة والمعلومات الاستخبارية. الجيش السوري بطيء الحركة، وكثيرا ما تفاجئه التنظيمات المسلحة وتكون أكثر سرعة منه، وهو لا يتمتع بمستوى عال من جمع المعلومات. الحروب اليوم سريعة، والثواني لها أهمية كبيرة في حسمها، والجيش الذي لا يملك معلومات غزيرة عن الخصم يخوض حربا عمياء ولا يتمكن من توجيه قواته الوجهة الصحيحة. الشعب السوري لا يبدو أنه متعاون مع الجيش، كما أن الجيش لا يملك التقنية المتطورة لجمع المعلومات، ولهذا تفكر إيران وروسيا فيما بإمكانهما أن يصنعا من أجل منع انهيار النظام.

نشهد في هذه الأيام نوعا من التحول في الصراع الدائر حتى لو لم نلمس نتائجه على الفور. روسيا وإيران توصلتا لقناعة أن مستوى الدعم العسكري الذي كان قائما عبر السنوات السابقة ليس كافيا، وأنه مطلوب منهما أن يقدما المزيد كما ونوعا. وقد طلعت علينا وسائل إعلام صهيونية تتحدث عن طيارين روس يحلقون في الأجواء السورية، وأن إيران سترسل قوات برية لدعم الأسد. لم بتم التحقق بعد من صحة أقوال هذه الوسائل، لكن الروس لا يخفون دعمهم للنظام عسكريا، وهم يتركون الباب مفتوحا لتقديم المزيد من الدعم وبأسلحة أكثر تطورا. والأمريكيون من جهتم يشعرون بالاستفزاز ويراقبون ما يقوم به الروس في سوريا أو على الشواطئ السورية. ومهما يكن، يبدو أن الفرصة مواتية أمام الروس لحشر الأمريكيين في زاوية لا يتمكنون معها المناورة بكل حرية في الأزمة السورية وذلك للأسباب التالية:

1-    أوروبا الآن تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية لأنها باتت تخشى داعش وتدفق اللاجئين السوريين إلى بلادها، وهي ليست معنية بتعقيد الحياة الاجتماعية الأوروبية أو تعريض أمن بلادها للخطر. ولهذا يعمل الأوروبيون على كبح جماح الاستمرار في الحرب سواء على المستوى العربي أو الأمريكي.

2-    أمريكا فاشلة في حربها على داعش، وربما هي ليست جادة، وعلى مدى سنة من إعلان التحالف الدولي لحربه على داعش لم يتمكن هذا التحالف حتى من تحجيم داعش.

3-    أمريكا ليست معنية بخوض حروب جديدة، ويكفيها ما خاضته من حروب فاشلة. لقد اعتدنا على عدوانية الولايات المتحدة، وهي دولة تفكر بقرونها وليس بعقلها، لكن الشعب الأمريكي سئم الحروب على الأقل في هذه المرحلة بعد الفشل في أفغانستان والعراق، وليس مستعدا أن يتقبل اي مغامرة حربية أمريكية جديدة.

4-    المنطق الروسي على الساحة الدولية وتبعا لما يسمى بالقانون الدولي أقوى بكثير من المنطق الأمريكي. الروس يدافعون عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، واستمرار نظام الحكم في سوريا يجب أن يخضع للإرادة الشعبية دون تدخل من أحد. من مبادئ الديمقراطية أن يقرر الشعب السوري لنفسه بنفسه، وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن تخضع لقرار الشعب السوري. في المقابل، لم تقدم أمريكا حتى الآن افتراحات ذات منطق يقبلها المستوى الدولي، وهي ما زالت تتخبط في تقييمها للوضع.

5-    أمريكا تدعم دولا عربية استبدادية متخلفة تقوم بدعم المعارضة السورية لإقامة ديمقراطية أو حريات للشعب السوري. وفي هذا ما يشكل نكتة على الساحة الدولية غير مستصاغة.

روسيا تعي أن منطقها يعلو على المنطق الأمريكي، وتعي أن الدول الغربية ليست معنية بالتصعيد، والمجال أمامها مفتوح لتقديم ما يمكن لحسم الحرب الداخلية في سوريا. وروسيا مطمئنة إلى الموقف الإيراني الذي لن يتردد في إرسال قوات برية إلى سوريا إذا لزم الأمر. المعنى أن روسيا بإمكانها أن تصعد الأمر في سوريا دون أن تخشى تصعيدا عسكريا مع حلف الناتو، أو نشوب حرب باردة جديدة. وهي تعي أن الدول الغربية تحصد الآن نتائج سوء صنيعها عندما دعمت تنظيمات غير قادرة على القيام بمسؤوليات أخلاقية.

No comments:

Post a Comment