Tuesday, 7 June 2016

{الفكر القومي العربي} article

 
منهج الثولان في " الحرب النظيفة "
 
صباح علي الشاهر
 
 
 
كم تبدو غبية مقولة " الحرب النظيفة "؟ هل ثمة حرب نظيفة وأخرى قبيحة؟ وهل وجدت في التأريخ كله حرب نظيفة؟
لا وجود لحرب بلا ضحايا أبرياء، بلا قسوة، ولا دمار، ولا أخذ البريْ بجريرة المذنب، بقصدية أو عن طريق الخطأ، أو على نحو عرضي كما أشاعوا في البلاغات الحربية.  الحرب جنون وهمجية، ونزول من مرتبة الإنسان إلى مرتبة ما دون الإنسان. وكل قول غير هذا ضحك على الذقون، في الحرب إما أن تَقتل أو تُقتل، ولا يوجد خيار غير هذا.
يقال أن حروب بعض قبائل الهنود الحمر كانت بلا قتل، يتقاتلون، ويستعملون كل فنون القتال التي يعرفونها، ولكن من دون قتل، ثم يعلن الخاسر خسارته بكل فروسية، فرداً كان أم جماعة، ويقر للخصم بالإنتصار، هذه القبائل أبيدت عن بكرة أبيها، ولم تبق منها دولة الديمقراطية الناهضة، سوى بضعة أفخاذ، تماماً مثلما تبقي على الكائنات الضارة، حفاظاً على التنوع البيئي، وربما للفرجة، الأمريكي الآتي من شتى بقاع العالم عدّ  الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، أقوام متخلفة، متوحشه، وهمج، حتى أن رئيس الدولة كان يمنح مائة دولار لمن يأتيه بفروة رأس الهندي الأحمر، لذا شاعت لفترة من الزمن مهنة جمع فروات رؤس الهنود الحمر، وغالباً كانت فروة الهندي الأحمر تسلخ وهو حي.
لا نتحدث هنا عن عدالة الحرب، أو عدم عدالتها، عن شرعيتها أو عدم شرعيتها، فليس ثمة حرب عادلة، أو شرعية، والجنون مهما تنوع يندرج تحت وصف الجنون.
دائماً يوجد طرف مسؤول عن الحرب، وأحياناُ تكون المسؤلية على طرفي الحرب، ونادراً ما تقع المسؤولية على مشعل الحرب فقط، هنا تكون الحرب عادلة من طرف واحد وظالمة وباغية من الطرف الآخر، حروب التحرير حروب عادلة بالنسبة للمناضلين ضد الإحتلالات وظالمة وباغية من طرف المحتل، والعدالة هنا ليست وصفاً لفعل الحرب ذاتها، وإنما لرد الثوار العنفي على محتليهم، ومغتصبي حقوقهم .  
يقول الشاعر الجاهلي، زهير بن أبي سلمى :
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ
وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً
وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا
وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ
والحرب زمن زهير ليس فيها راجمات ولا صواريخ بعيدة المدى أو قصيرته، ولا طائرات قاذفة، ولا مدرعات، ولا هاونات، ليس فيها كيمياوي ولا ذري، ولا يورانيوم منضب أو نصف منضب، ليس سوى السيف والرمح، والنبال، ومع هذا فقد كانت تعرك القوم عرك الرحى، أي تطحنهم طحن الرحى. علماً أن السيف يواجه السيف، والرمح يواجه الرمح، فكيف بزمن القصف الذي يتعدى تدمير قذيفته الواحدة المباشر مئات الأمتار المربعة، أما غير المباشر فحدث ولا حرج.
فلنسأل عن الذي يتسبب بالحروب، من يخطط لها، يثيرها ويؤجج نارها، بين الدول، و داخل كل دولة، بين المسلمين وغير المسلمين، وبين المسلمين والمسلمين، ويشيع الكراهية بين بني البشر، إذا أردنا أن نوقف مسلسل إمتهان الإنسان وقتله، وإمتهان آدميته، فلنقل بكل جرأة لمشعلي الحروب وموقدي الفتن، والمتاجرين بمحنة الأمة، كفى، لقد بلغ السيل الزبى، أما إذا كان في هذا العالم الذي نعيشه عدلاً وإنصافاً فينبغي أن يكون هؤلاء خلف القضبان يحاسبون عما إقترفوه من جرائم بحق الأوطان والأقوام والشعوب.
لا يكفي أن توضع قواعد تجرّم بعض السلوكيات أثناء الحرب، ولا تحريم قصف المسستشفيات أو المدارس أو دور العبادة، فمثل هذه المحضورات تصبح لغواً إذا تحصن داخلها المجرم أو الإرهابي أو الخصم، ومن يدعون إلى التقيد بهذه المحضورات والتحريمات أثناء الحرب، هم أول من لا يعيرها أي إهتمام عندما تتعرض بعض مصالحهم للخطر، وهم ذاتهم من يبتكرون أسلحة فتاكة لا تفرق بين البريْ والمذنب، والتي لا يقتصر ضررها على المحارب، بل يشمل مساحات شاسعة فيها الهوام والأنعام، والبشر، الأحياء منهم والأموات، ما يتلهون به وما يقدسونه، وسجلهم في الإجرام يسوّد وجوههم إلى يوم الدين .  
لو أنصفنا لما لمنا المقاتل أثناء الحروب، فهو ليس سوى وقود نار مستعرة، تصرخ هل من مزيد، لا نحتاج إلى عقل متميز لنتدبر، ونحسن التشخيص، ونعرف إلى من يجب أن نوجه غضبنا، الذي سيكون مقدساً، لأنه سينطق باسم كل مقدس في هذا العالم، لنوجه غضبنا لأولئك الذين يتسببون بالحروب، من يخطط لها،  ويثيرها، ويرعاها، ثم يجلس على التل، يؤجج النيران كلما خبت، ويزيدها ضراماً، عبر مليارته التي ينفقها على أشر ظاهرة كونية ، وعبر إعلامه الأخطبوطي، الذي يبث سموم الفرقة والحقد والبغضاء على مدى الأيام والساعات، ودونما توقف .
نعم ملك الموت لا ينام ، ولكن دعوه يستريح قليلاً . 

No comments:

Post a Comment