Sunday, 12 June 2016

{الفكر القومي العربي} article

ماذا بعد تحرير الفلوجة ؟
صباح علي الشاهر
 
ربما تكون الفلوجة قد تحررت قبل نشر هذا الموضوع، وقد يترافق نشره مع تحريرها، ولكن، وفي كل الإحتمالات لن يتعدى التحرير الكامل بضعة أيام، وستكون الحكومة أمام تحد أصبح تقليدياً، ألا وهو تنظيف المدينة وتطهيرها من المتفجرات، ومن ثم إعادة البنى التحتية المدمرة، وصولاً إلى إعادة سكان المدينة إلى بيوتهم، ومزاولة أعمالهم المعهودة ، ليس أثناء إحتلال داعش لها، وإنما قبل إحتلالها، فمن المعروف أن داعش فرضت واقعاً غريباً، حيث منعت وابطلت مهناً كثيرة كان الناس يزاولونها ويعتاشون منها، ستكون المهمة الأرأس بعد التحرير والتطهير هي مهمة الأمن، وتطبيب الجراح، وأعادة الوئام بين أبناء الفلوجة ذاتها من جهة، ومع محيطها من جهة أخرى، إذ لا يمكن إغفال أن ثمة ثارات بين بعض أبناء المدينة الذين ظلوا داخل المدينة، وبين بعض أبنائها الذين غادروها نتيجة إرهاب داعش، وبين بعض عشائر المدينة، والعشائر المحيطة بها، خصوصاً وأن داعش كان يبطش بلا رحمة، ويمعن في خلط الأوراق، ولعل لجوء أبناء المدينة إلى المعابر التي هي تحت سيطرة الحشد أو الحكومة، وإمتناعهم عن العبور من الممرات التي هي تحت سيطرة الحشد العشائري إنما يشير إلى هذا التخوف، الذي ينبغي إزالته من الإذهان، عبر الإبتعاد عن روحية الثأر، فالفلوجة مدينة منكوبة ومأسورة ، ولا يمكن إغفال أن بعض الذين إنخرطوا في الحشد، إنما إنخرطوا من أجل الأخذ بالثأر، أو لتنفيس أحقادهم الطائفية لذا ينبغي الإنتباه إلى هؤلاء وأفشال مسعاهم، فالفلوجة أولاً وآخراً مدينة عراقية أبية ، تنغرز في صرة العراق، ولها تأريخ حافل بمقارعة الأمريكان، وقدمت شأنها في هذا شأن المدن العراقية الأخرى العديد من العراقيين الذين يفتخر بهم العراق،  ليس ثمة عراقي ينسى أو يتناسى الكبير معروف الرصافي مثلاً ، الفلوجة ما كانت ولن تكون هؤلاء المهووسين القساة، الذين لا يعرفون سوى القتل والدمار، وإبادة الآخر المختلف، الفلوجة مدينة متحضرة، إختطفها أراذل الأقوام الذين جاؤها من كل فج عميق، وهي إذ تعود لحضن الوطن، فهي تعود لحضن الأم الدافيء .
كلنا يعرف أن الفلوجة كانت معزولة إلا من صوت واحد، هو صوت الإعلام المحرّض ، والمؤجج للطائفية، ولم يقيّض لأبناء الفلوجة ولا حتى أبناء الوسط والجنوب سوى إعلام الفتنة والتأجيج الطائفي، ولم يستطع الوطنيون حتى الآن خلق إعلام بديل، لا لضعف القدرة، وإنما لأن مليارات المتخمين تصب في الإعلام الآخر الذي بات البعض يعتاش منه ، متجاوزاً ضمير المهنة، ومتخلياً عن إنسانيته.
الأبرياء من أبناء الفلوجة ضحايا داعش، فلا تجعلوهم ضحايا مرتين . الآن تحديداً ينبغي أن ينهض الصوت العراقي الذي يرفع الصوت عالياً : إبن الفلوجة أخي ، مثلما إبن مدينة الصدر الذي يذبح كل يوم .
مع تحرير الفلوجة، ينبغي أن تتحرر النفوس، وهذا هو الإنتصار الحقيقي، ليس على داعش فقط، بل كل أعداء الحياة، وأعداء العراق، أو لئك الذين سينصبون مناحة، مدعين الدفاع عن أبناء الفلوجة، وهم لم يدافعوا عنهم يوم كانوا تحت رحمة داعش التي لا ترحم. ستشتغل ماكنة الأكاذيب، لا أحد يدعي أن ليس ثمة أخطاء حدثت أو ستحدث ، ولا يطلب أحد التغافل عن مثل هذه الأخطاء، بل الواجب تعريتها والوقوف بوجهها، ولكن الأكاذيب وأنصاف الحقائق، تقتل الحقائق، وتشوهها، تماماً مثلما تشوه الرؤية أمام الإنسان العادي فتجعله يرى الصواب خطأ والخطأ صواباً ، وهذه أكبر جريمة يمكن أن تقترف بحق الإنسان.
ينبغي أن لا يكون تحرير الفلوجة على نمط تحرير الرمادي التي لم يبق فيها حجر على حجر، بعد أن أوكل تحريرها للأمريكان والقوات الدولية، ونقولها صريحة واضحة بوجه أولئك الذين زعموا أن من حرر تكريت، وهم العراقيون، قد سرقوا الثلاجات وقناني الغاز، نريد تحرير الفوجة كتحرير تكريت حيث سيحتفل به أبناء الفلوجة بعد عام ، مثلما إحتفل أبناء تكريت والعلم بتحرير مدينتيهم على أيدي أبناء العراق. 
صفحة داعش ستطوى في العراق، وما بعد الفلوجة ستكون القائم ، ثم الشرقاط والقيارة ، وسيكون مسك الختام الموصل، ولكن هذه الصفحة التي ستطوى، قد تعود بأشكال أخرى، إذا لم نحوّل النصر العسكري، إلى نصر عراقي، ينسب لأبناء العراق، يوحد العراقين، ويعلن بداية الخلاص من الطائفية والنهج الطائفي، لا تقولوا النصر في الفلوجة ، بل قولوا إنتصار الفلوجة العراقية على الإرهاب .
 إنتصار الفلوجة ، سيكون إنتصارا للعراق كله، وبداية النهاية لإرهاب داعش على نطاق المنطقة ، وربما على النطاق العالمي .  

No comments:

Post a Comment