Saturday 11 June 2016

RE: {الفكر القومي العربي} يحيى حسين: رحم الله الفريق محمد إبراهيم سليم

رحم الله محمد إبراهيم سليم ورحم جيل من العظماء


Date: Sat, 11 Jun 2016 07:08:04 +0000
From: alfikralarabi@googlegroups.com
To: yehiahussin@yahoo.com
Subject: {الفكر القومي العربي} يحيى حسين: رحم الله الفريق محمد إبراهيم سليم

رَحِمَ اللهُ الفريق محمد إبراهيم سليم
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 11 يونيو 2016).

كُلّما تَتَالَت الأنباءُ المُخزيةُ عن مهازل الغِشِ ، تذَكّرتُ الفريق/ محمد إبراهيم سليم مُنشئ الكُلية الفنية العسكرية وأَحَدَ البنائين العِظام فى تاريخ مصر وَتَرَحّمتُ عليه .. وقصةُ الكلية الفنية العسكرية مَلحمةٌ تستحق أن يُفرَدَ لروايتها مساحةٌ أكبر فى وقتٍ لاحقٍ، لكننى سأُرَكِّزُ اليومَ على جانبٍ مُشرقٍ واحدٍ كُنّا نظُنّه وقتها عادياً واكتشفنا لاحقاً أنه لم يكن كذلك.
لا أنسى ذلك اليوم فى الأسابيع الأولى لالتحاقنا بالكلية، عندما تُلِىَ علينا فى الطابور قرارُ مجلس الكلية برئاسة الفريق سليم بمعاقبة اثنين من طلبة السنة الخامسة بالعودة للسنة الثالثة بتُهمة محاولة الغش فى أحد الامتحانات .. كانت العقوبةُ غريبةً على مسامعنا، فهى ليست رسوباً أو حرماناً من دخول الامتحان وإنما تنزيل عامين، وهى عقوبةٌ بالغةَ القسوة والإذلال لا سيما فى كُليّةٍ داخليةٍ، أى أن الطالب المُعاقَبَ لن يجلس فى بيته طول العام ويذهب للامتحان فى نهايته، وإنما سينضم إلى طُلاّبٍ أحدث منه يحضر معهم محاضراتهم التى سبق له حضورها من عامين ويمتحن معهم من جديد، ويسبقه فى الأقدمية ويُشرف عليه طُلاّبٌ أحدث منه .. تكررت هذه العقوبة الغليظة ثلاث أو أربع مرّاتٍ خلال فترة دراستى بالكلية، واعتدنا على سماعها .. كان الرجلُ يقول إنه لا يستقيم أن تكون ضابطاً وغشاشاً فى آنٍ واحدٍ، ويُرَسّخُ فى أذهاننا قاعدةً مفادُها: أن ترسُبَ خيرٌ من أن تَغِّش .. كان يُفاخر بأن غالبية طُلاَّبِه من ذوى المجاميع المرتفعة من أبناء الفلاحين .. لم يكن عصر اللياقة الاجتماعية قد بدأ بعد .. وقد أهدى الرجل لمصر آلافاً من أبناء الفلاحين من الضباط المهندسين الذين أسهموا بعقولهم ودمائهم فى معارك الفداء والتنمية داخل الجيش وخارجه.
كان الفريق سليم ابن عصره .. عصر حصل فيه ابن سائق رئيس الدولة على مجموعٍ ألحقه بهندسة القاهرة بينما ابنة الرئيس لم يؤهلها مجموعها للالتحاق بأىٍ من الجامعات الحكومية فاضطر أبوها لإدخالها الجامعة الأمريكية ..كان الالتحاق بالجامعة الأمريكية دليلاً على الفشل لا الثراء .. ومع بدايات عصر الفهلوة بدأ الانهيار يضرب منظومة القيم بادئاً من أعلى هرم السلطة إلى أدناه إلى أن صار الغش منهج حياة.
فى مارس 1974 كان عالم الرياضيات الشهير الدكتور عبد العظيم أنيس مُكَلَّفاً بوضع امتحان الرياضيات للثانوية العامة وهى معلومةٌ بالغة السرية .. وكان ابن الرئيس المؤمن فى الثانوية العامة وكان ضعيفاً جداً فى الرياضيات .. فوجئ د.أنيس باتصالٍ من الرئاسة يستدعيه إلى منزل الرئيس لإجابة بعض أسئلة ابنه في الرياضيات، فغضِبَ بشدة واعتذر لمحدثه قائلاً: ألا تعلم أن أستاذ الجامعة يُحال إلى مجلس تأديبٍ إذا أعطى دروساً خاصة؟ .. وفي الصباح ذهب إلى وزير التعليم وأخبره بما حدث، فإذا بالوزير يحاول أن يقنعه بالذهاب إلى منزل الرئيس لتقييم الولد، فأمه كثيرة الاتصال بالوزير وهى منزعجةٌ بسبب مستواه وتخشى عليه من الرسوب في الامتحان ولا تعرف ماذا تصنع ! .. فقال له د. أنيس: لو المسألة مجرد تقييم للولد لماذا لا ترسل له أحد المدرسين الأوائل؟ فاستخدم معه الوزير مدخلاً وطنياً عاطفياً قائلاً: إن السادات خارجٌ من حرب أكتوبر، وليس لديه وقتٌ للإشراف على الولد ! .. فضحك د.أنيس وقال : هل تريد أن تقنعني أن السادات لو لم يكن خارجاً من حرب أكتوبر لساعد ابنه في الرياضيات؟ إنني بصراحة لا أتوقع من وزير التعليم أن يطلب مني هذا الطلب.
يختم د. أنيس شهادته قائلاً: وانصرفتُ من مكتب الوزير حزيناً، وكان أشد ما أحزنني هو الشعور بأن مصر تُدار كعزبة .. وعلى الخولي والتَمّلي والأنفار أن يكونوا في خدمة السيد صاحب العزبة، وأن الحديث عن سيادة القانون هو عبثٌ في عبث ! .. وقد عرفتُ بعد ذلك أن شخصاً ما تقدم لهم بالحل العبقري .. وهو إخراج ابن الرئيس من امتحان الثانوية العامة المصري وإدخاله امتحان الثانوية الإنجليزية في يونيو، حيث لا يوجد امتحان في اللغة العربية، وحيث امتحان الرياضيات هو امتحان الضرب والقسمة، و لا شيء أكثر !.
انتهى الاقتباس من رواية د. عبد العظيم أنيس .. بعدها سارت الأمور إلى الأسوأ .. ففى منتصف الثمانينات قام وزير التربية والتعليم بحرمان أول حالة غشٍ جماعىٍ مضبوطةٍ من الامتحان، فانبرى له زعيمُ الأغلبية البرلمانية للحزب الوطنى المنحل فى جلسةٍ تاريخيةٍ مُنادياً بالعفو عن أبنائنا الغشاشين حتى لا يضيع مستقبلهم مُؤكداً أن الله يعفو عن عبده المخطئ فكيف لا نعفو نحن؟، فتمت الموافقة على إلغاء العقوبة وسط تصفيقٍ حادٍ من السادة نُوّاب الشعب الذين كان معظمهم غير حاصلٍ على الثانوية العامة فضلاً عن نجاحهم في الانتخابات بالغش أصلاً .. الله أعلم كم واحداً من هؤلاء الطلبة الغشاشين المعفو عنهم يومها تبوأوا مناصب فى هذا البلد المُبتلى فضَيّعوا مستقبلنا بدلاً من أن يضيع مستقبلهم.
فيما بعد أصبح الغشُ مطلباً جماهيرياً وصارت قُرىً بأكملها تتكاتف لجمع تبرعاتٍ من أولياء الأمور لإكرام المُراقبين القادمين لامتحان الثانوية العامة والاحتفاء بهم ليَرُدّوا الكَرَمَ بِكَرَمٍ أكبر.
عندما تابع رواد الفيسبوك قبل فترةٍ تعليقاتٍ لأحد الأساتذة الجامعيين مليئةً بأخطاء إملائية فضائحية من مستوى طبعن بدلاً من طبعاً، كتب أحد المعلقين مشككاً فى جدارة هذا الدكتور بالدكتوراة ومؤكداً أنه لا يمكن أن يكون قد حصل على الثانوية إلا بالغش .. بعد شهور صار الدكتور وزيراً !.
فبِحَقِّ هذا الشهر الكريم، تَرَحَمُوا معى على الفريق محمد إبراهيم سليم.




--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at https://groups.google.com/group/alfikralarabi.
For more options, visit https://groups.google.com/d/optout.

No comments:

Post a Comment