Sunday 24 December 2017

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: حَزَّر فَزَّر مَن الذى سكب اللبن المسكوب؟

حَزَّر فَزَّر.. مَن الذى سَكَبَ اللبنَ المسكوب ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى

بمجرد إعلان سويسرا إلغاء قرار تجميد نحو 700 مليون دولار من أموال آل مبارك ورموز نظامه، خرجت الأذرع الإعلاميةُ تدعو لعدم البكاء على اللبن المسكوب مع لومٍ مُبَّطَنٍ للشعب بأنه السبب لأنه لم يُحَّرِك قضيةً واحدةً تخص فساد هذه الأموال وبالتالى لا يوجد أى حكمٍ قضائىٍ يدل على أنها أموالٌ حرام (!) .. والحقيقةُ أن الشعب لا يملك أن يُحَّرِك قضايا .. الشعب يُقَّدِم بلاغاتٍ (وقد تقدم بالآلاف منها) .. الذى يملك تحويل البلاغات إلى قضايا (ثم يتابع دوره إلى أن تَصدُر الأحكام) هو النائب العام .. أما السيد فريد الديب فقد أقام الأفراح فى الفضائيات مُعتبِراً القرار السويسرى تبرئةً لمبارك من تهمة تهريب أموالٍ له بسويسرا (وكأنما كانت سويسرا تُجَّمِدُ الهواء وليس سبعمائة مليون دولار تم تجميدها عقب ثورة يناير المجيدة "رغم أنف اللصوص" قبل أن تنخفض إلى 430 مليون، بعد أن طلبت السلطات المصرية شطب أسماء من القائمة أبرمت اتفاقات تصالح معهم) .. وفى الوقت الذى يُطلق فيه النظامُ كلابَ السكك لتنهش فى الشرفاء يومياً فى الإعلام دون محاسبة، لم يُجِب سؤالنا المتكرر بخصوص مصدر ومصير ما يوازى نصف هذا المبلغ (340 مليون دولار أى نحو سبعة مليارات جنيه) أَقَرَّ واعترف بهما علاء وجمال مبارك فعلاً .. وفيما يلى استرجاعٌ لبعض المحطات فى الطريق تاركاً لفطنة القارئ تحديد مَن الذى سَكَبَ هذا اللبن بالضبط:
1-ما كاد المستشار/ عاصم الجوهرى رئيس جهاز الكسب غير المشروع (آنذاك) يُصرح فى أكتوبر 2011 بأن اللجنة تَمَكَّنَت من اكتشاف 340 مليون دولار مودعة فى حسابٍ فى سويسرا باسم علاء وجمال مبارك، حتى انبرى مُحاميهما السيد/ فريد الديب نافياً أن تكون لجنة الجوهرى هى التى اكتشفت هذه الأموال وإنما مُوكلاه هما اللذان بادرا من تلقاء نفسيهما بالإبلاغ عنها فى التحقيقات، وحددا البنوك السويسرية المودعة فيها، ومصادر وتواريخ حصولهما عليها، وكلها مصادر مشروعة لا علاقة لها بمصر! (ما سبق هو كلام الديب أما علامةُ التعجب فهى من عندى) .. ولم يوضح أحدٌ للآن كيف كَوَّن علاء وجمال سبعة مليارات جنيه فى سويسرا لا علاقة لها بمصر؟!!.
2-ثم كَرَرَّ الديب نفس الكلام فى حواره المنشور فى المصرى اليوم فى 21 أبريل 2013، وأضاف إليه أنهما يملكان أيضاً 150 مليون جنيه في البنوك المصرية، وأن مصر قدمت بلاغاً ضد جمال وعلاء في سويسرا، فقام السويسريون بالتحفظ على الأموال، وبدأوا في البحث عن الجريمة المنظمة، وقالوا إن هناك جريمة منظمة وجاءوا فيها بأسماء كبيرة جداً، فقدمت مصر طلباً للاطلاع على هذه التحريات، فعُرِض الأمرُ على المحكمة العليا السويسرية التي رفضت الطلب .. هذا أيضاً كلام السيد فريد الديب منذ أكثر من أربعة أعوامٍ.
3-فى ليلة استقالة وزير العدل الأسبق محفوظ صابر على خلفية تصريحٍ مستفز، تَداخل السيد فريد الديب هاتفياً مع أحد البرامج الفضائية وكان شديد التحمس لترشيح صديقه المستشار الزند للوزارة، وهو ما لم يأخذه الكثيرون مأخذ الجد واعتبروه مجرد مجاملةٍ من صديقٍ لصديقه، لأسبابٍ أَقَلُّها أن التصريح الذى أطاح بالوزير محفوظ مجرد قطرة فى بحر تصريحات السيد الزند.
4-فى صباح اليوم التالى عَيَّنَ الرئيسُ الزندَ وزيراً للعدل(!) وكان أول قراراته تغيير جهاز الكسب غير المشروع بالكامل واستبداله بجهازٍ آخر صُنِع على عينِه.برئاسة مستشارٍ ورد اسمه فى قضية الكسب غير المشروع المعروفة بهدايا الصحافة والإعلام، قبل أن يَرُدَّ ما تَكَسَّبه مع أربعين آخرين من بينهم زكريا عزمى وصفوت الشريف.
5-أصدر رئيس الجمهورية القانون الذى أجاز لأول مرةٍ فى التاريخ الإنسانى المُعاصر (فى مصر والعالم) ما ظل محظوراً دستورياً، وهو التسوية الودية والصلح مع مُرتكبى جنايات الاعتداء على مصالح الدولة والمنصوص عليها فى قانون العقوبات (مثل جرائم الترَّبُح واختلاس الأموال العامة والخاصة والاستيلاء عليها بغير حق) وأن يكون هذا التصالح خارج ولاية القضاء حتى لو صَدَرَ حُكمٌ جنائىٌ بالإدانة والعقوبة، وبالقيمة التى تُقَدرها لجنةٌ حكوميةٌ يشكلها رئيس الوزراء ويشارك بها محامو السادة اللصوص(!).
6-بعد عدة شهورٍ اتَّضَح أن هذا القانون (رغم ما به من عَوَارٍ) لا يعفى من العقوبة شركاءَ اللص (كالموظف العام الذى سَهّل له السرقة مثلاً) فصدر تعديلٌ آخر يشمل بالعفو كل العصابة، فيعود كلٌ مِن أفرادها (بالقانون) خالياً من الذنوب كيوم ولدته أُمُهُ.
7-عندما ألحَحْتُ فى السؤال قبل أن أُمنَعَ من الكتابة فى الأهرام، عن مصدر الحصول على هذه الحسابات السويسرية التي لا علاقة لها بمصر، والحسابات المصرية التي لا علاقة لها بسويسرا، والأسماء الكبيرة جداً المتورطة في الجريمة المنظمة، وهل لا زالت هذه القضيةُ قيد التحقيق أم أنها حُفِظَت باعتبار هذه المليارات كَسبَاً مشروعاً ومالاً حلالاً، وعشرات الأسئلة الأخرى، تم التهديدُ بمقاضاة الأهرام ومُنِع المقالُ من النشر.
8-منذ أيامٍ أنهت سويسرا هذه الدراما وألغت قرارها السابق بتجميد ما تَبَّقَى من أموالٍ فى هذه الحسابات ليصبح من حق أصحاب هذه الحسابات التصرف فيها بمنتهى الأريحية، فغرَّد علاء مبارك على حسابه بموقع "تويتر" قائلاً: "الحمد والشكر لله" ونشر الآية الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".وارتدى صاحب الفضيلة فريد الديب ثياب الواعظين ناصحاً المصريين بأنه قد آن الأوانُ لأن يعودوا إلى الله ويتوقفوا عن الافتراء على مبارك (!).
9-عزيزى القارئ .. إذا توصلتَ لإجابة سؤال العنوان فاحتفظ بها لنفسك حتى لا تقع تحت طائلة القانون .. لا سيما وأنها مسابقةٌ بلا جوائز .. فالبلد مديونةٌ .. واحنا فُقَرا قوى.
(مصر العربية- الاثنين 25 ديسمبر 2017- هذا المقال يُعَّبِرُ فيه كاتبه عن رأيه الشخصى وليس كمتحدثٍ باسم الحركة المدنية الديمقراطية) .


No comments:

Post a Comment