إيران تنهزم أمام القوة الناعمة
صباح علي الشاهر
الصراع الداخلي في إيران بين المحافظين والإصلاحيين يخبو حيناً ليندلع في أكثر الأحيان ، وإذ كان المحافظون أكثر وضوحاً فالإصلاحيون أكثر ضبابية وإلتباساً ، وبدءاً من أبطحي وصولاً لآخر التصريحات إمتاز خطابهم بالعنجهية والتعالي ، فمن " لولانا لما تمكنت أمريكا من إحتلال العراق" إلى " نحن نسيطر على أربعة عواصم عربية " كان خطاب الإصلاحيين مستفزاً لمشاعر جيرانهم العرب ، وبالأخص العراقيين.
كلما اشتد الخناق على إيران نتيجة الحصار الذي تفرضه أمريكا وتواطؤ الغرب ، كلما إشتد إحتلاب العراق ، هذا الإحتلاب الذي يستوجب دعم الحكام العراقيين الفاسدين لنيل قسط أكبر من إحتكار السوق العراقية، ومن العملة الأجنبية ( الدولار) الذي شح في إيران ، حتى كاد أن ينضب .
وإذ كانت إيران تنسج خيوطها المتينة مع الحكام العراقيين بمختلف تلاوينهم ، حتى لتبدو كما لو أنها الأساس الداعم لهذه الطغمة ، رغم أن الأمر ليس هكذا فعلياً ، فالطغمة الحاكمة في العراق أمريكية الهوى والوجود ، وهي لا تستطيع الخروج عما تريده أمريكا قيد أنملة ، لكنها تلتزم بتوسيع التعاون الاقتصادي مع إيران ، وأمريكا تغض النظر عن هذا الأمر ، لا بل تشجع الحكام على هذا الإنخراط الذي سيوسم السلطة العراقية بسمة التبعية لإيران ، وهذا يعني أن النهب وتعطيل مصالح الناس ، والفساد المتعدد الأوجه ، سوف لن يكون بسبب الإحتلال ، ومن جاء بهم الإحتلال ، و إنما بسبب تبعية هذه السلطات لإيران، التي تعطل تطوير الكهرباء من أجل إستيرادها من إيران وتمنع تشغيل المعامل من أجل إستيراد إحتياجات العراق من إيران ، وإيران راضية بهذا ، فهي تارة تقطع الروافد المشتركة بينها وبين العراق ، من أجل إحتياجاتها كما تقول، وكي يضعف الإنتاج الزراعي العراقي كما يقول بعض العراقيين، وتارة تطلق سيولها لتغرق الحرث والنسل ، وهي تدعي عدم قدرتها السيطرة على هذه السيول ، في حين يرى البعض أنها تندرج ضمن موقفها الذي تتبناه ألا وهو التضحية بمصالح الجار من أجل مصالحها.
وحكام إيران الإصلاحيين الذين لا يختلفون من حيث الفساد عن أقرانهم العراقيين إلا بالدرجة، مطمئنون لمستقبل العلاقة مع العراق طالما الحكام الذين يحسبون أنهم أتباعهم في السلطة ، وطالما مصالحهم الإقتصادية مؤمنة ، وطالما لهم نفوذ على قوة مسلحة وازنة في العراق ، وهم مشغولون بدعم ترسانتهم العسكرية ، وفي كل يوم لهم إضافة في المجال العسكري، وكلما زاد الخناق عليهم إزدادت تصرحات القادة العسكريين في تأكيد القدرة والإقتدار ، وتكررت مفردات السحق والمحق .
أي شيء قدمته سلطات الإحتلال في العراق سوى الشعائر ، التي تزداد غلواً وإمعاناً بالتخلف سنة بعد أخرى ، لقد منعت النوادي ، والسينما والمسرح ، والغناء والموسيقى، وحولت أيام العراق إلى مناحة وجنازة دائمة ، وفي المقابل كانت أمريكا تستقبل الشباب المتمرد ، وتنظمه عبر ما سمي بمنظمات المجتمع المدني ، عشرات آلاف المنظمات التي تدعو للفرح بمقابل الحزن والكآبة التي فرضت على العراق، وتنشر مئات من وسائل الإعلام المتحررة ، وآلاف المواقع الألكترونية التي رعتها ودعمتها منذ أيام الإحتلال الأولى ، بالإضافة الى الإعلام الخليجي بالتقنيات الهائلة ، وبعد أن مدت أذرعها إلى كل مدينة وحي وناحية وقرية ، وبعد أن وضعت أتباعها في كل مفاصل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن ، وبعد أن ربطت إقتصاد البلد بحيث لا يمكن أن تتم عملية تحويل 2000 دولار إلا بموافقتها ، وبعد أن وزعت قواعدها في كامل التراب العراقي ، وبعد أن وضعت القوانين التي لا إمكانية للفكاك منها ، وبعد أن صاغت ما أسمته بالعملية السياسية بحيث يصبح جميع المساهمين فيها كثيران النواعير يدورون ويدورون ويعودون إلى النقطة التي بدأوا منها . وبعد أن صبغوا عملائها الفاسدين الذين إنتقتهم إنتقاءاً بصبغة العملاء لإيران ، جاء دور التخلص من النفوذ الإيراني ، ليخلو الجو كلياً لـ" مطيرة "، وليتم بعد أكثر من 16 عاماً على الإحتلال تطبيق الشرق الأوسط الجديد ، بعد أن وصلت سياسة " الفوضى الخلاقة " إلى خواتيمها ، آن أوان التقسيم ، وتطبيق صفقة القرن .
إذا كان " روح الله زم" الإيراني ، وهو خارج إيران ، فعل ما فعل بإيران، فكم "روح الله زم " عراقي في العراق الواقع بين مخالب أمريكا وأسنانها منذ 16 عاماً ، وماذا يمكن لـ "لزمات العراق" أن يفعلوا ، وهم يحضون برعاية تامة ومباشرة ممن أصبح العراق ملعبة ، ومنطلقه للهيمنة على المنطقة ؟
هذا زمن إنتصار " القوة الناعمة " ، وأمريكا تلعب هذه اللعبة منذ أمد بعيد ، وتراكم خبراتها ، وإيران عاطلة إلا من عنتريات أكل عليها الدهر وشرب ، وشعارات نبيلة طريق تحقيقها لا يتم عبر التعارض مع الحريات العامة ، ومتطلبات جيل وجد ليعيش في هذه الحياة المترعة بالمسرات والفرح ، نحن أمام جيل جديد لا يضحي بحريته وحقه في أن يعيش بكرامة من أجل قضية مهما كانت عادلة ونبيلة ، فهل كثير على المؤمنين بالقضايا الكبرى منح هذا الجيل المدهش بعض ما يريده ، فأولا وأخيرا هذا الجيل هو من سيعيش الغد الموعود الخالي من التبعية ، غد التحرير الناجز ، إذا أصررتم على منعه فإنه سينزل للساحات والشوارع مطالباً بـ " نازل آخذ حقي" ، ومن يقف أمام هذا الجيل يصبح فعل ماض .
No comments:
Post a Comment