Friday, 20 December 2019

{الفكر القومي العربي} السلطان والقرصان

السلطان والقرصان

معاريف– بقلم عاموس غلبوع – 19/12/2019
​" بينما تحول تركيا مناطق واسعة من البحر المتوسط فتجعلها "مياه اقتصادية" لها، فان اوروبا والولايات المتحدة تصمتان، وحتى في اسرائيل ينشغلون في السياسة الداخلية ".
​في 1571، قرب مضيق كورينتوس في اليونان، في المكان الذي يسمى لابينتو، الحق اسطول اوروبي مشترك هزيمة ساحقة بالامبراطورية العثمانية. ومنعت هذه المعركة سيطرة عثمانية محتملة في البحر المتوسط. لقد كان للامبراطورية العثمانية جيش بري قوي، ولكن اسطول ضعيف تشكل في معظمه من رجال بحر يونانيين وسطاة بحار. اليوم، بعد نحو 450 سنة، يفهم اردوغان، الذي يرى نفسه كالسلطان التركي، اهمية الاسطول البحري.
​يوجد لتركيا الاسطول الاقوى في البحر المتوسط. ومفخرة الاسطول التركي هي 14 غواصة المانية متطورة (وعلى ما يبدو أربع غواصات اخرى مخطط لشرائها من المانيا، واغلب الظن دون أن تطلب ميركيل إذن البيع من اسرائيل)، و20 سفينة صواريخ اخرى مزودة بافضل السلاح الامريكي؛ حاملة طائرات خفيفة ستدخل قريبا، على ما يبدو، في الخدمة العملياتية. ومقابله يوجد الاسطول المصري المتعاظم، وكذا الاسطول اليوناني، واللذين هما اضعف منه. كل هذه المعطيات تلقى المعنى امام ثلاثة سياقات تجري منذ زمن ما في الحوض الشرقي من البحر المتوسط.
​الاول، مكتشفات من مخزونات كبرى من الغاز في الحوض الشرقي من البحر المتوسط واحتمال الثراء الهائل القائم فيها. ومجرد السياق يبعث على السؤال لمن تعود المياه التي يوجد فيها الغاز/النفط. في هذا الاطار يصعد الى المنصة اصطلاح "المياه الاقتصادية". هذه المياه تعرف كالاراضي البحرية التي يوجد للدولة فيها الحق في استغلال المقدرات الطبيعية على مسافة تبعد حتى نحو 300 كيلو متر عن شواطئها، بقدر ما لا تدخل الى "المياه الاقتصادية" لدولة مجاورة.
​السياق الثاني هو "السيطرة" بالقرصنة من جانب الاتراك. فقد بدأ هذا في أنهم اخذوا ينفذون تنقيبا عن النفط في المياه السيادية لقبرص، في ظل الاستخفاف بالاتحاد الاوروبي. وواصل هذا قبل نحو اسبوعين، حين اعلن الاتراك رسميا عن انهم توصلوا الى اتفاق مع حكومة ليبيا على "مياه اقتصادية" مشتركة تمتد من تركيا وحتى ليبيا: رواق بحري بطول نحو 700 كيلو متر وبعرض نحو 200 كيلو متر يقطع البحر المتوسط بين قبرص وكريت التي في اليونان. وبعبارة بسيطة: سطا الاتراك على مساحة من "المياه الاقتصادية" من اليونان، من قبرص وايضا القليل من مصر.
​السياق الثالث هو "حرب الدولتين" المتعاظمة في ليبيا، والتي تتقاتل فيها حكومتان الواحدة مع الاخرى. الاولى في طرابلس، في غربي الدولة، والمعترف بها من الامم المتحدة، ومدعومة من الاتحاد الاوروبي وتتلقى مساعدة عسكرية تركية آخذة في التعاظم. وقعت هذه الحكومة على الاتفاق مع تركيا. اما الثانية، فتسيطر على معظم اراضي الدولة، تتلقى مساعدة عسكرية روسية، وتحظى بدعم من مصر والسعودية. وهي بالطبع لا تعترف بالاتفاق مع الاتراك.
​وهكذا، بينما ينشغلون عندنا باهتمام شديد في صراع ساعر ضد نتنياهو، تمكن سلاح البحرية التركي من طرد سفينة بحرية اسرائيلية من شواطيء قبرص، والحوض الشرقي للبحر المتوسط يسخن قبيل الشتاء. الاجواء مفعمة بالتهديدات: الاتراك يهددون، المصريون يهددون، اليونانيون يشتكون ويحتجوا.
​ومن يصمت؟ الاتحاد الاوروبي الذي داست تركيا بقدم فظة على سيادة اثنتين من اعضائه. السبب: اردوغان يهدد باغراق اوروبا ببضعة ملايين من اللاجئين، والاتحاد الاوروبي يرتعد. تصوروا كيف كان سينهض كالاسد لو كانت "تجرأت" اسرائيل على اخلاء البدو من الخان الاحمر. واين قيادة ترامب؟ يخيل لي انه هو فقط يمكنه أن يضع حدا لعربدة اردوغان. ولكن دعكم من اوروبا: هذه ايضا مشكلة امنية لنا، ستتفاقم في المستقبل اذا ما واصل السلطان قرصنته.


No comments:

Post a Comment