جسر تسوية إخوانية إلى غزة
إن لم تقل الصدق فلا تكتب!
عادل سمارة
بينما يتصاعد العدوان، وتشدد قواعد المقاومة ضرباتها للعدو تجري تسريبات سياسية تثير قلقاً خطيراً، وأخطر منه السكوت عليه. وقد يكون كشف هذا اسهل على من لا يرتبط هنا أو هناك بل مع الناس.
فما معنى سحب السفير المصري من الكيان وهو ما كان يقوم به مبارك، وما معنى زيارة رئيس وزراء مصر لغزة وربما وفد تونسي وتقاطر وفود رسمية عربية أخرى وحتى بان كي مون ، بدل إعلان حالة الطوارىء في الجيش المصري ومد جسر تسليح لغزة كما فعلت الولايات المتحدة عام 1973 حيث مدت جسر تسليح للكيان، ولماذا لا تُفتح المعابر والأنفاق كليا ، ولماذا لا يُنزع الجدار الفولاذي، وما معنى اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب إن لم يكن على الأقل من أجل إنهاء اتفاقات الاعتراف بالكيان وتجديد المقاطعة واجتثاث بؤر التطبيع وتشكيل قوة ردع عربية تشارك وترد على القصف بالقصف على الأقل. وماذا عن يوم غضب شعبي عربي ومليونيات هنا وهناك سيتم خداعها كما حصل في العامين الماضيين؟ أليس هذا لتفريغ الشحنة الشعبية ويتم هذا طبعاً تحت رقابة قوى الأمن المخروقة لا شك بمخابرات العديد من الدول الغربية والكيان؟ أما جمع الأموال، فقد قدمه أمير قطر سلفاً وكأنه يعلم بما سيجري ومن هذه الأموال "دِيَّة" الشهيد الجعبري. وتبقى الخاتمة الكوميدية ان يُنفخ في القرضاوي ليزور القاهرة ويؤم في الناس، وهناك ربما يميل لسانه للتحريض على سوريا ويشد من عزائم السلفيين والوهابيين ولن يقول لهم هلموا إلى غزة!
تأكدت هذه التحسبات حين استمعت إلى خطاب إسماعيل هنية الذي بدا مرتاحاً وكأنه أزاح عقبة الجعبري من الطريق إلى المفاوضات على غرار حكومة رام الله. فقد اثنى على حكومات الدين السياسي في مصر وتونس، بدل أن يثني على صواريخ إيران وسوريا.وبدل أن يطلب الدعم العسكري من إيران وسوريا رحب بالزيارات السياسية لقيادات اغتالت الربيع العربي إن كان ربيعاً!
كان المفروض في الشيخ هنية أن يقول: أما وقد توحدت كوادر القتال على الأرض، فإننا قد شكلنا حكومة وحدة وطنية من كل القوى لطوي صفحة الانقسام بدءأً من غزة. لِمَ لا، فبمعزل عن شكل استيلاء حماس على السلطة في غزة، لماذا تفردت بالسلطة؟ أليس وراء هذا قرار سلطوي عتيق وقرار أخطر هو العبور إلى التسوية دون معيقات. ومغادرة حماس لدمشق إلى قطر، ليست مجرد زوغان في خط الطيران.
أما دولياً فيدور الحديث عن زيارة بان كي مون للحكم الذاتي، ولا شك أن الاتصالات عالية وغزيرة بين الحكام العرب والمراكز الإمبريالية في محاولة لكسر بوتقة المقاومة.
وهكذا، بينما يتصدى المقاومون جميعاً للعدوان بأسلحة إيرانية وسورية في محاولات بطولية لردع استعادة العدو لقوة الردع والمبادرة، يحدث على المستوى السياسي ما يُقلق. يقوم المستوى السياسي العربي وخاصة من مصر باستعادة دور النظام السابق ولكن بالهروب إلى الأمام.
إن مجرد حصول هذه الزيارات هو تأكيد بأن الغزو البري لن يحصل، وأن هناك طبخة سياسية كبيرة يتم التحضير لها. فبدل تجديد مخزون السلاح السوري والإيراني يتم دفع قوافل سياسية رسمية عربية في تاكيد بأن لا جديد حصل في الوطن العربي، وإنما المتغير هو طبيعة الإخراج للدبلوماسية ولكن الجوهر واحداً.
إذا وضعنا هذه الأمور إلى جانب بعضها البعض، يبدو أن ما يتم ترتيبه هو الأخطر فهو استبدال الهدنات الصغيرة غير المباشرة بهدنة كبيرة بإشراف رسمي عربي ودولي كان الإخوان المسلمون قد صاغوها مع قيادات في حماس استدعاء قسريا لصلح الحديبية. اي هدنة تمتد لعشرين عاماً/ وهو ما يعني وقف المقاومة ومن ثم إدانتها، والرد على اية قوة مقاومة بأن قيادة حماس وقيادة الإخوان ملتزمة بتعهداتها كما التزمت قيادة رام الله بالتزاماتها الدولية وكما التزمت حكومة الإخوان المصرية بكامب ديفيد. وهنا يتم فك الحصار ولكن عن غزة المسالمة وليس المقاومة، وهذه المقدمة التي ارساها حمد في زيارته لغزة تمهيداً لخطوط الغاز.
وكي لا نبدو مبالغين فلنتذكر أن قيادات الإخوان في مصر طالما رددوا أنهم حينما يتسلمون الحكم فإنهم سوف يتوجهون للشعب للاستفتاء على كامب ديفيد، ولكنهم دفنوا هذا الحديث ولم يعودوا إليه، بل اخذوا يؤكدون للولايات المتحدة والكيان بأنهم متمسكون كحكومة بكل الاتفاقات الدولية لنظام السادات-مبارك. يا له من توريث سياسي.
ولكن حكومة الإخوان لم تلتزم بالتضامن العربي مع سوريا، بل ذهبت لما هو ابعد من مواقف نظام مبارك فانحتازت ضد الدولة والقيادة السورية لتدمير سوريا في تجسيد لموقف قوى الدين السياسي المضاد للقومية العربية.
لم يعد معنى لمليونيات التفريغ، بل المعنى لتزحيف الصواريخ التي تسحق الحيز قبل سحق قوة الردع الصهيونية.
هل نستذكر في هذه اللحظات قول مظفر النواب:
وصافح قادتنا الأعداء ونحن نحارب، وناموا في الصف الآخر والجيش يحارب"
يجب ان نواصل المقاومة رغم خيانة القادة، ولكن يجب أن نرى جيداً ماذا يدور وماذا يُدار. وربما هذه من فوائد النقل الاتصالاتي الذي يسحق الحيز بدوره فيصل في لحظات.
وهكذا، لم يتضح بعد، أو يكاد يتضح إن كان
· هدف العدوان الصهيوني هي ضربة استباقية، وتسجيل رصيد انتخابي لائتلافه الجديد، وفتح صفحة حوار أفضل مع أوباما الجديد،
· أم كذلك تدشين مرحلة جديدة مستفيدة من الوجه الآخر لما يسمى الربيع العربي وصولا إلى وقف المقاومة وحلول المساومة محلها، والانتهاء التدريجي إلى شطب تحرير فلسطين. وتوجيه البنادق إلى سوريا وإيران وكل ذلك إسعافا لتدهور الإمبريالية والكيان في اذيالها. فهل هناك أجمل من قوى الدين السياسي هذه!
قد يبدو هذا الحديث قاسياً، ولكن تجارب الحياة تؤكد أن أخطر القرارات السياسية تحصل خلال القتال، وبالتالي كثيرا ما يتم توظيف القتال والدم من أجل التسويات السياسية. وهذا أمر يرتبط بطبيعة الصراع، فقبيل المساومة يقوم كل طرف بتسجيل اعلى مكاسب مممكنة ومنها استهداف الأجنحة المتشددة لدى عدوه.
ويبقى السؤال الأخطر، هل كان الجعبري مغامرا حتى يُصطاد بسهولة؟
وقد يكون الآن لسان حال المقاتلين مردداً في غياب سوريا:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم...وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ
قالها ابو فراس الحمداني صاحب حلب وهو يقاتل الروم، ولكن حلب تقاتل الروم والترك وأدواتهما العرب كي لا تُغتال كما أُغتيل أحمد الجعبري.
__._,_.___
__,_._,___
No comments:
Post a Comment