بعد واحد و خمسين يوما من عدوان الآلة الحربية الصهيونية على قطاع غزة تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة و العدو الصهيوني برعاية مصرية . و بعد كل معركة مع العدو يتبادر للاذهان سؤال بسيط : هل إنتصر الكيان الصهيوني أم إنتصرت المقاومة ؟ و على الجواب تتوقف الكثير من المسائل لاستخلاص الدروس المستفادة من هذه الجولة إستعدادا للجولة القادمة من الحرب المستمرة مع الكيان الصهيوني .
ـ فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه من العدوان 1
لكل عدوان يشنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة أو أي جزء من الوطن العربي أهداف معلنة و أخرى خفية لكن السبب الرئيس لأي هجوم هو أصلا وجود هذا الكيان كقاعدة عسكرية متقدمة للإمريالية في قلب الوطن العربي و هنا مكمن الداء و يجب دائما تذكير من نسي أو تناسى هذا الأمر و يجب دائما التحرك و النضال على هذا الأساس
أما بالعودة لسياق هذا العدوان ( و بعيدا عن ذريعة إختطاف ثلاثة مستوطنين في الضفة من قبل حركة حماس و التي ثبت في تحقيقات الشرطة "الاسرائيلية" كذب هذا الإدعاء ) فقد تزامن مع جدية غير مسبوقة من حركة حماس و حركة فتح لإنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني ( نظرا لسقوط الإخوان في مصر و المواجهة التي يخوضها السيسي و مصر ضد الإخوان و ضد حركة حماس التي تتهمها السلطة المصرية بالتورط في بعض الأعمال الإرهابية على أراضيها أما السلطة الفلسطينية و حركة فتح فوجدت نفسها مجبرة على ذلك لأن مسار التصفية التي تشبثت به بات مفضوحا أمام الشعب الفلسطيني و العربي) و المضي قدما في الإعلان عن حكومة وحدة وطنية بين حماس و فتح تحكم الضفة و القطاع فكانت هذه الضربة العسكرية تهدف لقطع الطريق أمام هذا الإجراء و تعطيل هذه المصالحة لكن الرياح الفلسطينية جرت بما لا تشتهيه السفن الصهيونية فتم تشكيل وفد فلسطيني مشترك للتفاوض غير المباشر مع العدو الصهيوني و رغم التناقضات الثانوية داخل هذا الوفد فقد حافظ على تماسكه و كان أداؤه إيجابيا ، و مع نهاية العدوان عبرت الأذرع العسكرية في بيان لها عن ضرورة الوحدة و تمسكها بها و بهذا فشل الكيان الصهيوني ـإلى حد الآن ـ في الوصول لمبتغاه الخفي من هذه الحرب
أما الأهداف المعلنة فكانت هي ذاتها عناوين عدوان 2008 و عدوان 2012 : القضاء على حركة حماس الإرهابية و نزع سلاحها ، إيقاف إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات ...لكن ظلت الصواريخ تدك المدن و المنشآت الصهيونية و المطارات حتى الدقيقة الأخيرة قبل دخول إتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ . كما لم تتمكن وحدات جيش العدو من تجاوز مسافة واحد كيلومتر حين قررت حكومة نتنياهو إجتياح غزة عبر البر و تكبدت عديد الخسائر . و بذلك فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة من هذه الحرب .
ـ قراءة في إتفاق وقف إطلاق النار2
في الفقرة الماضية بحث في أسباب العدوان و أهدافه و بيان لفشل لحكومة نتنياهو في تحقيق أي منها ، لكن هل يعني ذلك إنتصارا للمقاومة و للشعب الفسطيني ؟ هل نبني مقاييس نصرنا على أهداف العدو ؟ أم أن مقاييس النصر تختلف حين نختار المعركة و حين يفرضها علينا العدو مثلما حصل في المعركةالأخيرة ؟
كل هذه الأسئلة تتطلب تفكيرا هادئا و عقلانيا بعيدا عن الإندفاع العاطفي العفوي منه أو الذي سعت إليه حركة حماس لإستثماره سياسيا و مزيد الإحكام على قطاع غزة و لفرض بعض المسائل أثناء نقاش قضية الحكم المشترك بين حماس و فتح
بعد بداية العدوان لم تبق حركة حماس و بقية الفصائل الفلسطينية مكتوفة الأيادي على المستوى السياسي بل طرحت جملة من المطالب حتى تقبل التهدئة الدائمة بينما كانت حكومة نتنياهوـ العالقة بعد أن عجزت عن تحقيق أي إنجاز ميداني عسكري ـ تطالب بتهدئة من الجانبين دون شروط ( تهدئة مقابل التهدئة ) .وكان أهم هذه المطالب رفع الحصار وإعادة تشغيل مطار غزة و الميناء البحري .
عدة عوامل دفعت الفصائل الفيلسطينية لرفع هذه المطالب و الإصرار عليها أكثر من عدوان 2012 من أهمها التجربة التي راكمتها من الحروب السابقة على القطاع و حجم التضحيات الكبير الذي قدمه أهالي غزة و الذين يرفضون أن تذهب تضحياتهم سدى . أضف إلى ذلك عاملا مهما جدا في هذه الحرب و هو القدرة القتالية العالية للأجنحة المسلحة التي فاجأت العدو الصهيوني و العالم ( قام المقاومون بعمليات نوعية عديدة وصلت حد مفاجأة الجنود الصهاينة داخل الأراضي المحتلة من خلال إختراق مواقعهم عبر المرور داخل الأنفاق التي أصبحت غولا جديدا يؤرق المجتمع الصهيوني إنضاف لغول الصواريخ ) . و إذا كانت الحرب إمتدادا للسياسة فإن التفاوض إمتداد للحرب بأشكال أخرى و المفاوض الجيد هو المقاتل الجيد لذلك كان الوفد الفلسطيني أكثر تمسكا بمطلب رفع الحصار و غيرها من المطالب بالمقارنة مع عدوان 2012 . لا يمكننا أيضا أن ننسى أن حركة حماس الإخوانية و قطر حاولتا أن تعيدا توهج الإخوان المسلمين الذي خفت مع إنحدار شعبيتهم و شعبية الإسلام السياسي عموما الذي كانت ذروته السقوط المدوي للإخوان في مصر .
إنتهت الحرب بتوقيع إتفاق وقف إطلاق للنار برعاية مصرية و لم يتم تفصيل بنود الإتفاق كثيرا من قبل المحللين والمفكرين فانغمسوا في مشاهد الفرحة و إبتعدوا عن القراءة المتأنية للإتفاق .
إن نص الإتفاق الذي يعتقد البعض و يدفع البعض الآخر في إتجاه إخراجه نصرا كاسحا هو بعيد كل البعد عن ذلك فهو لا يختلف كثيرا من حيث الصياغة عن إتفاق التهدئة بين حماس و "إسرائيل" خلال عدوان 2012 ( باستثناء توسيع مجال الصيد البحري و هي النقطة الإيجابية في إتفاق التهدئة لسنة 2014 ) ، و هو ما يتضح جليا من خلال مقارنة بسيطة بين الصياغتين حول مسألة المعابر:
ـ إتفاق 2012
. فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراأت تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
ـ إتفاق 2014
توافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما في ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.
ـــــــــــــــ
و يجب التذكير هنا أن إتفاق التهدئة لسنة 2012 تم إختراقه من الكيان الصهيوني عبر شن هذه الحرب التي خلفت أكثر من 14000 بين شهيد و جريح ، من هنا لا يمكن أن نعد هذا الإتفاق إنتصارا بل لا يعدو كونه تحسينا لظروف الحصار ( هذا إذا تم الإلتزام بتطبيق بنوده مع العلم أن عشرات الإتفاقات الصادرة عن الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية لا زالت تنتظر من ينفذها منذ 1948 ) . لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك إيجابيات في هذه المعركة ، على العكس هناك عديد النقاط المهمة التي حققتها المقاومة إذا ما نظرنا لها من زاوية أخرى غير تلك التي تحصرها في مجرد إتفاق يضمن النظام المصري الإلتزام به ( كانت مصر راعيا لإتفاق 2012 الذي ينص على فتح المعابر و إلتزام إسرائيل بعدم الإعتداء على قطاع غزة ).
ـ دروس مستفادة من الحرب على غزة3
لم ينجح الكيان الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه السياسية و العسكرية لكنه ككل مرة نجح نجاحا باهرا في قتل المدنيين و كانت صور الأشلاء البشرية شاهدا على همجيته و وحشيته و قد حانت اللحظة للتفكير في كيفية حماية المدنيين في المسقبل من غارات الطائرات الصهيونية حيث سقط أكثر من 3500 شهيد فلسطني خلال ثلاثة حروب في ظرف 6 سنوات و من غير المعقول أن لا تسعى الفصائل الفسطينية داخل القطاع للتفكير في هذه المسألة .إذا ألقينا نظرة على إستراتيجية العدو في حماية مواطنيه سنجد أنه أقام الملاجئ تحت الأرض منذ خمسينات القرن الماضي فكيف لا يفكر فيها الفلسطينيون ولا يناضلون من أجل فرضها بالتوازي مع إعادة الإعمار !! بدون بناء هذه الملاجئ سيبقى المدنيون ورقة للضغط على المقاومة في أي معركة قادمة و تمنعها من خوض حرب طويلة خاصة أمام عدو متعطش للدماء. لكن بالرغم من كل التضحيات و العدد المخيف للشهداء و الجرحى و الدمار الذي حل بالبنية التحتية للقطاع فإن لهذه الحرب إيجابيات عديدة وهي :
ـ تمسك أهالي غزة بنهج المقاومة و إستعدادهم للتضحية من أجله و إقتناعهم بأنه الوحيد القادر على تحقيق إنجازات ملموسة في مواجهة مسار "التسوية" الذي تبين بعد عشرات السنوات أنه لا يقدم إلا السراب للأمة العربية .
ـ تبين من ما لا يدعو مجالا للشك أن الجيش الصهيوني من أضعف الجيوش من حيث التركيبة النفسية لجنوده و أنه جيش يذل و يهزم و يقهر إذا ما توفرت إرادة لمواجهته و أصبحت قصة الجيش الذي لا يقهر هي مجرد نكتة .
ـ تمكنت صواريخ المقاومة من شل الحياة داخل عديد المستوطنات و المدن الصهيونية و هذا بعد مهم للصراع الطويل من أجل إزالة الكيان الصهيوني و هو ما أصبح يعرف بتوازن الرعب مع العدو (60 بالمائة من الصهاينة داخل فلسطين المحتلة لا يحسون بالأمن ) . و عليه فإن المستوطنين لا يجب أن يكونوا بمنأى عن ضربات المقاومة ، حرب ضروس تطال مصانع العدو الصهيوني و مزارعه و مؤسساته و تشل الحياة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هي السبيل للتحرير .
ـ كان أداء الوفد الفسطيني المفاوض في القاهرة إيجابيا نتيجة الوحدة التي ميزته . صحيح أن الإتفاق الذي وصل إليه كان دون المأمول نظرا لأن المكاسب السياسية تستوجب تغييرا حقيقيا للخريطة الجغرافية و تغييرا لموازين القوى . إن وحدة القوى الفلسطينية ضرورة ملحة لكنها يجب أن تكون على قاعدة المواجهة مع العدو و على أساس برنامج تحرير شامل و كل وحدة يكون هدفها سراب السلطة تحت الإحتلال و إقتسامها سرعان ما ستنفجر و ستعيدنا للمربع الأول .
ـ حاول الفلسطينيون فرض التفاوض تحت البندقية و لم يرضخوا في البداية لضغط المصريين و مطلب نتنياهو المتعلق بوقف إطلاق النار المتبادل كشرط للتفاوض ،و هو توجه جيد (أي المفاوضات تحت النار )إذا ما تم تطويره لتجاوز سقف و مرجعية أوسلو لكنه يتطلب أولا الإيمان بالبندقية الموجهة ضد العدو الصهيوني قبل مفاوضته و النضال من أجل إستعادة الكفاح المسلح لمكانته في الصراع العربي ـ الصهيوني .
ـ شهدت بلدان أوروبية عدة و لاتينية مسيرات حاشدة نصرة لغزة و تنديدا بالعدوان و يجب النضال من أجل مزيد فضح العدو لدى الرأي العام الغربي عبر تشكيل لجان عربية داخل البلدان الكبرى و المؤثرة في السياسة الدولية (فرنسا، أمريكا، بريطانيا، اليابان، روسيا...) تكون مهمتها التعريف بحقيقة القضية الفلسطينية منذ 1948 حتى تصبح شعوب تلك الدول عامل ضغط على حكوماتها المتحالفة مع الحركة الصهيونية العالمية .
ختاما ، لابد من التذكير أن الكيان الصهيوني هو من إختار توقيت هذه الحرب و أنه طالما لا زالت المقاومة الفلسطينية في وضعية دفاع يفرض عليها العدو توقيت المعركة فهي في حالة ضعف مهما بدت قوية لأن التحرير يتطلب الهجوم و توجيه الضربات و ليس البقاء في حالة دفاع إستراتيجي . و من الواضح أن معايير النصر و الهزيمه تغيرت نظرا للضعف العربي و الحاله الفلسطينيه فأصبحنا حين يفشل العدو في تحقيق أهدافه نندفع بعواطف جياشه و نقول إنتصرنا .
يجب النضال من أجل مستقبل نكون قادرين فيه على المبادرة بالهجوم و فرض المعركة على العدو من أجل أهدافنا و تجاوز حاضرنا الذي يفرض علينا فيه العدو توقيت المعركة و نكتفي فيه بصد الهجمات المتتالية و إفشال أهدافها
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi.
For more options, visit https://groups.google.com/d/optout.
No comments:
Post a Comment