حَقُّ السجين عصام سلطان
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 5/9/2015)
عندما أمسك الناسُ بعبد الرحمن بن ملجم بعد أن طَعَنَ أميرَ المؤمنين على بن أبى طالب كَرّم الله وجهه، مَنَعَهم علىٌ والدمُ ينزف من رأسِه مِن قَتلِه أو إيذائِه إلى أن يقضى اللهُ قضاءه، فإن مات (أي علىٌ) فليقتلوا قاتلَه قصاصاً ولا يمثّلوا بجثته وإن عاش فالأمرُ له إما العقوبة أو العفو .. وإلى أن يحدث هذا أو ذاك أوصاهم بوصيته الخالدة (احبسوه وأحسِنوا) .. يا إلهى! قتيلٌ يوصى وهو يحتضر بالإحسان إلى قاتله وهو في محبسه! .. تلك هى حقوق الإنسان السجين التى لن نَمّلَ من الدفاع عنها .. لا لكى نتقى هجوم منظمات الغرب علينا .. ولكن لأن مصر التى نريدها ونستحقها يجب ألا تنزل عن هذا المستوى.
ما بينى وبين أحمد عز معروفٌ، لذلك اندهش أبنائى بعد أيامٍ من نجاح الثورة عندما وجدونى منفعلاً غاضباً من مشهدٍ لجماهير تحاول تحطيم سيارة ترحيلِه بعد عرضِه على النيابة، ومشهدٍ آخر له فى زنزانته جالساً على الأرض .. قلتُ لهم لقد كان خَصماً نُعارضُه وهو فى السلطة أما الآن فهو سجينٌ فى عُهْدةِ دولة الثورة، له حقوق السجين أياً كان اسمه وأياً كانت جريمته .. له الحق فى ألا تُنتهك خصوصيتُه.
فى ظل لوائح السجون المصرية التى تمنح السجين الحق فى استقبال الزيارات الاعتيادية وزيارات الأعياد والمواسم، لم يُسمح للدكتورة نهى زوجة السجين عصام سلطان وأبنائه أسامة وحبيبة وآمنة بزيارة عائلهم إلا أربع مراتٍ منذ بداية عام 2015، آخرها منذ أسبوعين بعد انقطاعٍ اقترب من ثلاثة شهورٍ حُرِموا فيها من زيارة شهر رمضان وعيد الفطر .. أما الزيارة نفسها فمن خلف حاجزٍ زجاجىٍ يسمح بالرؤية فقط، لا يسمعهم ولا يسمعونه إلا من خلال تليفون .. والزيارة كلها خمس دقائق لهم جميعاً، أى أقل من دقيقة ونصف لكلٍ من الزوجة والابن والبنتين .. إن الزيارة كلها مسجلّةٌ بالصوت والصورة فلا مجال للتحجج بالاعتبارات الأمنية لهذا التضييق .. ثم أى اعتباراتٍ تلك التى تمنع إدخال فرشاة أسنانٍ للسجين أو تسمح بإدخال نصف سمكةٍ وإعادة نصفها الآخر؟! .
لقد سبقنى فى الكتابة عن هذا الموضوع آخرون من بينهم الصديقان حمدى رزق ومصطفى النجار، وقد حادثتُ الدكتورة نهى بنفسى وسمعتُ منها ما هو أكثر .. وأنا أُصَدقها، ليس فقط لأنه لا يوجد ما يحملها على الادّعاء، ولكن لأن مسئولاً واحداً لم ينفِه رغم تكرار نشره على مدى عشرة أيام.
لن أتطرق إلى مواقف عصام سلطان السياسية التي يختلف معه فيها كثيرون .. ولن أناقش الحُكمين القضائيين اللذين صَدرا بحبسه عامين وهما حُكمان لم يستكملا مراحل التقاضى ولا يتعلقان بقضايا إرهاب .. حتى لو كان قاتلاً ينتظر الإعدام فإن ذلك يجب ألاّ يحرمه حقه في مَحبَسٍ إنسانىٍ يليق بمصر قبل أن يليق به .. هذا حقٌ للقاتل فما بالكم بمحامٍ نابهٍ غير بذئٍ ولا سليط اللسان .. لم يَقتل ولم يستخدم سلاحاً إلا الحُجَة القانونية في ساحات العدالة، ولم يُرصَد في يومٍ من الأيام مدافعاً عن جاسوسٍ أو فاسد أو داعرٍ.. بل على العكس، كان يُبادر بالتطوع بالدفاع عن ضحايا الفاسدين وخصومهم ولعل هذا ما يُفسّرُ تصدى كثيرين من المختلفين معه سياسياً للدفاع عنه.الآن (تطوع للدفاع عن كاتب المقال فى سبع عشرة دعوى دون أن يتقاضى مليماً).
من المؤكد أن عصام سلطان أسعدُ حالاً من كثيرين غيره من المساجين العاديين الذين لا تُسَلّطُ الأضواء على ظروفهم ولا يكتب عنهم أحد، ولكن من المؤكد أيضاً أنه أتعسُ حالاً من مساجين آخرين تَسمحُ لهم نفسُ اللوائح بإدخال طعامٍ فاخرٍ من فنادق خمس نجوم كالسجين حسنى مبارك المُدان بسرقة المال العام والسجين هشام طلعت مصطفى المُدان بالتحريض على القتل .. لا أوافق على مقولة (المساواة فى الظلم عدلٌ) فما يليق بمصر هو (المساواة فى العدل عدل) أى أننا لا نُطالب بحرمان مبارك وهشام من مستوى الخمس نجوم وإنما نطلب الارتقاء بكل سجوننا إلى نفس المستوى.
من الإنصاف تَفّهُمُ الهواجس الأمنية، لا سيما فى ظل وجود معركةٍ حقيقيةٍ مع إرهابٍ حقيقىٍ .. وقد تمت الإطاحة برئيس مصلحة السجون منذ حوالى عامين بعد ما أُثير عن ثغراتٍ سَمَحَت بتبادل معلوماتٍ وتعليماتٍ إرهابيةٍ داخل السجون .. لكن لو عَلِمَ أىُ مسئولٍ أنه سيُحاسَبُ على التقصير الإنسانى مثلما حُوسِب على التقصير الأمنى، لاجتهد لابتكار حلولٍ تُوائمُ بين الاعتبارين .. وإذا كان الإعلام المباركى قد نجح في شيطنة كلمة (حقوق الإنسان) لدى البعض فهذا شأنُهُم، أما نحن فسنُكافح ما حيينا من أجل أن تكون مصرُ كما يليقُ بها .. بلدأ يحفظ لكل من على أرضه حقوقَه وكرامتَه .. المعارض قبل المؤيد .. والسجين قبل الطليق .. فمصر ليست مجردَ دولةٍ متحضرة .. ولكنها دولةٌ لها قلب..
No comments:
Post a Comment