Friday, 27 January 2017

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: وهل يُحارَبُ الفسادُ إلا بالشفافية؟

وهل يُحارَبُ الفسادُ إلا بالشفافية ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(البداية- 27 يناير 2017)

على العكس من الحملة الإعلامية الموحية بتزايد جهود الدولة في محاربة الفساد، جاء تقرير منظمة الشفافية الدولية السنوي الصادر الأربعاء الماضى حاسماً وكاشفاً لاستشراء الفساد في مصر في ظل غياب أي إرادةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ وجادة لمكافحته (هكذا جاء في التقرير نصاً) .. وقد يتساءل البعض ألا يُعَّدُ توالى إلقاء القبض على بعض المتهمين بالفساد دليلاً كافياً على أن الدولة أو النظام في حالة حربٍ مع الفساد؟ .. والحقيقة أن العالم قد حسم إجابة السؤال بعيداً عن العواطف والاجتهادات، ووضع مقياساً واحداً تُقاسُ به حالة مكافحة الفساد في بلدٍ ما: الشفافية .. وتلك لها مقاييس سنوضحها لاحقاً، ليس من بينها عدد القضايا المضبوطة .. فكل الدول والأنظمة (بما فيها الفاسدة والفاشلة) تلقى القبض من آنٍ لآخر على فاسدٍ هنا أو هناك .. بالطبع لا يملك أى إنسانٍ سَوِّىٍ إلا أن يفرح لسقوط فاسدٍ جديدٍ فى قبضة العدالة .. لكن العواطف لا مكان لها في قياس وضعية محاربة الفساد .. فزيادة عدد المضبوطين من 100 إلى 200 مثلاً فى أحد الأعوام لا تعنى تحسن وضعية محاربة الفساد، ولا تعنى أيضاً تدهورها، طالما لا نعرف (ولا تستطيع أى دولةٍ أن تعرف) إجمالى الفاسدين الذين تم الضبط من بينهم .. الأعداد مجرد مؤشرٍ على إنجاز الجهاز الرقابى أو القانونى (النيابة) القائم بالضبط .. وحتى هذا الإنجاز لا يكتمل قياسه إلا بمعرفة عدد المضبوطين الذين انتهت محاكمتهم بالإدانة .. فضبط الأبرياء ليس إنجازاً .. بل إن الانتقائية في محاربة الفساد .. فسادٌ.
أما موقف الدولة من محاربة الفساد فله مقياسٌ علمىٌ وعالمىٌ آخر لا اجتهاد فيه، كلمة السر فيه هى (الشفافية) .. التي تعنى بالبلدى أن يكون كل شئ فى النور .. لأن الفساد لا ينمو ويترعرع إلا فى الظلام ..
نعلم أن الشفافية انضمت إلى قائمة المصطلحات والقِيَم التي طالها التشويه الإعلامى جنباً إلى جنب مع مصطلحاتٍ أخرى كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، باعتبارها أكواد شفرة المؤامرة الكونية التي يخطط لها ويديرها مجلس إدارة العالم ضد مصر(!) .. لكن المشكلة هي أن المجتمع الدولى الذى أدرك الآثار التدميرية لوباء الفساد على الإنسانية، أنشأ لهذا الغرض منظمة الشفافية الدولية ومقرها برلين، واتفق على أن يقيس مستوى الفساد بمقياسٍ واحدٍ هو مستوى الشفافية .. ووفقاً لدرجة الشفافية في الدولة يتم ترتيبها على مؤشر الشفافية أو النزاهة (ويُسمى أيضاً مؤشر مدركات الفساد).
ويُقاس مستوى الشفافية فى أى دولة بدرجةٍ من 100 (حيث إن 100 تعنى نزاهةً مطلقةً بلا فساد، والصفر يعنى فساداً كاملاً بلا نزاهة) بناءً على مدى استيفائها لعدة متطلبات، أهمها ما يلى:
1 – وجود برلمان حقيقى (غير مُزَّوَر أو مُعَّيَن بالطبع) يمارس رقابةً حقيقية على السلطة التنفيذية.
2-توسيع نطاق مساءلة كافة مؤسسات الدولة أمام الشعب، حيث لا استثناء لفئة أو مؤسسة.
3-وجود مجتمع مدنى حيوى (منظمات مجتمع مدنى قوية ومستقلة وفعَّالة).
4-قضاء قوىٌ ومستقلٌ استقلالاً لا شُبهة فيه.
5-تطبيقٌ صارمٌ للقانون على الجميع بلا استثناءات.
6-إصدار وتنفيذ قوانين تداول المعلومات، وحماية المبلغين، ومنع تضارب المصالح، واسترداد الموجودات، والإفصاح عن الذمة المالية.
7-إعلامٌ مستقلٌ .
8-درجة عالية من إتاحة المعلومات وسهولة الحصول عليها وحرية تداولها.
9-التزام المزيد من الشفافية حيال العقود التى تبرمها الدولة وكافة أوجه الإنفاق العام والمشروعات الحكومية (أو ما يُسَّمَى بالمشروعات القومية) والميزانيات العامة.
10-وجود هيئة مكافحة فساد قوية ومستقلة.
هذه باختصار أهم المقاييس الفرعية لمكافحة الفساد .. كلما تحسن أداء دولةٍ فى إحداها، تحسَّن ترتيبها على مؤشر الشفافية والنزاهة .. وكلما تدهور أداؤها تراجعت على مؤشر الشفافية وتقدمت على مؤشر الفاسدين، ويا بئس التقدم .. لذلك لم يكن مفاجئاً بالمرة (وإن كان مؤسفاً بالطبع) ما جاء في أحدث تقريرٍ لمنظمة الشفافية الدولية فيما يخص مصر .. وكان مما ذكره بالإضافة لما جاء في افتتاحية المقال ومدللاً عليه نصاً (قامت الحكومة بالتعدى على الهيئات المستقلة حين أقال الرئيس السيسى رئيسَ الجهاز المركزى للمحاسبات هشام جنينة) أي أن تصريحات جنينة عن حجم الفساد لم تهز صورة مصر مثلما أشاع المرجفون وقتها، وإنما الذى أَثَّر سلباً هو إقالته ثم حبسُه على خلفية هذه التصريحات.
فى ذلك التقرير الحديث (يناير 2017)، تَذَيَّل القائمة (أى الأكثر فساداً) الصومال بدرجة شفافية 10% فقط .. أما مصر فقد هبط مستوى الشفافية بها من 36% في 2015 إلى 34% في 2016، وتراجع ترتيبها عشرين مركزاً مرةً واحدة لتصبح 108 من 176 دولة بعد أن كان ترتيبها ال 88 ) .. أما الصدارة (أى الأكثر شفافيةً والأقل فساداً) فكانت للعام الثانى على التوالي من نصيب الدنمارك بشفافيةٍ وصلت إلى(90%)، مكررةً مع نيوزيلندة ثم فنلندا (89%) .. عُقبى لنا.




No comments:

Post a Comment