جيشُ مصر لا جيش السيسى
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
اِغْضَبْ كما شئتَ من السيسى .. فهذا حَقُّك .. بل واجبك .. فهو بشرٌ يصيبُ ويُخطئ .. وقد صار كارثِىَّ الأخطاء .. لكن حاذِر أن تخلط بين رفضِك للسيسى ورفضِك للجيش .. وإلا صِرتَ كمن قال اللهُ فيهم (يخربون بيوتهم بأيديهم) .. هذا جيشُك لا جيش السيسى ولا أى حاكم.
لا أتحدث عن قلةٍ تطعن جيشها مع سبق الإصرار والترصد، فلأولئك حديثٌ آخر .. ولكننى أتحدث عن كثيرين ممن لا يُشكُ في وطنيتهم وإجلالهم لجيشهم ممن يرفضون الكثير من السياسات الراهنة، ولكنهم يستشعرون الحرج الشديد في ظل المزج الخبيث بين شخص الرئيس وبين الجيش، الذى هو مؤسسةٌ أكبر من كل الأشخاص .. وهو ربطٌ يُسألُ عنه الرئيس السيسى شخصياً، فهو الذى استحدثه وأوغل فيه بصورةٍ لم تحدث من قبل .. توالى على حكم مصر قبل عبد الفتاح السيسى أربعةُ رؤساء من ذوى الخلفية العسكرية .. نجيب وناصر والسادات ومبارك .. وكان لكلٍ منهم إنجازاتٌ وأخطاء (لأنهم بشر) .. وكان (ولا يزال) لكلٍ منهم مؤيدون ومعارضون .. لكن أحداً لم يحسب أخطاء أى رئيسٍ منهم على الجيش، الذى ظلت له المحبة والمهابة فى قلوب المصريين لم تتأثر .. كما أن أياً من المعارضين في كل هذه العهود، لم يستشعر أنه بمعارضته للحاكم إنما يطعن فى الجيش، ولم يتهمهم إعلام الحاكم بذلك أبداً .. فعلى سبيل المثال، لم يتبادر إلى ذهن أىٍ من نُبلاء كفاية (وقد تشرفتُ بصحبتهم) أننا برفضنا لمبارك نطعن فى الجيش .. كما أن إعلام مبارك رغم فجاجته وانحطاطه لم يتهم معارضيه أبداً بالهجوم على الجيش .. إلا فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أصَّرَ على هذا الربط منذ اللحظة الأولى .. لحظة إعلان ترشحه للرئاسة من تليفزيون الدولة مرتدياً الزى العسكرى ومخالفاً القواعد الانضباطية، وهو ما فهمه كثيرون على أنه رسالةُ ضمنيةٌ للجميع بأنه (مرشح الجيش) وهى رسالةٌ كارثية فضلاً عن أنها غير حقيقية .. فالجيش لا يُرشح أحداً .. الجيشُ ليس حزباً سياسياً ولا ينبغي أن يكون .. وكم تمزقت دولٌ بتسييس جيوشها.
مفهومٌ أن مصلحة أى شخصٍ أن يخلط بين أدائه وأداء الجيش .. فكل نجاحٍ لهذه المؤسسة (الناجحة والمُنجِزة) سيُنسَبُ له .. لكن مكمن الخطورة أن كل فشلٍ لهذا الشخص سيُنسَبُ ظلماً للجيش ويخدشُ مكانته وهيبته المستحقة .. وهنا مكمن الخطورة .. من حقك، بل من واجبك، أن تغضب من انتهاك الدستور ومرمطة القانون وسحق الكرامة وتنصيب الطبالين وعزل الأكفاء وخنق الحريات وحبس المظلومين وفوضى الأسعار وتخبط القرارات .. اغضب ولكن ما علاقة الجيش بكل ذلك؟ إنها أخطاء الرئيس لا الجيش .. بل إنه حتى التَغَّول على الحياة الاقتصادية المدنية، ليس قرارَ الجيش، ولا يملك الجيشُ أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه، إنما هو قرار الرئيس .. ولو طلب منه الحاكمُ أن ينسحب من هذا النشاط لَنَّفَذَ فوراً .. . الجيش لا يُبادر بسياساتٍ من تلقاء نفسه وإنما هو مُنَّفِذٌ محترفٌ كُفءٌ لما يُكَّلَفُ به من مهام .. من المؤكد أن الجيش أصابه ما أصاب باقى مؤسسات الدولة في العقود الأخيرة .. لكنه بطبيعته الانضباطية وجذوره الوطنية ظَلَّ أقل مؤسسات الدولة سوءاً .. جيش مصر هو المصريون، ولكن فى أبهى صورهم .. يلتحقون به تجنيداً وتطوعاً .. متعلمين وأميين .. صعايدة وفلاحين .. مسلمين ومسيحيين .. بكل إيجابياتهم وسلبياتهم .. فإذا بسلبياتهم تتراجع ويصطبغون بقيمٍ إيجابيةٍ واحدةٍ .. الانضباط والإنجاز والجديّة. اغضب يا بُنَّى واسخر من اللواء عبد العاطى صائد الإيدز فهو يستحق السخرية هو ومن استخدمه .. لكن تَرَفَّق لكيلا تصيب سهامُك عبد العاطى صائد الدبابات .. اغضب من المهرجين الاستراتيجيين ولكن تَرَّفَق لئلا تصيب دون أن تقصد جدودك عرابى أو محمد عبيد أو عبد المنعم رياض أو سعد الشاذلى أو إبراهيم الرفاعى أو آلافاً غيرهم فى رقدتهم .. حاذِر يا بُنَّى أن تُصيب جيشك، فسهمُك مُرتدٌ إليك .. احرص على جيشك .. هو رصيدُك ليومٍ هَرِمنا دون أن نصل إليه .. لكنك وجيلُك واصلون إليه حتماً بإذن الله .. يومٍ تتنفس فيه مصرُ نسائم الحرية ككل خَلْق الله .. فى وطنٍ بلا تمييزٍ .. ولا توريث .. الشعبُ فيه هو السيد .. والحاكمُ هو الخادم .. .. لا يعنى ذلك أن العسكريين معصومون فقد يكون منهم المخطئ، بل والمجرم .. فالجيش مجتمعٌ بشرىٌ لا ملائكى .. على الأرض لا في السماء .. ولا يعيب الجيشَ وجودُ هؤلاء وإنما يعيبه عدم حسابهم .. وقد أُنشئت المحاكم العسكرية أساساً لمحاكمة العسكريين المخطئين .. وهذا يأخذنا لموضوع الفيلم الذى قيل إنه لواقعة قتلٍ خارج القانون في سيناء .. والذى لا أعتقد في صحته .. ليس فقط للأخطاء الواضحة في إخراجه .. ولكن لأنه يتناقض بشدةٍ مع شرف العسكرية المصرية وتاريخها وتقاليدها الراسخة .. لكن هذا الاتهام ليس من الأمور التي يجوز التوقف معها عند الظنون والاعتقادات، وإنما يجب أن تخضع لتحقيقٍ جادٍ .. أعرف أن التقاليد المتوارثة في بعض المؤسسات (ومن بينها الجيش) لا تُحَّبِذُ نشر تفاصيل التحقيقات والعقوبات الموقَّعَة على المُخطئين منهم لاعتباراتٍ كثيرةٍ، من بينها الاحتفاظ بهيبة المؤسسة .. لكن تظل هناك استثناءاتٌ يصبح الصمتُ فيها أكثر ضرراً بتلك الهيبة من إعلانها .. وهل وُجِد المتحدث العسكرى إلا لمثل تلك الاستثناءات؟ .. يتمنى كلُ المُحبين لبلدهم وجيشهم أن يكون الاتهام كاذباً .. ولكن هَبْ أن التحقيقات، لا قدَّر الله، أثبتت صحته، فيجب ألا يجادل أحدٌ في أنها جريمةٌ لا يجوز لإنسانٍ أن يوافق عليها حتى لو كانت في حق إرهابيين .. لكنها تظل جريمةً تشين وتدين مرتكبيها أيَّاً كانت أعدادهم ورُتَبُهم، ولا تدين الجيش .. ما يدين الجيوش هو التستر على أمثال هؤلاء المجرمين .. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء مِنَّا.
(البداية- الثلاثاء 25 أبريل 2017).
|
No comments:
Post a Comment