Monday, 14 May 2018

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: بورتو مصر

بورتو مصر

بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى

بينما مجموعةٌ من الخبراء الوطنيين فى شتى المجالات (ومن بينها الاقتصاد) تعكف على صياغة برنامجٍ انتخابىٍ للمرشح الرئاسى .. فوجئوا بورقةٍ تدخل إليهم بطريق الخطأ عن البرنامج الاقتصادى لنفس المرشح .. واتضح أن هناك برنامجاً آخر يجرى إعداده .. كانت الورقة بسيطةً بلا عُقَد أو مداخل لحل مشكلات البطالة والتضخم والعجز والديون وغير ذلك .. وإنما تقوم على بيع أراضى مصر غير المعمورة (معظم المليون كيلو متر مربع) .. وهو ما سيُدِّرُ عائداً خرافياً يحل كل المشاكل سالفة الذكر .. اقتصادٌ يقوم على العقار لا المصنع .. ولأن الورقة أَعَدَّها صاحب (بورتو) فقد تعاملت مع مصر ك(بورتو) لا كدولة .. ولتهدئة غضب المجموعة الأولى استُدعِىَ (بورتو) شخصياً لشرح فكرته ودمجها فى البرنامج الأصلى .. فامتزجت السخرية بالغضب .. وللخروج من المأزق قرر المرشح أن يخوض الانتخابات بلا برنامج بدلاً من إغضاب أحد الفريقين .. فيما بعد اتضح أن فكرة (بورتو) هى الأقرب إلى عقله وقلبه .. بل لعلها من بنات أفكاره .. هى الفكرة المحورية التى يلتصق بها بعض الأفكار السطحية من عينة أن إدارة الدولة أسهل من قيادة الكتيبة .. وأن الجيش يمكن أن يحل محل مؤسسات الدولة .. وبعض المشروعات السطحية كاللمبات الموفرة .. وعربات توزيع الخضروات .. وصندوقٍ خاصٍ يكون تحت تصرفه بعيداً عن قيود اللوائح (شئٌ أشبه بكانتين الوحدة) تَوَّقَعَ أن يملأه رجال الأعمال بمائة مليار جنيه فى المرحلة الأولى (وكأنما مهمة رجل الأعمال أن يعمل ليتبرع بعائد عمله لا ليسدد منه الضرائب ويستثمر الفائض).

إلى هنا كان الأمر مقبولاً .. فليس حتمياً أن يكون الرئيس (أىُّ رئيس) خبيراً اقتصادياً .. ولا خبيراً فى أى مجالٍ آخر .. طالما يُعَّوِض نقصَه بمن هم أكثر خبرةً وعلماً .. المشكلة بدأت مع تحول الرئيس إلى ديكتاتور .. وتعاظُم الإحساس لديه بأنه أكثر علماً من كل شعبه .. بل ومن الشعوب الأخرى التى تتعلم منه باعتباره طبيب الفلاسفة .. ووَضَعَه دراويشه ومنافقوه فى مقام سيدنا الخضر الذى لا يحيط أحدٌ بحكمته السماوية وليس لأحدٍ أن يناقشه حتى إذا قتل الغلام أو خرق السفينة أو أهدر الموارد أو أسرف فى الديون أو دهس الدستور والقانون .. وفى هذا المناخ يتباعدُ العلماء والخبراء المحترمون .. ويصعد الأفاقون والأفاكون والإمعات والطبالون واللصوص .. ويصبح التسطيح هو عنوان العصر ..فابتُذِلَت المعانى واختُزِلَ الكبيرُ فى الصغير .. اختُزِلت التنميةُ فى بناء منتجع أو رصف طريق .. واختُزِلت الوحدة الوطنية فى زيارة كنيسة .. واختُزِلَ تجديدُ الخطاب الدينى فى برنامج تليفزيونى .. واختُزِلَ تثبيتُ الدولة فى تخوين المعارضة وتكميمها .. واختُزِلَ الوطنُ فى الرئيس .. وبالتوازى .. اختُزِلَ الاقتصادُ فى (شفْط) ما فى جيوب الناس حتى لو كانوا بلا جيوب .. مع أن نظرية أجدادنا (التشافيط ما تملاش قِرَب) .. الحل بالتأكيد لم يعد اقتصادياً.

(المشهد- 14 مايو 2018).




No comments:

Post a Comment