شاطئ الغرامة
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
لا خطأ فى العنوان .. ليس المقصود شاطئ الغرام الشهير فى مطروح وإنما شاطئٌ خلَّابٌ آخر فى الطريق إليه.
أرسل لى أحد الأصدقاء عرضاً متاحاً فى شهر يوليو فقط لاستئجار قصرٍ بالصف الأول فى قرية مراسى بخمسةٍ وأربعين ألف جنيه لليلة الواحدة .. اعتذرتُ له لأن العرض يُحَّمِلُنى بتكلفة غرفةٍ بالحمام للسائق .. وأنا لا أحتاجها .. إذ ليس عندى سائق .. لأننى أصلاً لا أمتلك سيارة(!). لكنه أثار داخلى شجوناً قديمةً ظننتُها تصاغرت إلى جانب الشجون الجديدة .. وتذكرت أننى شريكٌ فى هذا المنتجع ولكن بالغرامة لا بالمِلكية .. وفى وقائع علنية جرت قبل أكثر من عقدٍ من الزمان وتدين عصراً بأكمله (عاد الآن لينتقم) وتلخص جريمةً متكاملةً لم يُعاقَب عليها إلا كاتب هذه السطور .. بدأت بقرار الجمعية العامة للشركة القابضة للسياحة (التى يرأسها ويعين أعضاءها ويفصلهم وزير الاستثمار) ببيع أرض سيدى عبد الرحمن كأرضٍ فضاء لا كاستثمارٍ (6.3 مليون متراً مربعاً فى أجمل موقع فى الساحل الشمالى) .. وهو ما يخالف الغرض المنشأة من أجله الشركة .. ولم تكتفِ بذلك وإنما تقرر أن يكون البيع لمستثمر استراتيجى (أى مشترٍ واحد) كقطعةٍ واحدة .. ثم جرى مزادٌ عائلى بين تحالفٍ يضم شفيق جبر ومحمد العبار وتحالفٍ يرأسه هشام طلعت مصطفى .. وجرى بَثُ وقائع هذه الكوميديا السوداء من خلال دائرة تليفزيونية ليتابعها وزراء أمانة السياسات وبعض صحفييهم من مكاتبهم .. وصل هشام طلعت مصطفى بالسعر إلى 160 جنيهاً وربع للمتر فرفع شفيق جبر السعر ربع جنيه آخر فتوقف هشام مصطفى لعجزه عن زيادة الربع جنيه وفاز تحالف شفيق جبر بالصفقة بسعر 160.5 جنيه للمتر المربع فى هذا الموقع الفريد بإجمالى نحو مليار جنيه فقط(!) .. وعومل الفندق التاريخى الذى يتوسط الأرض معاملة الهواء الذى فوق الأرض .. أى ببلاش(!) .. ثم اصطحب السيد/ جمال مبارك (الذى لم يكن له أى علاقة رسمية بالمزاد) المتنافسين والتقوا برئيس الجمهورية الذى هنأهم على نجاح المزاد (!).
قبل أن يتم سداد المليار جنيه للدولة أقام جبر حفلاً فى قصره لتسويق المشروع فجمع فى ليلةٍ واحدةٍ نحو 500 مليون جنيه (نصف قيمة الصفقة) قيمة مقدمات شاليهات الصف الأول.
لكن الختام جاء فضائحياً بامتياز .. إذ فوجئ الرأى العام بمحمد العبار صاحب الحصة الأقل فى التحالف الفائز (40%) يُصِّرُ بكل ثقةٍ على إخراج شفيق جبر صاحب الحصة الأكبر (60%) .. فإذا بشفيق جبر يرضخ رضوخاً غير منطقى مقابل مليار جنيه .. مما جعل بعض وسائل الإعلام تشير علانيةً إلى أن هناك اتفاقاً مخفياً بين الشريكين، وأن دور شفيق جبر فى هذه الصفقة لم يزد عن دور الوسيط(!!!).
كل ما سبق لم يكن سراً ولا إشاعاتٍ وإنما أخباراً تناولها الإعلام ولم ينفها أصحابها .. لكن الأستاذ/ سليمان جودة كتب مقالاً فى المصرى اليوم يتغزل فيه فى هذه الصفقة ويعتبر إذاعتها على الهواء نموذجاً للشفافية يجب تكراره فى الصفقات المقبلة .. فأرسلتُ مقالاً للجريدة لم أذكر فيه إلا الوقائع السابقة دون تعليقٍ .. فإذا ببلاغٍ يتهمنى بالسب والقذف والهمز والغمز واللمز فى قيادات أمانة السياسات .. قام القاضى برفض الدعوى من أول جلسة لأن المقال ليس به أى سبٍ أو قذف وإنما رصدٌ لوقائع جرت فعلاً .. فإذا بالنيابة (لا المدعى) تستأنف الحكم فى سابقةٍ لا تحدث فى قضايا السب والقذف إلا نادراً .. حُكِم علىَّ بغرامة 40 ألف جنيه .. أعلنت رفضى للسداد .. تم الحجز على النيش والصالون والتليفزيون وبعض الموبيليا .. وتنادى كثيرون من القوى الوطنية والأفراد العاديين وجمعوا أكثر من مبلغ الغرامة وأقنعونى بأن أقبل مبادرتهم لأن قضيتى عامة وليست خاصة .. وأنشأنا بالمبلغ الفائض (صندوق حماية الشرفاء) الذى أسهم فى سداد غرامات كثيرين ممن كان يتم تصيُّد بعض المواقف والكلمات لتغريمهم فى قضايا مختلفة.
قبل أن أنشر هذا المقال بلحظاتٍ تَذَّكَرتُ أنه إذا كانت فرصتى فى الالتحاق بطبقة سكان القصور قد أفلتت (ولا يبدو فى الأُفق ما يُنبئُ بإمكانية ذلك فيما تبقى من العمر) .. إلا أن بعضاً من قرائى قد يجدون فى هذا العرض لُقطةً .. فاتصلتُ بصاحب العرض لإمهالى يومين لإخبار الأصدقاء .. فلا تُضَّيِعوا الفرصة.
(المشهد- 6 مايو 2018).
No comments:
Post a Comment