Saturday 30 June 2018

{الفكر القومي العربي} تنظيم الظباط الأحرار و الكفاح المسلح في القنال قبل ثورة يوليو -2

معهد إعداد الكادر الناصري


‏19‏ أكتوبر‏1954‏
توقيع اتفاقية الجلاء والانتصار
في حرب تحريــر قاعدة قناة السويس
بقلم : د‏.‏ وليد عبدالناصر
لم يكن يوم‏19‏ أكتوبر‏1954‏ يوما عاديا في تاريخ مصر‏,‏ بل شهد هذا اليوم حدثا ثبت فيما بعد أن له دلالات بعيدة المدي لمصر وللمنطقة بأسرها‏,‏ ففي هذا اليوم تم التوقيع علي اتفاقية الجلاء بين حكومتي مصر وبريطانيا‏,‏ والتي جاءت ثمار مفاوضات طويلة وشاقة بين الجانبين‏,‏ وهي مفاوضات بدأت بشكل جدي عقب توقيع البلدين علي اتفاقية السودان في يناير عام‏1953,‏ ومن ثم بدأ التفرغ للقضية الوطنية أي إنهاء الاحتلال البريطاني لمصر‏.‏
ومن الواجب علينا هنا أن نشير إلي أن توقيع اتفاقية الجلاء في أكتوبر عام‏1954‏ لم يكن ممكنا دونما الدور الذي لعبته حرب الفدائيين في منطقة القناة ضد معسكرات الجيش البريطاني‏,‏ وهي حرب كثيرا ما تم نسيانها أو تجاهلها‏,‏ وفي كل الأحوال لم تحظ بما تستحقه من تغطية توثيقية وتاريخية وسياسية وإعلامية‏,‏ وقد درج علي تسمية هذه الحرب في الادبيات السياسية المصرية الحديثة بحرب التحرير الوطنية‏.‏

وكانت هذه الحرب امتدادا ـ من جهة التواصل التاريخي ـ لعمليات الفدائيين التي تلت مباشرة الغاء معاهدة‏1936‏ من جانب واحد بواسطة زعيم الوفد ورئيس الحكومة حينذاك مصطفي النحاس في‏8‏ أكتوبر‏1951,‏ وبدعم معنوي ضمني ـ أو علي الأقل بصمت الموافقة ـ من جانب حكومة الوفد بالرغم مما تعرضت له هذه الحكومة من ضغوط من القصر والانجليز لايقاف هذه الحرب وتعقب الفدائيين‏,‏ وحتي بعد سقوط حكومة الوفد في‏26‏ يناير‏1952‏ عقب اندلاع حريق القاهرة‏,‏ استمرت حرب الفدائيين دون انقطاع بالرغم من معوقات اضافية مثلتها سياسات حكومات الاقلية التي تولت الحكم في مصر حتي‏23‏ يوليو‏.1952‏
وبالرغم من هذا التواصل التاريخي مع حرب الفدائيين ما بين اكتوبر‏1951‏ و‏23‏ يوليو‏1952,‏ فان هناك فروقا اساسية بين هذه الحرب وحرب الفدائيين التي تلت قيام الثورة واستمرت حتي توقيع اتفاقية الجلاء في‏19‏ أكتوبر‏.1954‏

فقبل‏23‏ يوليو‏1952‏ كانت حرب الفدائيين تقاد اساسا بواسطة تنظيم الضباط الاحرارـ السري حينذاك ـ وضباط وطنيين آخرين مستقلين عن التنظيم سواء من الجيش أو الشرطة‏,‏ خاصة الضباط الذين اشتركوا في حرب فلسطين عام‏1948‏ سواء ضمن المتطوعين الذين قادهم البطل أحمد عبدالعزيز أو ضمن الجيش النظامي المصري الذي تولدت لديه خبرات قتالية‏,‏ ولايعني ذلك انكار دور المدنيين من مختلف التيارات الوطنية حينذاك الشيوعيين ـ الأخوان المسلمون ـ الطليعة الوفدية ـ الحزب الاشتراكي وغيرهم إلا أن هؤلاء المدنيين كانوا يحصلوا علي التسليح والتدريب من الضباط الذين لعبوا الدور القيادي في هذه الحرب‏,‏ اما عقب انتصار ثورة‏23‏ يوليو‏,‏ فان حرب التحرير الوطنية تحولت إلي اداة واعية في يد حكومة الثورة التي سيطرت علي حرب الفدائيين ووجهتها بما يخدم القضية الوطنية حسب مسار عملية التفاوض مع الحكومة البريطانية حول الجلاء‏.‏

فبدلا من العفوية النسبية وغياب القيادة المركزية في حرب التحرير الوطنية قبل يوليو‏1952,‏ صارت قيادة الثورة تدير الحرب أولا بواسطة عدد من قادة الضباط الاحرار الذين كان لهم دورهم في هذه الحرب قبل يوليو‏1952‏ مثل الراحلين كمال الدين حسين وكمال الدين رفعت وأحمد لطفي واكد وجيه اباظة‏,‏ ثم بعد ذلك عبر فرع بريطانيا بإدارة المخابرات العامة التي انشئت عام‏.1953‏ ويتصل بالاختلاف بين الفترتين المذكور في الفقرة السابقة فارق آخر‏,‏ فبينما كان الوجود العسكري المكثف للجيش البريطاني في محافظات القناة الثلاث بورسعيد والاسماعيلية والسويس قبل‏23‏ يوليو‏1952‏ وغياب مقار يمكن منها إدارة الكفاح المسلح من داخل هذه المحافظات قد تسعي بتنظيم الضباط الاحرار وببقية الضباط والمدنيين المشاركين في حرب الفدائيين للاعتماد علي محافظة الشرقية كعمق استراتيجي لحركة مقاومة الاحتلال واستغلال انتماء عدد من قادة التنظيم لهذه المحافظة وامتلاكهم أراضي زراعية بها ووجود اتساع جغرافي أفقي لقري المحافظة يعكس محدودية مساحة محافظات القناة‏,‏ وذلك مما سمح بتخزين السلاح الذي كان يتم تهريبه للفدائيين‏,‏ وأيضا اعتبار هذه الأماكن نقاط تجمع الفدائيين قبل وبعد القي
ام بعملياتهم في محافظات القناة‏,‏ واخيرا كمركز لتنسيق هذه العمليات وتخطيط الجوانب التكتيكية الخاصة بها‏,‏ ومقارنة بالحالة عقب يوليو‏1952,‏ نجد أن تغيير الوضع تضمن إيجاد مراكز لإدارة العمليات الفدائية ضد الاحتلال البريطاني من داخل مدن القناة ذاتها في ظل تأسيس مكاتب لإدارة المخابرات العامة المنشأة حديثا في هذه المدن وقيام هذه المكاتب فعليا بالاشراف علي الكفاح المسلح بها مما قلل ـ وإن لم يعدم ـ الدور المركزي لمحافظة الشرقية في حرب التحرير الوطنية حيث كمنت اهميتها أيضا في وجود معسكرات للجيش البريطاني بها‏.‏وفيما يتصل باختلاف آخر في مرحلتي ما قبل وما بعد‏23‏ يوليو‏1952‏ في حرب التحرير الوطنية‏,‏ فإننا نجد أن تحول الضباط الاحرار إلي سلطة حاكمة عقب الثورة أدي إلي خلافات داخل صفوفهم بشأن هذه الحرب فبينما كان تنظيم الضباط الاحرار يرحب قبل يوليو بكل المدنيين الذين يرغبون في المشاركة في حرب الفدائيين ويقدم لهم السلاح والتدريب أيا كان انتماؤهم الفكري والسياسي‏,‏ فانه عقب الثورة ظهرت تباينات داخل صفوف حكومة الثورة بين من ادعوا استمرارية نهج استيعاب جميع الفدائيين الذين يعرضون المشاركة في الكفاح المسلح ايا كان انتماؤهم السياسي باعتبار هذا اضافة للعمل الفدائي واسهاما فيه وامدادهم بالسلاح وتوفير التدريب لهم‏,‏ مقابل من أصبح هاجس الحفاظ علي أمن حكومة الثورة هو شاغلهم الرئيسي وبالتالي فضلوا استبعاد العناصر المنتمية إلي قوي سياسية مناهضة للثورة من الكفاح المسلح باعتبار أن توفير التدريب العسكري والعتاد لهم قد يتحول لاحقا إلي صدر حكومة الثورة‏,‏ وفي الحالتين ـ سواء قبل‏1952‏ أو بعدها ـ فقد وجدت خلافات حول استراتيجية المقاومة بين رؤية العسكريين التي تركز علي عناصر النظام والالتزام والانضباط ورؤية المدنيين التي تركز علي عناصر الدوافع الايديولوجية والحماسة الوطنية والاستعداد للتضحية‏.‏

ومن أهم نقاط التماثل بين حرب التحرير الوطنية قبل الثورة وبعدها التعاون والتنسيق الأمني بين سلطات الاحتلال البريطاني من جهة وهيئة قناة السويس من جهة أخري‏,‏ بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية وغير ذلك من أشكال التعاون‏,‏ وهو ما مثل نقطة ضعف في احكام حلقة الحصار حول الوجود العسكري البريطاني في منطقة القناة‏,‏ ولاشك أن هذا الدور لهيئة قناة السويس ـ في ظل ادارتها الاجنبية ـ كان له أثره لاحقا في اتخاذ الرئيس الراحل عبدالناصر قرارا تأميم هيئة قناة السويس عام‏1956‏ لتجاوز هذه الثغرة في جدار الأمن القومي المصري‏.‏ وإذا عدنا للحديث عن الاستراتيجية التي اتبعتها قيادة الثورة ممثلة في الرئيس الراحل عبدالناصر في توظيف عمليات المقاومة‏,‏ فنقول ان الرئيس الراحل كان يوجه فرع بريطانيا بادارة المخابرات العامة لتكثيف العمليات العسكرية ضد الوجود العسكري البريطاني بمنطقة القناة كلما شعر بتقاعس بريطاني في عملية التفاوض مع الحكومة المصرية بشأن اتفاقية الجلاء‏,‏ سواء كان هذا التقاعس عبر تغيب عن جلسات التفاوض أو المطالبة بتأجيلها لفترات زمنية ممتدة وغير محددة‏,‏ أو اخذ شكل تبني مواقف جامدة وغير مرنة لاتستجيب للمطالب المصرية بشأن ما يجب ان يرد وما لايرد ذكره في الاتفاقية‏,‏ ويجب ألا تفوت هذه المناسبة دون توجيه تحية لابطال حرب التحرير الوطنية الذين ادت فدائيتهم ووطنيتهم وتضحيتهم وتفانيهم إلي تحرير الوطن‏,‏ وفي مقدمتهم من الراحلين كمال الدين رفعت وأحمد لطفي واكد من الاحياء محمود عبدالناصر ومحمد عبدالفتاح أبو الفضل وسعد عفرة وعاطف عبده سعد وعمر لطفي وعبدالمجيد محمد عبيد وسمير محمد غانم ومحمود سامي حافظ ومحمود محمود سليمان‏.‏


No comments:

Post a Comment