Sunday 3 June 2018

{الفكر القومي العربي} article

تفكيك المفكك-1-

صباح علي الشاهر

 

قالوا الفوضى الخلاقة فضحك البعض ، وأكتفى البعض الآخر بالسخرية من جمع المتناقضين .

ترى ماذا ستخلق الفوضى غير الفوضى، ولأنها خلاقة فهي مُستدامة، ولأنها فوضى خلاقة أو "مستدامة" فهي كفيلة بإعادة خلط الأوراق في كل آن، وإعادة ترتيب الأولويات، وتدوير المشاكل التي ستكون بدورها كالفوضى خلاقة أو مُستدامة" .

لا نحتاج للتدليل وإيراد الأمثلة فهي أكثر من أن تُعد وتُحصى في العراق المُبتلى، الذي أصبح ميداناً لتطبيق أكثر الأفكار جهنمية وخبثاً ، لقد أصبحنا حقل تجارب .

***

كان العالم على أعتاب قفزة كونية في مجال الاتصالات والميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي عندما بدأ البعض ينسج بهدوء وأريحية وكرم زائد عن الحدود خيوط ما سيسميه لاحقا " الفوضى الخلاقة "

وكانت الديكتاوريات بطبعها الشمولي الإقصائي التجهيلي تحرم على الناس ، و حتى على أتباعها، ليس فقط مُنجزات العلم والتكنولوجيا كالستلايت والموبايل ، والأنترنيت ، وإنما حتى الببسي كولا بدعوى إضرارها بالصحة ، لكنها تحتكر المتاجره بأردأ أصناف السيجاير غير الصالحه للإستعمال ، وتشترط على الرسام رسم صورة القائد، مثلما تشترط على المغني تقديم أغنية في مدحه ، أما الشاعر فقد كان ملزماً من أجل أن يعيش أن يتغنى بجمال القائد  قبل حكمته .

ليس غريباً أن تكون القفزة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والميديا ووسائل التواصل الاجتماعي في صدر إهتمامات من خطط للفوضى الخلاقة ، وتطبيقاتها في العراق ، فالذين صنعوا هذه الوسائل أدرى بمدى تأثيرها. وسنأجل الحديث عن هذا لمقال لاحق.

***

من عاش في المنافي يتذكر تلك الرسائل التي كانت ترسل بشتى الطرق ، كانت تلك الرسائل كاليد التي تمتد لغريق في عمق اليم ، فيها من الإغراءات ما يسيل له لعاب البعض ، وبالأخص أولئك الذين فقدوا الأمل في كل شيء ، فإذا بهم في نهاية المطاف يوعدون بما لا يحلمون به . 

لم يستجب لهذه الرسائل سوى قلة قليلة من النخب توزعت على مراكز التدريب في بعض الدول الأوربية ، الأغلبية الساحقة من النخب رفضت كل الإغراءات ، ترافق هذا المسعى مع القفزة الإعلامية الفضائية ، وتوسع  الإعلام الورقي الذي كان يبالغ في التوضيف ومنح الرواتب والمكافآت  لإستمالة الكتاب والمثقفين ، وإدراجهم في إطار الحملة التي تم التخطيط له ..

***

من أهم ما ركزت عليه مناهج التدريب في مراكز الإعداد التي أقامتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي الإعلام والثقافة، والنشاط الاقتصادي ، والنشاط الاجتماعي ، وما سيعرف لاحقاً بتنظيمات المجتمع المدني ، أما المجال العسكري فقد أوكل لعناصر عسكرية إدعت بأنها معارضة إرتبطت مباشرة بالبنتاغون، أو كلت لها مهمة تصفية الجيش العراقي، وبناء جيش وفق مواصفات بيان 91 سيء الصيت ..

لم يقصر النظام الديكتاتوري الأهوج في تقديم كل الذرائع الممكنة لمن خطط لتدمير البلد ، ولم تكن أقوال وذرائع المؤيدين لغزو البلد مجرد أكاذيب ، بل وقائع  وحقائق، ربما كانت أقل مما كان يجري في الواقع ، ولم يكونوا بحاجة إلى أي جهد لإثبات ظلم النظام وبطشه، وإستهتاره بمصائر الناس والبلد ، وكان النظام ممثلاً برموزه يعطي في كل يوم المبررات التي كانت أكثر من كافية لإثبات عدم جدارته في البقاء، وضرورة زواله، وهذا أمر لم يختلف عليه من أجبره النظام على اللجوء إلى المنافي ، ولكن الإختلاف كان في الوسيلة ، وفي رفض الأغلبية الساحقة أن يكون سقوط النظام  الذي كان آيلا للسقوط ، جراء مغامراته وبطشه وسياساته الرعناء  وسيلة أو حجة لسقوط البلد ، وتحويل المعارضين إلى أدلاء للغازي المحتل الذي سوف لن تكون مصلحة العراق والعراقيين في سلم إهتماماته، وهذا ما أثبتته وقائع سنوات ما بعد الاحتلال العجاف .

لم يكن الأمر مجرد إختلاف في الرؤى ، قد يكون هذا ممكناً لو لم يتدخل البترودولار والإغراء وشراء الولاء والذمم ، لقد وضعوا لكل شيء ثمن ، وكانوا قادرين ومقتدرين ، فهم سادة الكون والمال ، فإذا ترافق هذا مع طبيعة النفس الخواره أمكن بسهولة معرفة النتيجة التي ستكون حتمية ، خصوصاً وأن من يقف بوجه أمريكا والرجعيات العربية كان عار من أي قوة ، سوى قوة صواب رؤيته ، فلا حركة يسارية مساندة ، ولا أحزاب شيوعية ، ولا إتحاد سوفيتي ، ولا حتى حركة تحرر وطني ، عربية أو عالمية .. كان الطريق سالكاً لوضع العراق تحت السفود ، والإمعان في تمزيق أوصاله ، وجعله ميدان تجارب ، ليس للأسلحة فقط ، بل للأفكار التي سيقدم أكثر من مليون ضحية، وملايين الأيتام والأرامل، وهذا الكم من الدمار والخراب النفسي والإجتماعي ، لإثبات فشلها .

وتباهوا بأنهم أدخلوا الموز إلى دكاكين البقالة ، والفراولة إلى مزارع العراقيين، وجعلوا الببسي كولاً في كل مكان، ووضعوا في يد العراقي الموبايل، ونشروا الستلايت ، ومنحوا المواطن  حق سب المسؤول دون القدرة على تغييره.. لقد أحدثوا التغيير .. لكنهم صمتوا عن قول تغير ماذا ؟  

 


No comments:

Post a Comment