تجلياتٌ على مسرح العبث
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
أمضيت نصف عمرى الوظيفى ضابطاً مهندساً فى القوات المسلحة ولَم أرَ فى ذلك غير واجبٍ شرَّفَنى الله بأدائه ولا تجوز المزايدةُ به على أحد .. ومع ذلك لم يعد يُدْهِشنى فى زمن اللا معقول أن يزايد على وطنيتنا وحبَّنا للجيش مذيعون متهربون من التجنيد .. وأن يتهمنا بعضهم بالخيانة لتَّمَسُكِنا بمصرية تيران وصنافير(!).
وأمضيتُ نصف عمرى الآخر فى معارك للحفاظ على المال العام ولَم أرَ فى ذلك غير فريضةٍ لا بد من أدائها دون مَنٍّ أو تفَضُلٍ على أحد .. ومع ذلك لم يعد يدهشنى فى زمن المَسخ أن يزايد على نزاهتنا نفس اللصوص وقد عادوا لينتقموا.
وأقالنى وزيرٌ إخوانى .. ولم أجد فى ذلك مادةً للتجارة والتكسب فى عهدٍ جديد .. بل لم أَجِد أى تناقضٍ فى الدفاع لاحقاً عن حق هذا الوزير وغيره فى معاملةٍ عادلةٍ وإنسانيةٍ .. فقد نشأتُ فى بيت قاضٍ تعلمتُ منه أن العدل قيمةٌ قبل أن يكون وظيفةً .. ومع ذلك لم يعد يدهشنى فى زمن العبث أن يتهمنا بالتأخون بعضٌ ممن كانوا يتمرغون على عتبات الإخوان تزلفاً ونفاقاً فى العام الذى حكموا فيه.
لكن ما أزعجنى فعلاً أن يتدهور مستوى التلفيق (اتساقاً مع التدهور العام) إلى حد اتهامنا بتلقى تكليفٍ من التنظيم الدولى للإخوان (هكذا!) بدمج جماعة الإخوان فى الحركة المدنية الديمقراطية بدعوة الإرهابى محمد عبد القدوس على إفطارٍ رمضانى (هكذا أيضاً!) والتنسيق مع الأستاذ الدكتور يحيى القزاز لإثارة غضب الجماهير (الراضية!) ضد قرارات زيادة الأسعار بما يؤدى إلى تقويض الدولة وهدم جيشها وشرطتها ومؤسساتها (هكذا ثالثاً!) .. هذا الهراء تم تعميمه فى منشورٍ من جهةٍ رسميةٍ يتقاضى (خبراؤها) رواتبهم من جيوبنا .. فتم النشر فى مواقع وصحف تابعة يتقاضى مسؤولوها رواتبهم من جيوبنا أيضاً .. ليتحول هذا الغثاء إلى بلاغاتٍ يتم التعامل معها بجدية(!).
أعرف أن الترهل وانعدام الكفاءة صارا من سمات هذا العهد .. لكننى لم أتصور أن يصل الانحدار إلى هذا الدرْك .. يا سادة حتى التلفيق له أصول وقواعد.
كما قلتُ فإننى لم أعُد أشعر بالدهشة مما يحدث .. فقط أشعر بالقرف.
(القاهرة- 20 يونيو 2018)
No comments:
Post a Comment