Monday 18 June 2018

{الفكر القومي العربي} أحمــد الطيب .. والجهل بالاشتراكية بقلــــم: د. محمد فؤاد المغازي

المكتبة القومية‏.

أحمــد الطيب .. والجهل بالاشتراكية
بقلــــم: د. محمد فؤاد المغازي
الخبيث الطيب يكفر جمال عبد الناصر:
راح الخبيث الطيب يحمل مبخرته يطوف بها على القنوات الفضائية، يدندن في آذان الناس بالكذب "بأن عبد الناصر اراد أن يعيش الأزهر في ظلام...فضعضع الأزهر وفتح للمد الاشتراكي طريقا...ماذا تتوقع من نظام ارتمي في أحضان النظام الروسي...نظام منكر للدين / ونظرية ماركس وأفيون الشعوب"
بداية ففي حديث الخبيث الطيب إشارة واضحة بتكفير عبد الناصر. فالمقارنة هنا ليست مقارنة بين اختيارات سياسية..نتبنى سياسة الأحلاف/ أم سياسية الحياد الإيجابي، ولا هي مقارنة بين أنماط وأدوات تنموية في الاقتصاد..نختار الاشتراكية كطريق للتنمية/ أم نختار الرأسمالية التي لها مزاق (المهلبية) في أفواه اللصوص.
المقارنة هنا واضحة المعاني فهي مقارنة بين عقيدة الإلحاد وعقيدة الإسلام، وكون جمال عبد الناصر كما يقول هذا اللَوْذَعِيّ..قد إرتمـي في أحضان نظام منكر للدين، فإنه قد أختار طريق الإلحاد، والملحد منكر لوجود الله إذن فهو كافر.
على كل الأحوال ما ورد في قائمة التطاول للخبيث الطيب على جمال عبد الناصر ثلاث اتهامات .. بثلاث عناوين
1_المد الاشتراكي. 2_ النظام الروسي. 3_ ماركس وأفيون الشعوب.
سنناقشها مع الشباب الناصري _فالله إن الخبيث الطيب لا يهمني في شيء_ فهذا النموذج من المنافقين سيظل موجودا بين البشر، وبين الأنظمة السياسية إلي يوم القيامة، لأنها نماذج بلا ضمير وبلا حياء.
المــــد الاشتراكـــي:
بداية يا أيها العبقري فإن الدعوة إلي الاشتراكية هي دعوة فكرية ذات طابع إنساني سبقت مولدك بفارق 2600 سنة. فالفكر الاشتراكي ومدارسه بدأ مع ظهور الحضارات الأصيلة التي ظهرت قبل الحضارات المكتسبة، وكان الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس 551_479 ق.م) من أوائل الرواد الذين تناولوا الاشتراكية كفكرة وَدَعَا إلي تطبيقها تحقيقا للعدل الاجتماعي.
شاهد (كونفوشيوس) نفس المأساة التي نشاهدها اليوم، وَتَعَامَي عن رؤيتها أحمد الطيب، وهي مظالم الحكومات واستغلال الشعوب وإهمال مصالحها، فنادى بتطبيق المبادئ الاشتراكية، عن طريق توزيع الثروة الوطنية في أوسع نطاق ممكن، لأن تركيز الثروات في أيد قليلة سيحمل الأفراد الكادحين على الهجرة...أما توزيعها فإنه يشجعهم على العمل وزيادة الانتاج، ويزيل إلي حد كبير ما في نفوسهم من الحقد والسخط.
والفاروق عمر ابن الخطاب كان من أول مطبقي الاشتراكية في بداية الدعوة الإسلامية اجتهادا منه في مواجهة حيازة الأراضي الواسعة التي في حوزة قلة من الأفراد، فأمر بتوزيعها من غير أن يسميها قرارات اشتراكية، فلم يكن المسلمون الأوائل على علم بتاريخ الحضارات؟ فلماذا لم تهاجم الفاروق عمر ابن الخطاب؟
فالاشتراكية يا هذا...
نتاج وجهود الفلاسفة والمفكرين بحثا عن أفضل السبل التي تٌمَكِّنْ من ربط الانتاج وتوزيع عوائده بمعايير العدل الاجتماعي، فكانت الاشتراكية واحدة من بين تلك الأفكار والأدوات، وخضعت شأنها شأن كل الأفكار والنظريات لمبدأ الصيرورة، أي التغيير والتطور، وهي اسبق النظريات والأفكار التي تَنَاوَلَتْ ما يتعلق بوسائل الانتاج وتوزيع حصاده، وكانت الأرض آن ذاك هي مصدر الانتاج الرئيسي، وكان الفلاح أيا كان مولده وهويته هو العنصر الأساسي في الانتاج.
وهكذا..ارتبطت الاشتراكية منذ أن كانت فكرة في مخيلة المفكرين إلي أن اصبحت الاشتراكية نظاما تعددت برامجها...فالاشتراكية في الهند غيرها في تنزانيا غيرها في مصر، وتوحدت الاشتراكية في هدفها العام وهو تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين البشر، وهذا هو جوهر الأديان ومسعاها، بدليل أن الله سبحانه وتعالي اختار رسله من بين الفقراء، لم يكن من بينهم واحدا من كبار ملاك الأراضي الزراعيين، ولا من كبار التجار، ولا من كبار الكهنة. وأعتقد أن أمير الشعراء أحمد شوقي قد بلغ الحقيقة عندما وصف رسول الله سيدنا محمد بأنه إمام الاشتراكيون.
هــل الاشتراكيـــة عقيدة دينية؟
هل صحيح أن الاشتراكية عقيدة دينية، ولها كتاب مقدس، وأنبياء ومرسلين، شأنها شأن الديانات السماوية والأرضية، كما يستشف من تجليات أئمة التكفير؟
الاشتراكية والرأسمالية ليست ديانات، فالإنتاج الاقتصادي الذي بني على قواعد الاشتراكية يجري توزيع عوائده وفقا لقواعد العدل الاجتماعي، كذلك الرأسمالية فتطرح التنمية الاقتصادية وفق متطلبات السوق، ويتم توزيع العائد الانتاجي وفقا لمعايير الربح والغلبة لرأس المال، ونضيف ان الاختيار بينهما يمثل قاعدة فرز اجتماعي لمن بيده قرار الاختيار، فمن اعتمد الاشتراكية منهجا أعتمد العدل الاجتماعي هدفا، ومن أختار الرأسمالية منهجا اختار الاستغلال هدفا.
فيا شيخ جماعات الاتجار بالدين..عبد الناصر لم يكن أول من طرحها كفكرة، ولم يكن أول من طبقها كمشروع، لكنه اتبع المسار الصحيح لمن سبقوه دعوة وتنفيذا، ولأنه كان من ابناء الشعب المصري عاش حياته مشاركا له فيما وقع عليه من ظلم اجتماعي، فكان من الطبيعي أن يكون من بين أهداف ثورته هو ورفاقه إقامة العدل وتحقيق المساواة بين المصريين، بإزالة مصادر الظلم .. واستبعاد الظالمين.
وبهذا يكون عبد الناصر في مساره الاجتماعي واحدا من تلاميذ رسول الله، وواحدا من تلاميذ المسيح عليه السلام فهما لدعوتهم المبشرة بإقامة العدل الانساني، وتطبيقا لها بالقدر الذي سمحت به ظروف عصره؟ أما من هاجموه بغض النظر على ما فوق رؤوسهم من عمائم وتيجان، وعلى وجوههم من لحي وشوارب، هم المخالفين لجوهر الدين الاسلامي القائم على العدل الاجتماعي.
فالاشتراكية أساس بنيانها مشيدا على قواعد علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع والقانون والأخلاق، وهي مرتبطة بأهم القيم الإنسانية وهي قضية العـــدل.
لكن أئمة الفساد المدافعين عن توريث الظلم ومن بينهم أحمد الطيب، جعلوا من الاشتراكية عقيدة دينية، ليكون الصدام معها على أرضية التناقض والتصادم مع الرسالات السماوية، وتحديدا الديانة الإسلامية.
فراحوا بالتأويل الكاذب، وبالموروث المتحجر يتهمون جمال عبد الناصر بأنه قد تدخل في مشيئة الله مقسم الأرزاق بالإصلاح الزراعي، وبمثل ما تدخل ناصر في مشيئة الله بالإصلاح الزراعي، تدخل ناصر في مشيئة جماعات الاتجار بالدين بتحديث الأزهر، إذن فهو اشتراكي..والاشتراكي بالطبيعة ملحد، ولأنهم وكلاء الله في الأرض أدخلوه النار.
الفـــلاح المصري ... نموذج للظلم الصارخ على مر التاريخ:
لقد اخترت الفلاح المصري ورغبت ان أشركه معي في حديثي عن الخبيث الطيب، وأن اتخذه كنموذج أنصفته الاشتراكية، بعد أن تبادل على قهره واستغلاله الغرباء وابناء جنسه فنهش الكل جسده وعرقه، وظل سجين الظلم يرافقه كظله، ونهجا قدريا منذ بدأ الخليقة. لم تنبري جماعات الاتجار بالدين في أي زمان بالدفاع عنه، بل العكس كانوا يعينون الظالمين على ظلمهم بطرح فتاوي تؤكد أن التقسيم الاجتماعي تقسيم إلهي لا شأن للبشر بالتدخل فيه.

وهذه دراسة محايدة قام بها مجموعة من الباحثين الألمان رصدوا فيها الحالة المعيشية والاجتماعية لما كان عليها الفلاح المصري قبل الثورة وقبل جمال عبد الناصر. فصنفوا المستوي المعيشي للفلاح المصري:
" بأنه أقل المستويات المعيشية في العالم. فأسرة مكونة من خمس أفراد كان دخلها السنوي في حدود 25 جنيه مصري في السنة. والغالبية من هؤلاء الفلاحين لم يكن في مقدورهم شراء جاموسة واحدة، تساعدهم في عملهم الزراعي، فثمن الجاموسة الواحدة يتراوح ما يوازي بين سنة إلي ثلاث سنوات من العمل. كانت بيوت الفلاحين مبنية من طمي النيل، وكان مجرد هطول أمطار يلحق بها أضرار بالغة. وكانت غرف المعيشة للفلاحين ضيقة وتشاركهم السكن فيها البهائم. وكانت تغذيتهم من حيث النوعية والكمية لا تكفي حاجتهم الغذائية، وكان معظمها من المواد الكربوهيدرات". (راجع: كتاب عصيان على ضفاف النيل. مجموعة من الباحثين الألمان. 1976. برلين)

عبد الناصــر ... والعدالة الاجتماعيــــة:
عندما وصل الضباط الأحرار إلى السلطة، لم يتضمن برنامجهم أو تصريحاتهم أي إشارة بغلق أبواب مصر الاقتصادية في وجه أي شكل من أشكال الاستثمارات المالية والاقتصادية، فلم يعترضوا على جنسية رأس المال محليا أو أجنبيا.
فصلاح سالم (عضو مجلس قيادة الثورة) يؤكد عن رفضه للنهج الاشتراكي طريقا للتنمية الاقتصادية، وينفي عن زملائه أنهم من الاشتراكيين، وبأنهم مؤمنين بأن الاقتصاد المصري سيزدهر عن طريق المشروعات الحرة. (راجع د. محمود متولي: الأصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها).
حتى تصريحات جمال عبد الناصر في بداية الثورة كانت تسير في نفس الاتجاه..فيعلن في 19 إبريل 1954 " أمامنا الفلاح والعامل وصاحب الأرض وصاحب رأس المال، ونحن نعمل للجميع ولا ننصر فئة على فئة أخرى، سنكون حكمـــا بين الجميع، نعمل لإيجاد تعاون قوى بين الفئات جميعا". (راجع أحاديث وخطب عبد الناصر الجزء الأول)

لكن الثورة اصطدمت بعائق ليس من الممكن تخطيه..وهو قلة الموارد وندرتها، فما ورثته ثورة يوليو عما سبقها من نظم سياسية هو مجتمع زراعي متدني في انتاجه، متخلف في وسائله، وأرض زراعية محدودة المساحة لا تتجاوز 4% من مجمل مساحة مصر، ومن ثم لم يكن هناك اختيار آخر يساهم في رفع الظلم الاجتماعي عن الطبقات المسحوقة والفلاح المصري على راس القائمة غير اللجوء إلي إعادة توزيع الثروة الوطنية وأولها الرقعة الزراعية كإجراء ومخرج وحيد في بداية الأمر.

هنــا..تغير موقف عبد الناصر 180 درجة عندما تبدي له أن رفع الظلم لن يتحقق بحكم ضعف الموارد وندرتها، ولن يتحقق على أيدي من أسسوا الظلم الاجتماعي كنظام سياسي واجتماعي وهؤلاء كانوا وما زالوا طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعيين.

إذن لم تعد مقولة أن يكون النظام الثوري حكمـــا محايدا بين الجميع غير صالحة، فتحول موقف الثورة المحايد إلي موقف الخصم المقاتل، فانحاز عبد الناصر إلي جانب المظلومين، وأصبح على عبد الناصر أن ينتصر لفئة المظلومين من فئة الظالمين بالثورة. هنا تجلت الأمور..واستقام المنسم.

حيازة الأرض مصدرا للظلم ... وتوسيع رقعتها وتوزيعها إنصافا للحق والعدل:
1_ التوعية السياسية والاجتماعية:
تعددت أساليب ووسائل ثورة يوليو في نصرة الفلاح المصري كرمز للمقهورين. فبدأ عبد الناصر بنشر التوعية السياسية، فجاب هو ورفاقه مدن وقري مصر يفضح الظلم والاستغلال الاجتماعي لطبقة كبار الملاك الزراعيين هؤلاء:"...سَلَبَ استغلالهم للمصريين كل مضمون للحرية والديمقراطية والكرامة وإنسانية الإنسان...حرموا 18 مليون من الفلاحين من الحرية الاجتماعية ولقمة العيش. أنا أعرف جيدا وأنتم تعرفون أن الإقطاعيين كانوا يخرجون الرجل من الأرض بعائلته وأولاده شريدا لا يجد لقمة العيش هل هذه هي الحرية التي ينادون بها؟". (راجع الوثائق: جمال عبد الناصر. الجزء الأول. 1954. ص 111).
استمرت المواجهة بين عبد الناصر وكبار ملاك الأراضي الزراعيين، وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة المتشدقين بالديمقراطية، فربط بين الحرية السياسية والحرية الاجتماعية في معادلة لا تقبل طرفيها لا للتجزئة ولا للتعديل...فلا ديمقراطية سياسية من غير أن يتحقق شرطها الأول وهو اقامة وتحقيق الديمقراطية الاجتماعية. وأن النماذج التي طبقت في المجتمعات الرأسمالية، لا تصلح حلا للمشكل الديمقراطي في مصر، كذلك النماذج المطبقة في الدول الشيوعية لا تشكل هي الأخرى حلا للمشكل الديمقراطي، والسبب الأساسي هو في اختلاف التركيبة المجتمعية في مصر عنها في الغرب الليبرالي أو في الشرق الشيوعي. لقد تحددت قناعة ناصر بأن"...أساس الاستقرار الوطني الوحيد هو العدل الاجتماعي." ( راجع جمال عبد الناصر: القسم الثالث. ص 200)
2_ رفع الظلم ... بالتشريعات الثورية:
كانت البداية صدور أول تشريع يتعلق بقانون الاصلاح الزراعي الأول بعد 90 يوما بموجبه تحددت الملكية ب 200، ثم تبعه القانون الثاني بتخفيضها إلي 100 فدان، وبصدور القانون الثالث للإصلاح الزراعي عام 1969 بتحديد الملكية ب 50 اختفت الملكية الإقطاعية من الريف المصري.
_ كما ظهر ولأول مرة التنظيم النقابي لعمال الزراعة، وبتحديد الحد الأدنى للأجور.
_ حماية الفلاح بقرارات التأميم للأراضي الزراعية التي كانت في حوزة الأجانب، وتأميم وتمصير المؤسسات المالية الأجنبية التي تتولي التعامل مع الانتاج الزراعي بالنهب والاستغلال، فأممت شركات تصدير القطن فأنقذت الفلاح من شبكة الاستغلال المتشعبة (الحصول على البذور، التجار، الربا، البنوك الأجنبية، بيوت التصدير)، واستبدلت منظومة التشريعات الاستغلالية (المصرية / والأجنبية) بقوانين بتشريعات ثورية تلغيها، فكانت تشريعات التسويق التعاوني.

3_ رفع الظلم ... بتوسيع الرقعة الزراعيــة:
لم يساهم كبار ملاك الأراضي الزراعيين (اللصوص) الذين يقتاتون على عرق الفلاح ومن شقائه بجهد يذكر في توسيع الرقعة الزراعية، وظل توسيع الرقعة الزراعية ملقي على عاتق الدولة...والحق على عاتق الفلاح الأجير.
وتدل الإحصاءات على أنه في الستين سنة السابقة على قيام الثورة لم تزد مساحة الأراضي المستصلحة عن أربعمائة ألف فدان بمتوسط 6800 فدان سنويا.
بالمقارنة، وفي ظل الثورة الناصرية فان استصلاح الأراضي الزراعية " قد بدء بطيئا وان كان أعلى في معدله عن الفترة السابقة على الثورة وبلغ بمتوسط سنوي 10,000 في السنة ، وبين عام 1960_ 1970 قفز الرقم إلى 830,000 فدان بمتوسط سنوي 80,000 فدان، فضلا عن تحويل نصف مليون فدان من ري حياض إلى الري الدائم."
وهذا يعني أن استصلاح الأراضي الزراعية تحت المظلة الناصرية كان يفوق في معدله بأكثر من 14 ضعف عن المعدل الذي كان يتم به استصلاح الأراضي الزراعية في ظل المشروع الخاص، والملكية الخاصة!!
لقد بلغ عدد العائلات المستفيدة من الإصلاح الزراعي ما يقرب من 400,000 ألف أسرة.
(راجع كتاب د. علي الجريتلى: خمسة وعشرون عاما دراسة تحليلية للسياسات الاقتصادية في مصر 1952_1977. القاهرة، 1977)

وهذا تعليق قاله أستاذ الاقتصاد د. جلال أمين، يعقب فيه عن الآثار التي خلفها قانون الاصلاح الزراعي الأول: "من الغريب أن المعاصر لحدث معين قد لا يدرك أبعاده الحقيقية إلا بعد مرور الزمن، فمثلا كان موقف الوطنيين من قانون الإصلاح الزراعي سنة 1952 انه كان متواضعا للغاية ومع ذلك فحينما ننظر إليه الآن بعد مرور30 عاما فأننا ندرك كم كان هذا القانون ثوريا. لأن التغيير الاجتماعي والنفسي الذي أحدثه مع مرور الزمن كان رائعا حقا. (د. حلال أمين: الاقتصاد المصري في 30 عاما، مجلة الشراع، بيروت، 1983).

والآن مصر تواجه كارثة سببها تراجع الرقعة الزراعية في مصر، فمساحة الأرض الزراعية في مصر بما فيها الأراضي المستصلحة تصل نحو ستة ملايين فدان يضيع منها سنويا ما بين 40_60 ألف فدان سنويا بسبب الزحف العمراني، أي أنه في سنة 2000 سيتناقص نصيب الفرد من الأرض الزراعية في مصر بحيث يخشى ألا يجد الفرد غذاءه. (راجع مقال د. أحمد أمين مختار. جريدة الأهرام. 20/5/1983).

4_ رفع الظلم ... بتوفير الرعاية الاجتماعية:
إلى جانب ذلك وفرت الثورة للفلاح الرعاية الصحية بالمجان..فأنشأت الثورة 8115 وحدة صحية ريفية / توفير مياه الشرب النقية، في كل القرى الرئيسية والصغيرة / أصبح التعليم للجميع بالمجان وبغير ابعاد لأبناء الفقراء / كما أن التلميذ في التعليم العام يحصل على الكتب بلا مقابل، فوصل نسبة الاستيعاب المدرسي في مرحلة الإلزام فجاوزت 75%. وكان معنى ذلك أن أرتفع عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية في العشرين عاما من 1,6 مليون إلى 3,8 مليون بمعدل زيادة سنوي قدره 7,1% أي أكثر من ضعفي معدل زيادة السكان.
وأرتفع عدد تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية بأنواعها من 250 ألف تلميذ إلى 1,5 مليون بزيادة قدرها ستة أمثال. لقد عشت أنا وأبناء جيلي من الفقراء المعدمين هذه المرحلة.
كما امتدت الثورة التعليمية في انشاء الجامعات. واصبح لها فروع في المحافظات. وبلغ عدد طلبة الجامعات والمعاهد العليا في 1970/1971 أكثر من 213 ألفا مقابل 40 ألف فقط عشية قيام الثورة، أي بمعدل زيادة سنوي حوالي 20%.

لم تستثني ثورة يوليو وجمال عبد الناصر مؤسسة الأزهر الشريف، الذي تعلم فيها هذا الموتور الخبيث الطيب، وكانت فصول وقاعات المحاضرات لا يسودها الظلام كما يدعي زورا وتضليلا، وإنما مضاءة بنور العلم، وبالانضباط الطلابي، الذي اختفي من قاعاتها في ظل وجودك، فقدمت كل أنواع المعرفة جنبا إلي جنب مع الدراسات الدينية واللغوية.

وهذه احصائية وردت في مؤلف الأستاذ الدكتور حامد متولي حول الأزهر يرصد فيها النمو الذي لحق بالمؤسسات التعليمية الأزهرية كَمَّا وَنَوْعَّا:
_ "...شهدت المدارسُ و المعاهدُ الأزهريةُ ازديادا وتطويرا شاملا بعد قيام ثورة يوليو فبعد أن كان عددُها 14 معهدا...و كان يدرسُ بها 7032 طالبا في عام 1952 / 1953 إلى عدد 12902 طالبا في العام الدراسي 1962 / 1963.
_ استقبلت مصر 8500 طالبا وافدا من الدول العربية و من 21 دولة أفريقية و عشر دول أسيوية و عشر دول أوروبية للدراسة بالجامعات المصرية و جامعةُ الأزهر.
_ افتتاح مدينة للبعوث الإسلامية يكون خريجيها من الدول الأفريقية و الأسيوية و غيرها دارسين للعلوم الوضعية و الدينية على حد سواء و يعودون إلى أوطانهم مهندسين و أطباء و كيميائيين و فيزيائيين و جيولوجيين...واترك للقارئ تقدير دور هؤلاء في أوطانهم، باعتبارهم يمثلون قوي ناعمة داعمة للبلد الذي وفر لهم سبل المعرفة والتعليم.
أما عن تحديث وتطوير مؤسسة الأزهر التعليمية فيذكر د. حامد متولي: أنها كانت مبادرة جرت عام1961 من مشايخ الأزهر برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور عبدالحليم محمود، والتقوا بالرئيس جمال عبدالناصر فتحدثوا معه عن ضرورة تطوير الجامعة الأزهرية بحيثُ تشملُ بجانب الدراسات الإسلامية في كليات الشريعة و أصولُ الدين و اللغة العربية كلياتٌ جامعية علميةٌ...وكلياتٌ منفصلة للبنات يدرسون بها الدراسات العلمية بجانب الدراسات النظرية واللغوية والقرآن الكريم.
فتناقش معهم الرئيس جمال عبدالناصر و بعد أن اقتنع برؤيتهم البناءةُ، أصدر القرار الجمهوري المنظِمُ لذلك...و صارت الجامعة الأزهرية المُتطَورةُ تابعة لمشيخة الأزهر الشريف...فازدهر الدور العلمي و الديني التنويري لجامعة الأزهر".
(راجع بالتفصيل مؤلف الأستاذ الدكتور حامد متولي: أزمة التعليم في مصر/ الأسباب والمتسببون. الجزء الأول. الطبعة الأولي. السنة 2017).
لم يستوعب الخبيث الطيب أن الهدف الرئيسي من وراء التجديد والتحديث الذي جري لمؤسسات الأزهر الشريف، هو فتح الطريق للاجتهاد بعد ما يقرب من ألف عام، كــي يتأخى العلم مع العقيدة، فيزيح العلم عن الدين غبار الموروث المتحجر والمزيف، فيبطل تجارة الدين ويغلق أسواقها، وأن يتحصن العلم بروح الدين فيحميه من شططه، ويدرك العلم أن هناك خالق (علم الانسان ما لم يعلم)، المهم أن تكون النتيجة في النهاية أن لا ينكر العلم الدين، ولا ينفر الدين من العلم، بعدها يصبح المطلوب هو التفرغ والتركيز لتحقيق النهوض بمصر بغير عراقيل مصطنعة.
لكن حالة الوفاق بين العلم والدين نتائجها لا تتوافق مع مصالح جماعات الاتجار بالدين، بل تهدد تجارتهم بالموروث الذي تحول إلي تصنيع ديانات غير الديانات السماوية، ومصدرا للرزق يقتاتون عليه فكريا وماديا. والدليل ما نشاهده كل يوم من تكاثر الأعداد الهائلة لمن يلقبون أنفسهم بالدعاة المنتشرين كالجراد في الصحف والقنوات الفضائية يتصدرون المشهد الديني في مصر.
ونتيجة لانتشار الفتاوي بغير رقابة ولا ضابط، اتسعت رقعة الإرهاب بسبب الفتاوي التحريضية، مما أوصل الإسلام والمسلمين إلي كارثة حقيقية تتفاقم آثارها السيئة ولا تتراجع.
فقد أصبح الإسلام يُنْـظَرُ إليه من قبل أبناء الديانات الأخرى عقيدة لا يحكمها الرحمة والتسامح، دين يعتمد الإرهاب وسيلته وحجته، والتعصب سلوكه وطبيعته، دين لا يحكمه قانون عصري بل تحكمه فتاوي التكفير، دين لا يقبل التجديد والتحديث لحياة البشر، دين لا يقبل الأديان الأخرى، دين مُهِيــنْ للمرأة فكل جِــرْذْ من جرذان الدعاة يتعامل معها ككائن بلا حقوق، ومرحاض لممارسة الجنس بغض النظر عن سنها، فهي لا تعدو عن كونها جسدا خلقت لمتعة الرجل. كما أصبحت صورة الرجل هو الآخر التي رسمتها فتاوي الجرذان كائن غبي ومتعجرف في تعاملاته، كائن بلا ضمير وبلا خلق سوي، همجي في سلوكه وهيئته، كائن انتقل عقله ورغباته إلي أسفل بطنه.
حتى أبناء الديانة الإسلامية أصبحوا في حيرة من أمرهم بشأن عقيدتهم، فمع طلعة كل نهار يفاجئون بإصدار فتاوي تنفر وتكفر، وتزيح عقل الإنسان كي لا يفهم، وينتهي الأمر بتساؤل هل هذه هي حقيقة الإسلام؟
لكن الكارثة لم تنحصر آثارها بين أبناء العقيدة الإسلامية وانما اتسعت لتشمل أبناء مصر من المسيحيين، فما شاهده العالم من زحف التتار والمغول البرابرة ممن لا تربطهم بالإنسانية أدني صلة، على هدم وحرق دور العبادات المسيحية، والتنكيل والقتل بأبشع الوسائل همجية، فما جري لأشقائنا أبناء وطننا من المسيحيين، ليدرك مدى الخطر الذي يحيط بوحدتنا الوطنية، خطرا يهدد مصر بكاملها شعبا وأرضا وتاريخا وثقافة، وطن زُلْزِلَ حاضره، واهتزت صورة مستقبله.
وعندما أراجع تصريح (ترامب) بعدم منح المسلمين تأشيرة دخول لأمريكا، وبغض النظر عما ورد في تصريحه، فهذه هي أول مَـرَّةْ يجري الحديث فيها عن حظر منع الدخول لدولة بسبب العقيدة الدينية، ويصدر هذا التصريح من رئيس أكبر دولة.
الأمر الأكثر خطرا هو موقف رجل الشارع في الغرب، فغالبيته أصبحت أقرب بالقناعة إلي موقف (ترامب)، وإذا كان قرار (ترامب) قد تراجع بفعل القوانين الأمريكية، فإن موقف رجل الشارع في الغرب يُفَعِـلُ قراره منفردا فيتجنب كل اقتراب مع المسلمين، ولا يطمئن في وجودهم في وطنه، ولن يستمر الأمر طويلا ويصل اليمين الغربي السياسي إلي الحكم، وقد ظهرت بوادره في فرنسا وألمانيا وبلجيكا بصورة واضحة للغاية عكستها الانتخابات، وساعتها لا أحد يعلم ماذا سيكون عليه حال المسلمين في الغرب.
وإذا ما استمر التكفيريين والإرهابيين يمارسون الإرهاب تفسيرا وتقتيلا، فسيأتي اليوم الذي يصبح خطر وجودهم مبررا للتدخل في شئون البلاد الإسلامية بالقوة المسلحة متي شاءت الإدارات الغربية ذلك.
في هذا الارتباك الشامل والخطر القائم والداهم يقف شيخ الأزهر أحمد الطيب (كَمُنَاةَ) غير مبالي بما يجري من حوله، وما يجري من أخطار تهدد المسلمين وعقيدتهم، رغم أنه حصل على منصبا رفيعا، ويتقاضى مرتبا على حماية الاسلام والمؤمنين به، على كل الأحوال لم يعد أحد يٌعَوِلُ عليه أو ينتظر منه موقفا وردة فعل لها قيمة، فقد تكلس دور الأزهر الشريف وشيخه، وبدوا في حالة شلل وعجز في مواجهة الكارثة التي حلت بالإسلام.
الخبيث الطيب...لسانه لسان جماعة الإخوان الارهابية:
نعود إلي الحديث حول الخبيث الطيب ودوره من وراء ستار كواحد من جماعات الاتجار بالدين التكفيريين. لقد توفر لدينا أعدادا من مجلة "الدعوة" للإخوان، هذه الأعداد صدرت في تواريخ مختلفة ومتباعدة، لهذا اعتبرناها تمثل عينة عشوائية، وبفحصها لم نجد عددا واحدا خاليا من الهجوم على عبد الناصر وفترة حكمه.
فإذا أضفنا إلي أعداد مجلة الدعوة كتاب عمر التلمساني باعتباره مرشد جماعة الإخوان الإرهابية بعنوان (قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر) وما ورد فيه من هجوم قائم على الكذب البواح، فوصف عبد الناصر وثورته بأنها كانت مخططا مدروسا للقضاء على الإسلام...والتطاول على العقيدة، بقصد القضاء عليها في نفوس المؤمنين...وهذا قول جميع المسلمين في مختلف بقاع الأرض. من أين أتي هذا الكذاب بهذه الشهادة؟ لا أدرى.
(راجع كتاب عمر التلمساني. قال الناس ولم أقل في حكم جمال عبد الناصر. 1980).

أما ما ورد في مجلة الدعوة فكتبوا...أن جمال عبد الناصر قد أساء إلي الأزهر وقلص دوره بدعوة تجديده. وأن جمال عبد الناصر هو الذي مكن الشيوعية في مصر. وأن جمال عبد الناصر كان معاديا للإسلام.

إنني أتمنى على القارئ أن يقارن بين ما ورد على لسان قادة جماعة الاخوان الارهابية، وما ورد في أوراقهم الدعائية المضللة، وما تفوه به أخيرا الخبيث الطيب في هجومهم على عبد الناصر، فسوف يجد تطابقا كاملا بين مجمل الاتهامات وبنفس المفردات، التي ظلت جماعات الاتجار بالدين ترددها على مدار 60 سنة.
فإذا ما استنتجنا من هذا أن الخبيث الطيب واحدا من الخلايا الاخوانية الارهابية المزروعة في مشيخة الأزهر..هل نكون قد تجاوزنا؟

خاتمـــــة:
والسؤال الأخير: ما الذي تخشاه جماعات الاتجار بالدين ويخشاه نقيبهم الخبيث الطيب من الاشتراكية وجمال عبد الناصر؟
يخشون من الاشتراكية الجانب الإنساني فيها، وهو تطبيق العدالة الاجتماعية، ولو أن الاشتراكية كانت وسيلة ارتزاق وأداة تحقق لجماعات الاتجار بالدين طموحاتهم الجشعة لكانوا أول الناس دفاعا عنها والتمسك بها، واستحضروا من الموروث ما يدعم بقائها وحمايتها. ويكيدهم أكثر أن الاشتراكية أصبحت تترد على لسان الباحثين والكتاب بمصطلح الاشتراكية العربية، أو بمصطلح الاشتراكية الناصرية التي طبقت في عصر جمال عبد الناصر وبتوجيهه.
لكن شيخ الأزهر الذي دخل سوق المتاجرة بالسياسة وأصبح عضوا في لجنة السياسيات للحزب الوطني (حزب اللصوص) الذين نهبوا مصر وعروا شعبها، لا يروق له هذا، ويخشي من خطرها ليس على الدين كما يدعي كذبا، ولكن خوفا على مصالح نخبة المنتفعين بتجارة الدين.
أيها الخبيث الطيب أنت الآن في مأزق، فلم يعد في مقدورك بحكم منصبك، أن تكمم الأفواه فقائمة الأسئلة كبرت ولكنها تبدأ وتنتهى بسؤال محدد: لماذا أنت باقي في منصبك رئيسا للأزهر الشريف؟
لقد أعادت الثورة المضادة تؤازرها جماعات الاتجار بالدين، وجماعات الاتجار بالوطن، الارتداد بمصر إلي عصور الاحتلال التي أهينت فيها مصر واستبيحت فيها ثرواتها، وأعيد الفلاح المصري إلي عصور الْــرِّقْ، إلي عصر ما قبل الاشتراكية وجمال عبد الناصر.
أنهي مقالي ببيت شعر جرى علي لسان الشاعر العربي نزار القباني يتندر فيه على جماعات الاتجار بالدين فيقول:
حَاوَلًوا أَنْ يَقْنِعَونـَـا
أَنَّ قَــوْلً الشِّعْــرْ
كُفْـــرَا ... فَكَفَــرْنَــا

واقول للخبيث الطيب :
حَاوَلْتَ أَنْ تًقْـنِعَنـــــــــَا
أَنْ الاشْتِـرَاكِيــــةُ كُفْـــرَا
فَكَفَــرْنَــا
د. محمد فـؤاد المغـازي
برلين في 17/6/2018


No comments:

Post a Comment