Thursday 8 November 2018

{الفكر القومي العربي} article

 

سياسيون وطنيون لا أتباع هو ما يحتاجه البلد

صباح علي الشاهر

 

 

ليس بالإمكان إستنساخ عبد الناصر، وتيتو، ونهرو ، وسوكارنو، لسبب بسيط أن هؤلاء الكبار نتاج مرحلة مختلفة عما نعيشه ونواجهه الآن ، لكن ما أقدموا عليه وسعوا من أجل تثبيته  فيما عرف فيما بعد ( الحياد الإيجابي ) ، هو الأمر الجوهري الذي تستوجبه الحالة الآن كما كانت تستوجبه من قبل .  لم يفعل  الحياد الإيجابي ، ولم تكتب له الإستمرارية بنفس الزخم ، بسبب تغيير الظروف والمعطيات ، وتحول العالم من عالم ثنائي القطبية إلى عالم أحادي القطبية ، وما جره هذا التحول على أمم وشعوب كوكبنا من محن وعذابات وكوارث مازالت تعاني منها لحد الآن ، على الرغم من الوهن الذي أصاب الأحادية القطبية ، والهزائم المتوالية التي واجهتها وتواجهها الآن ، مما يفسح في المجال لإنبثاق عالم ليس ثنائي القطبية ، بل عالم متعدد الأقطاب، وهو ما تشير كل الدلائل والمعطيات إلى حتمية إنبثاقه آجلاً وليس عاجلاً .

في العالم المتعدد الأقطاب المرتقب ، نحتاج الحياد الإيجابي ، هو ضرورة من أجل أن لا نبدل التبعية الأمريكية أو ألأوربية بتبعية أخرى، فالتابع أي كان من يتبعه ليس حراً ، لا سيد نفسه ، ولا صاحب قرار .  

لقد واجهت ( سياسة الحياد الإيجابي ) عداءأ سافراً، ومختفيا تحت أقنعة شتى، فالأمبريالية وأذيالها واجهوها بأقصى ما لديهم من قدرات وإمكانات ، وعلى نحو مكشوف على الأغلب ، في حين واجهها الجانب الآخر ( الاتحاد السوفيتي، والمنظومة الإشتراكية ) بالتشكيك ، مع محاولات لإستثمارها  في مجالات شتى  أما الحركة اليسارية ، والتابعة ، فقد عدت هذه السياسة لا تعدوا كونها سياسة تساوي بين المستعمر الإمبريالي ، وبين من يعمل على تقويض الإستعمار والإمبريالية ، في حين( وفق رأيها) ما من حياد بين الحق والباطل ، لكنها رغم هذا التشكيك وعدم الإرتياح إلا أنها تعاملت معها بجدية وإستثمرتها لحد التبني في بعض الإحيان.

ظهور حركة ( عدم الإتحياز) كحركة أستوجب باديء ذي بدء وجود قادة وطنيين من طراز خاص، غير تابعين، يضعون مصلحة أوطانهم فوق أي إعتبار ، وهذا ما يصعب الآن تلمسه ، وأن وجد لدى بعض القادة القليلين مثل هذه الوطنية ، فإنهم يفتقرون إلى كارزمية أسلافهم القادة الوطنيين العظام ، ويصعب عليهم بحكم إفتقاد هذه الكارزما إنتقالهم من حيزهم الوطني المحدود إلى الفضاء العالمي ، فتأثيرهم على الأغلب محصور بحيزهم الضيق، المهدد غالباً، هذا التهديد الذي يجعلهم مدافعين ، منشغلين بأفشال التآمر ، وتلويناته التي لا تنتهي . 

****

لو أخذنا العراق مثالاً فإننا سنواجه ، سياسيين عراة من رداء الوطنية ، لا يحاولون حتى التستر بستار ولو شفاف، الكل بلا إستثناء ، إما تابعاً لأمريكا التي جاءت بأغلبهم ونصبتهم حكاماً على البلد ، أو تابعاً لإيران ، أو تركيا ، أو السعودية ، وحتى دولاً أقل شأناً ، لكنها قادرة على التمويل كالإمارات والكويت وقطر .

كعكة العراق تقسم على أتباع هذه الدول ،  ولا نصيب من الكعكة للعراق وطناً وشعباً .

مصلحة العراق آخر ما يفكر به الأتباع ، فمصلحة المتبوع أولاً ، ومن ثم مصلحة الحزب أو الجماعة وصولاً إلى مصلحة الفرد ، الذي يرى أنه إذا لم ينهب هو فأن  سواه ، أو غريمه أو منافسه هو من سينهب .

مع الإحتلال عُمل وبأشد  ما يمكن من عمل على تسخيف الوطنية والسخرية منها ، تكفل بهذا الأمر جماعة تدربوا جيداً في دورات أنشئت على عجل ، وروجها إعلام تأسس لهذا الغرض ، باتت الوطنية عاراً لا بد من التخلص منه ، ودليلا على التحجر وفق تصور بعض أنصاف المثقفين .

****

يشكو العراق منذ زمن من شحة المياه وهو بلاد ما بين النهرين ، ولا أحد يجرؤ على الحديث عن السبب ، فالصديقة إيران تقطع الروافد المغذية لدجلة وشط العرب بحجة أنها بحاجة للمياه لخدمة مواطنيها الفلاحين ، أما تركيا الصديقة فهي تقطع المياه عن النهرين ، وبالأخص دجله لأنها تريد إنتاج الكهرباء .

إيران هنا ، وكذا تركيا ، تفكران بمصالحهما فقط ، دون أية مراعاة لمصالح الجيران ، وحيث أن الساسة في البلد ( العراق) من التابعين ، والتابع كما أسلفنا لا يحق له التفكير إلا بمصلحة المتبوع ، فإن ساسة العراق يصمتون عن موت العراق عطشاً ، وإذا تحدثوا لاموا الشعب الذي لا يُرشد إستهلاكه من الماء ، مثلما لا يرشد إستهلاله من الكهرباء.

وسيبقى الأمر هكذا طالما لم تتغير العقلية السياسية في البلد ، وطالما يظل التابع حاكما . كي نتخلص من هذه الحالة نحتاج ساسة لا يتبعون إلا العراق ، لا ولاء لهم إلا للعراق ، يكلفون من قبل الشعب ، ليس لأرضاء هذا أو ذاك من دول الجوار ، وإنما لتحقيق مصالح الشعب العراقي والوطن العراقي .

عندما تكون قيادة البلد وطنية غير تابعة ، فإنها ستراعي مصالح العراق من دونما تعدي على مصالح الجيران ، والجيران الذين يتعاملون مع حكومة عراقية موصوفة بالوطنية حقاً لا قولاً ، فإنهم سيراعون مصالح جارهم العراق ، وسينسقون معه في كل ما هو مشترك بينهما ، من حدود ومياه ، ومصالح مشتركة ، وأمن مشترك ، على قاعدة تبادل المنافع ، ستكون العلاقة علاقة جيران يتعاونون لتوطيد مصالح بلدانهم ، التي ستكون أقوى وأغنى وأكثر مناعة ، وعصية على الإختراق من قبل الأعداء ، وبهذا سيكرسون السلام الحقيقي ، وسيخلقون فرص التنمية الحقيقية لبلدانهم .

 

No comments:

Post a Comment