Monday 20 May 2019

{الفكر القومي العربي} article

حرب مخاطرها تمنع اندلاعها

صباح علي الشاهر

 

 

أعتى اليمين المتصهين هو الذي يحكم أمريكا الآن ، من جون بولتون مرورا ببومبيو وصولاً الى الرئيس ترامب ، وليس غريباً أن تعد الإدارة الأمريكية الحالية أفضل ادارة بالنسبة للصهاينة ، رغم أن كل الإدارات الأمريكية السابقة لم تقصر في دعم ومساندة إسرائيل ، لكن هذه الإدارة فاقت سابقاتها ، وليس ثمة إدارة أكثر تهوراً من هذه الإدارة ، ولكن بالمقابل لم يكن حال أمريكا سابقأً ، وفي أي مرحلة ، كحالها الآن ، ولا يفلح  التهويش وسياسات حافة الهاوية ، ولا الزعيق والتهديد في طمس هذه الحقيقة التي باتت واضحة ، فترامب يصرح بأنه لن يسمح للصين بأن تتفوق اقتصاديا على أمريكا ، وهاهي تتفوق او في طريقها للتفوق ، ولن يسمح للروس بالتفوق عليهم عسكرياً ، وها هم يتفوقون وبمديات واسعة ، ولن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي رغم أن السلاح النووي ليس في وارد ايران ، ولا هو من أولوياتها ، وترامب والجوقة المتابعة له يروجون هذه الكذبة ، متصورين أن الناس لا تعرف الفرق بين امتلاك القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الذرية ، وصناعة القنابل الذرية ، ولا ننسى كيف هدد وتوعد فنزويلا وقيادتها ، وكيف خلق دمى معارضة تأتمر بامرته ، لكنه فشل حتى في حبك المؤامرات التي تفوقت سابقاً في حبكها وكالة المخابرات المركزية الامريكة !

يقول البعض عندما تتم الإشارة الى كوريا الشمالية وتحريك الاساطيل وحاملات الطائرات المترافقه مع التهديد بالمحق ، وكيف آلت الأمور فيما بعد الى اللقاء مع ابرز شخصيات محور الشر ، ليس هذا فقط ، بل الحديث عنه بصفته صديق عزيز، يقولون الشرق الأدنى ( الأقصى ) ليس كالمتوسط ، مصالح أمريكا في الشرق الأوسط ، وإسرائيل في قلب هذا الشرق الموصوف بالاوسط ، متجاهلين أن المصالح الامريكية الحقيقية ، والتهديد الفعلي والحقيقي لها في الشرق ، حيث يربض عدوها الابرز الآن والى مدى بعيد العملاق الصيني ، الذي نبتت أسنانه الذرية واستطالت مدعومة باقتصاد متنامى وبقفزات أبهرت اقتصادي العالم ، والذي بات يشكل تهديدا وجوديا لنفوذ أمريكا ليس في الشرق فقط ، بل في العالم كله

يتصور البعض أن وجود دول عائمة على البترول في الخليج ، يعد المصلحة الأساسية لامريكا ، والتي لا تضاهيها سوى مصلحته في بقاء إسرائيل قوية ، ونقول لهذا السبب بالذات فان أمريكا لن تغامر بوجود إسرائيل ، ولا بمحق دويلات النفط، وهي الدجاجات التي تبيض لها الذهب ، وفي أي حسابات نفعية فانها لن تقامر بشن حرب لا تعرف نتيجتها ، وفي هذا يحضرني المثال الرائع الذي قدمه الأخ الكاتب والباحث " صائب خليل " وهو مثال كلب الحرسة والذئب ، والذي بين فيه أن الذئب أقوى من كلب الحراسة ، وهو قادر على قتله ، لكنه يخشى أن تتسبب المنازلة معه في جرحه ، حيث سيكون وهو الجريح صيداً لبقية الذئاب التي ستفترسه وتأكله ، لذا يفضل السلامة والتراجع عندما يبرز له كلب الحراسة ، والذئاب المترصدة بأمريكا تمتد على كامل الكرة الأرضية ، من روسيا واوربا والصين ، وحتى الهند ، وهي تتحين فرصتها تماما مثلما تحينت أمريكا الفرصة التي جاءتها على طبق من ذهب بعد حرب السويس ، فأخرجت بريطانيا العظمى وفرنسا من الشرق الأوسط  

****

ثمة حسابات لا أتخيل أن أمريكا لا تحسبها ، ولنأتي بمثلين ، تركيا ، القطب الرئيسي في النيتو ، وبلد الصد الأساسي بوجه الاتحاد السوفيتي ومن ثم روسيا ، ها هو ذا يغير البوصلة ، ويرتبط وبوتائر متصاعدة مع القطبين الصاعدين الروسي والصيني ، ليس فقد من حيث التسليح ( أس 400 مثلاً ) وانما والاهم من حيث الاقتصاد ، وبعد أن مد الروس السيل الجنوبي عبر أراضيه ، ها هو ذا يشترك بحماس مع طريق الحرير ويرتبط أيضاً عبر ايران بميناء جوادر الباكستناني ، وليس من دون مغزى رفض الاتراك لحصار ايران ، واعلانهم عدم التقيد به ، والمثال الاخر ، هو باكستان ، عضو السنتو العتيد ، والظهير التقليدي للرجعيات في المنطقة ، والسائر بركب أمريكا ، وها هو يغير البوصلة تدريجيا صوب الصين ، ويساهم بطريق الحرير ، ويبني ميناء جوادر الذي سبق التطرق اليه ، ويبني علاقات متوازنة مع روسيا وايران ، ويتغير تدريجيا ، ولكن بوتائر متصاعدة ليتخذ مكانه الطبيعي ضمن جغرافيته ، وليس أدل من مثالين آخرين ، هما أفغانستان والعراق ، وهما بلدان احتلتهما أمريكا ، لكنهما لم يحسما امرهما في الوقوف الى جانبها، وأغلب الظن أنهما سيقفان مع جاريهما في نهاية المطاف !

لهذه الأسباب ولغيرها ، سيكون الخيار البديل عن الحرب ، هو التفاهم ، والتفاوض ، ولن تكون نتيجة التفاوض والتفاهم انتصاراً  لطرف على حساب الطرف الاخر ، ستعود الأمور الى ما كانت عليه قبل الغاء ترامب للاتفاق النووي من طرف واحد ، لن تتخلى ايران عن محور المقاومة ، لان بتخليها ينتهي دورها في المنطقة ، ولن تصنع القنبلة الذرية التي ما كانت في وارد صنعها، وربما يترافق مع هذا توجه لإزالة الاحتقان بين ايران ودول الخليج ، التي ستهرع لتطبيع علاقاتها مع سوريا التي ستجبر الاخرين على وضع خاتمة الحرب الكونية عليها ، وسياتي بعدئذ دور المؤرخين والمحللين ليبينوا لنا من انتصر ومن انهزم ، ولكن بعد ان يصبح كل شيء ماض !

 

 


No comments:

Post a Comment