بيت العائلة
صباح علي الشاهر
ربما يكون مشروع رواية ، وربما لا يكون .
هو بغدادي من سابع ظهر ، في بيته الفاره في أرقى أحياء بغداد ثمة ذكريات لأجداده على الأقل حتى الجد السادس ، جده الذي عاصر بعض أيامه كان يقول " بغداد بستان يشقه نهر" .
هو من أنصار البغدده . البغددة عنده التحضر والأتكيت والشهامة التي يسمونها فروسية . عنده أن بغداد تبطل أن تكون بغداد لو تخلت عن البغددة .
لا مدينة تضاهي بغداد، ليس لبغداد ضرة ، هي عنده أم المدن . ليس عبثاً موقعها في منتصف العراق، هي واسطة العقد.
وبغداد كانت طوال عمرها مفتوحة ، إشتراطها الوحيد التبغدد . يأتيها الشمال والجنوب ، الشرق والغرب ، يضيفون لنكهتها الخاصة ما لذ وطاب من النكهات، فيصبح الأكل بغدادي ، والملبس بغدادي ، والسلوك بغدادي ، يتبغدد الجميع في حضن بغداد .
كي تصبح بغدادياً ثمة سمة مرور ملزمة ، وإلا ستكون خارجها ، ولن يقيض لك أن تصبح بغدادياً حتى لو كتب في دفتر نفوسك تولد بغداد .
مدن الصفيح التي أحاطت بها حوط السوار بالمعصم ، لم تدخل بغداد ، كان عليها إظهار "سمة الدخول " ، ولم تكن سمة الدخول سوى البغددة . تبغدد تفتح لك بغداد ذراعيها ، وتحتضنك كأحد أبنائها .
عندما أزال المرحوم قاسم مدن الصفيح ، وبنى لساكنيها بيوتأً يستحق أن يعيش بها البشر، إمتعض بعض سكان بغداد ، لكن إمتعاضهم تلاشى عندما تبغدد السكان الجدد ، وأصبحوا بغادة أكثر من البغدادين الأصلاء .
وبغداد هي العراق ، ولا عراق من غير بغداد ، ولا بغداد من غير عراق، لذا فالتنوع البغدادي هو تنوع عراقي بحت .
في " بيت العائلة " الفاره بأعمدته العريقه حكايات وحكايات . وفي حديقة البيت التي أشبه ما تكون بالبستان ، وإن سموها " بقجة" نخيل وأشجار وشجيرات ، ودفلى وجوري ورازقي . يطرح نخيلها ، الخستاوي والبرحي والبريم والتبرزل والبربن والأشرسي ، وتطرح أشجارها التوت والتفاح والتين ، وشجيراتها البرتقال والليمون والرمان والسفرجل والنارنج.
لم يحدث أن إستعمل أحد من العائلة النارنج، لكنه موجود بين شجيرة وأخرى ، ليس في بقجتنا فقط ، بل في أغلب حدائق دور بغداد . البغداديون مولعون بلون النارنج الذهبي وعطره ، هم عاشقون أبديون للجمال ، فالبغددة في بعض معانيها ذوق رفيع ، وميل فطري للجمال .
يقول جدي : أن البقجة كانت تسقى من جداول صغيرة تأخذ ماءها من النهر مباشرة ، لذا لم يكن بحاجة إلى أي سماد ، فمياه النهر تمنح الخصوبة لتربة البقجة في كل عام .
كان أبي يقول طعم ثمار البقجة تغيير منذ دخلت إسالة الماء إلى الحديقة ، منذ أصبح الري عبر الأنابيب .
"بيت العائلة" هو الجزء الباقي والشاخص من بغداد التي نعرف . لم يبق من بيوت بغداد العريقة سوى بضعة بيوت ، منها بيت عائلتنا .
عرضت علي مبالغ ، قد تبدو خيالية لبيع الدار والبقجة معاً ، لكنني رفضت ، فلا أريد لبغداد أن تمحى من الذاكرة .
ليس "بيت العائلة" هو بغداد، ولا بيوت العوائل الأخرى. بغداد بإختصار هي البغددة ، فما حال البغددة اليوم ؟!
قال الطبيب : إذا أرهقت نفسك على هذا المنوال ، فلا ضمان بأن أراك بعد عام .
***
وصدق الطبيب في قوله ، فما هي سوى بضعة أحداث ، وبضعة مصائب ، إلا وتم نقلي على عجل لمستشفى سموه الطواريء .
قال الطبيب : صاحبكم مغمى عليه منذ بضعة أيام ، إن فاق فعلى الأغلب سيفقد الذاكرة ..
لم أفقد الذاكرة ، وتصنعت الإغماء .
قال الرجل الربعة المكرّش : إذا فقد الذاكرة ، أو إستمر على حاله هذا فمن الصعب الحصول على " بيت العائلة " والبقجة . لا بد من فعل شيء لأعادته إلى حالته الطبيعية .
كان الرجل الربعة المكرش يتحدث إلى أعز وأقرب الناس إلى قلبي .
" بيت العائلة " وبغداد والبغددة متعلقان الآن بأن أستمر في الغيبوبة أو أفقد الذاكرة .
لا تلوموني ، لقد إخترت الغيبوبة وفقدان الذاكرة .
No comments:
Post a Comment