***
الأوهام السبعة
بقلم: عمرو حسين
في وقت يخوض فيه شعبنا المجيد الجولة الثانية من ثورته من التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية ، يهمني أن أتصدى لمجموعة من الظواهر - أو الأوهام من وجهة نظري- التي ظهرت على الساحة والتي من شانها في رأيي تفريغ ثورة الخامس والعشرين ، وربما كفاح شعبنا برمته من معناه وجوهره الحقيقي، وقصره على تغيير الاسم دون الجوهر، حيث يتم تغيير النظام شكلا بينما تبقى ممارساته ثابتة وتبعيته للقوى الخارجية لا مساس بها، هذه الأوهام تفترض انقطاعا في تاريخنا و تضع الخامس والعشرين من يناير كحادثة منفصلة أو استثنائية مخالفة بذلك منطق التاريخ.
الوهم الأول هو القول بان "الأزمة بدأت مع وصول العسكر إلى السلطة عام 1952"
بداية، لا بد من وقوف عند لفظ العسكريين الذي يطلقه البعض بشكل معمم وخاطئ من وجهة نظري، كما لو كان كافة العسكريين كتلة صماء تنطبق عليها نفس القوانين، فهل من الممكن مساواة ديجول ببينوشيه أو سوكارنو بسوهارتو تحت مسمى أن كلهم عسكريين؟ والاهم من ذلك هل يمكن مساواة جنرالات اليوم بجنرالات عام 1973 ؟ هل يوجد أي وجه للمقارنة بين سعد الدين الشاذلي والشهيد عبد المنعم رياض وبين قيادات اليوم؟
الأهم من ذلك هو افتراض أن كلمة "عسكري" تنفي عن صاحبها صفة المواطنة، وهو ما يضع حدثا محوريا من تاريخنا كالثورة العرابية موضع تساؤل ، فهل نلغيه من صفحات التاريخ تحت مسمى أن الطليعة التي قادته كانت من العسكريين؟
الوهم الثاني هو القول بان مصر قبل عام 1952 كانت تعيش "وضعا ديمقراطيا"
وهو أشبه بالقول أن عراق اليوم هو بلد مستقل! هذا الوهم يقصر الديمقراطية على معناها الشكلي دون الاجتماعي، على وجود الأحزاب والبرلمان وان جاء على حساب التوزيع العادل للثورة الذي يضمن المشاركة الشعبية الحقة
لقد عاشت مصر تجربتها "الديمقراطية" المزعومة في ظل احتلال أجنبي أعطى لذاته منذ العام 1884 الحق في التدخل في الشأن الداخلي المصري بما في ذلك عزل وتولية الحكومات وفقا لإرادة الاحتلال لا إرادة الشعب المصري، وهو ما كان بالفعل، فمنذ ذلك التاريخ وحتى عام 1952 لم تأتي وزارة واحدة للسلطة إلا بموافقة المحتلين وممثلهم ( المندوب السامي) بما في ذلك وزارة سعد زغلول عام 1924 ، بل تدخل الاحتلال بقوة السلاح لفرض حكومة بعينها في فبراير 1942 ، الأمر الذي دفع سياسيا مثل احمد ماهر للقول بأنها جاءت على "أسنة الرماح الانجليزية"
وفي ذلك "ديمقراطية" الاحتلال والباشاوات ، تم إفراز وضع اجتماعي تركزت فيه السلطة والثروة في يد قلة محدودة لا تتجاوز النصف في المائة من السكان، كانت الأحزاب السبع التي عرفتها تلك الفترة لا تعبر في واقع الأمر إلا عن فئة اجتماعية بعينها هي فئة كبار ملاك الأراضي الزراعية، في حين كان أكثر من نصف الشعب المصري يعاني -بالمعنى الحرفي للكلمة- من الحفاء!
الأمر الذي اضطر الملك الخليع إلى إطلاق ما اسماه "مشروع الصندل" الذي وزع فيه على الفلاحين فردتي صندل لمدارة حفائهم الذي التقطته عدسة جريدة "التايمز" البريطانية وأفردت له غلافها
الوهم الثالث هو القول بان ما حدث في يوليو 1952 كان انقلابا عسكريا
وهو الأمر الذي لا يهين العسكريين بل يهدر في واقع الأمر نضال الملايين من المصريين (مدنيين وعسكريين على السواء)
كان يمكن ليوليو أن تقف عند حدود الانقلاب لو أنها اكتفت بما أنجزته في 26 يوليو 1952 وهو إزاحة رأس السلطة ، لكنها تجاوزت ذلك إلى هدم النظام القديم من خلال تفكيك قاعدته الاجتماعية التي استند إليها ، وهو ما بدأ بعد شهرين فقط من الثورة مع قانون الإصلاح الزراعي الذي مكن الفلاح المصري المعدم لأول مرة من الأرض التي رواها لسنوات بعرق جبينه في حين كان حصادها يذهب أما لباشا إقطاعي أو "خواجة" مستغل
وكرست يوليو نفسها كثورة حقة حين غيرت من وضع مصر من مجرد مستعمرة بريطانية تحكم بأمر المندوب السامي إلى قاعدة للنضال الثوري ضد الاستعمار في العالم اجمع، إلى بلد يدعم أكثر من عشرين ثورة وحركة تحرر وطني مختلفة، الأمر الذي عبر عنه ثائر أميركا اللاتينية تشي جيفارا حين قال لقائد الثورة المصرية "لقد كان انتصارك في معركة السويس بمثابة حلم لنا ونحن نقاتل في جبال كوبا"
الوهم الرابع هو القول بان ما حدث في يوليو 1952 هو ما افرز نظام مبارك
وهو قول يربط بين الشيء ونقيضه برباط واه للغاية هو انتماء كل من ناصر والسادات ومبارك إلى المؤسسة العسكرية المصرية، وهو أمر تدحضه حقيقة تاريخية وهو أن كلا السادات ومبارك لم يشاركا في ثورة 1952 بل لم يتورع السادات عن الذهاب للسينما يوم انطلاقها!
هل يمكن حقا القول بان سياسة الانفتاح الاقتصادي أو "الانفتاح سداح مداح " كما وصفها الكاتب الراحل احمد بهاء الدين والتطبيع مع العدو الصهيوني والانبطاح أمام الإدارة الأمريكية هي نتاج ليوليو؟
أم أنها نتاج لانقلاب على نهج يوليو بدأ عام 1974 بمجرد نهاية حرب أكتوبر، وانتهى إلى ما تباهي به هنري كيسنجر من انه نجح في "إخراج مصر من المعادلة"؟
الوهم الخامس هو القول بأن "25 يناير لإنهاء حكم العسكر المستمر منذ نحو ستين عاما"
و هو قول يفترض انقطاعا لم يحدث قط في تاريخ مصر، فالثورات في تاريخ حلقة متصلة ممتدة لا انقطاع بينها
25 يناير هي الحلقة الأخيرة في مسلسل متصل منذ ثورة القاهرة في 1805 وتولية محمد علي بإرادة الشعب المصري ثم الثورة العرابية ثم ثورة 1919 التي جاءت لتثأر من هزيمة سابقتها ثم يوليو 1952 التي جاءت لتحقق ما لم تحققه قيادة ثورة 1919 : الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية
ثم جاءت ثورة يناير كرد فعل طبيعي على الثورة المضادة لما جاءت به يوليو: كرد فعل على بيع القطاع العام وجعل سيناء رهينة للسلاح الصهيوني ومصر بأكملها رهينة للقرار الأمريكي
يناير ليست بمعزل عن يوليو، بل لا أبالغ أن قلت أنها ابنتها الشرعية
ما كان ليناير أن تكون لولا الجيل الذي أنتجته يوليو، الجيل الذي تصدى لانفتاح السادات واتفاقية سلامه في السبعينات وصرخ في وجه مبارك "كفاية" وسلم الراية لجيل يناير بعد أن زرع في داخله بذرة الثورة
الوهم السادس هو القول بان القضية العربية هي قضية مؤجلة على أجندة يناير
وهو قول يوافق هوى أمريكي يريد لثورة مصر أن تبقى ثورة "برتقالية" على الطريقة الأوكرانية ، ثورة معزولة ومحدودة داخل حدود مصر الأربعة ولا تتجاوزها إلى محيطها العربي، لتنتج في نهاية الأمر نظاما لا يختلف كثيرا من حيث النهج عن نظام المخلوع
وهو قول مرتبط بحملة تمييع قضايا هذه الثورة، وحصرها على الجدل حول إباحة الخمور أم منعها أو الانشغال بما ترتديه أو لا ترتديه سيدات مصر، والتي أيضا توافق رغبة أمريكية في شغل الرأي العام بقضايا لا تمس ثوابت سياستها تجاه مصر : السلام مع العدو الصهيوني وسيادة الاقتصاد الحر
الا أن شعبنا بوعيه الفطري قد اظهر كذب هذه الأطروحة حين خرج شباب مصر يتظاهرون ضد سفارة العدو، وخرج من بينهم نقاش شاب من أبناء الشرقية ليمزق راية الصهاينة، لتبيت القاهرة لأول مرة منذ ثلاثة عقود بدون راية صهيونية تدنس سماءها وبدون سفير يدنس ترابها
الوهم السابع والأخير هو وهم متكرر في تاريخنا الحديث
لقد قامت الثورة العرابية على أكتاف الفلاحين الذين تصدوا للخديوي والانجليز على حد سواء وقامت ثورة 1919 بقيادة "أصحاب الجلاليب" الذي اسماهم سعد زغلول "عماد الثورة" إلا أن النخبة متمثلة في الباشاوات من كبار الملاك في كلا المرتين افرغوا الثورة من محتواها بمساعدة خارجية وحصروها في الحرية بمفهومها الليبرالي البحت دون الاجتماعي ، فحظي الباشاوات ببرلمانات وأحزاب تعبر عنهم وعن مصالحهم في حين حرم صناع الثورة الحقيقيين من نيل أي من ثمارها
وثمة توجه الآن يسعى لتكرار نفس السيناريو مع ثورة يناير، تصور يريد نظاما يمارس نفس سياسات مبارك الاقتصادية: سياسات الإفقار والخصخصة والاستدانة من الخارج مزينة بديكور ديمقراطي من برلمان ودستور وأحزاب وخلافه
تصور يحرم فقراء هذا الوطن، الذي قدموا وفقا لإحدى الإحصائيات نحو تسعين بالمائة من شهداء ومصابي هذه الثورة من مطلبهم الأساسي الذي خرجوا لأجله إلى الشوارع "عيش – حرية - عدالة اجتماعية"، وهو نهج من شأنه أن نجح لا قدر الله أن يجعل من يناير مجرد محطة لثورة قادمة لن تقف عند مجرد طرد الجالس على العرش بل ستتعداها إلى تحطيم كافة العروش
__._,_.___
Recent Activity:
مرحبا بكم في مجموعة الحقيقة نأمل في تواصلكم معنا
.......................................................
هذه الرسالة أتت إليك عن طريق : مجموعة الحقيقة البريدية
..............................>........................
موقع يسار سينا: http://www.ysina.org/home/
.......................................................
يا بلادي عيشي حرة .. المساواة
.......................................................
شرط أساسي للاشتراك والمشاركة في المجموعة
أرسل رسالة فارغة إلى
alhakieka-subscribe@yahoogroups.com
او
http://groups.yahoo.com/group/alhakieka//join
................................................................
المشاركة بالمقالات والردود, فقط للأعضاء المسجلين في المجموعة
ولضمان النشر عبر المجموعة يجب التأكد من مطابقة العنوان في خانة
To:alhakieka@yahoogroups.com
.....................................................................
الهلالي لما مات......
كلنا نعرف الهلالي لما قام.. الهلالي لما قال.. الهلالي لما حلم بوحدة اليسار.. ولا أحد غيره يجمع عليه الناس.. كلنا يعرف الهلالي لما أقر بأخطاء اليسار التاريخية ودعي لتصحيحها.. كلنا يعرف الهلالي لما فتح مكتبه وقلبه وعقله لحقوق كل الناس المسلوبة وكأنه مكتبهم وعقلهم وقلبهم.
ولكن لا أحد منا يعلم الهلالي لما مات.. من يقوم بكل هذا.. من هو البديل.. لا أحد منا يستطيع تصوره ميتا.. فالمهام التي تطوع بحملها وتنوء عنها الجبال لا تموت.. فلنحاول أن نحمل جميعا ما كان يحمله هو وحده.. ولا نكتفي بحمل نعشه.
اللجنة الشعبية لحقوق
المواطن بشمال سيناء
.......................................................
هذه الرسالة أتت إليك عن طريق : مجموعة الحقيقة البريدية
..............................>........................
موقع يسار سينا: http://www.ysina.org/home/
.......................................................
يا بلادي عيشي حرة .. المساواة
.......................................................
شرط أساسي للاشتراك والمشاركة في المجموعة
أرسل رسالة فارغة إلى
alhakieka-subscribe@yahoogroups.com
او
http://groups.yahoo.com/group/alhakieka//join
................................................................
المشاركة بالمقالات والردود, فقط للأعضاء المسجلين في المجموعة
ولضمان النشر عبر المجموعة يجب التأكد من مطابقة العنوان في خانة
To:alhakieka@yahoogroups.com
.....................................................................
الهلالي لما مات......
كلنا نعرف الهلالي لما قام.. الهلالي لما قال.. الهلالي لما حلم بوحدة اليسار.. ولا أحد غيره يجمع عليه الناس.. كلنا يعرف الهلالي لما أقر بأخطاء اليسار التاريخية ودعي لتصحيحها.. كلنا يعرف الهلالي لما فتح مكتبه وقلبه وعقله لحقوق كل الناس المسلوبة وكأنه مكتبهم وعقلهم وقلبهم.
ولكن لا أحد منا يعلم الهلالي لما مات.. من يقوم بكل هذا.. من هو البديل.. لا أحد منا يستطيع تصوره ميتا.. فالمهام التي تطوع بحملها وتنوء عنها الجبال لا تموت.. فلنحاول أن نحمل جميعا ما كان يحمله هو وحده.. ولا نكتفي بحمل نعشه.
اللجنة الشعبية لحقوق
المواطن بشمال سيناء
.
__,_._,___
No comments:
Post a Comment